• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

يوسف «ع» في بيته مكيدة

د. زاهية الدجاني

يوسف «ع» في بيته مكيدة

◄إنّ قصة يوسف (ع) مع أخوته تحمل كثيراً من المستغربات التي تتصل بجوهر النفس البشرية على مدى الأزمنة والأمكنة. فهي تتحدث في كثير من أجزائها عن أنواع شتى من المكائد التي جابهت يوسف في المراحل الأولى من حياته. ومع أنّ تدبير مكائد تنتهي بعواقب وخيمة لأخٍ من قبل أخوته، أمرٌ عجيب، فإنّ الأعجب من ذلك أن تُحاك مثل هذه المكائد في بيت نبيّ كريم، لكن يبدو أنّ هذه الظاهرة تحمل عِبراً ودروساً للبشرية، فهي تذكّر الإنسان بأنّه طالما وجدت في وقت ما من التاريخ مكائد مشابهة لِما تمّ تدبيره ضد يوسف من قِبَل أخوته. على أنّ كلّ ذلك يرمي إلى إخراج الإنسان من الاعتقاد بوجود "مثالية" مطلقة أو "كمالية" على وجه الأرض إلى عالم الواقع ليعيش وهو يدرك تماماً أنّ حياته لن تكون كلّها سعادة ولن تكون كلّها شقاء، بل جامعة لكليهما.

 

المشهد الأول

في زاوية بيت من أشرف بيوت أبناء البشر جلس النبيّ يعقوب (ع) مع أنّه يوسف في حلقة حوار مثير للدهشة والعجب.. فالحوار كان يجري بين الأب وابنه الصغير من حيث العمر، مما يشير إلى نضوج مبكر في تفكير يوسف. وما يؤكد ذلك، إبلاغه لوالده عن رؤيا ظهرت له في منامه. وتجدر الإشارة هنا، إلى أنّ "الرؤيا" كمصطلح تُعنى بتزويد الإنسان، الذي يتحلى بصفاء الروح ونقاء القلب، بأسرار وخفايا متصلة بمجرى حياته. لكن الغريب في أمر يوسف. أنّ الرؤيا ظهرت في سن مبكرة، مما يؤكد على أنّه كان إنساناً غير عادي، مؤهلاً للنبوة والمستقبل العظيم. أما رؤياه فقد ورد نصها كالآتي في القصة القرآنية:

(إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) (يوسف/ 4).

توحي هذه الآية بأنّ حديثاً مطولاً كان يدور بين يوسف وأبيه بدليل استخدام "إذ" للاستئناف في هذا الموضع. ولكن اقتطع منه الجزء الأهم المتعلق بنص الرؤيا المقدمة في إطار رمزي أخاذ، يجمع فيه بين الطبيعة والإنسان من حيث الخضوع لله تعالى، خالق السموات والأرض وكلّ ما فيهما.

ولكن كيف كان رد فعل يعقوب بعد ما فرغ من استماعه لنص رؤيا يوسف بكلّ معانيها المشرقة؟ من الواضح أنّ الأب شعر بخوف على يوسف من أخوته. ففي الوقت الذي انصبّ فيه اهتمام الأخوة على نيل شهرة دنيوية كما يبدو، كان وجود يوسف بتميزه الذهني منذ صغره، يهدد تطلعاتهم تلك. وبما أنّ الرؤيا تبشر بمستقبل زاهر ليوسف، فمعرفتها من قبل الأخوة كانت لابدّ وأن تثير فيهم الحسد نحوه، بكلّ ما يتوّلد عن ذلك من شروع بتدبير المكائد ضده. وهذا ما يفسر النهي الصادر عن يعقوب ليوسف بعدم إبلاغ أخوته برؤياه كما ورد بالآية الكريمة التالية:

(قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (يوسف/ 5).

في حين أنّ كلمة "يكيدون" تعني القيام بتدبير شرّ من قبل أخوة يوسف له في حال علمهم بالرؤيا، فإنّ كلمة "كيداً" تؤكد ذلك مشيرة إلى الإحكام في كيدهم لو حصل. و"الإحكام" كتعبير يعني وضع خطة تضم مراحل عدة، وتُنفذ من خلال أساليب متعددة قد تتراوح بين استخدام اللين واستخدام العنف لتحقيق الهدف، دون اعتبار للشعور الإنساني، أو حتى لقرابة الدم. وهذا ما فعله أخوة يوسف به. والفرج الآتي من السماء يتبع صبر الإنسان على الشدائد والملمات، وهذا ما حصل ليوسف الذي خصّه الله تعالى بالنبوة والمعرفة المتطلبة لتأويل الرؤى فيما بعد، مُتمّماً بذلك نعمته عليه وعلى آل يعقوب، كما أتمها على أبويه، من قبل إبراهيم وإسحق، وقد جاء في قوله الكريم:

 (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (يوسف/ 6).

 

المشهد الثاني

وفي غمار بحر التشويق هذا يتوجه السياق القصصي الآن، لكي يحثّ الإنسان على ضرورة التأمّل والتفكير بما جرى ليوسف من قبل أخوته بقصد الاتعاظ. وبذلك، فقد اجتمع عنصر التشويق بالإضافة إلى عنصري الإثارة الفكرية والوجدانية، مما يشير إلى مظهر آخر من مظاهر الأعجاز القرآني:

(لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ) (يوسف/ 7).

وما أن يصبّ اهتمام القارئ أو السامع على القصة، لمعرفة ما سيأتي من أحداث، حتى يكشف السياق عن اجتماع بين الأخوة بصدد التعبير الموحّد عن شعورهم بالتذمر نحو الأب ويوسف وأخيه. أذن، وعلى عكس الاجتماع آخر، بطابع سلبي، يوحي بإعداد المكيدة ليوسف، وهم يرددون ما ورد بالآية التالية:

(إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (يوسف/ 8).

أنّ طابع العدائية، بشكل أو بآخر من قبل الأخوة، يتجلّى في استخدامهم كلمة "عُصبة" والعُصبة في اللغة تشير إلى الجماعة التي قد تكون مؤلفة من تسعة أشخاص إلى أربعة وأربعين تقريباً. لقد ظن الأخوة، كما يبدو، أنّ كونهم جماعة يعطيهم الأحقية للاستئثار بحبّ والدهم الذي من خلاله قد يتمكّن أحدهم من خلافته بالسيادة، لمنزلته العظيمة بين القوم. ولكن بما أنّ يوسف بالذات هو الذي نال ثقة والده لتفوقه كما ذكر سابقاً، فقد ذهب الأخوة لوصف أبيهم بالضلال، والضلال هنا، لا يعني بأي شكل كان، الانحياز عن الحقّ - فالأخوة يعلمون أنّ والدهم نبيّ - لكنّه يعني إعطاء الأفضلية ليوسف وأخيه. على أنّهم بهذه النظرة التي تحمل في ثناياها حسداً جارفاً لأخويهم، انطلقوا يدبرون مكيدة ضد يوسف بهدف التخلص منه لإفساح المجال لهم للاستئثار بحبّ والدهم. وكانت أوّل مرحلة من المكيدة تتضمن ما يلي:

(اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) (يوسف/ 9).

إنّ فكرة القتل، كأوّل وسيلة للتخلّص من يوسف، لفكرة مخيفة إلى حد تهزّ الوجدان هلعاً، والفؤاد ذعراً من فداحتها ..

إنّ تلك الفكرة وما تحمله من قسوة طبع، تكشف عن مدى الخطر المنبثق عن البغض والحسد في حال استفحالهما، وتنبه في الوقت نفسه، إلى ضرورة الحذر والحيطة في حال وجدها. وإلى جانب فكرة القتل، التي تمثل الحد الأقصى في عالم المكائد، فقد تقدم الأخوة بفكرة طرح يوسف على الأرض، وهي الفكرة التي تبدو أكثر اعتدالاً بالرغم من خطورتها أيضاً. ومهما يكن، فسواء تم الاختيار النهائي للفكرة الأولى أو الثانية مع تعديل عليها، فالأخوة ظنوا أنّ سعادتهم لن تتحقق إلّا بعد التخلّص من يوسف، لاعتقادهم بأنّ التوبة ستبرّر، في وقت لاحق، ما فعلوه.

وعند هذه النقطة، يجب أن نذكر أنّ وجود اقتراحين يراوحان بين التطرّف والاعتدال للتخلّص من يوسف يشير إلى نوع من الاختلاف بالرأي بين الأخوه. ومع وجود متطرفين منهم وهم الأكثرية، فقد وجد مَن هو معتدل يشجب فكرة القتل:

(قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ) (يوسف/10).

فهذا أحدهم، ويقال في كُتُب التفاسير، إنّه الأخ الأكبر سناً أو قدراً يتبنى فكرة رمي يوسف، ولكن ليس في الفلاء أو في الصحراء، رغم كلّ الخطورة الكامنة في هذا العمل، بل يقترح رميه في قاع البئر لإفساح المجال له للعيش عند التقاطه من بعض السيارة لكن دون الشعور بالرضا لفكرة التنفيذ كما يظهر من تعبير (إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ).

 

المشهد الثالث

يبتدئ المشهد هذا بالآيتين التاليتين:

(قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (يوسف/ 11-12).

إنّ أوّل مشكلة واجهت الأخوة على ما يبدو، هي مشكلة عدم ثقة والدهم بهم، الذي كان يعلم بنواياهم السيئة نحو ابنه يوسف. وعليه، فقد كان طبيعياً أن يوجّه هؤلاء جوهر اهتمامهم نحو نيل تلك الثقة قبل أي شيء آخر. ومن المعلوم أنّ كسب ثقة شخص بآخر عند فقدانها، قد يتم من خلال العمل الجاد النافع، الذي يحمل معه نية طيبة في حال الجدية، على إعادة التثبيت، بيد أنّه عند السعي لاستعادة ثقة مفقودة لهدف وصولي أو انتهازي، لابدّ من اللجوء إلى الحيلة. وهنا يتوجه الشخص أو الفئة المعنية بالأمر إلى التودّد المصطنع للشخص المراد كسب ثقته، وذلك عن طريق مخاطبته بالألفاظ الرقيقة، والأسلوب العذب الذي يوهم بالسلامة في النية، لأنّ مثل هذا الأسلوب قد ينجح فعلاً مع الشخص البسيط، الذي لا ينظر للأمور بعمق، ولكن يستصعب نجاحه مع الشخص الحذر الذي يفهم حقائق الأشياء ببصيرته. أمّا بالنسبة ليعقوب كنبيّ يتمتع بعلم عظيم، وحس مرهف، ومعرفة لتجارب الحياة، لم يكن سهلاً تقبّله التودّد المفاجئ من قبل أبنائه نحو يوسف، حين أظهروا حرصاً شديداً عليه وعلى سلامته وراحته، وطلبوا إرساله معهم في الغد لكي يرتع ويلعب في الصحراء، ويملأ نفسه بهجةً وسروراً. وكردٌ على اتّجاههم الجديد، وطلبهم هذا، ورد على لسان يعقوب ما يلي:

(قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ) (يوسف/ 13-14) .

(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (يوسف/ 15).

ومع وصول الأخوة إلى البئر تم الاتفاق النهائي على تنفيذ المخطط برمي يوسف في قاع البئر عند ساعة مظلمة دون الشعور بالإنسانية. فبعد طمأنة يوسف بالنجاة، واللقاء بأخوته في يوم ما، وحاسبتهم على ما اقترفوه بحقّه، دون حسبان منهم لذلك اليوم، انتقل السباق لبيت النبيّ يعقوب ليكشف عمّا جرى بعد عودة الأخوة إلى البيت:

(وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ * قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ * وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) (يوسف/ 16-18).

وهكذا اكتملت التمثيلية.. لقد أعاد أخوة يوسف الأقنعة إلى وجوههم لدى وصولهم إلى البيت، فدخلوا وهم في حالة من البكاء الجماعي.. منظر غريب حقّاً ومنفر في الوقت نفسه، ويلقي أضواء على نفسية وحركات عصبة الكيد. فهؤلاء لا يكتفون بالحديث بصوت واحد، بل يبكون أيضاً بنغمة واحدة بهدف إخفاء معالم مكيدتهم، ونفض أيديهم منها. ومع حركات البكاء المصطنع هذا، تقدم الأخوة نحو يعقوب لتبرير مسألة عدم وجود يوسف معهم. فقالوا له إنّه عند ذهابهم للاستباق، وتركهم يوسف عند ملابسهم للحفاظ عليها، أكله الذئب. ولكن بما أنّ هذا الادعاء يتناقض تماماً مع وعودهم للحفاظ على حياة يوسف من الذئب انطلقوا للقول (وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) أي وما أنت بمطمئن لقولنا الموجه لك، حتى ولو كان صدقاً، لأنّك لا تثق بنا ولا تطمئن لكلامنا.. عبارة مقدمة في إطار سلبي بهدف الحصول على نتائج إيجابية.

وعند هذه النقطة، تقدم الأخوة لإعطاء الأب قميص يوسف الذي لطخوه بالدم الكذب كدليل لإثبات صحّة روايتهم له. وهنا توقف الأخوة عن الكلام منتظرين تعليقاً من والدهم على روايتهم. فبماذا تفوّه (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) عبارة بالغة في الحكمة، تظهر حساً من جانبه لما حصل، ومن ثم عدم اقتناعه بالأكذوبة التي أتوا بها، أي أكذوبة الذئب التي غالباً ما تذرعوا بها نتيجة عبارة سابقة صدرت عن يعقوب (وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ).

إنّ كلمة "سوّلت" تشير إلى حديث النفس، الأمارة التي تصغي إلى وساوس الشيطان، وعليه، فهي ترتبط بعبارة سابقة ليعقوب (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ). وبذكر يعقوب لهذه الكلمة "سوّلت" فقد وضع التبعة على أبنائه مخلياً بتلك المسؤولية عن نفسه كأب للأُسرة، وإلّا لما لجأ للقول (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ). لقد وقع ما وقع على الرغم من محاولاته لمنع ذلك، وحسب قدراته كإنسان، فما عليه بعد ذلك إلّا التذرّع بالصبر، فالصبر مفتاح الفرج. وبذلك فهو يحمل أملاً في طياته، مع أنّ عدم اليأس والتمسك حتى بشعرة أمل، يضيف جمالاً للروح، وانشراحاً للقلب، وهذا ما يفسر استخدام يعقوب لكلمة "جَمِيل". ولكن بما أنّ التحلي بالصبر حتى قدوم ساعة النصر يتطلب دعماً من السماء، فقد التمس يعقوب العون والمدد من الله سبحانه وتعالى، فالسماء هي أفضل ملجأ للإنسان حين تحيط به الخطوب التي يحس بفاعلها، ولكن يقف وحيداً عاجزاً عن فعل أي شيء تجاهها.

 

الدروس والعبر:

هذا وبالنسبة للعبر والدروس المستقاة من القصة، حتى هذه النقطة، فهي تتبلور كالآتي:

أوّلاً: ضرورة الحرص في التعامل مع الآخرين وعدم الغفلة من أجل عدم الانزلاق بمتاهات المكائد، وإن حصل التخفيف من وطأتها.

ثانياً: الأخذ بالكيد المبني على الحسد كحقيقة يمكن حدوثها في أي زمان ومكان، واكتساب المعرفة بصدد التخطيط والتنفيذ لهما للوقاية.

ثالثاً: الحرص من وجود عُصبة كيد، والأخذ بوجود العُصبة كواقع في أزمنة وأمكنة شتى، علماً بأنّ عُصبة أخوة يوسف تشكّل "نموذجاً" في هذا المضمار.►

 

المصدر: كتاب يوسف في القرآن الكريم والتوراة

ارسال التعليق

Top