• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الحريات في الإسلام

الحريات في الإسلام

◄- أوّلاً: حرّية الرأي

كفل الإسلام للفرد حرّية إبداء الرأي، بل إنّنا لنجده قد جعل منها واجباً عليه، لاحقاً له فحسب، والنصوص القرآنية والأحاديث النبوية كثيرة وشهيرة في هذا الصدد، وحسبنا أن نذكر من تلك الآيات قوله تعالى:

(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (آل عمران/ 104).

وقوله جلّ شأنه: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل/ 125).

وقوله عزّ من قائل: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (العنكبوت/ 46).

وقوله عزّوجل: (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (آل عمران/ 20).

وحسبنا أن نذكر من تلك الأحاديث قول الرسول (ص): "أفضلُ الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر".

 

- ثانياً: الحرّيات المعنوية

يقرر الإسلام حرّية الفكر والعقيدة في مبدأ عام، قال تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (البقرة/ 256).

أمّا استخدام القوّة في الإسلام فهو لأمرين ضروريين: أوّلهما: جهاد الأعداء، وثانيهما: حماية الأمن والنظام.

وقد وسعت الحرّية في الإسلام اليهود والنصارى وغيرهم، والإيمان لا يتم ولا يسمى إيماناً إلّا إذا صدر عن عقيدة صافية وقناعة راضية، ولذا يقول الحقّ تبارك وتعالى:

(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس/ 99).

وقال جلّ شأنه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (المائدة/ 69).

وقال عزّ مَن قائل:

(وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (العنكبوت/ 46).

كذلك يحمي الإسلام حرّية الرأي مادام أنّها لا تتعرض لحقوق الغير، وحرّية الاجتهاد صورة زاهرة من صور حرّية الرأي، ويأمر القرآن الكريم بالتفكّر في الكون الذي خلق لارتفاق الإنسان.

يقول جلّ شأنه: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا في الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الجاثية/ 13).

وموقف عليّ (ع) من الخوارج، وحرّيتهم في المعارضة السليمة نموذج رائع لحرّية القول والفكر والاعتقاد، يقول جلّ شأنه: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف/ 29).

وقوله تعالى: (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (يونس/ 41).

كن مسيحياً أو يهودياً، ولكن لا تكن خصماً للإسلام، واحذر أن يتجاوز إنكارك للإسلام فؤادك إلى الحياة الخارجية نزاعاً مسلحاً:

(وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (آل عمران/ 20).

بيد أنّ الإسلام لا يقر بداهة حرّية الارتداد عن الإسلام، لأنّه شذوذ منكر إذ لا مكان لتلك الحرّية في مجتمع الإسلام، وقد دخل الإسلام خداعاً وخرج منه ضراراً.

ومن هنا يتضح مدى احترام الإسلام للحرّيات وخاصّة الحرّيات المعقولة والتي لا تخرج عن حدود اللائق والمحترم، لاسيما حرّية الرأي والقول التي لا تخدش حياءً ولا تفعل عيباً.

 

- ثالثاً: الشورى وحرّية الرأي

الشورى أحد معالم الإسلام نزلت بها آيات: منها: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى/ 38)، (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ) (آل عمران/ 159)، وطبقها الرسول (ص) طاعة للخالق منذ بايعه الأنصار، وبعدها وثيقة المدينة بين المهاجرين والأنصار، وعهده لهم وإقراره لدينهم، وإجابته لأسئلتهم، وادعائهم بأنّهم على الحقّ وأحباء الله، مستدلاً بالقرآن الكريم، ثمّ استشارته للأنصار قبيل معركة بدر، لأنّ البيعة تعهد بالدفاع عنه إذا هاجمته قريش وليس السير بهم للعدو، فقال له سعد بن معاذ: كأنّك تريدنا؟ فأجاب: أجل، فقال سعد: فقد آمنا بك وصدقناك، وأعطيناك عهودنا على السمع والطاعة، فامض لما أردت فنحن معك لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك، وفرح الرسول (ص) بالقول قائلاً: سيروا وأبشروا.

ونزل المسلمون بأدنى ماء من بدر، وسأل الحباب بن المنذر قائلاً: أمنزلاً أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدم عنه ولا نتأخر أم هو الرأي والحرب؟ فقال له الرسول (ص): بل هو الرأي والحرب؟ فقال الحباب: ليس هذا بمنزل، فانهض لنأتي أدنى ماء من القوم، ثمّ نغور ما وراءه من القلب، ونبني حوضاً نشرب منه ولا يشربون، ونجحت فكرة الحباب وموافقة الرسول (ص) وصحابته عليه، وأثمرت المشورة النصر.

وما أحوج مجتمعاتنا الإسلامية إلى ملاحقة العصر الحالي والقادم بحرّية التعبير وحرّية الرأي، وتقبل الرأي المخالف قبولاً حسناً وبصدر رحب، وبحلم وتعقل وحكمة، فتبادل المشورة يخدم الصالح العام، ومصلحة الأُمّة في معالجة المشكلات بالحكمة والاتزان والاعتدال، مادام الهدف خير البلاد، لأنّ الاجتهاد مطلوب مادام لا يخالف أحكام الشريعة من قرآن وسنّة شريفة، وضمان حقّ المجتهد في إعلان رأيه بحرّية كاملة.

على أن توضع للحرّية قيود تمنع صاحبها من الشطط والغلو والخروج على مقتضى الأصول والأوضاع، ولو لم توضع للحرّية قيود لأصبحت الأمور فوضى، واختل الأمن بسبب الظلم الواقع على المستضعفين من الأقوياء الذين إلّا لم يردعوا لتمادوا في ظلمهم وطغيانهم، ولكن الإسلام يريد السلام والأمان لتثبيت دعائم العدل حماية للعقيدة والفكر والقول والتملك ليعيش كلّ المواطنين مطمئنين على أنفسهم ومعتقداتهم وأملاكهم في ظل مودة وتآلف تقيم المجتمع المثالي الفاضل. ►

 

المصدر: كتاب الإسلام دين الحرّية

ارسال التعليق

Top