إنّ محمّداً رسول الله، حمل الأمانة وبلّغ الرسالة، وتركنا على المحجة البيضاء ليلُها كنهارها، لا يضل من تمسّك بها، انّ الله تعالى أرسل رسوله محمّداً بالهدى ودين الحقّ، ليُظهره على الدين كلّه، وأنّ هذا الدين، ارتضاه لنا ربّ العالمين شرعةً ومنهاجاً، فمن عمل به ظفِر في الدنيا والآخرة ومن تركه خاب سعيه وظلم نفسه.
يتساءل البعض، وخاصة في مثل هذه الأيّام، المليئة بالفتن والمحن والمصائب الشديدة، التي بتنا لا نحصي لها عداً من كثرتها، ولا نفيق من واحدة إلّا عاجلتنا الثانية، فنحن في مصائب ومصاعب مستمرة، تصيبنا في أنفسنا وأموالنا وأهلينا، فتجعل الحليم منا حيرانا، ولا ندري، أو لا يدري البعض كيف يتقي هذه الفتن وهذه المصائب، ونتساءل إلى متى تستمر هذه المصائب في الوقوع علينا، وأين رحمة الله، وهل ربنا غاضب علينا، ومتى نخرج من هذه الأزمات النازلة بنا، ألم يحن وقت الفرج؟ ألم يحن وقت الخروج من هذه الشدائد والمصائب؟ نسأل ونتساءل كثيراً، وندعو الله أن يخلّصنا من هذه البلوى التي أصابتنا ثمّ نبحث عن المخرج من هذه المصائب، ندرس المشكلة وأسبابها، ونقترح الحلول لها، ولكن كلّ ذلك يذهب أدراج الرياح وتتبخر الحلول، وننتظر المعجزة التي ستخلّصنا من هذه الشدائد، ويطول انتظارنا، ولكن عبثاً ننتظر، فماذا كلّ هذا؟ فهل تدرون لماذا؟ ذلك لأننا نبحث عن الحلول خارج شرعتنا ومنهاجناً، خارج دستورنا الذي جاء به رسولنا، خارج قرآننا، فَلْنَعُد إذن إلى قرآننا ونبحث عن سبب المشكلة أوّلاً ثمّ عن الحل ثانياً.
إنّ ديننا واضح، وإنّ قرآننا لم يترك صغيرة ولا كبيرةً إلّا أحصاها. والوضوح في القرآن لا يترك مجالاً للشك أو للخطأ في المعادلة الربانية، هذه المعادلة التي نسميها بلغة اليوم معادلة علمية، فقد قال العلماء المحدثون، علماء الفيزياء والكيمياء لا شيء يضيع ولا شيء يُخلق من جديد، للدلالة على وضوح معادلاتهم وصحتها، فإذا وضع عالم الكيمياء معادلته تمسك بها لأنّها السبيل الوحيد والصحيح للوصول إلى نتائج علمية صحيحة، فما لنا لا نتبع أسلوب العلماء في معالجة القضايا المطروحة أمامنا، ما لنا لا نبحث في معادلات العالمين عن أسباب مشاكلنا؟ والحقيقة العلمية تقول إننا سنجد الجواب حتماً كما يجده العالم الكيميائي في معادلته.
اسمعوا هذه المعادلة الربانية تعرفوا المشكلة وحلّها. يقول رب العالمين: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق/ 2-3).
فهل وضحت المشكلة الآن؟ وهل وضح الحل؟ هذه الجملة الشرطية واضحة الأركان، فهناك فعل الشرط، وهناك جواب الشرط، أي بمعنى آخر، ربط الله تعالى إيجاد المخرج مما نحن فيه بتقواه، فإنّ اتقينا ربّنا يسّر لنا المخرج مما نحن فيه، وإن توكلنا على الله، وهو القوي القادر، فسيكون حسبنا، أي الذي سيكفينا أمر دنيانا بحيث لا نحتاج إلى غيره. يروي أبو ذر الغفاري (رض) عن رسول الله (ص) انّه قال: إنّي لأعلم آية لو أخذ بها النّاس لكفتهم، وهي قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) (الطلاق/ 2)، فما زال أي الرسول (ص) يقولها ويعيدها. إذن النتيجة حتمية بكفالة ربّ العالمين وهو شهيد على ما يقول؛ والآن إذا سألنا أنفسنا: ومن لم يتق الله، ماذا يحصلُ له؟ فيكون الجواب الواضح، والنتيجة العلمية الصحيحة: لا يجعل الله له مخرجاً، ويبقيه في هذه المصائب والمصاعب، يتخبط فيها وكأن فيه مسّاً من الجنون أو الصرع، ولا يكون الله حسيبه، ولا منقذَه مما هو فيه. أليس هذا الكلام واضحاً؟
والآن لنبحث عن معادلة ربانية أخرى، حتى تطمئن القلوب، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمّد/ 7).
هذه المعادلة الواضحة المؤلفة من ركنين أساسيين هما: إن تنصروا الله، وهي فعل الشرط، وينصرْكم ، وهي جواب الشرط، إذن: حتى ينصرنا الله تعالى في الدنيا والآخرة، ماذا اشترط علينا؟ اشترط أن ننصره، وكيف يكون ذلك؟ يكون بنُصْرةِ دينه وإحياء شريعته بالعمل بمقتضاها، فَنُنَفّذ ما أمرنا الله به من الطاعات، وننتهي عما نهانا عنه من المعاصي. فإذا رأينا النّاس في مجتمعنا يسيرون على عكس ما اشترط علينا رب العالمين، فيعملون ما نهاهم عنه، ويجتنبون ما أمرهم به، هل تكون النتيجة نصراً أم خذلاناً؟ إنقاذاً من المصاعب والمصائب أم زيادةً في الوقوع بها؟ والجواب واضح في قوله الله تعالى بيّنه لنا في كتابه العزيز فقال: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) (محمّد/ 8)، ونسأل لماذا هذا الضلال وهذه التعاسة يا رب؟ فيأتي الجواب من عند الله، في كتاب الله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ (أي كرهوا العمل به) فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ) (محمّد/ 9-11)، فالله نصير المؤمنين وناصرهم، أما الكافرون فلا مولى لهم، أي لا ناصر لهم ينصرهم على أعدائهم، الذين يُذِلّونهم ويقهرونهم ويعاملونهم كما يعاملون الأنعام والبهائم أو أقل. فإذا عدنا إلى ربنا، ونصرنا الله تعالى بنصرة شريعته كان الله ناصرَنا، وحسبَنا، فنعم المولى ونعم النصير، وإن ينصرْكم الله فلا غالب لكم.
هذه هي النتيجة الحتمية، للمعادلة الربانية الواضحة كوضوح الشمس في منتصف النهار. وكثيرة هي المعادلات الربانية في القرآن الكريم، وكلّها واضحة يفهمها الكبير والصغير المتعلّم والأمّي، العالم والجاهل، فلا لبس فيها ولا غموض، مشرقة كإشراق الشمس كقوله تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ) (غافر/ 51)، أي يوم القيامة في الآخرة. وكقوله أيضاً: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج/ 40).
وقوله تعالى: (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (المائدة/ 69)، ولا ننسى المعادلة الربّانية الواضحة الجليّة التي ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز قائلاً: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة/ 7-8). وقوله أيضاً: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) (فصّلت/ 46). كلّ هذه المعادلات الربّانية واردةٌ في كتاب الله العزيز الذي قال عنه: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا...) (فصلت/ 3-4).
فهل نكون من القوم الذين يعلمون؟ أم من الذين لا يعلمون؟ الذين ختم الله على سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، فكانوا كالأنعام أو أضلّ سبيلاً؟ يجب العودة إلى القرآن، والعودة إلى الدستور، وإلى الشريعة السمحاء، رحمة للعباد. بسم الله الرحمن الرحيم: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (البقرة/ 1-5).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق