• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

«مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان»

د. محمّد نبيل النّشواتي

«مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان»

◄نفهم من هذه الآية العظيمة أنّ مياه البحار عندما تلتقي بعضها لن تختلط بعضها بالبعض الآخر. لقد تبيَّن من خلال الدراسات الحديثة المتطوِّرة أنّ لكلِّ بحر صفاته الخاصة به التي تميِّزه عن باقي البحار، خاصة شدة ملوحته والوزن النوعي لمائه، وحتى لونه الذي تُظهره الأقمار الاصطناعية التي تدور حول الأرض، فقد تبيَّن أّن بعض هذه البحار أزرق اللون قاتم وبعضها أزرق فاتح، ومنها ما يميل لونه إلى الأسود أو الأخضر أو الأصفر – العكر – كبحر الشمال... وهكذا. لقد علَّل العلماء هذا التفاوت في لون البحار إلى التفاوت في درجات حرارتها وعمقها، وغير ذلك من العوامل.

إنّ المدهش حقاً في هذا الأمر الذي نوَّهت إليه الآية الكريمة أنّ مياه هذه البحار تحافظ على خواصِّها عند التقاء أحدها بالآخر، أي لا يمكن أن تطغى مياه المحيط على مياه البحر، ولا مياه البحر الكبير على مياه البحر الصغير، ولا مياه الأنهار الكبيرة الغزيرة على مياه البحار ولا العكس.

فإذا تجاوز بعض الماء من بحر لآخر فإنّ هذا المتسرِّب سيكتسب وبسرعة كبيرة صفات ماء البحر الذي هاجر إليه ليحافظ كلّ بحر على صفاته الخاصة به التي قدَّرها الله له والتي وردت في الآية العظيمة.

والأغرب من هذا وذاك كان اكتشاف الخط الأبيض الدقيق (البرزخ) الذي يرتسم نتيجة التقاء مياه بحرين ببعضهما، والذي تمَّ رصده بالأقمار الصناعية. لهذا إذن دليل ماديٌّ عظيم على وجود البرزخ الذي ورد في القرآن قبل 1400 سنة (وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (البقرة/ 73).

وبنفس الأسلوب وعلى نفس المبدأ الإلهي الجميل لن تتداخل مياه البحار والمحيطات في مجاري الأنهار، وإن كانت مستوية مع سطح البحر الذي تَصبُّ فيه، وإلا أضحت أُجاجاً لا تصلح لسقيا الإنسان والحيوان والنبات (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ) (الرحمن/ 19-20).

عندما ناقشنا هذا النصَّ القرآني الكريم مع عالم البحار البروفسور هيل (Hill) الأمريكي، وكذلك العالم الجيولوجي الألماني البروفسور شرايدر (Schreider) قالا وبدون أدنى تردُّد بأنّ هذا العلم إلهي مئة بالمئة وبه إعجاز بيّنٌ، وأنّه من العسير على إنسان بسيط أميٍّ – بعيد كلَّ البعد عن مثل هذه العلوم والتي اكتشفت حديثاً من خلال التصوير الجوي البعيد – أن يلمَّ به، وأن يصفه على هذا النحو المعجز.

ولو كان هذان العالمان مسلمان لافترى الناس عليهما الأقاويل، ولقالوا بأنّها تصريحات إسلامية مُغرضة، الهدف منها دفع الناس للدخول في الإسلام أو غير ذلك. ولكن الحكمة الإلهية شاءت أن يأتي بيان هذه المعجزة وغيرها على أيدي علماء كتابيين، منهم الملحدون والماركسيون، ليكون الدليل أقوى، والإعجاز أكبر، وبالتالي سيكون الدافع على الإيمان أقوى (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (النمل/ 93).

فسبحان مالك الملك.

 

المصدر: كتاب وجود الله بالدليل العلمي والعقلي

ارسال التعليق

Top