• ٢٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الأقصى.. رمزيةٌ لمكانٍ أكثر اتساعاً

د. بغداد عبد المنعم

الأقصى.. رمزيةٌ لمكانٍ أكثر اتساعاً
◄بالرغم من هويته الإسلامية الأساسية والقديمة.. غير أنّه أمسى في الوقت الحاضر من أكثر العمارات شهرة في العالم لوقوعه في خضم هائل من المواجهات ولاستهداف وجوده كاملاً.. وأعتقد أنّ الأقصى غدا من أشد البروزات العربية التي يمكن الاشتغال عليها وبكثافة إعلامية.. فهو كيانٌ موجود في الحضور الثقافي الغربي الاستشراقي بمستوياته الصدامية والهادئة.. وموجود كذلك في الحضور الثقافي العربي والإسلامي بمستوياته: التاريخية والحاضرة.. اسم مكان ورد في القرآن الكريم في فاتحة سورة الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الإسراء/ 1)، وفي التفاسير الكلاسيكية: أنّ معنى الأقصى هو الأبعد والمقصود الأبعد مقارنةً بين مساجد الإسلام الثلاثة أي أنّه بعيد عن مكة والمدينة على الأرجح.. وأنّه كان يعرف ببيت المقدس قبل نزول التسمية القرآنية له.. وقد ورد ذلك في حديث الإسراء الذي ورد عن ابن حنبل.. وكانت منطقة القدس تعرف في ذلك الوقت باسم "إيلياء".. أسري بالنبي محمد (ص) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وفيه صلّى النبي إماماً بالأنبياء ومنه عرج إلى السماء.. وفي السماء العليا فرفضت عليه الصلاة.. وقد جاء في القرآن الكريم وصف تفاصيل ليلة الإسراء والمعراج: في سورتي الإسراء والنجم. ولئن كانت فاتحة الإسراء قد حددتْ المسار الأرضي أي "الإسراء".. فإنّ سورة النجم أخذتنا في العلى والإدهاش وأغدقت علينا روعات وجماليات وتوصيفاً يأخذ بحواس الإنسان إلى ما فوق حدودها.. إذن، المسجد الأقصى هو الاسم العربي القرآني لهذا المكان الاستراتيجي المهم في شمال الجزيرة العربية وجنوبي الشام.. وحين أضحى الأمويون في دمشق عبَّروا عن "مكان شاسع" بتجسيد معماري ثمّ بآخر.. وتحول المكانُ شيئاً فشيئاً إلى زخم من العمارات حملت رمزيات الحضور النبوي إلى أرض القدس وإلى سماواتها.. فالأقصى مكان من الأرض اتصل مع "الأفق الأعلى" ومع "سدرة المنتهى".. "ما زاغ البصرُ وما طغى – لقد رأى من آيات ربه الكبرى".. جغرافيّةٌ ومكانٌ وعمارةٌ امتلأت بالرمزية لتعبر عن الأكثر اتساعاً في كل الأبعاد.. وبالفعل.. وبالرغم من العروبة القديمة جدّاً لبيت المقدس.. فاليبوسيون والكنعانيون هم من القبائل التي قدمت من شبه الجزيرة العربية.. فإنّه ومنذ الفتح الإسلامي للقدس استوطنت مدينة القدس وأكنافها قبائل عربية.   "الحرم القدسي" المسجد الأقصى: "المسجد الأقصى" اسم أُطلِقَ منذ العهد الأموي على المنطقة المحاطة بالسور المستطيل الواقعة في جنوبي شرق القدس القديمة المسورة.. مساحة هذه المنطقة – 144 دونماً – وفيه: المسجد الأقصى بتجسيده المعماري وقبة الصخرة وعدد كبير من التكوينات المعمارية تقارب المئتين.. وهو ساحة على شكل مضلع غير منتظم. في الجنوب 281م وفي الشمال 310م وفي الغرب 491م وفي الشرق 462م. تُشكل سدس مساحة القدس القديمة.. وهذه المساحة لم تتغير منذ وضع المسجد أوّل مرة كمكان للصلاة.. وهذا ما لم يتحقق حتى في المسجد الحرام والمسجد النبوي اللذين تم توسيعهما عدداً من المرات. مع الفتح الإسلامي عام 15هـ - 636 بُني الجامع القبلي كنواة للمسجد الأقصى.. وفي عهد الدولة الأموية بنيت قبة الصخرة كما أعيد بناء الجامع القبلي وهذا كله تم بين سنتي 66-96هـ - 685م-751م وليتشكل بعدها المسجد الأقصى بشكله الحالي. يحيط بالحرم سور يشترك من جهة الشرق مع سور المدينة.. وتعتبر منطقة الحرم الشريف أو المسجد الأقصى مسجداً كلها. وعبر التاريخ ومنذ بداية النصف الثاني من القرن الهجري الأوّل افتتح إلى هذه الساحة عدد من الأبواب حملت أسماء شهيرة منها ما أغلق لكنه ما زال مشهوداً ومنها ما لم يعد موجوداً، ففي الشرق باب الرحمة وفي الجنوب: الباب المنفرد والباب المزدوج والباب الثلاثي وهي من الأبواب المغلقة.. وأما الأبواب التي لا تزال مفتوحة فهي عشرة، منها في الغرب: باب المغاربة "باب النبي" – باب السلسلة "باب المتوضأ" – باب المطهرة - باب القطانين، وفي الشمال: باب العتم – باب شرف الأنبياء. وللمسجد الأقصى "الحرم القدسي" أربع مآذن وقد بنيت على سور الحرم عند الأبواب وذلك إثباتٌ قديم من أنّ ساحة الحرم جميعها اعتبرت مسجداً. وهناك مئتا تكوين معماري في المسجد الأقصى بين: مساجد وقباب وأروقة ومحاريب ومنابر ومآذن وآبار وأسبلة. ومن أشهر هذه التكوينات: الجامع القبلي "المسجد الأقصى" – مسجد قبة الصخرة – المصلى المرواني – حائط البراق..   مسجد قبة الصخرة.. أقدم قبة في الإسلام: يقع هذا المسجد شمالي ساحة الأقصى، واجهاته الخارجية تشكل مثمناً تسقفه أشهر قبة ذهبية في العالم.. وهي قبة المسجد كله "ساحة الأقصى أو المسجد الأقصى".. وهي أقدم قبة بنيت بعد ظهور الإسلام.. بناها عبدالملك بن مروان "68-72هـ/ 688-692م" فوق صخرة المعراج "طولها 18م وعرضها 14م وأعلى نقطة فيها 1.5م". يعتقد العامة أنّ الصخرةَ معلقةٌ بين السماء والأرض غير أنها تبرز بروزاً شديداً وتحتها مغارة بها محراب قديم يسمى مصلى الأنبياء. يحيط بالصخرة سياج من الخشب المعشق وهو من تجديدات السلطان الناصر محمد بن قلاوون 725هـ. يحيط بالصخرة أربع دعامات حجرية مكسوة بالرخام بينها 12 عموداً رخامياً تحمل 16 عقداً تحمل رقبة اسطوانية ثمّ القبة. تحيط بالصخرة دائرة تتشكل من 12 عموداً وأربع دعائم حجرية مستطيلة، مقطعها مربع، ارتفاعها 3م مكسوة بالرخام الأبيض المعرق.. يتلو هذه الدائرة من الأعمدة والدعائم الرواق المستدير الأوّل وعرضه (10.22م)، ثمّ جدار داخلي مثمن يتشكل من (8) دعائم وهي اسطوانات ملبسة بالرخام تقع في رؤوس المثمن يقع بينها (16 عموداً) مختلفة الألوان.. بين كل عمودين اسطوانة على التوالي.. طول ضلع هذا المثمن الداخلي (15.74م) وقطره (40م). يعلو مثمن الأعمدة والدعائم السابق (24 قنطرة) يصل بينها دعائم خشبية. يلي المثمن السابق رواق مستدير آخر عرضه (4.63م) أخيراً: الجدار المثمن الخارجي طول ضلعه (20.69م) وقطره (50.14م) وارتفاع هذا الجدار (12م) وهذا الجدار يشكل واجهات البناء وهو عبارة عن جدران حجرية ارتفاعها (9.5م) يحيط بها من الأعلى جدار ساتر ارتفاعه (2.60م) في كل جدار من الجدران الثمانية سبعة تجويفات تعلوها نوافذ زجاجية عدا آخر تجويفين. يعلو الدائرة السابقة من الأعمدة والدعائم (16 قنطرة) نصف دائرية، وتعلو القناطر رقبة القبة وهي اسطوانية وفي أقصى هذه الرقبة تنفتح (16 نافذة) زجاجية مذهبة وفوقها القبة وقطرها 20.44م.. ارتفاع القبة 35.30م عن مستوى التربة. قبة الصخرة هي أوّل قبة بنيت في الإسلام، وهي قبتان من الخشب بينهما فراغ.. ولهذا الفراغ وظيفة إنشائية وأخرى جمالية، وأما الإنشائية فقد ساعد هذا الفراغ في تخفيف الوزن وتخفيض القوى الضاغطة على الأعمدة والدعائم والأساسات.. كما أعطى القبة تجسيماً واتساعاً.. الفراغ بين القبتين محشو باللباد للتخفيف من شدة حرارة الصيف.. من الخارج صُفحت القبة بصفائح من الرصاص تعلوها صفائح نحاسية مذهبة عددها (10200) لوحاً من النحاس المذهب.. ولها دور جمالي في إعطاء البريق والانعكاس الضوئي.. ولهذه الصفائح المذهبة دور في عكس أشعة وحرارة الشمس وبالتالي تخفيف تأثير قساوة الصيف. أما من الداخل فزينت القبة بالخشب المنقوش والملون وبكتابات قرآنية بالخط النسخي "آية الكرسي". لمسجد قبة الصخرة أربعة أبواب متعامدة. وهي مزدوجة ومصنوعة من الخشب المصفح بالرصاص، شكلها مستطيل "4.30 × 2.60م" تعلوها عقود نصف دائرية، يتقدم الأبواب مظلة على شكل قبوة اسطوانية عرضها (2.5م).. أكبر المضلات هي التي تعلو الباب الجنوبي وطولها (15.65م) محمولة على ثمانية أعمدة. أما هذه الأبواب فهي: الباب الشرقي يقابل قبة السلسلة والباب الغربي يقابل باب القطانين، والباب الشمالي والباب الجنوبي يواجه المسجد الأقصى.   المدرسة الزخرفية الأقدم في الفن الإسلامي: تتشكل الزخرفة في مسجد قبة الصخرة من شكلين أساسيين: الرخام والفسيفساء، واستخدم الرخام لإكساء الأقسام السفلية من الجدران داخلاً وخارجاً ويوجد في عقود القناطر والأعمدة.. الرخام في القبة مازال على حاله كما نفذ في العهد الأموي.. أما الفسيفساء فهي التشكيل الأوّل في العمارة العربية الإسلامية.. تتكون من أجزاء دقيقة من الزجاج والحجر والصدف تراوحت ألوانها بين الأخضر والأزرق.. وألوان أخرى.. بعض من هذه الأجزاء مذهب أو مفضض رُصفت لتشكل وردة أو نخلة.. تغطي الفسيفساء الأجزاء العليا من الجدران داخلاً وخارجاً وباطن القبة.. أما النحاس أو البرونز المذهب فتشكل تغطية للأبواب والجسور الخشبية.. وهذه الصفائح قد تكون بلا زخرفة أو تغطيها النقوش والزخارف.. ألصقت جزيئات الفسيفساء على خلفية جصية.. وجود الفسيفساء أغدق نوراً منعكساً من آلاف النجوم الدقيقة في سماء القبة وأطرافها. ونجد نوعاً زخرفياً آخر هو "الزخرفة الخشبية" وقد نُفذت بواسطة الحفر وتوجد في سقف الرواقين من الداخل.. ونجد كذلك "زخرفة البرونز" التي نُفذت بواسطة الطرق كما في زخارف صفائح البرونز التي تغطي الروابط الخشبية بين الأعمدة. باعتبارها الزخرفة الأولى في الإسلام فقد خرجت من وحيه وشكلت المدرسة الأولى في ذلك. كان في هذه الزخرفة: العناصر النباتية: أشجار نخيل وزيتون وأوراق أكانتاس وورقة وثمر العنب وثمرة الصنوبر والرمان وأوراق لوزية مركبة.. وريدات.. كؤوس.. مزهريات.. وكل هذه العناصر تجردت من حالتها الطبيعية وانتقلت لتكون موضوعاً فنياً.. فحوّل سيقان الأشجار تشكيلات هندسية.. أغصان الأشجار تخرج عن طبيعتها لتنصاع في تشابك هندسي يسير شيئاً فشيئاً نحو التجريد.. جذوع الأشجار لها أشكال مستطيلات رأسية.. حتى ورقة العنب وجدت طريقاً إلى التجريد والتحوير. ونلاحظ على هذه الزخرفة الأولى بعض السمات والخصوصيات منها: التنوع وعدم التكرار في الصيغ الزخرفية. وقد صُممت ونفذت بأسلوب متماسك موحد وغير متناقض، فهي تُشكل وحدة فنية منسجمة في التكوين والأسلوب. وأما مواد البناء المستخدمة والمصنعة مثل الرخام والخشب وأحجار الفسيفساء فهي صناعة محلية نفذت من قبل سكان البلاد.   الكتابة والخط: تزخر قبة الصخرة داخلاً وخارجاً بالكتابات من الخط العربي التي تعاشقت مع التشكيلات الزخرفية الأخرى المتنوعة.. فتمتد هذه الكتابة على الجزء العلوي من المثمن الداخلي.. نفذت على شكل أشرطة طولانية بلغ مجموع أطوالها (240م) باستخدام الفصوص المذهبة على خلفية زرقاء وسط الفسيفساء.. نقرأ في هذه الكتابات وموضوعاتها: الهدف من بناء المسجد ونصوص لآيات قرآنية.. سورة النساء بالخط الكوفي المذهب.. وفوق كل نافذة من النوافذ الخارجية آية قرآنية.. وداخل القبة نُسخت آية الكرسي بالخط النسخي.. الفريز الذي يعلو الجدران الخارجية كتبت عليها سورة ياسين. وعلى رقبة القبة من الداخل كُتبت سورة طه بماء الذهب.. والكتابات في أعلى أقواس المضلع المثمن الأوسط تعتبر أقدم ما كتب من خط عربي أطلق عليه اسم الخط الجليل.. كما نقرأ في هذه الكتابات تكريماً للرسول (ص) وآيات تظهر رأي الإسلام بالمسيحية والسيد المسيح (ع)..   أقدم تاريخ مكتوب في الإسلام: وفي القبة نجدُ أقدمَ تاريخ مكتوب في الإسلام، وقد احتواه هذا النص كما يلي: "بنى هذا المسجد المأمون سنة اثنتين وسبعين".. فهناك تحريف ظهر في هذه الكتابة، فسنة 72 تقع ضمن فترة حكم عبدالملك بن مروان – 65-86هـ - والخط الذي كُتب به اسم المأمون مخالف للخط الذي كتب به باقي أجزاء النص.. فهذا المزور لم يُتقن عمله تماماً..!! وثَّقَتْ هذه النصوصُ لأحد أنواع الخط العربي الذي كان سائداً في القرن الهجري الأوّل وهو الخط اليابس "الكوفي".. وبدايات دخول الخط العربي في فن الزخرفة.   الميزات المعمارية لمسجد قبة الصخرة: باعتبار هذا المسجد أقدم نموذج معماري إسلامي فقد شكل مدرسة معمارية وفنية في عناصره وفنه الزخرفي والكتابي.. وهو كذلك حمل ميزات وخصوصيات تاريخية أدخلته بشكل نهائي في الذاكرة الجمعية العربية والإسلامية.. وكذلك في الذاكرة الغربية بوجهة نظر مختلفة.. فإنّ مسجد قبة الصخرة عمارةٌ تذكارية لتخليد حادثة الإسراء والمعراج.. فكان بسبب ذلك المسجد الوحيد بمسقطه المثمن. وقبته هي أوّل قبة بنيت في الإسلام. وأمّا دائرتا الدعائم والأعمدة داخل مسجد قبة الصخرة فقد بُنيتْ بشكل محروف.. ويبلغ مقدار هذا الانحراف حوالي 3 درجات.. والغاية من هذا الانحراف منع حجب الأعمدة الواقعة أمام الناظر للأعمدة الأخرى المقابلة لها في الجهة الأخرى.. وهذا أعطى المكان اتساعاً أكثر مما هو عليه في الواقع. وكذلك فإنّ الأعمدة المحيطة بالقبة تتصل عند أعلى تيجانها مع بعضها بعوارض خشبية ضخمة، تغلفها صفائح برونزية مزخرفة.. والهدف الإنشائي منها تخفيف القوى الضاغطة على العقود والأقواس وتخفيف الضغط الناتج عن القبة التي ترتكز عليها.. وحتى المظلات التي تتقدم المداخل الأربعة تعتبر ابتكاراً جديداً في العمارة الإسلامية وهي المثال الأوّل فيه. ويحمل هذا المسجد ميزةً معمارية في "الإضاءة" فبالرغم من أنّ مسجد قبة الصخرة مسجد مسقوف بالكامل، وهو بذلك يخالف جميع المساجد التالية.. فإنّ هدف الإضاءة والتهوية يتحقق بشكل جمالي ومثالي في بناء مسجد قبة الصخرة.. ففي كل ضلع من أضلاع المثمن الخارجي 5 نوافذ فيكون مجموع هذه النوافذ 16 في رقبة القبة.. هذا العدد الكبير من النوافذ وفر إمكانية كبيرة للإضاءة الطبيعية.. عوضت عدم وجود الصحن المكشوف. كذلك، نشاهد في الواجهات الخارجية للمسجد تلك النوافذ أو التجويفات الصماء والغرض منها جمالي خالص.. فقد كسرت من حدة الجدار الخارجي وطوعته بهذه الحنيات اللينة وأعطته نوعاً من التجسيم بفعل تفاوت الظلال. ومن ميزات هذا المسجد أيضاً التي تحمل صفة الأسبقية: قبة الصخرة محرابٌ صغير في الجدار الجنوبي من الداخل أبعاده "1.37 × 0.67م" وهو عبارة عن عمودين صغيرين ما بينهما تجويف مزخرف عليه كتابة "لا إلا إلا الله".. ويعتقد كريسول أنّه أقدم محراب في الإسلام.. إذ إنّ محراب المسجد النبوي بني فيما بعد من قبل الوليد بن عبدالملك (88-91هـ).   الجامع القبلي "وهو ما يسمى اليوم بالمسجد الأقصى": وهو الجزء الجنوبي من المسجد الأقصى المواجه للقبلة.. له قبة رصاصية.. وهو اليوم المصلَّى الرئيس للرجال في المسجد الأقصى.. وفيه يقف الإمام ويصلِّي. ذكرَ المسجد والتغييرات عددٌ من المؤرخين والرحالة كان منهم المقدسي وناصر خسرو الذي زار الأقصى في سنة 438هـ/ 1047م ويذكر أنّه كان في المسجد 280 عموداً تعلوها العقود.. وقبة محمولة على 16 عموداً، وأقرب وصف تاريخي إلينا ما ذكره مجير الدين الحنبلي في الأنس الجليل عام 900هـ من أنّ المسجد يتألف من 7 بلاطات ثلاثة منها فقط: الوسطى واثنتين على جانبيها تعود إلى العهد الأموي. الأقصى "الجامع القبلي".. حالياً مساحته 4400م2، أبعاده الداخلية 80×55م، ويتشكل من سبعة أروقة: أوسط وثلاثة في الشرق ومثلها في الغرب. أمّا عمق بيت الصلاة فيتشكل من 11 رواقاً موازياً لبيت الصلاة. تقوم هذه الأروقة والبلاطات على 53 عموداً رخامياً و49 سارية حجرية/ مربعة، في حين تقوم القبة في نهاية البلاطة الوسطى. للمسجد 11 باباً سبعةٌ منها في الجدار الشمالي، واحدٌ في الشرق، واثنان في الغرب، وواحد في الجنوب. يوجد تحت الأقصى دهليز واسع يسمى الأقصى القديم فيه سلسلة من العقود تقوم على أعمدة ضخمة.   الزخرفة في المسجد الأقصى: من أهم الوحدات الزخرفية التي دخلت في تشكيلات اللوحات الزخرفية في المسجد: "الكؤوس المركبة، وثمار الرمان المركبة، وأوراق العنب المركبة والمحورة والتي أخذت شكلاً زخرفياً مجرداً.. وريدات مفصصة.. حبيبات مجمعة.. وهذه الزخرفة تطورت قليلاً عما كانت عليه في المسجد الأقصى.. فهناك تداخل بين العناصر النباتية والعناصر المعمارية.. أعمدةُ هذه الحنيات تعلوها تيجان بصلية تتكون من تقابل نصف ورقتي أكانتاس وهو تطور مبسط للتاج الكورنثي. من الزخرفة الكتابية في المسجد الأقصى سورة الإسراء المكتوبة بالفسيفساء وتبدأ من أعلى المحراب وتمتد باتجاه الشرق على طول 24م. كان هذا مروراً طفيفاً في الحرم القدسي من خلال عناوين معمارية وفنية لامَسَتْ الأقصى بتكوينيه الأساسيين "مسجد قبة الصخرة والجامع القبلي". وقرأتْ فيه الأسبقية التاريخية في التأسيس للعمارة المساجدية ومضموناتها التفصيلية من الزخرفة والخط.. لامسَ هذا المرورُ "الأقصى" الذي أخذ اسمه اللامتناهي من القرآن الكريم ليُعبِّرَ عن الأكثر اتساعاً في كل الأبعاد..!!  

المصدر: مجلة الكويت/ العدد 320 لسنة 2010م

ارسال التعليق

Top