◄حينما يتحدّث رسول الله (ص) عن أحوال آخر الزمان في حديث الرويبضة راصداً طبيعة التحوّلات الخطيرة في المجال السياسي، يقول: "يا سلمان، إنّ عندها أُمراء جورة، ووزراء فسقة، وعرفاء ظلمة، وأمناء خونة. فقال سلمان: وإنّ هذا الكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده".
وحينما تحدّث الإمام الصادق (ع) عن أهم سمات هذا العصر، قال: "ورأيت البغي قد فشا".
وفي البدء لابدّ من القول: إنّ السياسة بوصفها نظرية وبوصفها ممارسة لا تنفك عن إرادة هدف أساسي وأوّلي وهو القدرة على تحقيق العدل بين الناس والحكم بينهم بالحقّ، وهذا هو أساس مشروعيتها كممارسة، فمن يعجز عن تحقيق العدل والتزام الحقّ بين الناس لا يمكن أن يكون لممارسته السياسية وجهاً مشروعاً، ولعلّه هو المعنى الذي نستفيده من قوله تعالى في ما خاطب به نبيّه داود (ع): (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) (ص/ 26)، فالتزام الحقّ وإقامة العدل هما أساسا المشروعية السياسية وركناها اللذان لا تقوم إلّا بالاعتماد والاتكاء عليهما، ولكن من الواضح أنّ التزام العدل وإقامة الحقّ ليس وظيفة أحادية الجانب من الحاكم تجاه المحكوم أو بالعكس، بل هي وظيفة متبادلة من طرفي الحكم وركني العملية السياسية، أعني الحاكم والمحكوم، وانطلاقاً من ذلك فإنّ الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) حينما يتحدّث عن الحقوق، فإنّه يضعها في إطارها الشمولي الذي يستوعب بعدي العملية السياسية، فيقول: "فليست تصلح الرعيّة إلّا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلّا باستقامة الرعيّة، فإذا أدّت الرعيّة إلى الوالي حقّه، وأدّى الوالي إليها حقّها، عزّ الحقّ بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على إذلالها السنن فصلح بذلك الزمان، وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء، وإذا غلبت الرعيّة وإليها، وأجحف الوالي برعيته اختلفت هنالك الكلمة، وظهرت معالم الجور، وكَثُر الإدغال في الدين وتركت محاج السنن، فعمل بالهوى، وعُطّلت الأحكام، وكَثُرت علل النفوس، فلا يستوحش لعظيم حقّ عطل، ولا لعظيم باطل فعل، فهنالك تُذلّ الأبرار وتُعزّ الأشرار، وتُعظّم تبعات الله سبحانه عند العباد" (نهج البلاغة/ الخطبة 216).
ويعمل (جاك أتالي) في معجم القرن الـ21 على تحديد الممارسة السياسية في عصرنا الحاضر ضمن معطيات مشابهة للدور الذي ظلت السياسة تمارسه منذ وجدت في حياة المجتمعات والأُمّم، فيقول: "ستكون للسياسة، كما في زمن المصريين واليونانيين، ثلاث وظائف: دينية وعسكرية واقتصادية. ولن تكون شرعيّة إلّا إذا أعطت البشر شعوراً بانتمائهم إلى مجموعة خالدة، وإذا أمّنت حماية الأرض، ونظّمت قواعد لعبة التكديس المالي".
ولكنّه سرعان ما يلاحظ أنّ السياسة ستغدو ممارسة هشّة، ولن تستطيع أن تلتزم القيام بتلك المهام، فيتحدّث قائلاً: "والحال أنّ السياسة لن تستطيع ذلك، إذ لن يعود لها بعد الآن تنظيم العلاقات مع الأبدية (من هنا حالات الحنين إلى الأُصولية)، ولا الدفاع عن أرض في الوقت الذي تدخل فيه الدول في أنظمة تحالفية، والسوق يلغي الحدود، ويفرض تقنيات الشبكات ويلغي التوافق الجماعي حول الضريبة ونُظم الإنتاج".
وفي آخر حديثه عن السياسة، يفصح (جاك أتالي) عن الوجه الأكثر هشاشة الذي سيلتصق بالسياسة في عصرنا الراهن بالقول: "لن تغيب المغامرات السياسية عن الساحة وستكون أكثر تعقيداً".►
المصدر: كتاب هشاشات القرن 21
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق