• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أداء الأمانة والقيام بالعدل

صفية عبدالمطلب

أداء الأمانة والقيام بالعدل

  (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (النساء/ 58).

  - تعريف الأمانة: الشيء الذي يحفظ ليؤدى إلى صاحبه، يسمى من يحفظها ويؤديها حفيظا، وامينا، ووصيا، ومن لا يحتفظ بها ولا يردها خائنا. من تكاليف الجماعة المسلمة اداء الأمانة.   - الأمانات تبدأ من: 1- الأمانة الكبرى التي اناط الله بها فطرة الإنسان، والتي ابت السماوات والأرض والجبال حملها: (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) (الأحزاب/ 72). فهذه الأمانة أمانة العبد مع ربه، وهي ما عهد إليه حفظه من: الائتمار بما أمره به، والانتهاء عما نهاه عنه، واستعمال مشاعره وجوارحه فيما ينفعه ويقربه من ربه، وقد ورد في الأثر "انّ المعاصي كلها خيانة لله عزّ وجلّ". 2- ثمّ أمانة العبد مع الناس، ومن ذلك رد الودائع إلى أهلها، وعدم الغش، وحفظ السر ونحو ذلك مما يجب للأهل والاقربين وعامة الناس والحكام، ومن ذلك قال الامام الحسين (ع): "الصدق عزّ، والكذب ذل، والسر أمانة". ويدخل في ذلك عدل الامراء مع الرعية، وعدل العلماء مع العوام بارشادهم إلى اعتقادات واعمال تنفعهم في دنياهم واخراهم من أمور التربية الحسنة، وكسب الحلال، ومن المواعظ والأحكام التي تقوي إيمانهم، وتنقذهم من الشرور والآثام، وتدخلهم في الخير والإحسان. إنّ عدل الزوجين بينهما بان لا يفشي أحد الزوجين سر الآخر، ولا سيما السر الذي يختص بهما، ولا يطلع عليه أحد سواهما. 3- أمانة الإنسان مع نفسه بأن لا يختار لنفسه إلا ما هو الأصلح والأنفع له في الدين والدنيا، وان لا يقدم على عمل يضره في آخرته أو دنياه، ويتوقى أسباب الأمراض والاوبئة بقدر معرفته. 4- ثمّ يأتى سبحانه إلى بيان الحكم بالعدل كما ذكر ذلك في آيات عديدة (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة/ 8)، فيجب اقامة العدل بين الناس، وهذا بيان لبعض مصاديق الأمانة الكبرى، بل يمكن أن يقال ان أداء الأمانة الكبرى نحو الله جلّ جلاله لا يتم إلّا بالاحتكام إلى ما أنزل الله تعالى، فإنّ أداء الأمانة الكبرى ليس مجرد إيمان قلبي، بل لابدّ أن يكون تطبيقاً عملياً للعبودية، وابرازاً للعدل الإلهي، فإنّ الحكم بين الناس من المناصب الإلهية التي وضعها الله عزّ وجلّ للناس، فيجب الانصاف والحكم بالعدل، ويحتاج ذلك إلى أمور منها عدل الوالي والقاضي، ويجب أن تتوفر في الوالي والقاضي شروط معيّنة وطرق خاصة: فهم الدعوى من المدعى عليه، ليعرف موضوع التنازع والتخاصم بأدلة الخصمين. خلو الحاكم من التحيز والميل إلى أحد الطرفين. معرفة الحاكم الحكم الذي شرعه الله ليفصل بين الناس على مثاله من الكتاب والسنة. تولية القادرين على القيام بمهام الحكم. وقد أمر الله المسلمين بالعدل في الاحكام، والأقوال، والأفعال، والأخلاق، قال تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) (الأنعام/ 152)، وفي الحديث الشريف الآتي ما يشير إلى أن مهمة القاضي أصعب المهمات وأدقها، لأن عليه أن يجاهد نفسه، ويكافحها، وان كان الحق على غير ما يهوى: (القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاضٍ في الجنة، فأما الذي في الجنة فرجل علم الحق وقضى به، وأمّا اللذان في النار فرجل قضى للناس على جهل، ورجل علم الحق وقضى بخلافه). (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) (النساء/ 58)، أي نعم الشيء الذي يعظكم به أداء الأمانات، والحكم بالعدل بين الناس، إذا لا يعظكم إلا بما فيه صلاحكم وفلاحكم وسعادتكم في الدارين. (إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرا) (النساء/ 58)، أي عليكم أن تعملوا بأمر الله ووعظه، فإنّه أعلم منكم بالمسموعات والمبصرات، فإذا حكمتم بالعدل فهو سميع لذلك الحكم، وان أديتم الأمانة فهو بصير بأدائكم.   المصدر: مجلة الرياحين/ العدد 25 لسنة 1429

ارسال التعليق

Top