• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

شاعر ألمانيا الكبير

فرقان النوري

شاعر ألمانيا الكبير

◄وُلِد (جوهان فولج جوته) في 28 أغسطس سنة 1749م في (فرانكفورت) على نهر (الماين).

والده مستشار للقيصر، وأُمّه إمرأة شاعرة متعلِّمة، وَرِثَ عنها حبّ الطبيعة. كان نابغاً في طفولته ممّا جعل أصدقاءه وأهله ينتبهون لذلك، فهو شاعر مبدع، وأديب مقتدر. درس القانون، وتخرّج محامياً على رغم عدم حبّه لهذه الدراسة الجافة التي تتنافى مع روحه ومشاعره الفياضة.

كان البيت الذي عاش فيه تسوده روح التديُّن الصارمة، وقد لَعِبَ دوراً هاماً في التربية الدينية للأبناء، فكلّ يوم كانت هناك فترة مخصصة لقراءة ودراسة الإنجيل، كما كانت الصلاة يوم الأحد من الأُمور المقدّسة. وكان من أوّل الأشياء التي زعزعت إيمان الصبي خبر زلزلة لشبونة الذي وقع في سنة 1755م والذي هلك فيه خلق كثير.

لم يستطع أحد أن يجيب الصبي عن هذا الإبهام الذي حصل له من تلك الواقعة الطبيعية، كانت الأسئلة الكثيرة تملأ روحه وفكره، وقد عبّر هو عن ذلك، إذ قال: "لم تكن الكنيسة البروتستانتية إلّا نوعاً من الأخلاق الجافة، ولم تكن المواعظ الدينية في الكنيسة تثير التفكير، ولم تكن التعاليم تستطيع إرضاء الأرواح".

كان (جوته) مهتماً بالعهد القديم، إذ كانت قصص الأنبياء: إبراهيم، إسحاق، يعقوب وأيوب تثير اهتمامه، وتشغل باله، وقد ظلت وجهة نظره نحو الكنيسة وعقائدها تتسم بالحيرة والشك، حتى وصلت فيما بعد إلى حدّ الرفض، ووصف تاريخ الكنيسة بأنّه خليط من التضليل والتسلط، وكان أهم ما زاد في نفوره من الأرثدوكسية اللوثرية قضية الخطيئة الموروثة التي شكّلت أيضاً عاملاً كبيراً في ابتعاده عن الكنيسة.

كان من أكثر ما ميّز (جوته) عن كثير من أدباء الغرب هو الاطلاع على الأدب العربي الثري، ممّا أدى به إلى تأليفه كتاب (الديوان الشرقي)، فقد كتب مسرحية عن النبيّ محمّد (ص) ووصفه بأنّه جاء بأفكار عالمية جديدة ليشيع السلام والمساواة والإخاء في العالم. وأراد (جوته) أن يكتب نصاً منصفاً عن هذه الشخصية العربية الإسلامية العالمية، حتى أنّه صوّر النبيّ (ص) هادياً للبشر في صورة نهر يبدأ بالتدفق رقيقاً هادئاً، ثمّ لا يلبث أن يندفع بشكل سيل عارم، آخذاً معه البشرية نحو النهر المحيط (رمز الألوهية).

قالت الكاتبة الألمانية (كاتارينا مومزن) في دراسة لها حول علاقة (جوته) بالإسلام: "إنّ (جوته) في عامه السبعين أعلن على الملأ أنّه يعتزم أن يحتفل بخشوع بالليلة المقدّسة التي أنزل الله فيها القرآن، معترفة أنّ شاعر ألمانيا كان يحفظ العشرات من الآيات القرآنية، وأنّه مؤمن بوحدانية الله، وكان شغوفاً على وجه الخصوص بالآيات المباركات من سورة طه، ويُردِّدها باستمرار، وهي قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي) (طه/ 25-28)".

وقالت أيضاً: "إنّ علاقة (جوته) بالإسلام ونبيّه الكريم ظاهرة مُدعاة للدهشة في حياته، فكلّ الشواهد تدلّ على أنّه في أعماقه شديد الاهتمام بالإسلام".

كما كان مسلمو ألمانيا يتحدّثون دائماً وبأدلّة قويّة عن اعتناق (جوته) للإسلام واثقين في ذلك تمام الثقة، وتؤكِّد ذلك جماعة (فايمر) التي أطلقت على (جوته) اسم (محمّد) تيمّناً باسم رسول الله (ص).

أمّا أدلة جماعة (فايمر) على إسلامه، فهي كثيرة، ويسردها رئيس المجموعة (ريجر) في النقاط التالية:

1- درس السيرة النبويّة بأكملها وقواعد اللغة العربية والشعر، وكتب مجموعة أعمال شعرية تُبيِّن إعجابه بالدِّين الإسلامي عامّة، وشخصية الرسول على نحو خاص.

2- حرص على دراسة الاستشراق، ليقترب من الإسلام أكثر ومن خلال التعلّم الذاتي.

3- حاول أن يكتب العربية، ويقال إنّه كان يُنظِّم جلسات لقراءة القرآن في إحدى قصور الدوقات الألمان، ورفض فكرة الصلب المسيحية، وشكّ ببعض أركان الدِّين المسيحي.

4- يقال أيضاً إنّه شارك في صلاة الجمعة بمدينة (فيمار) مع مجموعة من الجنود الروس المسلمين التابعين لحكومة روسيا القيصرية آنذاك، ويؤكِّد آخرون إنّ (جوته) كان يصوم رمضان ويصلِّي، ويتردّد على أحد المساجد للصلاة فيه، وكان يحفظ من القرآن آيات عديدة، وكان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، كما إنّه نطق بالشهادتين في كتاباته، إلى جانب مئات الصفحات التي كتبها ممجداً ومادحاً النبيّ محمّد (ص).

- نماذج من شعره:

قل لله المشرق والمغرب ***** يهدي مَن يشاء إلى صراط مستقيم

وهذا البيت وما يليه من الأبيات يتضمّن معاني ومضامين قرآنية:

وفي راحتيه له الأسماء الحسنى ***** وتبارك اسمه الحقّ وتعالى علواً كبيراً

وينازعني وسواس الغي وأنت المغيث المعيذ من شر الوسواس الخناس ***** اللَّهمَّ اهدني في الأعمال والنيات إلى الصراط المستقيم

وفي القصيدة التي أسماها (الهجرة)، أشار إلى رغبته في أن يهاجر كما هاجر النبيّ محمّد (ص) من مكّة إلى المدينة:

إلى هناك، حيث الطُّهر والحقّ والصفاء ****** أود أن أقود الأجناس البشرية

وأفد بها في أعماق الأصل السحيق ***** حيث كانت تتلقى من لدن الربّ وحي السماء بلغة الأرض

وفي قصيدة أخرى، يقول (جوته):

من حماقة الإنسان في دنياه ***** أن يتعصّب أحد منّا لما يراه

إذا كان الإسلام معناه إنّ لله التسليم ***** فعلى الإسلام نحيا ونموت نحن أجمعين

وقال:

فارتفع أيُّها القلب العامر بالحبّ نحو الخالق ***** إنّك وحدك مولاي يا ربّ

إنّك المحيط بكلّ شيء خالق الشمس والقمر والكواكب ****** خالق السماء والأرض وخالق نفسي

وقال في بعثة الرسول (ص):

حينما يتأمّل الملاك على عجل ***** جاء مباشرة بصوت عالٍ ومعه النور

اضطرب الذي كان يعمل تاجراً ***** فهو لم يقرأ من قبل

وقراءة كلمة تعني الكثير بالنسبة له ***** لكن الملاك أشار إليه وأمره بقراءة ما هو مكتوب ولم يبالِ

وأمره ثانية اقرأ ***** واستطاع القراءة، واستمع الأمر، وبدأ طريقه

- خلاصة القول:

إنّ (جوته) وبصرف النظر عمّا إذا كان مسلماً أم لا، فسوف تظلّ مكانته عظيمة عند العرب والمسلمين، لأنّه عشق الشرق، وأحبّ الإسلام، ويكفي أنّه ترك أثراً كبيراً في المستشرقين الألمان الذين تناولوا الإسلام بصورة إيجابية، ونقلوا الكثير عن الحضارة العربية والإسلامية.

ولذلك يرى المستشرقون الألمان إنّ التراث العربي والإسلامي بحر يجب الخوض فيه، وقد أنفقوا سنوات عمرهم في هذا التراث قراءة وتحقيقاً ونقداً وتحليلاً.►

ارسال التعليق

Top