• ١ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٢ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإنسان الرسالي وإيجابية العمل

أ. عدنان نجيب الدين

الإنسان الرسالي وإيجابية العمل
يعرف الإنسان في علم الاجتماع بأنّه كائن اجتماعي. وهذا يعني انّ الإنسان لا يمكن أن يحيا إنسانيته خارج المجتمع، فهو يولد في المجتمع ويشب ويكبر فيه، يتفاعل معه، يتأثر به ويؤثر فيه، يخضع لمفاهيمه وعاداته وتقاليده، ويكون جزءاً من مؤسساته الاجتماعية، والسياسية والاقتصادية والتربوية... ولو نظرنا إلى الإنسان المسلم الذي يعيش في مجتمع متطور على صعيد العلم والتكنولوجيا الحديثة والخدمات، كالمجتمع الكندي، لوجدنا انّ هذا الإنسان المسلم، مازال في كثير من الأحيان بعيداً عن التفاعل الحضاري مع هذا المجتمع، بل انّه يكوّن جزراً اجتماعية في محيط متحرك، ولم يستطع حتى الآن أن يكون فاعلاً فيه ومؤثراً بل مازال محكوماً بقيود عدة ليس أقلها الفهم الخاطئ لطبيعة الحياة ومجريات الأمور، فهو اما انّه لم يستوعب بعد حركة الواقع وحوافزها الأيديولوجية البراغماتية، أو انّه مازال غير مستوعب أصلا للمنطلقات النظرية العقائدية للإسلام، أو غير قادر على تطبيقها بشكل يتناسب مع الأسلوب العلمي في العمل المؤسساتي، مما يجعله يعيش حالة الإزدواجية في الانتماء التاريخي – الجغرافي، فنراه يتخبط في حركة عشوائية لا واعية، فيخلط غالباً بين "أناه" الشخصية و"أناه" الاجتماعية، فيصبح مجتمع "الأنا" و"أنا المجتمع" حالة أيديولوجية تتسلط على الفهم الرسالي للإسلام، فيسيء إلى الإسلام كدين عالمي ليجعل من هذا الدين لباساً لأناه يفصله على قدها، وإذ بالإنسان المحايد لا يرى الإسلام إلا مسخاً مشوهاً متخلفاً عقلياً عن عمالقة الفكر والعلم والحياة. من هنا فأننا نطرح السؤال التالي: من المسؤول؟ هل الإسلام كعقيدة وفكر ورسالة هو المسؤول، أم انّ الحاملين رايته البيضاء والماضين فيها في طريق التاريخ والجغرافيا هم المسؤولون؟ لا شكّ انّ الإسلام كرسالة سماوية، تحمل في مضامينها وحياً إلهياً نزل على خاتم الأنبياء محمد بن عبدالله (ص) ليشرّع للإنسان قانون الحياة ويفتح عينيه على حقيقة الخلقة الإلهية للبشر، باعتبار انّ الإنسان مستخلف على هذه الأرض ليدبر أمره ويدير شؤونه فيها، كي يكمل رسالته التي أرادها الله له، وهي رسالة الإنسان الهادف، الذي يستشرف مواقع الحياة الأبدية من خلال مهمة دنيوية أوكلت لنبي البشر، وهذه المهمة هي بشقين اثنين: الأوّل: التأسيس لحياة الآخرة ملؤها السعادة والخير خالية من كلّ أشكال الألم، وذلك عبر العبادات الخالصة لله عزّ وجلّ. الثاني: التأسيس لمجتمع العدالة على الأرض من خلال الأخوة الإنسانية القائمة على مبدأ المحبة والتسامح والتعاون والتفاهم بين بني البشر. (.. وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ...) (الحجرات/ 13). فالرسالة التي أمر الله أنبياءه ورسله إبلاغها للإنسان، هي دعوى له لسلوك طريق السعادة الحقة... وأي إنسان على وجه الكرة الأرضية لا يحلم بالسعادة ولا يسعى لتحقيقها لنفسه. إنّ الآلام التي تعاني منها البشرية جمعاء، هي من صنع هذا الإنسان نفسه فالأنانية وحبّ الذات هما وراء كلّ المشاكل الاجتماعية، وراء كلّ الحروب ووراء كل الأزمات الاقتصادية التي تعيشها الدول اليوم. وتبرز هنا أهمية دور الإنسان الرسالي في التخفيف من هذه الآلام عن أخوته من بني البشر، من خلال انفتاحه عليهم انفتاحاً أخوياً، يهتم بمشاكلهم ويتفهم واقع الاختلاف معهم، فيسعى إلى ردم الهوة بينه وبينهم بإقامة جسور الحوار معهم، فالإسلام كدين إلهي يدعو إلى المحبة والحرِّية والسلام بين الأفراد وبين الشعوب من جهة، ويشرّع للبشر من جهة أخرى قوانين اجتماعية وسياسية واقتصادية كي يستطيع الإنسان أن يحقق سعادة له في الدنيا وسعادة في الآخرة. لكن الإنسان الرسالي كفرد لا يستطيع أداء مهمته ولعب دوره كاملاً بمعزل عن انخراطه في مؤسسات انشئت لهذا الهدف. وهنا تبرز المشكلة الكبرى: أيّة مؤسسات هذه التي تكون صالحة لكي يعمل فيها الإنسان الرسالي ويؤدي دوره من خلالها؟ المفروض انّ الجمعيات الدينية العاملة والمراكز الاجتماعية هي الوسيلة المثلى المؤسسة لهذا الهدف. لكن نظرة فاحصة لهذه الجمعيات تظهر لنا الأوجه السلبية لمعظم العاملين من خلالها، فهي قد صبت غالباً في قوالب جامدة، لا تتحرك بشكل فعال، وممنوع على أعضائها العمل الحركي الإيجابي، لأنّ آلية العمل الرسالي غير موجود، وأغلب الأحيان تلعب المزاجات الشخصية لعبتها فيها، فهي بدل أن تتقدم وتستقطب أوسع الشرائح الاجتماعية نراها تتوقع على نفسها من خلال مفاهيم معينة، لأنّها حشرت نفسها في زاوية واحدة ولا تستطيع الخروج إلى حيث يعيش الناس، وكأن هذه الجمعيات قد فصلت أدوارها على مقاسات العدد القليل ممن يعمل فيها. وهذه الجمعيات غير صالحة وغير مؤهلة للقيام بدور رسالي، وكلّ ما تستطيعه هو عمل محدود لا يتعدى حدود الواقع الضيق الذي رسمته لنفسها، وهي على المدى البعيد وبالطريقة التي تعمل بها فاشلة وأيلة إلى الزوال وهنا يكمن الخطر كلّ الخطر في أنك تريد أن تكون إنساناً رسالياً ولكنك تفتقد إلى آلية العمل الرسالي. ونحن بالطبع لا نريد أن نلقي ظلال الشك على نوايا هؤلاء العاملين، لأنّهم غالباً ما يكونون من المخلصين والمؤمنين برسالة الإسلام، ولا غبار على عقيدتهم ولا على إيمانهم البتة. انّ نقدنا لهم هو نقد لطريقة العمل وأسلوب التعاطي مع الواقع، فالرسول (ص) – ولم يمض على تبليغه رسالة الإسلام عشرون سنة – حتى عم الإسلام الجزيرة العربية بأكملها، ولم ينتظر أجيالاً ولا عقوداً لكي يحقق هدفه. وقد بقي ثلاثة عشر سنة يدعو الناس بالحكمة والموعظة الحسنة، يدعوهم إلى دين الله الدين الحنيف دين إبراهيم وموسى وعيسى وسليمان وداوود، ومعه كتاب قد أحكمت آياته... الرسول (ص) كان نبياً مسدداً وهذا صحيح، ولكنه بالنهاية كان إنساناً فهم الساحة، وفهم أسلوب التعامل معها، لم يقتصر في دعوته على عشيرته بل بلّغها للناس أجمعين، وكان من خلال سلوكه وأخلاقه وسيرته الحميدة المثال القدوة، فأحبته الناس وتعلقت به وآمنت برسالته. والمطلوب منا نحن أن نفهم الساحة وطريقة العمل فيها، فالمسلمون هنا كثيرون، ولكنهم متفرقون، كلّ يعمل للإسلام، ولكن الكلّ يريد أن يدمر الكلّ، وأن يلغي الكلّ، وكلّ يعتقد انّ خطه هو الصواب ولا صواب غيره. كلّ فريق يحارب الفريق الآخر، ويسخر منه، حتى تقليد المراجع أصبح مشكلة عندنا، ... لماذا كلّ هذا الجهل؟! كلّ فريق يجعل على غيره أهذا هو الإسلام؟ الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران/ 103)، لكن المشكلة أصبحت انّ كلّ فريق يعتبر أنّ حبل الله هو عنده فقط. وهكذا فكلّ حزب بما لديهم فرحون، لذلك نقول انّ دور الإنسان الرسالي هو دور إيجابي في ساحة العمل، ومن لا يستطيع أن يكون إيجابياً في قوله وفعله لا يستحق أن يكون رسالياً. اننا ندعو الجميع إلى التفكر ولو لساعة واحدة، ولنفتح أعيننا جيِّداً لا أحد يمتلك الشرعية لوحده، فالشرعية الوحيدة هي شرعية الإسلام، انّ العمل الإسلامي نهج واضح، وهذا النهج هو التمسك بحبل الله، وحبل الله هو التقوى، وهو المحبة، والحوار، والتواصل مع جميع المؤمنين بالله... نحن نريد أن ننفتح على غير المسلمين، لنقيم معهم علاقة حوار وتفاهم لنشرح لهم انّ الإسلام هو دين المسالمة، دين العدالة، دين الحرِّية ودين الرحمة والمودة، والأولى أن ننفتح أوّلاً على بعض، ونمارس هذه المسلمات فيما بيننا، فلو دعونا الناس إلى الإسلام، فإلى أيّ إسلام ندعوهم، ونحن نمارس القطيعة فيما بيننا، ونحمل لبعضنا الضغينة، ونهزىء بعضنا بعضاً، بل ونكاد نكفر بعضنا بعضاً. إذن فلنتق الله جميعاً، ولنلتقي على الإسلام وعلى شهادة أن لا إله إلّا الله وأن محمد رسول الله، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً لأننا كلنا عرضة للخطأ، ولا نتخذ بعضنا بعضاً أعداء لأننا أخوة في الدين والحمد لله رب العالمين.   المصدر: مجلة الإيمان/ العدد 39 لسنة 1415هـ

تعليقات

  • 2021-02-18

    bh

    السلام عليكم شكرًا لجهودكم في عملية إعداد المواضيع وترتيب الموقع، بارك الله جهودكم المثمرة. فقط ملاحظة بسيطة، أتمنى لو يكون المواضيع مرتبة بنظام الفقرات، لتكون بشكل مرتب وأفضل للقراءة.

ارسال التعليق

Top