• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الترابط بين الظواهر الكونية

الترابط بين الظواهر الكونية

◄(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الرعد/ 3).

هذه الآية وحدها تحمل حشداً من المعلومات العلمية، متتابعة تتابعاً علمياً لم يكن ليدركه الناس قبل اتّساع معلوماتهم عن هذا الكون وما يجري فيه.

فالرواسي – وهي الجبال – تحفظ توازن الأرض برسوها الصخري العميق الممتد بجذور أوتادها المغروسة في أحشائها. وفي الوقت ذاته، هي مصدات تصد الرياح المحملة ببخار الماء، فيصعد إلى أعلى، فيبرد، فيتكاثف، فينزل إلى الأرض في صورة أمطار، ومن الأمطار الغزيرة تتولّد الأنهار، ومن هنا نرى أنّ ذكر الأنهار جاء بعد الرواسي ليس مجرد تعديد لآيات قدرة الله في الكون، وإنّما هناك ترابط علمي بينهما، هو ترابط السبب والنتيجة.

ومرّة أخرى يأتي الترابط العلمي فيما بين الأنهار والثمرات، فالأنهار هي التي تسقي الزروع فتنتج فيها الثمار، وثمة حقيقة علمية أخرى هي أنّ الثمرات أزواج حسب قانون الزوجية الشامل للإنسان والحيوان والنبات وللذرة وللسالب والموجب في كهارب الطاقة: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الذاريات/ 49)، ولكن الذي يلفت النظر العلمي هو ذكر غشيان الليل النهار بعد ذكر الثمرات، وهذه حقيقة علمية لم تكن معروفة إلّا أخيراً.

إنّ الثمرة تنمو في الليل، وإنّ غشيان الليل النهار أمر ضروري لإنضاج الثمرة. وإنّه إذا لم يأخذ النبات حظه من الأظلام في الليل، فإنّه يضعف ويضوي!

اُكتشف هذا الأمر في الخمسينات من القرن العشرين في حادثة طريفة، فقد أقامت إحدى شركات الإعلان لوحة قوية الإضاءة في مزرعة أرز مملوكة لأحد اليابانيين، فلاحظ الرجل أنّ محصول الأرز تضاءل، فرفع على الشركة المعلنة يطالبها بتعويض عمّا أصابه من الخسارة بسبب هذه الإضاءة القوية في الليل، وأخذت المحكمة الأمر مأخذ الاعتبار فكلّفت فريقاً من العلماء أن يدرس القضية دراسة علمية لتقرير ما إذا كانت الإضاءة القوية قد أثرت بالفعل في تناقص محصول الأرز، وجاءت الأبحاث مثبتة هذه العجيبة، إنّ النبات يستريح في الليل، أو إن شئت قلت ينام في الليل ليستأنف نشاطه مع مطلع النور في الصباح، وإنّ تلك الإضاءة القوية قد منعت النبات عن غفوته الضرورية له، فضعف نتيجة الإرهاق.

ثمّ تبيّن كذلك إنّ تلك الثمرة تأخذ أكبر حظ من نموها في تلك الفترة بالذات، الفترة التي يكون النبات فيها في غفوته، وإنّ كلّ نوع من الثمار يحتاج إلى فترة معيّنة من الإظلام لكي ينمو نموه الطبيعي، وإنّ توزيع النبات على وجه الأرض يتناسب تناسباً دقيقاً مع أطوال فترة الليل في كلّ مكان، وإنّ النبات الذي تحتاج ثمرته مثلاً إلى فترة إظلام تمتد اثنتي عشرة ساعة إذا استنبت في بقعة ليلها عشر ساعات فقط، فإنّه يخرج ضعيفاً عن أصله في أرضه الأصلية، أمّا إذا كان النقص كبيراً فإنّه لا يثمر.

هذه الحقائق العجيبة كلّها التي كشفت بمناسبة تلك القضية العجيبة التي حكمت فيها المحكمة لصالح صاحب المزرعة، تُبيِّن لنا أنّ هناك ترابطاً علمياً متسلسلاً ما بين الجبال إلى الأنهار إلى الثمار إلى غشيان الليل النهار، وذلك من الإعجاز العلمي في كتاب الله الكريم.►

 

المصدر: مجلة الرياحين/ العدد 30

ارسال التعليق

Top