• ٤ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الجمال في وسائل الإعلام

الخبير الإعلامي ميسّر سهيل

الجمال في وسائل الإعلام

رأينا التوجيهات الدينية التي أشارت إلى الإحساس بالجمال، وتبين لنا أنّه شعورٌ يلتقي مع الفطرة، ويحرّك العمق العاطفي لدى الإنسان، فلابدّ من العمل على توفيره بعدما اجتمعَ له المطلب الديني والنفسي.

وإنّ وسائل الإعلام الحديثة من الأدوات الأساسية لنقل الحقائق والمعلومات الجدية والترفيهية، وأساليب الحياة وأنماطها في مختلف المجتمعات، إذ إنّ الثورة التقنية والإلكترونية جعلت الاتصال الجماهيري ميسَّراً على نطاق واسع جدّاً بحيث لم يعد يشمل شعباً بأسره فقط، بل تعدّى ذلك إلى شعوب الأرض كلها، وإنّ النظر إلى الوسيلة من حيث العناية بالشكل الجمالي أمر يسهم مع المضمون بالتأثير إيجاباً أو سلباً على المتلقي باعتبار الوسيلة وعاء للمضمون، والإحساس بالجمال فطرة في عين الإنسان، وتحريك هذا الإحساس مدخلٌ إلى عمقه النفسي والفطري، ويتم التحريك بطرق عديدة، منها: تقديم الحقائق والمعاني والقيم في شكل جذاب وكساء أنيق.

 

·      المطبوعات:

تعتبر من أقدم وسائل الإعلام الحديثة، فهي أقدم من السينما والراديو والتلفزيون والإنترنت، وتمتاز بشكل عام بأنها الوحيدة بين الوسائل الأخرى التي تسمح للقارئ بالسيطرة على ظرف التعرض لها، فهو يتمكن من مطالعة الكلمة المقروءة في الوقت الذي يناسبه، كما تتيحُ له الفرصة ليطالعها أكثر من مرة ويعيد قراءتها، فتتاح له فرصة التأمل فيها كيف يشاء.

لذلك دعت الحاجة إلى الاهتمام بالشكل الذي يخرج فيه المطبوع وما يتطلبه من الأمور الجمالية اعتباراً من نوع الورق وألوانه، والعناية بتوزيع مادة المضمون على الصفحات، وحسن الإخراج الفني لهذا التوزيع، واختيار الشكل المناسب للغلاف، مع ضرورة الاستفادة من الصور الإيضاحية الملونة التي تزيد من الجاذبية ما أمكن لتجذب النفس إلى تناول المطبوع، وتهيئ المتلقي للتجاوب مع المضمون إلى أكبر حد ممكن، فإنّ تزيين الحقيقة من العوامل التي تدحض تزيين الباطل، فيذهب الباطل جفاء ويثبت ما ينفع الناس.

وهناك كثير من التفاصيل المهمة التي تحقق الجمال في المطبوعات؛ تشمل: حجم الصفحة، ونوع وحجم الحرف، وسعة الهوامش، وتوزيع المادة على الصفحة، والمسافة بين السطور، وتنظيم عناوين الفصول، وأرقام الصفحات، والتدابير المتعلقة بالرسوم الإيضاحية والجداول، ونوع الورق، والألوان، وكثيراً من التفاصيل التي تؤثر في المظهر المادي للمطبوع وتحدّدُ ملامحه ومعالمه.

وقد أدرك الباحثون أهمية العناية بتصميم الكتاب وإخراجه بالشكل الجذاب، بحيث يسترعي جمالُه انتباه القراء، فوضعوا المؤلفات العديدة في هذا المجال، وبينوا أهمية أن تتوفّر أنواعٌ من المهارات في التصميم والرسم والخط والإخراج.

"ولعلّ أهم جزء من تصميم الكتاب يحظى بأوفى قسط من اهتمام وشغف معظم المصممين ويستدعي مواهبهم الخلّاقة إلى أعظم درجة هو ما يسمى: وحدات العرض، مثلك صفحة العنوان، ورسم الغلاف، والصفحة الأولى في مستهلّ كلِّ فصلٍ من فصول الكتاب"[1].

 

·      السمعيات:

"تعتبر الإذاعة من الوسائل السمعية التي يمكنها أن تصل إلى جميع الناس بسهولة، متخطية حواجز الأمية، والحواجز الجغرافية، كما يمكن أن تصل إلى جماعات مختلفة قد يصعبُ الوصولُ إليها بوسائل الإعلام الأخرى: كالأفراد الكبار جدّاً في السن، والأطفال، والمتعلمين، والأقل تعليماً، والأذكياء، والأقل ذكاء، وإلى كثير من المشغولين الذين ليس لديهم وقتٌ للقراءة أو الفرجة، فيكون الراديو من أسهل الوسائل استخداماً"[2].

"إنّ الراديو يتيحُ تسريع الإعلام الذي ينعكس على وسائل اتصال أخرى، بيد أنّه يجعل العالم يتضاءلُ حتى يصلَ إلى حجم القرية الصغيرة"[3].

لذلك تسعى الإذاعةُ لتحقيق الجاذبية باختيار الموضوعات المناسبة، واستخدام القوالب المختلفة لتقدِّمَ المضمون بطرق تؤثر بالمتلقي، وتشدّ انتباهه، وإنّ اختيار الصوت المناسب وفنّ الإلقاء من أهم عوامل الجذب.

وإذا كان الخطاب المباشر من أكثر الأساليب المتبعة فإنّ الحوارَ يزيدُ من الجاذبية ويضاف إليه ما يتعلق بصياغة المضمون صياغة جميلة لتقديم المعلومات بأسلوب ميسّر الاستيعاب دون عناء أو تعقيد.

 

·      المرئيات:

السينما والتلفزيون من أكثر وسائل الإعلام فاعلية لكونها توفّر اشتراك أكثر من حاسة في تلقي المعلومات؛ مثل السمع والبصر، ممّا يجعلها أقرب ما تكون إلى الاتصال المباشر، والمعروف أنّ العملية التربوية تكون أنجحَ كلّما استخدمت عدداً أكبر من الحواس، وقد صارت المرئياتُ تجمعُ السماع مع الرؤية وما فيها من اللون والحركة، فإذا تمّ استخدام التلفزيون الاستخدام الأرقى يمكن أن يتفوّق على المطبوعات والمسموعات في كثير من الأحيان، لأنّه يستطيع تكبير الأشياء الصغيرة، وأن يأتي بالصورة من الفضاء، ومن تحت الماء، ليطّلع الإنسان على ما لا يستطيع الاطّلاع عليه بدون هذه الوسيلة، وما وراءها من آلات وأجهزة بالغة الدقة إلا بصعوبة شاقّة وجهد كبير وكلفة باهظة.

يشترك في تحقيق الجمال في المرئيات الصوت والصورة معاً؛ فحينما يتوفّر في الصورة جمالُ المظهر، واتخاذُ اللباس المناسب، والاهتمامُ بكلّ ما يتعلّق بالهيئة بحسب الزمان والمكان يصير أثرُه بليغاً، كالاتصال المباشر الذي يلعب جمال الشكل فيه دوراً مهمّاً من حيث التأثير.

ولعلّنا نلمس السبب في تجاوب الناس مع القادة الذين يتمتعون بمقومات الشخصية، ومنها الجانب الجمالي، كما ندركُ الحكمةَ في اختيار الله سبحانه لرسله من الممتازين في هذا الجانب لتبليغ الدين الواحد للبشرية، وبجانب أهمية توفر الجمال في القائم بالاتصال هناك أهمية توفير الجمال في المكان الذي تتم فيه عملية الاتصال لجذب الانتباه من أجل التفاعل مع المضمون، كأن يكون منسقاً تنسيقاً حسناً تتوزع فيه الإضاءة بشكل مناسب، وتتهيأ فيه أسباب الراحة والزينة.

وقد أدرك المسلمون أهمية المكان، فبذلوا عناية كبيرة ببناء المساجد ومراقد الأولياء والصالحين، وعمارتها بالفن الإسلامي الرائع الذي ما يزال شاهداً على إدراكهم للحس الجمالي في أبهى صوره، وما زال المسلمون يستفيدون من الوسائل والفنون الجميلة لتزيينها، ليساهم جمالُ المكان والمضمونِ بتبليغ رسالة السماء، وتحريك المشاعر الروحية لتتفاعل مع إقامة الدين على الوجه الأكمل.

الهوامش:


[1]- صناعة الكتاب، دنيس س سميث، ترجمة: عصمت أبو المكارم ومحمّد علي العريان ومحمود عبدالمنعم مراد، ص105.

[2]- د. جيهان رشتي: الإعلام ونظرياته، ص327.

[3]- مارشال لوهان: كيف نفهم وسائل الإعلام، ص345.

المصدر: كتاب الإعلام الإسلامي وقواعد تقويمه

ارسال التعليق

Top