◄الاسم بكسر الهمزة وضمها في اللغة هو اللفظ.. الموضوع على جوهر أو عرض لتعيينه وتمييزه عن غيره، وقد بذل الباحثون حول الاسم جهودا كثيرة، ولكلِّ قوم فيه رأي، فللنحاة رأي غير رأي الفلاسفة وللمتكلمين رأي يختلف عن رأي الأصوليين وللعرفاء رأي يختص بهم وهكذا، والذي يهمنا النظر فيه هو انّ الإسلام ما يعرف به ذات الشيء وعليه يصح القول باشتقاقه من السمة بمعنى العلامة، فالاسم كآية لشيء، فالتعبير عنه بـ"المعرف" أقرب إلى الأذهان من التعبير عنه بالدال، ولا دور له في الحكاية عن المسمى إلّا مجرد التمييز عن الغير، والبحث عن كونه عين المسمى أو غيره لا طائل تحته، أو ضرورة وضوح الأمر، ولا نرى حاجة إلى تفسيره بما يؤدي إليه التحليل النظري من القول بمسمى الاسم اسماً وبالأوصاف الدالة على الذوات أسماء لعود الأمر إلى نفس المعنى بالنتيجة وهو التمييز، كما لا نرى حاجة إلى ذكر ما قيل أو يقال فيما وقع بين المتكلمين في الصدر الأوّل من الإسلام من المشاجرات في عينيّة الاسم مع المسمى وغيريته.
وأما ما روى عن الإمام أبي الحسن الرضا (ع) عن الاسم بقوله: هو صفة لموصوف، فمعناه انّ الاسم ما يعرف به مسماه أو يوصف به، وهو علامة للمسمى وآية له كما هو المتعارف في استعمالاتنا العامة في الحياة الفردية والاجتماعية بأن نسمي شيئاً باسم خاص لتمييزه عما سواه كما نسمى كتاباً فقهياً في كذا مجال لتمييزه عن سائر الكتب المؤلفة في ذلك العلم، وتسمية المدن والمناطق كذلك للتمييز عن غيرها، وكذا الحال في سائر الأمور، فما نسميه لشيء فهو لتمييزه عن غيره ليس إلّا.
وأمّا أقسام الاسم فهي بلحاظ المتعلق، فقد يكون اسم عين بحكايته عن معنى يقوم بالذات واسم معنى بحكايته عن معنى وصفي، وجودياً كان كالعلم أو عدمياً كالجهل، ولا يخفى خلوه عن زمان بأصله، فدور الاسم بالنسبة إلى المسمى تعريفه وتمييزه عن ما سواه وتعيينه، هذا كله يتعلق بالاسم لفظا ومعنى، وأما بالنسبة إلى اسم الله سبحانه وتعالى ففيه بحث علمي فالحديث عنه تارة عن أصله بأنّه سبحانه هل له اسم خاص ينطبق عليه ما ذكرنا من تعريف الاسم أم لا؟ وإذا كان له اسم فهل ذاك الاسم يحكى عن ذاته ويدل عليه كما هو دوره في غيره تعالى أم لا؟ وأخرى عن تقدمه على الذات وتأخره، وثالثة عن قدمه وحدوثه، ورابعة عن وحدته وتعدده وهكذا، والعمدة في المباحث كلها النظر في علاقة الاسم بذات الواجب تعالى شأنه.
لفظ الجلالة "الله" اسم خاص للذات المتعالية، وهو علم لا يجوز اطلاقه على غيره تعالى بوجه لامكان توصيفه بسائر الأسماء الحسنى لا بالعكس، وهو ليس باسم يكون له دور الحكاية والدلالة بل الحقّ أن يقال بأنّ لفظ الجلالة له دور الكشف عن الذات المستجمعة لجميع الصفات الكمالية، وإذا قلنا "الله" فالمنظور هو المصداق لا اللفظ، ودور اللفظ إشارة إلى المعنى المصداقي ولا غير، وإلّا فليزم أن يكون اسماً كسائر الأسماء يحد بحد وينعت بنعت والمصداق أعظم من ذلك كمال قال الإمام أمير المؤمنين عليّ (ع): "ومن أشار إليه فقد حده ومن حده فقد عده"، ومعلوم انّ الذات المتعالية لا تكون محدودة بحد لضرورة كون المشار إليه في جهة مخصوصة تعالى الله عن ذاك علوا كبيراً، ومن الواضح انّ المراد من الإشارة في قوله (ع) هي الإشارة المنشأة من الحس لا من العقل، وتصور الإشارة العقلية أيضاً عن إدراك المشار إليه بتامه مما لا يخفى على من له أدنى تأمل وخبرة في المعقولات وقد بيّن ذلك الإمام عليّ (ع) بقوله: "لا يدركه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن"، ومن الممكن جبر هذا القصور بالإيمان بالغيب وإلّا فالهمم البعيدة والفطن الغائصة لا توصلنا إلا إلى المفهوم اللفظي فقط أو إلى شعاع من نور الذات باتصافها بالكمال كلّه، وأما القلب الذي هو مجمع المشاعر الباطنة فلا تتجاوز إدراكاته عن عالم الإمكان ثبوتاً واثباتاً وذات الواجب وراء ذلك كلّه وهو أجل من أن ينال بما ينال المحسوس والممكن، فكلّ ما يقال فيه فهو إظهار الإذعان بوجوده من القائل، فمراتب المعرفة بالذات المتعالية تختلف بحسب الملكات والاستعدادات، والملكات كما لا توصلنا إلى ذات الواجب لا توصلنا إلى صفاته أيضاً وبما انّ صفاته عين ذاته لا تحد ولا تعرف كما قال الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام): "كيف يوصف بمحدودية من لا يحد، لاستلزام الحد التركيب المنافي للواجب والأحدية".
ونعم ما قيل في الموضوع بأنّ الذات الأحدية والهوية القيومية مما لا ماهية له ولا جزء لذاته فلا حد له ولا صورة تساويه فلا حكاية عنه ولأنّ وجوده الذي هو عين ذاته غير متناهي الشدّة في النورية فلا يكتنهه.
فعليه إذا قلنا "بسم الله" فالمنظور فيه التوجه إلى مسماه أي الذات الأحدية، والمعنى بانّها نبدأ باسمه تعالى بالالتفات إليه التفات الفقير على الإطلاق إلى الغنى على الإطلاق والناقص على الإطلاق إلى الكامل على الإطلاق، وفي هذا الالتفات كفاية للاستفادة مما في اسم الذات المتعالية من جانب الإفاضة القدسية.
ولا بأس هنا من الإشارة السريعة إلى لفظ الجلالة والخلاف في كونه جامداً أو مشتقاً مع انّ للوجهين وجهاً وجيهاً، وفي روايات الباب إشعار إلى الوجهين والأقرب إلى الصواب هو الثاني بلحاظ الجانب اللفظي والأوّل بالنظر إلى المعنى ويقوى الوجه الأوّل إذا قلت بعدم لزوم الإشتقاق في كلِّ لفظ فيكون اسماً موضوعاً.
ولا نرى حاجة في ذكر ما يقال في أصل اشتقاق لفظ "الله" هل هو من الألوهية بمعنى العبادة أو م الوله بمعنى التحير أو من لاه بمعنى احتجب وغير ذلك، والعمدة هو التوجه إلى كونه علماً للذات الأحدية في البداية باسم تلك الذات المتعالية المفيضة التي نورت عالم الإمكان بنور وجوبها، واما الألف واللام فقيل هو للتعظيم وقيل هو للتعريف، والأوّل أقوى لغناه عن الثاني.
ولعلّ السر في كون البدء باسم "الله" من أسمائه الحسنى، ولكن يشكل بما في الآية 110 من سورة الإسراء بقوله تعالى: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى)، فقد عد لفظ الجلالة من الأسماء الحسنى بإضافة "الرحمن" معه، اللّهمّ إلّا أن يقال باختصاصه بالدعاء والدعوة واما الجهات الأخرى فغير ملحوظة في الآية.
في آخر المطاف نود أن نستفيد من قبس من نور كلام المعصوم (ع) مضافاً إلى ما ذكرنا من الاستعراض عن جوانب أخرى للفظ الجلالة، حيث روى الكليني في الكافي، انّ هشام بن الحكم سأل الإمام أبا عبدالله الصادق (ع) عن أسماء الله واشتقاقاتها، الله مما هو مشتق؟ فقال يا هشام، الله مشتق من إله، وإله يقتضى مألوها، والاسم غير المسمى، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً، ومن عبد الاسم والمعنى فقد اشرك وعبد اثنين ومن عبد المعنى دون الاسم فذلك التوحيد، أفهمت يا هشام؟ قال: قلت زدني. قال: لله تسعة وتسعون اسماً، فلو كان الاسم هو المسمى لكان كلّ اسم منها إلها، ولكن الله معنى يدل إليه بهذه الأسماء وكلها غيره، يا هشام الخبز اسم للمأكول، والماء اسم للمشروب والثوب اسم للملبوس، والنار اسم للمحروق.
المصدر: مجلة الرأي الآخر/ العدد 31 لسنة 1999م
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق