• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الدعاء.. ارتباط روحي

السيد عبدالأعلى الموسوي السبزواري

الدعاء.. ارتباط روحي

إنّ حقيقة الدعاء هي الاتصال بمبدئ لا نهاية لعظمته وقدرته ومالكيته وقهّاريته، والتوسّل إليه بالترابط الروحي بين الداعي والمدعو، يلتمس منه الداعي نجح مطلوبه، وقضاء حاجته فيلهم الله تعالى الداعي ما يرشده إلى مطلوبه، فيكون الدعاء ضرباً من التأثير الروحي، وذلك يتوقّف على معرفة الله جلّ شأنه ربّ الأرباب وله السلطان التام، وأنّ جميع الأسباب راجعة إليه عزّوجلّ، والإذعان بأنّها الواسعة في التأثير فقط، وأنّ المؤثّر هو الله وحده، وإلى ذلك يشير ما ورد عن رسول الله (ص): "لو عرفتم الله حقّ معرفته، لزالت لدعائكم الجبال".

والوجه في ذلك واضح، فإنّ الجهل بمقام الربوبية العظمى، والاعتقاد بقانون السببيّة التامّة في الأسباب والمسبّبات الخارجية، يوجب البعد عن ساحة الرحمن، والإذعان بحقيقة التأثير للأسباب العادية، وينتهي إلى الغفلة عنه، ويقابل ذلك التوجّه إليه ومعرفته تبارك وتعالى، فإنّ مقتضى مالكيته جلّت عظمته لجميع ما سواه، وربوبيته العظمى لها، واستغناؤه عزّوجلّ عن الكلّ، واحتياج الكلّ إليه، هو سؤال الكلّ منه عزّوجلّ، ودعاؤه له بلسان الحال والاستعداد، لأنّ مناط السؤال والدعاء إنّما هو الحاجة، وهي من لوازم الإمكان. وكلّ ممكن، سواء كان من المجردات، أم الماديات بجواهرها وأعراضها، جميعاً داع له، وسائل منه بلسان الافتقار إليه، والانقهار لديه، وإن لم نفقه سؤال كثير من الممكنات.

نعم، السؤال، والدعاء القصدي الاختياري، والتوجّه الفعلي من شؤون الإنسان، فإنّ له شأناً ومنزلة عنده تعالى، يحبّ السماع إليه، فيلتذ أولياء الله تعالى بالدعاء والمناجاة، ويبتهج الله جلّت عظمته بذلك ابتهاجاً، لا يحيط به غيره، ففي الحديث: "إنّ الله يعلم حاجتك، وما تريد، ولكن يحبّ أن تبثّ إليه الحوائج، فإذا دعوت فسمّ حاجتك"، وفي أخباره كثيرة أنّ الله تعالى قد يؤخّر إجابة دعاء عبد، لأن يسمع صوته وتضرّعه، ويعجّل إجابة بعض الدعوات، لأنّه تعالى لا يحبّ سماع صوت داعيه وتضرّعه.

ولكن ذلك لا يوجب إلغاء ناموس العلّيّة والمعلولية بين الأشياء، بل قد أثبتنا في المباحث السابقة أنّ هذا القانون حقّ لاريب فيه، وأنّه "أبى الله أن يجري الأمور إلّا بأسبابها"، إلّا أنّ الدليل العقلي أثبت الواسطة لها دون الانحصار، والدعاء داخل تحت هذا القانون، وأنّه من طرق العلّيّة للأشياء، والتقريب بين الأسباب والمسبّبات، واقعاً وإن لم ندركه ظاهراً، وإليه يشير ما ورد عن أمير المؤمنين (ع) في وصيته لابنه الحسن (ع): "ثمّ جعل في يديك مفاتيح خزائنه، بما أذن لك فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمته، واستمطرت شآبيب رحمته، فلا يقنطنك إبطاء إجابته".

 

المصدر: كتاب مواهب الرحمن في تفسير القرآن

ارسال التعليق

Top