• ٣ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الدعاء سبب عظيم للفوز بالخيرات والبركات

نظام الدين أوغلو

الدعاء سبب عظيم للفوز بالخيرات والبركات

تعريف الدّعاء:
الدّعاء لغةً: مصدر دعوت وهو مذكر، بمعنى النّداء، الطّلب..، إصطلاحاً : طلب الاَدنى للفعل من الاَعلى: وهو الكلام الإنشائي الدّال على الطّلب مع الخضوع والاستكانة، ويّسمى أيضاً سؤالاً. ودعاء العبد ربه جلَّ جلاله: طلب العناية منه، واستمداده إياه المعونة. ويقال : دعوتُ الله أدعوهُ دعاءً : ابتهلتُ إليه بالسؤال، ورغبتُ فيما عنده من الخير. سؤال العبد ربه على وجه الابتهال، وقد يطلق على التقديس والتحميد. وكذلك دعاءُ اللهِ وسؤاله والتضرعُ إليه والانطراح بين يدَيه وتفويض الأمر إليه أمانُ الخائفين وملجَأ المضطرِّين وسلوة المناجين ونحوهما.
حقيقةُ وفضل الدّعاء :
1ـ فهو عبادة بالدّرجة الأولى: فقال (ص) (الدّعاء هو العبادة) رواه أحمد والتّرمذي وإبن ماجة وأبو داود وقال (الدّعاء مخُّ العِبادة) رواه الترمذي، وقال أيضاً (ليسَ شيءٌ أكرَم على الله مِن الدّعاء) رواه الترمذيّ وابن ماجه والحاكِم. وقال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ)( الأعراف /194) وغيرها من الآيات. وأن يتضمَّن إفتقارَ العبدِ وتضرّعهِ وشدّةَ اضطرارِه إلى ربّه فقط. وهذه المعَاني العظيمةُ هي حقيقةُ الدّعاء والعِبادة.
2ـ وهو إستغاثة لكشف السّوء: كما قال تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ)(الأنعام/40-41). وقال أيضاً (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)(النمل/62)، (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ *وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)(الشعراء/79-80).
3ـ الطّلب والسّؤال وتعظيمُ الرّغبةِ إلى الله: ويتم بالسّؤال عن قضاءِ الحاجاتِ الدنيويّة والأخرويّة، وكشفِ الكربات ودفعِ الشّرور والمكروهات الدنيويّة والأخرويّة، فقال تعالى:( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(غافر/60)، ويكون بمأثور من الأدعية الموجودة في القرآن والأحاديث أو بالأسماء الحُسنى ونحو ذلك.
4ـ لأجل أن يكون المؤمن متّصلاً بربّه ومع من أحبّ دوماً، لذا تصلح الدّعاء في كلِّ زمان ومكانٍ وحال، فقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)(البقرة/186).
أهمية وآثار الدّعاء :
بالإضافة إلى أنّه عبادة فله أثر بالغ وفائدة عظيمة على الإنسان، فالدّعاء أكرمُ شيءٍ عند الله، وهو طريقٌ إلى الصّبر في سبيل الله، وصدقٌ في اللّجَأ وتفويض الأمر إليه والتوكّل عليه، وبعدٌ عن العجزِ والكسل، وتنعُّمٌ بلذّة المناجاة، فيزدادُ إيمان الداعي ويقوى يقينُه، ورافع للبلاء ودافعٌ للشقاء. فكم من بليّة ومحنةٍ رفعها الله بالدّعاء، ومصيبة كشفَها الله بالدّعاء، وكم من ذَنب ومعصيةٍ غفرَها الله بالدّعاء، وكم من رحمة ونعمةٍ ظاهرة وباطنةٍ استُجلِبت بسبَب الدعاء، وأعلم أنّ من القضاء ردّ البلاء بالدّعاء، فعن عائشة قالت: قال رسول الله (ص): (لا يُغني حذَر من قدَر، والدعاءُ ينفَع ممّا نزل وممّا لم ينزِل، وإنَّ البلاء لينزل فيلقاه الدّعاء، فيعتلِجان إلى يومِ القيامة) رواه الحاكم والطبراني بسند حسن، والدعاء قربةُ الأنبياء، (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)(الأنبياء/90)، لا يهلِك مع الدّعاءِ أحد، ولا يخيب من للهِ رجا وقصَد، عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): (ما مِن مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعة رحِم إلا أعطاه الله بِها إحدى ثلاث: إمّا أن يعجِّل له دعوتَه، وإمّا أن يدَّخر له، وإمّا أن يكشِف عنه من السوء بمثلَها)، قالوا: إذا نُكثر؟! قال: :"اللهُ أكثَر" رواه الإمام أحمد في المسند والبخاري في الأدب المفرد بسند حسن، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وعن رسول الله (ص): (أنّ الله حيِيٌّ كريم، يستحي من عبده أن يبسط إليه يديه ثمّ يردّهما خائبتين) رواه الحاكم. والدّعاءُ سببٌ عظيم للفوز بالخيرات والبركات، وسببٌ لدفعِ المكروهات والشرِّ والكربات، والدّعاءُ مِن القدَر والأسبابِ النّافعة الجالِبة لكلِّ خَير والدّافعة لكلّ شرّ، وقد أمَر الله في آياتٍ كثيرة عبادَه بالدّعاء له، والدّعاءُ تتحقَّق بهِ عبادةُ ربِّ العالمين؛ لأنَّه يتضمَّن تعلّقَ القلبِ بالله تعالى، والإخلاصَ له، وعدمَ الالتفات إلى غَير الله عزّ وجلّ في جلبِ النّفع ودفع الضرّ، ويتضمَّن الدعاءُ اليقينَ بأنّ اللهَ قدير لا يُعجزه شيء، عليمٌ لا يخفى عليه شيء، رحمَن رحيم، حيّ قيّوم، جوَاد كريم، محسِن ذو المعروف أبدًا، لا يُحَدُّ جودُه وكرمُه، لاينتهي إحسانُه ومعروفه، ولا تنفَد خزائن بركاتِه. فلأجلِ هذه الصفات العظيمة ونحوها يُرجى سبحانه ويُدعَى، ويسأله من في السّموات والأرض حاجاتِهم باختلافِ لغاتِهم.
الدّعاء ثابتٌ بالمأثور والواقع ولايُمكن إنكاره:
حُكم الدّعاء في الفقه الإسلامي مستحبٌ، وقد يكون واجباً كالدّعاء الذي تضمنتهُ سورة الفاتحة أثناء الصّلاة، وكالدّعاء الوارد في الجنازة وفي خطبة الجمعة. علماً أنّنا لانجد الدّعاء في بقية المعتقدات بالشّكل الذي يأمره الله تعالى للمسلمين، والمسلمون يدعون الله دون وضع شفيع أو شريك ليقربوا إليهِ، ويرجون الخير لكلّ أُمةٍ في العالم، ويؤمنون بقبولها، (إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)(الزمر/3)، (فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ)(النساء/104)، وإنّه أقرب إليهم من حبل الوريد، فقال تعالى: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)(ق/16).( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)(البقرة/186). فللدعاء قوّةٌ عظيمةٌ وتأثيرٌ فعّال لا يتصوّره ولا يعرفهُ إلاّ المؤمن الصّحيح، قدْ تتأخر أو لا تتحقّق الإستجابة فهذا لايعني عدم القبول أوعدم فائدتها للناس، وهناك من يستهزءُ بالدّعاء من الكافرين والطّاغين والمنافقين، فعند ظلمهم للناس، يُنادون المظلون إستهزاءاً أين ربّك؟ ولو كان لك ربٌّ لنجاك من ضيقك! ولا يدرون قبول الدّعاء وخاصّة دعاء المظلوم فعندما يحلُّ لهم غضبَ الله لهم يخرصون ويخسؤن إلى يوم القيامة، فنجد أحداث كثيرة في التّاريخ وفي حياتنا اليومية تأثير وفوائد الدّعاء في كافة أحوالها، ويُمكن مشاهدة ذلك من أدعية الأنبياء والصّالحين ومن أدعية النّاس الذين نعرفهم. وحتى إذا لم تتحقّق الدّعاء فتكون مكافأة لهم عند الصّبر ألا وهي الجنّة، كما تحقّقت للبنت التي كانت لها مرض الصّرع ولآل ياسر فصبروا فأصبح موعدهم الجنّة، وقد يكون عكس ذلك فنرى أنّه جاء إلى النّبي (ص) أعرابي يطلب منه الغنى فيدعو له الرسّول ويبارك الله في أغنامهِ ولكنّه لايؤدي واجباته الدينيّة فيدخل النّار، ونرى دعاء المسلمين على الظّالمين فيكون مصيرهم النّار أيضاً كنمرود وفرعون غيرهم ودعاء الصّالحين لقوم عاد وثمود فأذاهم وأهلكهم بالإضافة إلى دخولهم النّار، موتهم ينتهي دائماً بالذّل والخزي والخُسران، وبالرّغم من إنكار هؤلاء الظّالمين الدّعاء فيدعون الله عند الإضطرار، وهذا شيء عجيب، وإن دلّ هذا على شيء فإنّما يدلّ على ضعف هؤلاء أمام القاهر الجبّار (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(يونس/90)، وعلى المؤمن أن لايترك عبادة الدّعاء أبداً وأن لا ييئس على قبولهِ أو يدّعي أنّها ليست من الدّين لأنّ هذا ظُلمٌ كبيرٌ على الله وإنّه لا يغفرهم أبداً ويبقوا مع الخالدين في النّار، فعلينا الإيمان بها سواء تحقّقت أم لم تتحقّق، تأخّرت أم لم تتأخّرْ، والدّعاء من الغيبيّات لذا لا يمكن أن ندرك علم الله، ولايُمكنُ أنْ نعرف زمن ومكان وكيفية قبول الدّعاء، ثمّ لا ندري هل في قبولها خيٌر أم شرّ لنا. والأنبياء كذلك تعرّضوا إلى ذلك فالرّسول (ص) دعى في حادثة الإفك لمْ يُستجاب له إلاّ بعد مرور زمن وقد قيل شهرٌ، وهذه الحادثة قد تتبين لأوّل وهلة كشر، ولكنّة خيرٌ لهم أو قد تكون إبتلاء لهم، فيقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ)(النور/11) وفي هزيمة معركة أحد، بالرّغم من انّ الدّعاء لم يحقّق النّصر (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)(الأنبياء/35). وإبتلاء أخر للصحابة (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الأنفال/25) هذهِ الأية نزَلَت فِي أَهل بَدْر خَاصَّة، وأَصابَتهم يَوْم الجَمَل فاقتتلُوا. والنبي إبراهيم دعى ربّه ليغفر والده آزر، والنّبي نوح دعى ربّه لإبنهِ وزوجته والنبي لوط دعى لزوجتهِ ليغفر لهم فلم يُستجاب دعائهم، وزوجة آل عمران (أمّ مريم) دعت بإنجاب الولد فرُزقت ببنت... وإلخ. والذي لم يُقبل دعاءهُ قد يكون عدا الأسباب التي ذكرناه العيب والعلّة فيهِ وفي نفسهِ وفي إيمانهِ وليست اللّوم والعلّة في الدّعاء، ويّمكن أن نثبتْ ذلك بحادثة لطيفة (جاء رجل إلى النبي ‏(ص)‏ ‏فقال: إنّ أخي ‏استطلق ‏ ‏بطنه فقال ‏إسقه عسلاً فسقاه فقال إني سقيته فلم يزده إلاّ ‏‏استطلاقاً ‏ ‏فقال صدق الله وكذب بطن أخيك) رواه بخاريً، وبقول أحد مُريدي الشّيخ لشيخهِ: لقد قرأتَ دعاءاً مأثوراً لإمرأة فتقبل اللهُ لك وعندما قرأتُ أنا نفس الدُّعاءِ مراراً وتكراراً فلم يتقبل ذلك ما سبب ذلك؟ فأجابه الشّيخ إنّني إلى أن وصلتُ إلى درجة قبول الدّعاء لقد حرّمتُ على نفسي ثلاثين سنةً من أكل الحرام والنُّطق بالحرام فإذا فعلتَ ذلك سوف يستجيبُ الله لك دعائك إن شاء الله تعالى. وأخيراً أقول لمن تكالبَت عليه الهموم والغموم، وضاقت عليه الأرضُ بما رحُبت، أينَ أنت من سؤال الله، أينَ أنتَ من سؤال الله ورجائه؟! ويا مَن أرهقته الأمراضُ وأغرقته الديون، أين أنتَ مِن دعاءِ الغنيّ الكريم؟! ويا مَن أثقلته المعاصي والذنوب، أينَ أنتَ مِن غافرِ الذنب وقابل التّوب؟! ويا مَن غشيَه الخوف والقلق، تطلّعْ إلى السّماء فعند الله الفرَج، والإجابةَ مَع الدّعاء، سواء كانت عاجلةً أو آجِلة، وأقول أيضاً وأنْ لا تبالي في وسوسة الإنس والشّيطان وأنْ لاتغفل في الدّعاء فإنْ شاء الله سوف تتحقّق لك كل مرادك وطلبك.
دعاء الإنسان على من ظلمهُ أو ظلم المسلمين:
قال الله تعالى (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ)(النساء/148). قال القرطبي: الذي يقتضيهِ ظاهر الأية أنّ للمظلوم أن ينتصر مَن ظالمهُ، ولكن مع إقتصاد إن كان الظّالم مؤمناً، كما قال الحسن، وإن كان كافراً فأرسل لسانك وادعُ بما شئتَ من الهلكة وبكلّ دعاء، كما فعل النّبي (ص) حيث قال: (اللّهم اشدد وطأتكَ على مضر. اللّهم إجعلها عليهم سنينَ كسني يوسفَ) رواه البخاري. وقال: (اللّهم عليك بفلان وفلان سمّاهم) رواه البخاري. وإن كان مجاهراً بالظّلم دعا عليهِ جهراً، ولم يكن لهُ عرض محترم، ولا بدن محترم، ولا مال محترم. وقد روى أبو داود عن عائشة قال: سرق لها شيء فجعلت تدعوا عليهِ، فقال (ص) (لاتسبخي عنهُ) رواه أبو داوود، أي لا تخففي عنهُ العقوبةَ بدعائكِ عليهِ. القرطبي 6/2 . قال النّووي: إعلم أنّ هذا الباب واسعٌ جداً، وقد تظاهر على جوازهِ نصوص الكتاب والسّنة، وأفعال سلف الأمّة وخلفها، وقد أخبر الله سبحانهُ وتعالى في مواضيع كثيرة معلومة من القرآن عن الأنبياء صلوات الله وسلامهُ عليهم بدعائهم على الكفّار. الأذكار، ص 479. وإليكم مثالان من أدعية الصّحابة:
1ـ عن علي (ع) أنّ النّبي (ص) قال يوم الأحزاب (ملاْ الله قبورهم وبيوتهم ناراً كما حبسونا وشغلونا عن الصّلاة الوسطى). رواه البخاري.
2ـ عن سلمة بن الأكوع (رض) : أنّ رجلاً أكل بشمالهِ عند رسول الله (ص) فقال: (كُل بيمينك) قال : لا أستطيع، قال : (لا إستطعتَ) ما منعهُ إلاّ الكِبر قال : فما رفعها إلى فيهِ. رواه مسلم.
قال النّووي : هذا الرّجل هو بُسر، إبن راعي العير الأشجعي، صحابي، فقيه جواز الدّعاء على من خالفَ الحُكم الشّرعي، وأمثلة كثيرة على ذلك.
أمّا دّعاء الإنسان على نفسهِ وأولادهِ لقد نهاه الرسول (ص)، فقال (لا تدعوا على أنفسكم، ولا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيبَ لكم) رواه البخاري ومسلم.
بعض الأوقات التي ترجى فيها إجابة الدعاء:
منها شهر رمضان المبارك وخاصّة عند إفطار الصائم، وفي الإعتكاف عند العشر الأواخر ومن ضمنها ليلة القدر وفي السّحور (وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)(الذاريات/18)، ويوم عرفة، وفي الطّواف، وعند شرب ماء زمزم، وعند نزول الغيث. وعند زحف الصفوف في سبيل الله، وعند نزول المصائب والبلاء، وعند وقوع الظّلم، وفي الثلث الأخير من الليل، وساعة من كل ليلة، وعند الأستيقاظ من الليل وفي التّهجّد والسحر، ودُبر الصّلوات. (الدّعاء يُسمع في جوف اللّيل الأخر، ودُبر الصّلوات المكتوبات) رواه التّرمذي، وعند النداء للصلوات المكتوبة، وبين الأذان والإقامة (الدّعاء لا يُردّ بين الأذان والإقامة) رواه أحمد وأبو داود والتّرمذي والنّسائي.، وفي السجود والرّكوع، (أقرب ما يكون العبد من ربّهِ وهو ساجد، فأكثروا الدّعاء) رواه مسلم، ودُبر الصلوات المكتوبة، وساعة الجمعة وأرجح الأقوال أنها أخر ساعة من عصر الجمعة وقد تكون ساعة الخطبة والصلاة، ويوم وليلة الجمعة .
تذكرة للمسلمين :
ما دُمتَ تعلم بأنّ الدّعاء عبادة عظيمَة، لذا عليك أنْ تكون دائمًا ملازمًا للدّعاء، متعلّقًا قلبك بالله تعالى، وارغَب إلى الله عزّ وجلّ لقضاءِ حاجاتِك كلّها؛ فإنّه على كلِّ شيء قدير، إذا أراد شيئًا خلقَ أسبابَه، أو أوجدَه بقدرتِه ومشيئتِه. وأشرِك في دعائك الإسلامَ والمسلمين بالدّعوة الصالحة، أئمّتَهم وعامَّتهم، بأن يعزَّ الله الإسلامَ وأهلَه، ويحفظَ الإسلامَ وأهلَه من كلّ سوءٍ ومكروه في كلّ زمان ومكان، وأنْ يخذلَ أعداءَ الإسلام، ويكفَّ شرَّهم، ويبطِل كيدَهم ومكرَهم، وأن يوحّد صفوف المسلمين وينصر جيوشهم وأن يكونوا دولة إسلاميّة موحدة، لا سيّما في هذا العصر الذي تعدّدت فيه مصائبُ المسلمين، وكثرَت همومهم وغُمومُهم، ووصلوا إلى حالةٍ لا يقدِر أن ينجيَهم إلا الله، اقتداءً برسولِ الله (ص) حيث أمره الله تعالى بقوله: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)(محمد/19)، وفي الحديث: (من لم يهتمَّ بأمرِ المسلمين فليسَ منهم). وليسألِ المسلمُ ربَّه كلَّ حاجةٍ له، صغيرةً أو كبيرة، كما قال (ص): (ليسألْ أحدُكم ربَّه حاجتَه حتّى شسعَ نعلِه) أخرجه التّرمذي والطّبراني وغيرهم.
شروط وآداب الدعاء وأدعية الأنبياء والقصص العجيبة
شروط وآداب الدّعاء :
ينبغي للمسلم أن يتعلَّمها تأدُّباً مع ربِّه، وتقرّباً لإجابة دعائه وطلبِه.
1ـ عدم إشراك الغير مع الله وتوحيده في الدّعاء أوفي القصدِ والطلب والوسيلة، عندئذٍ تكون الدّعاء عبادة عظيمة.
2ـ أن يكون مطعم الدّاعي ومشربهُ وملبسهُ ومسكنهُ وكلّ ما معهُ حلال، بدليل سورة المؤمنون آية 51، وسورة البقرة آية 172.
3ـ إستفتاحُ الدّعاء بالحمد والثناء على الله بما هو أهلُه والصلاة والسلامُ على خاتَم أنبيائه ورسله محمّد (ص)، وأختتم أيضاً بالصلاة على النبي (ص).
4ـ الاستغفار والإقرارُ بالذنب والاعتراف بالنّعم، مع التوبة والبعد عن المعاصي.
5ـ وأنْ لا يقنُط من رحمة الله ، لأنَّه العبدَ يدعو ربًّا رحيماً كريماً.
6ـ إستقبال القبلة مع الطّهارة الجيّدة.
7ـ اليقين في استجابة الله للدعاء مع الإيمان المطلق، أي التّصديق بها باللّسان والقبول بالقلب، رافعاً يدَيك لله سبحانه وتلبّي ما تُريد جازماً ومصرّاً في المسألة عازِماً ملِحًّا في الدّعاء متحيِّناً أوقاتَ الإجابة قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص):(لا يزِيد فِي العُمر إِلاّ البِرُّ ولا يرُدُّ القدَرَ إِلاّ الدُّعاءُ وَإِنَّ الرجُل ليحرمُ الرِّزق بِخَطيئَةٍ يعمَلها) رواه إبن ماجة.
8ـ يدعو لرد المظالم، وأن لا يدعوَ بإثمٍ ولا قطيعة رحِم، ولا يعتديَ في الدّعاء لحقوق الأخرين. أنظر الأعراف 55. علماً أنّ الرّسول (ص) لم يدعو على الأشخاص، ولكن أجاز بعض الفقهاء ذلك لأجل دفع الضّرر الأكبر على المجتمع.
9ـ تكون بعد الوضوء وصلاة الرّكعتين مع قول (اللّهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيّك محمد (ص) نبيّ الرّحمة، يامحمد إنّي أتوجه بك إلى ربّي في حاجتي هذهِ ليقضيها لي، اللّهم فشفّعه فيّ وشفّعني فيهِ) رواه الترمذي والنّسائي وإبن ماجة .
10ـ كثرة الصّلوات الشّريفة على النّبي محمد (ص).
11ـ يُجيب الله دعاء المضطر والسّائل. النمل 62. البقرة 186.
12ـ ترصد الأدعية للأوقات الشريفة، لأنّ في هذهِ الأوقات على الأكثر تفتح أبواب الرّحمة وترجى الدّعاء. ولقد ذكرنا الأوقات أعلاه.
13ـ ويُقبل أيضاً دعاء المسلم لأخيهِ المسلم, ودعاء الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر، ودعاء المظلوم، ودّعاء الغائب للغائب أي ليس معهُ في المدينة. (أعظم الدّعاء إجابةً دعاء غائبٍ لغائب) رواه مسلم. (ما من رجُلٍ يدعو لأخيهِ بظهر الغيب إلاّ وكلَ اللهُ بهِ ملكاً كلّما دعا لأخيهِ بدعوةٍ قال الملك الموكل بهِ آمين ولك بمثلهِ) صدق رسول الله.
14ـ عدم العجلة في الإستجابة.(يُستجاب لأحدكم ما لم يَعجلْ : يقول قد دعوتُ ربّي ، فلم يستجب لي) متفق عليه، (لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدّعُ بإثمٍ، أو قطيعةِ رحمٍ، ما لم يستعجلْ) قيل: يا رسول الله ما الإستعجال ؟ قال : (يقولُ: دعوتُ، وقد دعوتُ، فلم أرَ مَنْ يستجيبْ لي، فيستحسر عند ذلك ويدعُ الدّعاءَ) رواه مسلم .
15ـ الإيمان بأية (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)(الأنبياء/23). مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بقدر المستطاع حسب عمل وموقع الفرد.
16ـ الإخلاص والابتهال إلى الله تعالى والتملّق إليه بأسمائِه الحسنى وصفاته العلا، (الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ)(الأعراف/180).
17ـ التضرع والخشوع والرغبة والرهبة والإنكسار بين يدي الله تعالى، وكذلك الدعاء في الرّخاء والشدة، وأيضاً من السّنة تكرارها ثلاثاً.
18ـ بعد التّمسك بالشّروط وبأقوى الأسباب، وكذلك التّرصّد للأوقات الشّريفة، وما عليك إلاّ أنْ تتّوكل عليهِ وأن لا تعترض عليهِ وتسوء الظّن عند تأخرهِ أو عند عدم قبولهِ.
آياتُ عن إستجابةِ الدّعاءِ :
فالآيات عن الدّعاء كثيرة في كتابِ الله تعالى أكثرُ من 300 آية. ولكن ما يُفيد معنى الطّلب والتّضرع والإستجابة أكثر من 170 أية: منها
1ـ (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ * وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)(الشورى/26-27).
2ـ (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(غافر/60).
3ـ (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى)(آل عمران/195).
4ـ (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)(البقرة/186).
5ـ (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)(النمل/62).

ارسال التعليق

Top