• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الصحافة النسائية.. لا تخاطب عقلها

د. زينب منصور حبيب

الصحافة النسائية.. لا تخاطب عقلها
    ظهرت في السنوات الأخيرة مطبوعات كثيرة تتوجه إلى المرأة إلا أنّ اللافت هو أن معظم هذه المطبوعات تركز على المظهر والديكور والملابس بينما يتم تجاهل عقل المرأة، هذا ما أكدته دراسة للدكتورة سهام نصار الأستاذ المساعد بقسم الإعلام بآداب حلوان عن (المجلات النسائية والإشباعات المتحققة منها)، أظهرت الدراسة أنّ الصحافة النسائية تغفل في أحيان كثيرة خصوصية قضايا المرأة العربية، فتقع في فخ التبعية لأجندة الاهتمامات الغربية المغايرة تماماً لأجندة المرأة العربية المسلمة. وكشفت الدراسة عن ضعف ملحوظ في مستوى الأداء المهني لعدد من الصحف النسائية، بالإضافة إلى عجز هذه المطبوعات عن تشكيل رأي عام نشط وفعل وواع بقضايا المرأة وتقديم صورة واقعية تعكس إنجازاتها وتناقش همومها ومشاكلها وتعبر عن ذاتيتها وتقدم مضموناً يشبع احتياجاتها المعرفة والثقافية والإعلامية ويربطها بقضايا المجتمع. كما أظهرت الدراسة أنّ الحيز الأكبر من صفحات الصحف والمجلات النسائية يحوي مضموناً استهلاكياً لا يواكب واقع المجتمع والمرأة والأسرة. تتسق النتائج المستخلصة من دراسة د. سهام نصار اتساقاً يلفت النظر مع دراسة أخرى صادرة عن مركز قضايا المرأة حيث أظهرت أنّ الصحافة النسائية تصور المرأة في صورة النموذج الذي يهتم بالشكل أكثر مما يهتم بالجوهر، فالمرأة مشغولة بجمالها مسرفة في أناقتها وزينتها، وقد ألقى التحقيق الضوء على سلبيات الصحافة النسائية وحدد الصورة المثلى التي يجب أن تكون عليها المطبوعات المعنية بشؤون المرأة وقد أشار الدكتور محيي الدين عبدالحليم أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر إلى أنّ المستوى المتدني في الصحافة النسائية مرجعه الأساسي يعود إلى زيادة المادة الإعلامية بها وإلى نمو الجانب الاقتصادي لتلك الصحافة على حساب المضمون التي تعد مجالاً خصباً لنشر الإعلانات وتوزيع المنتجات عن طريقها، لذا فإنّ الاعتماد على المادة الإعلانية إلى حد كبير هو المسؤول الرئيسي عن خروج تحليلات صورة المرأة في تلك المجلات أو المطبوعات بشكل أنثوي نمطي بحت. ويوصي د. عبدالحليم بضرورة الفصل بين تحليل مضمون الإعلانات وبين تحليل مضمون المادة المحررة سواء كانت مادة قصصية أو تحقيقات أو أخباراً تخص المرأة نفسها أو تخص المرأة في علاقتها مع الآخرين ولعل ذلك يؤدي إلى وضوح التحليل ودقته وموضوعيته في آن واحد، ويشدد على خطورة اعتماد المطبوعات النسائية اقتصادياً على الإعلانات لأنّه يعكس صورة المرأة التي تتسق مع المعايير السائدة عن مفهوم الأنثوية، على الرغم من أنّ هناك محاولات معاصرة لتقديم صورة جديدة عن المرأة تبرز التغيرات الجديدة التي استحدثت على وضع المرأة ومكانتها في المجتمع والأدوار الجديدة التي تضطلع بها في المجتمع الحديث إلا أنها تتمشى إلى حد كبير مع المفهوم التقليدي لدور المرأة الذي يقدم على أنّه دور لا يقبل المناقشة. إنّ أغلب ما يقدم من خلال الصحافة النسائية والإعلام النسائي بصفة عامة قد غلب عليه توجهات خاصة تتسم بالتركيز على صورة نمطية لا تتفق مع الواقع المعيش، تقدم مادة تتناول قضاياها الهامشية دون القضايا دون المحورية، كما أنّها تقدم بعض أدوارها التقليدية التي قصرت عليها لفترات طويلة مع حجب أدوارها المستحدثة اتي تظهر كفاءتها الفعلية وقدرتها على الجمع بين أدوار متعددة، هذا إلى جانب الصورة السلبية التي كثيراً ما تقدم بها، مما يحط من شأنها ويقلل من كرامتها. لذلك لابدّ من إعادة النظر فيما يقدم من مادة صحفية للمرأة، وتوظيف المادة الإعلامية التوظيف الأمثل بما يعمل على تغيير الاتجاهات والأفكار السائدة عن المرأة لدى أفراد المجتمع، وذلك حتى يقدم صورة حقيقية عنها ويقدمها في إطار يعبر عن واقعها المعيش من ناحية، ويعمل على النهوض بها من خلال المادة الصحافية التي يجب أن تكون بمثابة المعين الحقيقي لحركة المرأة، وبالتالي تقدم المجتمع. وهنا يصبح لزاماً على المطبوعات النسائية أن تتحمل مسؤوليتها الاجتماعية في التصدي لإحداث التغيير الاجتماعي المنشود، وهي مسؤولية مزدوجة، فهي من ناحية مطالبة بتغيير اتجاهات الأفراد نحو مكانة المرأة في المجتمع وبالتالي تغيير ما يقدم عنها من صورة سلبية. ومن ناحية أخرى يمكن أن تمثل قوة دافعة للمجتمع وأفراده نحو تبني اتجاهات إيجابية مستحدثة تناسب العصر، وتتمشى مع احتياجات المجتمع ومع ما تسعي إليه الدولة من العمل على النهوض بالمرأة ومساعدتها على القيام بأدوارها المتعددة خير القيام. ولابدّ من وضع خطة إعلامية مدروسة تهدف إلى تغيير الصورة السائدة عن المرأة، مع الاعتماد على رصد التغيرات التي حدثت للمرأة في الفترة الأخيرة بما يبرز وضعها الحقيقي، والتركيز على هذا الأمر ينمي لدى الجماهير عامة والمرأة خاصة القيم الإيجابية التي تساعد على التعجيل بعملية تنمية المرأة، وتنمية قيم الوعي بقضايا المجتمع والقدرة على التطوير والتعديل من خلال النقد البناء الذي يتناسب مع مجريات التحديث، من خلال إستراتيجية إعلامية تقوم على النظر إلى قضية المرأة كجزء لا يتجزأ من قضايا المجتمع، وتجنب الفصل التعسفي الذي يؤدي إلى الوقوع في إطار النظرة التجزيئية إلى وضع المرأة وإغفال دورها الحقيقي في تنمية وتطور مجتمعها والعمل على دمج المرأة في كافة الأنشطة السياسية والاقتصادية المختلفة. إنّ التعارض والتضاد الذي يلاحظ أحياناً في وسائل الإعلام المختلفة فيما يقدم عن المرأة، إنما يفرض أهمية التنسيق فيما تقدمه هذه الوسائل، ولا يعني التنسيق المطلوب مطالبة تلك الوسائل بالخروج بصورة نمطية لا تتغير عن المرأة، وإنما يضع أسلوباً خاصاً يفرض على تلك الوسائل إتباعه من خلال خطوط عريضة، أو إتباع إستراتيجية هادفة تعمل على الالتزام بالعمل على تغيير صورة المرأة التي تقدم بشكل سلبي، كما تعمل على ألا تقدم الصورة ونقيضها أي لا تقدم قيماً إيجابية تعمل على مساعدة المرأة على القيام بأدوارها في بعض الوسائل. وعلى الصحافة النسائية أن تؤكد على أهمية التوفيق بين المرأة والطفل والتوفيق بين الطفل وأماكن تواجده من حضانة ومدرسة، والاهتمام بالسيدات الرائدات في المجتمع سواء كانت امرأة عاملة أو أديبة ناجحة إذ ما المانع من وضع صورة إحدى هذه السيدات على أغلفة المجلات والصحف أم أنّ الأهم لدى هذه المجلات هو وضع وجه جميل فقط بغض النظر عن قيمته الأخلاقية أو العلمية؟! وحتى المجلات المعنية بالتعامل مع المرأة بشكل تقليدي فتقدم لها الموضة والأزياء والمطبخ لا تقدم لها مثلاً القيمة الغذائية في تلك الوجبات أو الشروط الصحية التي يجب أن تتوافر فيها وأهميتها أو كيف يفقد الغذاء القيمة الغذائية المتوافرة أو وجه الاختلاف بين الوجبات الغذائية لكل امرأة. أما (الموضة) التي تعرضها الصحافة النسائية فهي ملابس لا تتناسب مع طبيعة المرأة العربية فغالباً ما تكون ضيقة أو قصيرة فتلك الملابس التي نراها تجعل من المرأة مجرد بضاعة معروضة وليست جسد له كرامة وكبرياء. إنّ الدور الذي تقدمه تلك الصحافة النسائية مفقود فهي مطالبة بعرض الاهتمامات الحقيقية للمرأة بعيداً عن الإسفاف وأن تحترم عقليتها وأن تقوم بدور إيجابي بحيث تتعامل مع المرأة كإنسان متكامل روحاً وجسداً، كزوجة وأم تعمل وتقوم بتوجيهها بالطرق الصحيحة التي تساعدها في التوفيق بين عملها وبين بيتها ومجتمعها. وعلى الصحافة النسائية أن تهتم بتوسيع مدارك المرأة بكافة شرائحها سواء كانت عاملة أم ربة بيت، مرفهة أم في وضع مادي صعب، إنّ الذي جعل بعض الصحف والمجلات النسوية مثالاً رديئاً للصحافة النسوية هو سوء الاستهلاك الاقتصادي، كما أنّ المجلة (الفلانية) الأكثر مبيعاً في أي دولة من دول العالم لا تعني بالضرورة أنّ القيمة الموضوعية والفائدة التي تقدمها هذه المجلة أكثر من غيرها، بل أحياناً على العكس. ولابدّ من التأكيد على أهمية التناول الصحفي لقضايا المرأة في الصحافة النسائية وسرعة اتخاذ خطوات إيجابية نحو مزيد من التفعيل للأدوار الوظيفية للإتصال الجماهيري بصفة عامة، والصحافة النسائية بصفة خاصة.   -       ميثاق صحفي: إنّ مخاطبة اهتمامات المرأة بالأمور الهامشية إنما هي موجة أصابت تقريباً معظم الصحافة النسائية بحيث أصبحت سلعة تجارية أكثر منها صحافة فنجد أن هذه المجلات تستخدم الصور الجذابة للمرأة حتى ينجذب لها القارئ والشباب بصفة خاصة، وفي مقابل هذه النوعية من المجلات نجد أنّ الجادة منها لم تأخذ فرصتها بين هذه المجلات، والأمر يحتّم عمل ميثاق صحفي يحترم المرأة ويهتم بقضاياها، إذ أنّ المطبوعات النسائية بعيدة كل البعد عن القضايا المحورية للمرأة فمعظم اهتمامها منصب على إبراز جمالها فقط وغيرها من (التفاهات) التي أتت إلينا من الخارج مما يضر ضرراً شديداً بالمرأة لأن دور المرأة الحقيقي يتمثل في التنمية والمشاركة. على هذه المطبوعات أن تعطي موضوع مشاركة المرأة في المجتمع بعض الاهتمام بجانب الموضوعات الهامشية وتركز على القضايا التي يتفاعل معها المجتمع بشكل عام، على أن يكون ذلك بخطاب إعلامي جيِّد يحترم عقلية المرأة. المصدر: كتاب الإعلام وقضايا المرأة

ارسال التعليق

Top