• ٢٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الصدقة الخفية.. أقرب إلى الإخلاص

إبراهيم بن عبدالعزيز الشتري*

الصدقة الخفية.. أقرب إلى الإخلاص
   ◄أقرب إلى الإخلاص ولها تأثير عجيب في دفع أنواع البلاء جاء في الحديث أنّ من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. "رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه". وهذه كناية عن المبالغة في إخفاء الصدقة. قال الإمام النووي: "وفي هذا الحديث فضل صدقة السر، قال العلماء: وهذا في صدقة التطوع فالسر فيها أفضل لأنّه أقرب إلى الإخلاص، وأبعد من الرياء وأما الزكاة الواجبة فإعلانها أفضل". والصدقة برهان واضح على صدق إيمان المتصدق بالله، وفي الحديث (والصدقة برهان) فالمتصدق يتعامل مع الله الذي يعلم السر وأخفى، والذي يخلف عليه ما أنفق أضعافاً مضاعفة، ولقد كان السلف يبذلون أموالهم في سبيل الله عزّ وجلّ إيماناً منهم بالعوض من الله الكريم، فقد كان يحيى بن معاذ الرازي يقول: عجبت ممن يبقي معه مالاً، وهو يسمع قوله تعالى: (إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) (التغابن/ 17). وقال ابن كثير في قوله تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (سبأ/ 39)، قال "يخلفه عليكم في الدنيا بالبذل وفي الآخرة بالجزاء والثواب". وقال رسول الله (ص): "أنفق بلالاً ولا تخش من ذي العرش إقلالاً" "صحيح رواه البزار"، وقال رسول الله (ص): "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللّهمّ أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر: اللّهمّ أعط ممسكاً تلفاً" "رواه الشيخان عن أبي هريرة". وقال رسول الله (ص): "أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عري كساه الله تعالى من خضر الجنة، وأيما مسلماً أطعم مسلماً على جوع أطعمه الله تعالى يوم القيامة من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلماً على ظمأ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم" "رواه أحمد وأبو داود والترمذي". وقال رسول الله (ص): "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار" (رواه البخاري ومسلم). وروي عن بن حبيب: كان أبو الخير أوّل أهل مصر يغدو إلى المسجد، وما رأيته داخلاً المسجد قط إلا وفي كمه صدقة، حتى ربما رأيته يحمل البصل فأقول: يا أبا الخير، إن هذا ينتن ثيابك فيقول: يا بن حبيب! أما إني إن لم أجد في البيت شيئاً أتصدق به غيره. إنّه حدثني رجل من أصحاب رسول الله (ص) أن الرسول (ص) قال: "كل امرئ في ظل صدقته حتى يُقضى بين الناس" أو قال: "حتى يُحكم بين الناس" قال يزيد: "فكان أبو الخير لا يخطئه يوم لا يتصدق فيه بشيء ولو كعكة ولو بصلة". قال ابن قيم رحمه الله: "إنّ للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر أو ظالم أو كافر فإنّ الله تعالى يدفع بها أنواعاً من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم وأهل الأرض كلهم لأنهم جربوه".   -       من غير منّة على الفقير: ولقد كان سلفنا الصالح يفرحون بتقديم الصدقة للفقير من غير أن يذلوه؛ إذ كان بعضهم يبسط كفه ليأخذ الفقير منها لتكون يد الفقير هي العليا! وكانت عائشة وأم سلمة إذا أرسلتا معروفاً إلى فقير قالتا للرسول: احفظ ما يدعو به ثمّ كانتا تردان عليه مثل قوله، وتقولان: هذا بذاك حتى تخلص لنا صدقاتنا، فكانوا لا يطلبون الدعاء لأنّه شبه مكافأة، بل كانوا يقابلون الدعاء بمثله، وقال الفضيل بن عياض: "من المعروف أن ترى المنة لأخيك عليك إذا أخذ منك شيئاً لأنّه لولا أخذه منك ما حصل لك الثواب، وأيضاً فإنّه خصك بالسؤال، ورجا فيك الخير دون غيرك"، وكان الليث بن سعد يقول: "من أخذ مني صدقة أو هدية فحقه علي أعظم من حقي عليه لأنّه قبل مني قرباني إلى الله عزّ وجلّ". تراه إذا ما جئته متذللاً **** كأنك تعطيه الذي أنت سائله وقال معاذ النسفي – يرحمه الله – "من لم يرَ نفسه أحوج إلى ثواب صدقته فهو ممن أبطل صدقته بالمن لأنّه رأى نفسه على الفقير". أخي الكريم: افرح بمن يسألك شيئاً فإنّه يتسبب لك في ثواب لا يعلم مقداره إلا الله. وقال عبدالعزيز بن أبي رواد: "كان يقال: ثلاثة من كنوز الجنة: كتمان المرض، وكتمان الصدقة، وكتمام المصائب". هذه نماذج مشرقة من سلفنا الصالح في إعطاء الصدقة الخفية، دون من، ولا أذى، فهل لنا الإقتداء بهم. (*) عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالسويدي وسلطانة - السعودية

ارسال التعليق

Top