إنّ أهم ما يواجه الجيل الناشئ في ظل الحضارة المادية هو مشكلة القلق التي تسري سريان النار في الهشيم فتبدو لها مظاهر مختلفة كجماعات اللاانتماء، والجمعيات الموسيقية الصاخبة، وجمعيات البكاء، والانتحار والعري المستوحش وغير ذلك.
ولعل أهم عامل من عوامل القلق هو عامل فقدان المأمن الروحي الذي يسكن خوف الإنسان من المجهول، ويطمئن الإنسانية إلى مستقبلها.
ولكن الإسلام إجتث هذه المشكلة من جذورها. فليس هناك مشكلة تسمى (مشكلة القلق) اللّهمّ إلّا في المجتمعات التي تركت الإسلام، وإلّا في المقلدين في كلِّ شيء حتى في القلق أو مظاهر القلق.
ويتلخص علاج الإسلام لذلك بنفس الإيمان الواعي، وتخصيص لحظات معينة يقف الإنسان فيها أمام خالقه والحقيقة الكبرى في الكون، فينسى كلّ هموم الدنيا ومشاكلها لأنّه يتعامل مع حقيقة هي فوقها جميعاً، ومن ثمّ أمره بذكر الله دائماً. وانّ الصلاة تمثل لدى الإنسان قمة ذكر الله (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرَّعد/ 28).
وعن الإمام الصادق (ع) أنّه قال: "كان عليّ (ع) إذا هاله شيء فزع إلى الصلاة" وعنه (ع) قال: "ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غم من غموم الدنيا أن يتوضأ ثمّ يدخل المسجد فيصلي ركعتين يدعو الله فيهما. أما سمعتم الله يقول: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) (البقرة/ 45)".
وقد جاءت الأحاديث الشريفة لتلقي ظلالاً من الرحمة والحنان على المصلي فتزيد في أمله وطمأنينته. فعن النبيّ (ص) قال: "إذا قام العبد في صلاته نظر الله عزّ وجلّ إليه وأظلته الرحمة من فوق رأسه إلى أُفق السماء، والملائكة تحفه من حوله إلى أفق السماء، ووكل الله به ملكاً قائماً على رأسه يقول (يا أيها المصلي (لو) تعلم من ينظر إليك ومن تناجي ما إلتفت ولا زلت عن موضعك أبداً)".
والفارق الكبير واضح بين صلاة المسلم وما يسمى بالصلاة عند البوذيين ومن لاذوا بالبوذية من الهاربين من مادية الغرب فإنّ كليهما يعيش في عالم روحاني، إلّا انّ الأوّل يعيش بوعي ويتسامى مع الواقع الذي تؤكده فطرته؛ في حين يغيب الثاني في حلم، وما أن يفيق حتى يفيق على واقع مر. هذا بالإضافة إلى الآثار الأُخرى التي تختلف فيها الصلاة الإسلامية عن غيرها.
الصلاة تواكب حياة الإنسان:
كما نلاحظ انّ العبادات عموماً تتصف بصفة الشمول نجد انّ الصلاة تواكب حياة الإنسان بكلِّ تقلباتها بشدتها وفرجها، وعسرها ويسرها. وهذا يتضح في الصلاة اليومية التي يأتي بها المسلم مع كلّ صبح وظهر وعصر ومغرب وعشاء وفي أي حال كان فإنّ الصلاة لا تسقط بأي حال، كما يتضح بملاحظتنا لأنواع الصلوات الأخرى كالصلاة الأسبوعية (صلاة الجمعة) والصلاة السنوية (صلاة عيد الفطر، وصلاة عيد الأضحى) والصلوات التي يؤديها المسلم عند بروز حادث سماوي هائل كالكسوف والخسوف أو أرضي كالزلزلة وهكذا.
إنّ هذه السعة في أسباب الصلوات لتؤكد العمق الذي تبلغه في وجود الإنسان، وتبرز الاهتمام الذي تصبه السماء على أن يبقى الإنسان في حياته متصلاً بها يشكرها على هدايا العيد، ويتعوذ بها من غضبة الزلازل، وكلها تجري بأمر الله تعالى ويشعر بضعته أمامها من جهة، وكرامته إذا اتصل بها.
ولكن من الصلوات المختلفة فوائدها الخاصة بها والتي تبدو واضحة للمتأمل المستعرض.
وأخيراً يحسن بنا أن نختم هذا الحديث عن الصلاة بوصية للإمام أمير المؤمنين (ع) لأصحابه: "تعاهدوا أمر الصلاة، وحافظوا عليها، واستكثروا منها، وتقربوا بها فإنها كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً".
ألا تسمعون إلى جواب أهل النار حين سئلوا (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (المدثر/ 42-43)؟ وانّها لتحتُّ الذنوب حتّ الورق، وتطلقها إطلاق الربق. وشبهها رسول الله (ص) بالحمة تكون على باب الرجل، فهو يغتسل منها في اليوم والليلة خمس مرات فما عسى أن يبقى عليه من الدرن؟ وقد عرف حقها رجال من المؤمنين الذين لا تشغلهم عنها زينة متاع، ولا قرة عين من ولد ولا مال. يقول الله سبحانه: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ) (النّور/ 37)، وكان رسول الله (ص) نصباً بالصلاة بعد التبشير له بالجنة، لقول الله سبحانه: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) (طه/ 132)، فكان يأمر أهله ويصبر عليها نفسه.
النوافل وروح التبرع:
أما بالنسبة لصلوات النوافل فهي باب واسع مفتوح إذ ورد: "انّ الصلاة خير موضوع" وهي تؤدي أدواراً إضافية، ولها مداليل خاصة، لا يمكننا فعلاً استعراضها إلّا أننا نشير إلى أنها تقوي في الإنسان روح التبرع، أو الكون في مرتبة ترتفع عن مرتبطة إداء الواجب لتصل إلى مرتبة تطلب الإسراع في التكامل، والاستياق في مجال الخيرات (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) (البقرة/ 148)، (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران/ 133).
ولقد رأينا بعض علماء التربية اليوم يركزون على هذه الروح تركيزاً قوياً فتقول إحدى القواعد التي وضعها الأستاذان بين وجيمس لتغيير العادات السيئة ما يلي:
"حافظ على قوة المقاومة واحفظها حية في نفسك وذلك بأن تتبرّع بعمل صغير كلّ يوم لا لسبب إلّا لمخالفة نفسك وهواك لأنّ هذا يعينك على مقاومة المصائب إذا حان حينها ويكون مثلك مثل رجل يدفع في كلِّ سنة مبلغاً صغيراً تأميناً على بيته ومتاعه".
وهذا الإمام أمير المؤمنين (ع) يحث في بعض أحاديثه على انّ للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا حل حين الإقبال فلتخزن النفس بالطاقات الروحية ومسببات القوة ومن أهمها الصلاة بما فيها من عطاء لا يقدّر، وهذا التخزين له المنفعة الكبر في تخطّي حالات الإدبار، أو إغراءات الهوى، وتكوين الإرادة القوية المستسلمة لأمر الله دائماً.
المصدر: كتاب نظرة عامة في العبادات
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق