• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الظروف الاقتصادية العالمية الحاضرة

أ. د. عبدالكريم بكّار

الظروف الاقتصادية العالمية الحاضرة

إنّ من المهم أن ندرك أن جهود التنمية الاقتصادية المطلوب بذلها لن تتم في ظروف مواتية من الرخاء والانفراج الدولي، وإنما في ظل مآزق عالمية متشابكة، ومتفاقمة. وهذه الظروف ستلقي بكل ثقلها على الحلقات الأضعف في هذا الكون وهي الدول النامية الغارقة في مشكلاتها المتنوعة.
إنّ الأزمات الاقتصادية كانت تقع في الماضي بسبب قلة العرض وعدم كفاية الإنتاج. أما اليوم فإنّ المشكلة الرئيسة، تتمثل في نقص الطلب الكلي عن العرض، بمعنى حصول فائض بالنسبة للطلب الفعال القادر على الدفع والشراء.
بدأت الأزمة الاقتصادية الحديثة في مطلع السبعينيات، وما زالت مستمرة إلى يوم الناس هذا. وتتسم هذه الأزمة بخصائص عديدة، أهمها:
أ- على خلاف الأزمات الاقتصادية التي حدثت بعد الحرب الكونية الراهنة، تتميز هذه الأزمة بأنها عامة في الدول الرأسمالية جميعها تقريباً – مما أدى إلى تفاقم مشكلة الخروج من الأزمة، ومما أضعف من أهمية قنوات التجارة الخارجية في موازنة الأزمات الدورية بين دول العالم الرأسمالي.


ب- فقد آلية الأسعار لفعاليتها في مواجهة الأزمة، حيث كانت الأسعار فيما مضى تتجه نحو الانخفاض وقت الأزمة؛ مما كان يساعد على التخلص من المخزونات السلعية الراكدة، فكانت آلية الأسعار تسهم بهذا الشكل في مواجهة التناقض القائم بين الإنتاج والأسواق إلى أن يتجاوز الطلبُ العرض بعد وصوله إلى نقطة معينة، فتعود الأسعار إلى الارتفاع، وتجر معها حركة انتعاش جديدة.
أما الآن ففي ظل الكساد تتجه الأسعار نحو الارتفاع، وهذا ما يسمى اليوم بـ(التضخم الركودي).


جـ- أزمة الديون الخارجية المستحقة على مجموعة الدول المتخلفة وصلت إلى مستويات خطيرة؛ حيث عجز كثير منها عن سداد (فوائد) القروض. وقد كانت هذه الدول تنمو في الماضي على نحو سريع ومطرد مما مكَّنها من تسديد بعض ديونها، واستقدام استثمارات جديدة. وقد حرمت هذه الوضعية الجديدة الرأسمالية من أحد منافذ الخروج من أزماتها الاقتصادية.


د- النهب المستمر، المباشر، وغير المباشر استنزف الفائض الاقتصادي في البلدان الفقيرة. وقد كان ذلك الفائض يساهم فيما مضى في التخفيف من اختناقات الدول المتقدمة. أما في هذه الأزمة فالأمر مختلف؛ حيث إنّ الجهود الإنمائية قد وصلت في أكثر الدولة المتخلفة إلى طريق مسدود، وهذا يعني أنّ الأزمة الرأسمالية الحالية مرشحة للاستمرار أكثر فأكثر.


فقد ذبح الاستعمار الرأسمالي البقرة الحلوب التي كان يعتصرها، وعليه الآن أن يتدبر أمره!
هذه الوضعية العالمية السيئة أربكت الفكر الرأسمالي الغربي، وأدت إلى نضوب احتياطات النظرية الرأسمالية، كما أنها أدت إلى زيادة الضغط على الدول النامية من أجل أن تُخرج ما تبقى في جعبتها من مال، وما في أراضيها من ثروات؛ لتبيعه بأبخس الأثمان. والغرب لا يتصور كيفية التنازل عن المرفِّهات التي تعودتها شعوبه، ومن ثمّ فإنّه يصطنع لنا الحروب والأزمات، ويفتح شهية شعوبنا لاستهلاك ما لا تحتاجه، ويرسل السماسرة لتسويق تقنيات عالية الكلفة معقدة التشغيل ابتغاء التخفيف من أزمته الطاحنة.
وربّما كان مستعداً يوماً ما لخوض غمار حروب طاحنة إذا اقتضت الحاجة!.
هذا كله يقتضي منا حشد الذات والإمكانات، إلى جانب البراعة في حسن التدبير حتى نستطيع تجاوز دوائر الخطر.

المصدر: كتاب مدخل إلى التنمية المتكاملة.. رؤية إسلامية

ارسال التعليق

Top