• ٢٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

القرآن الكريم وأسماؤه

القرآن الكريم وأسماؤه
◄القرآن: هو كلام الله الذي نزّله نجوماً على خاتم أنبيائه محمد (ص)، ويقابله الشعر والنثر في الكلام العربي. وعليه فإنّ الكلام العربي ينقسم إلى قرآن وشعر ونثر. وكما أنّه يقال لديوان الشاعر: "شعر"، ولقصيدة في الديوان: "شعر"، وللبيت الواحد فيه: "شعر" وللشطر الواحد أيضاً: "شعر"، كذلك يقال لجميع القرآن: "قرآن"، وللسورة الواحدة: "قرآن"، وللآية الواحدة: "قرآن"، وأحياناً لبعض الآية: "قرآن"[1]، مثل: (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ) في الآية الثالثة من سورة البقرة. والقرآن بهذا المعنى، مصطلح إسلامي وحقيقة شرعية، وإنّ منشأ هذه الاستعمالات ورودها في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف.   أسماء أخرى للقرآن: استخرج العلماء من القرآن أسماء أخرى للقرآن مثل: (الكتاب) و(النور) و(الموعظة) و(كريم)، وهي في الحقيقة من باب تسمية الشيء بصفاته. وسمّى بعض المسلمين – أيضاً القرآن بـ(المصحف) بعد العصر الإسلامي الأوّل، وفي ما يأتي شرح ما ذكرناه:   أوّلاً: الأسماء التي استخرجوها من القرآن: أ‌-      تسمية القرآن بـ(الكتاب): من أشهر الأسماء التي استخرجوها من القرآن، للقرآن: الكتاب، وذلك لقوله تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ) (البقرة/ 2). فإنّ المقصود من الكتاب هنا، القرآن الذي بأيدي المسلمين في مقابل كتاب التوراة لليهود، والإنجيل للنصارى، وإنّما شُخّص المقصود من الكتاب هنا بالألف واللام للعهد في أوّله. وورد لفظ "الكتاب" في القرآن وأُريد به التوراة في قوله تعالى: (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى) (هود/ 17)، وهنا شخّص المقصود بالإضافة إلى صاحبه موسى. وقد اشتهر لدى النحويين كتاب سيبويه في النحو بـ"الكتاب". قال في باب الكتاب من كشف الظنون: (كتاب سيبويه في النحو: كان كتاب سيبويه لشهرته وفضله علماً عند النحويين، فكان يقال بالبصرة: "قرأ فلان الكتاب" فلا يُشكّ أنّ كتاب سيبويه، و"قرأ نصف الكتاب" فلا يشكّ أنّه كتاب سيبويه...). وشرحه أبو الحسن علي بن محمد المعروف بابن خروف النحوي الأندلسي الأشبيلي (ت: 609هـ)، وسمّاه تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب. وشرح أبو البقاء عبدالله بن الحسين العكبري البغدادي الحنبلي (ت: 616هـ) أبياته وله "لباب الكتاب". ولأبي بكر محمد بن حسن الزبيدي الأندلسي الأشبيلي (ت: 380هـ): "أبنية الكتاب"[2]. إذاً فليس (الكتاب) اسماً للقرآن في القرآن الكريم ولا في عرف المسلمين. ب‌- النور: ومن تلكم الأسماء: (النور)، قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا) (النساء/ 174). ج- الموعظة: ومنها (الموعظة)، قال تعالى: (قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) (يونس/ 57). د- كريم: ومنها (كريم) لقوله تعالى: (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ)[3] (الواقعة/ 77). كانت هذه الأسماء مما استخرجها العلماء من القرآن، وقد وردت في القرآن هي ونظائرها وصفاً للقرآن وليس بأسماء للقرآن كما زعم العلماء. وثمة تسمية أخرى للقرآن سمّى المسلمون القرآن بها كما يلي بيانها.   ثانياً: تسمية القرآن بـ(المصحف): لم يرد لفظ (المصحف) في القرآن الكريم ولا الحديث النبوي الشريف لندرس موارد استعماله فيهما، وإنما ورد في لغة العرب ثمّ في كلام المسلمين، وندرسه فيهما كالآتي: أ‌-      المصحف في اللغة: في معاجم اللغة العربية: (الصحيفة: التي يكتب فيها، والجمع صحائف وصُحُف وصُحْف، والمُصْحف والمِصْحف: الجامع للصحف بين الدفتين)[4]. وقالوا في تفسير الدفتين، الدفة: الجنب من كلّ شيء وصفحته، ودفتا الطبل: الجلدتان اللتان تكتنفانه، ويضرب عليهما، ومنه دفتا المصحف، يقال: حفظ ما بين الدفتين[5] - أي حفظ الكتاب من الجلد إلى الجلد –. وبناءً على ما ذكرنا، المصحف: اسم الكتاب المجلد، وذلك لأنّه إذا كانت الصحيفة هي ما كتب فيها وجمعها الصحف، والمصحف: هو الجامع للصحف بين الدفتين والدفتان هما جلدتا الكتاب، إذن يكون المصحف في كلامهم بمعنى الكتاب المجلد في كلامنا. وبناءً على ما ذكرنا، إنّ المصحف: اسم لكلّ كتاب مجلد قرآناً كان أم غير قرآن. وقد استعمل المصحف بالمعنى اللغوي الذي ذكرناه في روايات (جمع القرآن) حتى عهد عثمان. فقد روى البخاري عن الصحابي زيد بن ثابت ما ملخصه: أنّ الخليفة أبا بكر أمره بجمع القرآن. قال: (فتتبعتُ القرآن أجمعه، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثمّ عند عمر في حياته، ثمّ عند حفصة بنت عمر). وروى بعدها عن أنس ما ملخصه: (أنّ عثمان عندما أراد أن يجمع القرآن أرسل إلى حفصة: أن أرسلي بالصحف ننسخها في المصاحف، ثمّ نردّها إليك..) الحديث[6]. ومن الواضح أنّ الصحف والمصاحف وردا في الحديثين الآنفين بنفس المعنى اللغوي: (الكتاب المجلد). وأكثر تصريحاً مما ورد عند البخاري، ما ورد عند ابن أبي داود السجستاني في باب جمع القرآن في المصحف من كتابه: (المصاحف) فقد روى فيه: أ‌-      عن محمد ابن سيرين، قال: (لما توفي النبي (ص) أقسم عليّ أن لا يرتدي الرداء إلّا لجمُعُة حتى يجمع القرآن في مصحف). ب‌- عن أبي العالية: (أنهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة أبي بكر). ج- عن الحسين: (أنّ عمر بن الخطاب أمر بالقرآن، وكان أوّل من جمعه في المصحف)[7]. استشهدنا بهذه الروايات الثلاث لأنّها تدلّ على أنّ في عصر روايتها كان المصحف في كلامهم أعمّ من القرآن، فقد ورد فيها حسب التسلسل: أ‌-      (حتى يجمع القرآن في مصحف). ب‌- (جمعوا القرآن في مصحف). ت‌- (وأمر بالقرآن فجمع، وكان أوّل من جمعه في المصحف). ولو كان المصحف لديهم هو القرآن لكان تفسير الروايات كالآتي: أ‌-      حتى يجمع القرآن في القرآن. ب‌- جمعوا القرآن في القرآن. ت‌- وكان أوّل من جمع القرآن في القرآن.   المصحف في روايات أئمة أهل البيت (ع): وكان ما ذكرناه في مدرسة الخلفاء. وقد ورد المصحف بروايات أئمة أهل البيت (ع) بنفس المعنى اللغوي، فقد روى الكليني في باب (قراءة القرآن في المصحف): الحديث الأوّل عن أبي عبدالله جعفر الصادق (ع)، قال: مَن قرأ القرآن في المصحف متّع ببصره وخفّف عن والديه وإن كانا كافرين. وفي الحديث الرابع منه – أيضاً عن أبي عبدالله (ع)، قال: قراءة القرآن في المصحف تخفف العذاب عن الوالدين ولو كانا كافرَين[8]. وبناءً على ما ذكرنا ثبت أنّ المصحف كان يستعمل في كلام الصحابة والتابعين والرواة بمدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت ويراد به الكتاب المجلد، أي: أنّ المصحف استعمل في محاوراتهم في عصر الإسلام الأوّل في معناه اللغوي واشتهر بعد ذلك في مدرسة الخلفاء تسمية القرآن المدوّن والمخطوط بين الدفتين بـ(المصحف). وقد سمّى في مدرسة الخلفاء غير القرآن بالمصحف كالآتي:   مصحف خالد بن معدان: روى كلّ من ابن أبي داود (ت: 316هـ) وابن عساكر (ت: 571هـ) والمزّي (ت: 742هـ) وابن حجر (ت: 852هـ) بترجمة خالد بن معدان وقالوا: إنّ خالد بن معدان كان علمه في مصحف له أزرار وعرى[9]. فمن هو خالد بن معدان صاحب المصحف؟ كان خالد بن معدان من كبار علماء الشام ومن التابعين. أدرك سبعين من الصحابة. ترجم له ابن الأثير (ت: 630هـ) في مادة الكلاعي[10]. وقال: توفي خالد سنة ثلاث أو أربع أو ثمان ومائة هجرية. اشتهار المصحف في كلّ ما كتب وجعل بين الدفتين: (الكتاب المجلد) كان استعمال المصحف في ما كتب وجعل بين الدفتين، أي الكتاب المجلد مشهوراً ومتداولاً لدى العلماء والباحثين بمدرسة الخلفاء، وإليكم المثالين الآتيين لذلك: أ‌-      عنوان ابن أبي داوود السجستاني، من أعلام القرن الثالث الهجري في كتابه المصاحف كالآتي: 1-    جمع أبي بكر الصديق القرآن في المصاحف بعد رسول الله (ص). 2-    جمع عليّ بن أبي طالب (ع) القرآن في المصحف. 3-    جمع عمر بن الخطاب القرآن في المصحف. ب‌- ومن المعاصرين، قال ناصرالدين الأسد في كتابه مصادر الشعر الجاهلي: وكانوا يطلقون على الكتاب المجموع: لفظ المصحف ويقصدون به مطلق الكتاب، لا القرآن وحده، فمن ذلك ما ذكره...[11] ثمّ نقل خبر مصحف خالد بن معدان من كتاب المصاحف لابن أبي داود السجستاني. وعلى هذا فإنّ صحّ ما ورد في الرواية، أنّ الخليفة أبا بكر كان سمّى القرآن بالمصحف فإنّ هذه التسمية لم تشتهر حتى عصر عثمان، كما يظهر ذلك من الخبرين اللذين نقلناهما من صحيح البخارين وإنّما اشتهرت تسمية القرآن بالمصحف بعد ذلك، وعند ذاك أيضاً لم تبق هذه التسمية منحصرة بالقرآن بل سُمّيت كتب أخرى في مدرسة الخلفاء ومدرسة أهل البيت بـ(المصحف). وكان منها مصحف فاطمة ابنة رسول الله (ص) كالآتي خبره:   مصحف فاطمة: وورد في الروايات أنّ فاطمة ابنة رسول الله (ص) كان لها كتاب اسمه المصحف فيه إخبار بالمغيبات. كما كان لخالد بن معدان كتاب اسمه المصحف فيه علمه. وإنّ أئمة أهل البيت الذين انتشر منهم هذا الخبر نصّوا على أنّه ما هو بالقرآن وليس فيه شيء من القرآن، بل فيه إخبار بالحوادث الكائنة في المستقبل، ولذلك لم يباهت أتباع مدرسة أهل البيت مصحف خالد ولا الكتاب لسيبويه بشيء من هذا البهتان!!!   خلاصة البحث: القرآن هو كلام الله الذي نزّله نجوماً على خاتم أنبيائه محمد (ص) بلسان عربي مبين، وهو ليس بشعر ولا نثر، في حين أنّ جميع كلام بني آدم في جميع اللغات إما أن يكون شعراً أو نثراً، وهذا أحد وجوه إعجاز القرآن. وقد سمّى الله جميع القرآن بالقرآن وكذلك سمّى جزءاً منه بالقرآن، فهو مصطلح إسلامي. ووصفه بالكتاب والذكر والنور وغيرها، فعدّها العلماء من أسماء القرآن، وليس للقرآن اسم غير القرآن. وسمّى بعض المسلمين بعد عصر الرسول (ص) القرآن بـ(المصحف)، ولم ترد هذه التسمية في القرآن ولا في حديث الرسول (ص). فهو إذاً ليس بمصطلح إسلامي بل هو مصطلح بعض المسلمين. والمصحف في اللغة العربية: ما كُتب وحُفظ بين الجلدين، قرآناً كان أم غير قرآن. وبهذا المعنى ورد في روايات جمع القرآن على لسان الصحابة والتابعين والرواة في كتب الحديث في القرون الثلاثة الأولى. ورأيْنا أنّ اشتهار تسمية القرآن بالمصحف عند بعض المسلمين كان بعد ذلك.   الهوامش:
[1]- والحمل والتبادر علامتان للحقيقة، كما قرّرها العلماء في محلّه من الكتب العلمية. [2]- كشف الظنون/ لحاجي خليفة، مصطفى بن عبدالله (ت: 1076هـ)/ تركيا، 2/1427 و1428. وسيبويه، أبو مبشر أو بشر، عمرو بن عثمان بن قنبر البصري، مولى بني الحارث بن كعب، توفي سنة 180هـ. [3]- البرهان في علوم القرآن/ للزركشي (ت: 794هـ)/ ط. القاهرة/ النوع الخامس عشر: معرفة أسمائه (1/273 و276). [4]- راجع مادة (صحف في الصحاح/ للجوهري/ (ت: 393هـ)، والمحكم/ لابن سيده/ (ت: 458هـ)، والمفردات/ للراغب/ (ت: 502هـ)، ولسان العرب/ لابن منظور/ (ت: 711هـ) والقاموس/ للفيروز آبادي/ (ت: 816 أو 817هـ). [5]- راجع تاج العروس/ للزبيدي/ (ت: 12058) والمعجم الوسيط، مادة (الدفة). [6]- صحيح البخاري/ كتاب فصائل القرآن/ باب: جمع القرآن/ 3/150. [7]- كتاب المصاحف/ للحافظ أبي بكر عبدالله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني/ (ت: 316هـ)/ تصحيح الدكتور آثر جفري/ ط. الأولى بمصر/ سنة 1355هـ/ وقد وردت الروايتان: أ و ج في ص10 منه والرواية: ب في ص9 منه. [8]- أصول الكافي/ ط. طهران/ سنة 1388هـ، 2/613. [9]- المصاحف/ ص134-135. وتاريخ دمشق مخطوطة المكتبة الظاهرية بدمشق، مصورة المجمع العلمي الإسلامي بطهران، 5/2/259. وتهذيب الكمال، مخطوطة المكتبة الظاهرية بدمشق، مصورة المجمع العلمي الإسلامي بطهران، 2/170. وتهذيب التهذيب/ ج3/ 118-119. [10]- اللباب في تهذيب الأنساب/ 3/ 62-63 وراجع مصادر ترجمته في الهامش رقم: 9.

[11]- مصادر الشعر الجاهلي/ الطبعة الخامسة/ ص139، وقد نقله من المصاحف للسجستاني/ ص134-135.

  المصدر: مجلة نور الإسلام/ العددان 13 و14 لسنة 1991م

ارسال التعليق

Top