◄التوحيد كلمة كبرى لها مدلول عظيم يلخّص هدف كلّ النبوات، لأنّ الخطر الذي يواجه المسيرة البشرية هو تعملق الآلهة المزيفة في طريقها فتصدّها عن التوجه نحو كمالها المنشود.
لابدّ للإنسان والمجموعة البشرية من "مثل أعلى" والمثل الأعلى هو الذي يستقطب طموح الإنسان وهدفه في الحياة، وهو في التعبير القرآني: "إله". والمثل العليا حسب تقسيم السيد محمد باقر الصدر: مثل أعلى هابط، ومثل أعلى متوسط، ومثل أعلى مطلق. والمثل الأعلى المطلق هو الله سبحانه، وكلّ مثل أعلى غير الله تعالى إنما هو سرابي، لا يروي الإنسان ظمأه إلى الكمال: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا...) (النور/ 39)ز
دعوة الأنبياء إلى عبادة الله الواحد الأحد، إنما هي دعوة لإزالة كلّ الآلهية السرابية المزيفة من طريق الإنسان ليطوي مسيرته التكاملية دون أن يحدّه حدّ، نحو الإله المطلق الحقّ.
التوحيد حركة وتكامل وبناء حضاري، وإبعاد المسيرة الإنسانية عن الأوهام والنكوص والتراجع. والتوجه إلى الكعبة يبدأ بالتلبية لنداء الله سبحانه: "لبيك اللّهمّ لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك".. إنّها استجابة لدعوة إبراهيم وأذانه التوحيدي: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ...) (الحج/ 27-28).
ليشهدوا منافع لهم.. مطلق المنافع.. وهذا الإطلاق يتحقق في ظل التوحيد.. في ظل حركة حضارية مستمرة نحو المثل الأعلى المطلق سبحانه.
هذا المفهوم العظيم للتوحيد غائب في سياق غياب الحركة الحضارية للأُمّة، وفي سياق لمفاهيم السطحية الساذجة للتوحيد، سواء تلك التي يحملها الجاهلون أو التي يحملها المتعالمون. والتي يحملها المتعالمون أخطر، لأنّ الجهل يمكن أن يُدفع بالعلم.
وكثير من المواقع على شبكة الإنترنت تعمل اليوم جاهدة لتحريف مفهوم التوحيد، وحصر هذا المفهوم الحضاري الإلهي العظيم في إطار ضيق مؤلم مضحك: "وشرّ البلية ما يضحك".
فـ "الكعبة الشريفة.. مظهر التوحيد والقيم الروحية" فإنّه ينطلق من فهم عميق لمعنى التوحيد، ولمعنى القيم الروحية التي تحتاجها البشرية اليوم أيّما احتياج في عالمنا الصاخب بالقيم المادية الطاغية التي تنذر البشرية بمزيد من الحروب وبمزيد من الويلات.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق