لعلّ أبرز حقيقة يمكن أن نقرِّرها في مجال الحديث عن رؤية الفكر الإسلامي المعاصر لمسألة المرأة، هي أنّ هذه الرؤية لن تتغيّر أو تتجدّد بالصورة التي تقبل بها المرأة وتنسجم معها، ما لم تساهم هي نفسها في تغيير وتجديد هذه الرؤية على الصعيدين المعرفي والعملي.
والسؤال المطروح هو: هل تستطيع المرأة أن تدفع وتسهم في تجديد رؤية الفكر الإسلامي تجاهها؟
يفتح هذا السؤال الباب للنظر إلى مدى إسهامها الفكري والثقافي في الميادين والمجالات المتصلة بقضاياها وشؤونها، وفيما إذا كان هذا الإسهام متقدماً ويتحرّك بوتيرة متقدمة، أو متراجعاً ويتحرّك بوتيرة متراجعة، أو متأرجحاً بين التقدّم والتراجع، فيتحرّك تارة بوتيرة متقدمة، وتارة بوتيرة متراجعة.
والذي يعنينا في هذا الشأن، وبشكل أساسي، هو رؤية المرأة وتقييمها لهذا الإسهام الفكري والثقافي.
لا يرادُ من هذا الطرح بالتأكيد حصر اهتمامات المرأة بقضاياها وشؤونها، وكأنّها لا معرفة لها ولا خبرة إلّا في هذه القضايا والشؤون، وهذا ما تنتقده المرأة وترفضه، وتعدّه انتقاصاً من حقّها، وإنّما باعتبار المرأة الأقرب إلى هذه القضايا والشؤون، وكونها الأكثر دراية ومعرفة بها، وبوصف أنّ هذه القضايا والشؤون في إدراكها قد تعرّضت للتعسف وسوء الفهم، وظلّت تُفسَّر بطريقة تفتقد شروط العدالة والمساواة، وباتت بحاجة إلى مراجعة وتصحيح، وذلك حين غابت أو غُيّبت المرأة عن النظر والإسهام في هذه القضايا والشؤون.
ويأتي الحديث عن هذا الموضوع، في وقت بدأت فيه المرأة تعلن عن تقدّمها في الميادين الفكرية والثقافية، وأخذت ترفع صوتها، وتطالب بالإصغاء والاستماع إليها وهي تتحدّث بنفسها عن تلك القضايا والشؤون، وعياً وإدراكاً منها أنّها قد تأخرت كثيراً بالإسهام الفكري والثقافي في هذا الشأن، وأنّها أخطأت أو تضررت حين تركت الرجل يخوض في قضاياها وشؤونها، ويستحوذ عليها بخلاف رغبتها، الوضع الذي ضاقت به ذرعاً. وقد بدت في سعيها هذا وكأنّها تريد أن تستعيد حقّها في الحديث عن نفسها، تأكيداً لوجودها وحضورها، ورفضاً للواقع الذي فرض عليها غيابها أو تغييبها.
ومنذ إعلانها عن هذا الموقف الذي كشف عن وعي جديد بدأ يتشكّل عندها، وعن يقظة في مسلكياتها الفكرية والثقافية، أخذت المرأة تلفت النظر إلى طبيعة ما تطرحه من أفكار وتصورات ووجهات نظر، أكّدت على الحاجة إليها، وضرورة الانفتاح والتواصل معها، وبرهنت على قيمة ما يمكن أن تضيفه في هذا المجال، وبالشكل الذي يثري الفكر الإسلامي وتدفع به نحو نقاشات جادة، وتحرِّضه على استعادة الجدل حول تلك القضايا والشؤون بطريقة جديدة ومختلفة عن السابق.
ومن الممكن القول، إنّ الفكر الإسلامي قد تأثّر ضعفاً في تكوين رؤيته عن المرأة، بسبب الضعف الذي كانت عليه في التعبير عن رؤيتها الفكرية والثقافية، وهذا ما ندركه حينما حاولت التغلّب على ذلك الضعف، والاندفاع في التعبير عمّا تحمله من أفكار وتصوّرات، بحيث لم يعد بالإمكان الحديث عن رؤية الفكر الإسلامي للمرأة بدون العودة إلى خطابها هي، ونظرتها إلى ذاتها، وإلى تلك القضايا والشؤون المتصلة بها.
ولعلّ في إدراك المرأة أنّ الوصول إلى مثل هذه القناعة، أو الاقتراب منها، والالتفات إليها، يمثل إنجازاً فكرياً وثقافياً لها، يفترض أن يتحوّل إلى مكسب أخلاقي واجتماعي، تستفيد منه في تدعيم مطالبتها بضمان حقوقها، وتحسين نوعية حياتها.
ولا شك في أنّ الفكر الإسلامي قد تأخر كثيراً في الوصول إلى مثل هذه القناعة، وهذا التأخر يُعزى إلى عصور التراجع الطويلة التي مرّت على الثقافة الإسلامية، كما يُعزى كذلك إلى الضعف الذي أصاب المرأة، وأدّى بها إلى العزلة والانكماش، وأفقدها الفاعلية، وأقعدها عن الكفاح في سبيل حقوقها وقضاياها، الكفاح الذي كان موجوداً لكنّه كان مبتوراً ومتقطعاً زمناً وتاريخاً، ولم يكن متجدداً ومتراكماً على الصعيدين الفكري والاجتماعي.
مع ذلك، يبقى أنّ التأخر في الوصول إلى هذه القناعة، أفضل من عدم الوصول إليها.
المصدر: كتاب الإسلام والمرأة (تجديد الفكر الديني في مسألة المرأة)
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق