• ١ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٢ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

النمل.. حياة حافلة بالنظام

النمل.. حياة حافلة بالنظام

شيئاً فشيئاً يتم إنشاء الخليّة لتتّسع وتنمو مع وصول دفعاتٍ جديدة من النمل نتيجة تفقيس البويضات. وإذا كانت الخليّة تتميّز بنشاط حافل ومركّز، فلا تظنّنّ أنّ هذه الدوّامة تعكس نوعاً من أنواع الفوضى المستمرة. فالواقع أنّه ثمة على الدوام نظام دقيق يحكم حياة النمل.
فالملكة تقضي وقتها في وضع البيض. ولكن البيض ثمّ الصُّلَّج (إشارة إلى مرحلة من النمو تنسج خلالها بعض الحشرات أغشية واقعية حول نفسها) لا تنجب دائماً نملاً متماثلاً. بالعكس... ثمة إناث وذكور وأنواع مختلفة من العاملات اللائي يعتبر وجودهنّ ضرورياً لعمل بيت النمل واستمراره على أحسن وجه.

- ذكور وإناث:
من بين "أطفال" الملكة سنهتمّ أوّلاً بالإناث. إنها لا تولد إلا ضمن عدد محدود جدّاً ويمكن تمييزها بسهولة عن باقي النمل: إنّ لها زوجين من الأجنحة على ظهرها، وحجمُها يفوق حجم الآخرين.
وتعتبر هذه الإناث نواةً لتأسيس مستعمراتٍ أخرى من النمل مستقبلاً. وهي التي نراها عادةً تطير في أيام الصيف القائظة. ومن أجل طيرانها المرتقب، ولأنها في الواقع مَلِكات بالقوة (أي ملكات المستقبل)، فإنّ العاملات تُوليها عنايةً خاصة وتقوم بتغذيتها بكرم.
والذكور هي أيضاً قليلة العدد: ولكنها تبدو على النقيض من الإناث، وبالرغم من دورها المهم عند التلقيح (فإنّها نسبياً) قليلة الاهتمام بالجماعة. فهي تبقى على انفراد وكأنّها هامشيّة.
وهذه الذكور الصغيرة الحجم والتي تمتلك كذلك أجنحة، لا تغادر العشّ أبداً. ولكن العاملات التي تتولّى تغذيتها تقوم، في لحظة تحليق الملكة، بقذف هذه المجموعة خارجاً. وعندها تحلّق هذه لكي تلقّح مَلِكات المستقبل.. ثمّ لا تعود أدراجها إلى الخليّة مطلقاً.

- جيش العاملات:
ولعلّ من الممكن القول: "جيش عرمرم"... لأنّ هذه العاملات تُمثّل المجموعة الأكثر عدداً. إنها من الإناث، ولكنْ لا أجنحة لها، ولا يمكن تلقيحها. وعليه فلن يكون لها ذرية مطلقاً.
وتقوم العاملات خلال عمرها الذي يتراوح بين ثلاث وأربع سنوات، بأداء جميع الأعمال الضرورية لبني جنسها.
وفي حين أنّ العاملات من النحل متماثلات في الشكل، فإنّ في النمل أنواعاً مختلفة منها وكل مجموعة تؤدِّي مهمّة محدّدة، ويتوقّف شكل أعضائها على هذا التخصّص.
وهكذا، فإنّ النملات التي تبقى داخل العشّ أصغر حجماً من النملات التي يجب أن تذهب إلى الخارج. ولذا فإنّ بعض العاملات ذات "العضلات" والحجم الكبير، تمتلك رأساً ضخماً ونأشيرين (فكَّين) ضخمَين. هل هي أكثر ذكاءً وأكثر عدوانية من الآخرين؟ كلا، ولكنّ مهمتها هي الدفاع عن المستعمرَة وكذلك القيام ببعض أعمال "القوّة"، ومنها – على سبيل المثال – مضغ المواد الأكثر صلابة.
وبعض الأنواع تمتلك مجموعات متخصّصة تخصّصاً دقيقاً. وأحد الأمثلة المدهشة على ذلك هو النمل الذي يبني عشّه في داخل الأشجار. ففي هذه المستعمرات، تؤدّي بعض العاملات دوراً خاصاً تماماً: إنها تغلق، عن طريق رأسها الذي يشبه سدّاده أو فلّينة، مدخلَ الخليّة بحيث تصبح غير مرئية من الخارج. وهي تبقى أحياناً في هذا الوضع ساعات طويلة... حتى "تطرق الباب" إحدى العاملات العائدات بمجَسَّاتها. وإذا لم يكن القادم غريباً أو أجنبياً، فإنّ النملة – السدّادة تفتح الباب، أو بعبارة أخرى، إنها تسحب رأسها، ثمّ تعود إلى موقعها على الفور.
وبتنوع شكل الرأس لدى النملة يتغير اختصاص العاملة. أما الجسم فلا يتغير إلا قليلاً. وهكذا يمكن للمرء أن يرى نملة – ملعقة ونملة – ملقط – مجرفة... إلخ

- لابدّ من لغة للإتصال:
إنّ النمل الذي ينتمي إلى المستعمرة ذاتها، يتعرّف بعضُه على البعض الآخر بفضل رائحةٍ معينة. وهذا ما يكشف لهم بأنّ هذه العاملة تنتسب إلى مستعمرتهم، وما هي بغريبة عنها. ولكن الأمر ينتهي عند حدّ التعرف. فهذه العلامة لا تُتيح نقل أية رسائل مهما كانت بسيطة.
ولهذا الغرض، تمتلك النملات مَجَسّات شديدة الحسّاسية، توجد في مقدمة الرأس. إنها تستعين بها أوّلاً للجسّ واللمس ثمّ لشمّ الأشياء المحيطة بها. ولا تتوقّف الملاحظة عند هذا الحدّ. ففي بعض الأحيان تلوح النملة بمجسّاتها أمام إحدى بنات جنسها أو تربتُ على كتفها. وهي تبدو حينئذ كما لو كانت تريد أن تُلفت انتباهها لكي تبيّن لها شيئاً ما. وإذا لم تؤدِّ هذه الحركات إلى النتيجة المطلوبة، فإنّها لن تتردّد في دفعها أو في النّقْر على صدفتها.
ويحدث أيضاً أن تكتشف إحدى العاملات احتياطيّاً كبيراً من الطعام. وبما أنها غير قادرة على حمله لوحدها، فإنّها تعود بسرعة إلى الخليّة لإبلاغ الآخرين، برقصةٍ عصبيةٍ من أرجُلها ومن مجسّاتها.
وبالطبع، فإنّ هذه "اللغة" المقتبضة إلى حدٍّ ما لا تسمح بالوصف وبطرح أسئلة. ولكن عندما تفشل النملة في إفهام الآخرين، تضطر حينئذ أن تعطيهم نموذجاً للتصرّف المطلوب.

- في المنزل غرباء:
في عالَم الحشرات، تمارس مستعمرات النمل سلطةً كاملة على أنواع عديدة من الحشرات. وحيث انّ النمل واثقٌ من قوته ومن سيطرته فهو يقبل بلا صعوبة وجود "طفيليات" تنتهي أحياناً بتعريضه إلى الخطر.
فمن المألوف في خليّة نملٍ كبيرة اكتشاف ديدان. وغالباً ما تكون دعاميص مغمدات الأجنحة (الخنافس والسوس). وحيث انّ النمل غير قادر على التمييز بينها وبين دعاميصه، فهو يعاملها مثلها: أي أنّه يعتني بها ويطعمها.
ولكنّ هذه الدعاميص ليست مُسالِمة، فهي تفترس بيض النمل، ومع ذلك فإنّ العاملات لا تنتبه إلى ذلك وتتابع نشاطها الدؤوب.
وأحياناً تختار مغمدات الأجنحة البالغة سكناً لها في عشّ النمل، فتسرق هي غذاء النمل، بينما تأكل دعاميصُها بيوض النمل. وحينئذ تصبح كلّ المستعمرة مهدّدة بالخطر، وذلك لأنّ الحَضْنَة (مجموع البويضات والدعاميص) تختفي تدريجياً. فتموت الخلية ببطء، بينما تبدو العاملات بلا حول ولا طول إزاء هؤلاء الغزاة الأقوياء.
وثمّة طفيليات أكثر مكراً. فحيث أنّها ضئيلة الحجم فهي تحفر لنفسها شبكة من الأنفاق تتناسب وحجمها، داخل جدار الخلية... ولا تبرح مكانها إلا لكي تذهب لسرقة الطعام والغذاء، ثمّ تعود لتختبىء على الفور بعيداً عن متناول النمل لأنّ الأنفاق الخاصّة بها هي من الضيق والصغر بحيث يعجز النمل عن ملاحقتها. ومع ذلك، فإنّها تنجح أحياناً في أسر بعضها فلا تلبث أن تطردها حالاً من العشّ.

ترجمة عن كتاب حياة النمل ديماي م. جاي "La vie des formis F. Dumail M. Jay".
المصدر: مجلة نور الإسلام/ العددان 5 و6 لسنة 1988م

ولتعزيز موضوعنا بدراسة حديثة انتقينا لكم آخر الدراسات المكملة لما طرحناه


النمل يضحي بنفسه لحماية الآخرين

 

 لنتأمل هذا الاكتشاف الرائع في عالم النمل وكيف أشار القرآن إلى هذه الحقيقة العلمية بما يشهد على إعجاز هذا الكتاب....
بعد دراسات طويلة أجريت على عالم النمل تبيّن للعلماء أن التضحية والإيثار موجود بكثرة في مجتمع النمل، ولكن الغريب أن النمل يضحي بنفسه ويموت من أجل حماية الآخرين!
ففي دراسة هي الأولى من نوعها وجد العلماء أن النملة المريضة تذهب بعيداً عن عش النمل، وتموت وحيدة، وقد فسر العلماء هذا التصرف بأن النملة تقوم بعمل بطولي حيث تقرر الابتعاد عن النملات خوفاً من انتشار المرض وهلاك المستعمرة بأكملها!
فلدى النملة ذكاء فطري، فهي بمجرد اشتداد المرض تضحي بنفسها وتسرع مبتعدة عن رفيقاتها وبالتالي تساهم في نجاة المجتمع من خلال تضحيتها وإيثارها. لأن بعض أمراض النمل معدية وتنتشر بسرعة مثل أمراض البشر!
هذا هو الدكتور Dr Michel Chapuisat من جامعة لوزان University of Lausanne يقول:
The workers left the nest voluntarily and were not carried away

النملات العاملات يتركون العش طواعية ولا ينتظرون حتى يتم حملهم!
في سنة (2009) اكتشف الباحثون أنّ النمل يضحي بنفسه في حالة الكوارث والفيضانات، فيمد جسراً من أجسامهم لتعبر عليه بقية المستعمرة، وقد يموت منها المئات تحت "أقدام النمل" وعلى الرغم من ذلك تبقى صامدة مضحية بنفسها من أجل الآخرين!
يؤكد العلماء أنّ النملة المصابة لا تنتظر حتى يتفاقم المرض ويحملها الآخرون، إنما تذهب برجليها إلى خارج المستعمرة وتتسلق الشجر لتموت وحيدة! إنها تضرب لنا نحن البشر أروع الأمثلة في التضحية والإيثار والتعاون والمحبة!
أيها الأحبة، إنني لا أملك إلا أن أقول: سبحان الله!! إن هذه الحشرات التي نظنها لا تعقل، قد نجد لديها عقلاً أكثر من بعض الناس! يقول تعالى: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) (الفرقان/44).
إن العلماء يؤكدون في أبحاثهم هذه على السلوك الاجتماعي لدى الحشرات، ويشبهونها بالبشر، ويرددون دائماً بأنها المرة الأولى التي يكتشفون فيها هذه الخصائص الاجتماعية لدى الحشرات أو الحيوانات بل حتى الطيور، لذلك نجد العلماء يعبرون بالحرف الواحد:
The discovery, published in Current Biology, is the first time that such behaviour has been shown in ants or any other social insect.
 أي أن مثل هذا السلوك الاجتماعي تم اكتشافه للمرة الأولى (وذلك عام 2010) ، ولا نعجب إذا علمنا أنّ القرآن أشار بوضوح كامل إلى هذه الحقيقة العلمية الجديدة، يقول تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (الأنعام/38)، ألا تستحق هذه الآية أن نتفكر فيها ونزداد إيماناً بهذا الخالق العظيم؟!
إنّ هذه الحشرات تقدم لنا نموذجاً ينبغي احترامه والتعلم منه والاقتداء به، فالتضحية والتعاون والإيثار ومحبة الآخرين كلها تعاليم جاء بها الإسلام وأمرنا بها النبي (ص)، ولكن للأسف نجد كثيراً من الناس ابتعدوا عنها، ولكن النمل يمارس هذه العادات الحسنة منذ ملايين السنين!
لذلك لن نقول للملحدين عودوا إلى مبادئ الإسلام، بل نقول لهم: تعلموا من النمل أصول المحبة والتعاون والبر والتضحية ... فإذا اقتنعتم بذلك، فاستمعوا معي إلى هذا النداء الإلهي الرائع: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر/ 8-10) ... بالله عليكم هل يمكن أن يصدر مثل هذا الكلام المليء بالرحمة والمحبة والعدل من إنسان يتهمونه بالإرهاب والتخلف والعنف؟؟ إن هذه الآيات وهذه المعجزات لهي خير شاهد في هذا العصر على صدق رسالة هذا النبي الكريم، وصدق رسالة الإسلام.

ارسال التعليق

Top