• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

بر الوالدين بين خط الطاعة وخط الإحسان/ ج1

بر الوالدين بين خط الطاعة وخط الإحسان/ ج1

◄ما هو الخطّ الذي يرسمه القرآن الكريم للأدب الاجتماعي في علاقة الأسرة ببعضها على مستوى السلوك الفعلي أو الانفعالي؟ هل هو الخطّ الذي يمثّل ذوبان الشخصية في مسألة الاحترام الإنساني الذاتي تجاه الأشخاص الذين أراد لنا أن نحترمهم ممَن تربطنا بهم رابطة الأبوة والبنوّة في دائرة الآباء والأبناء؟ أو هو الخطّ الذي يمثّل التوازن الذي يمنح العاطفة امتدادها في الإحساس الشعوري لتتحوّل إلى ممارسات عملية إنسانية تثير الكلمة الحلوة، والأسلوب الطيِّب، والمعاملة الحسنة، والجوّ الحميم، في الوقت الذي يعطي للشخصية خصائصها في قضاياها الخاصّة فيما تراه من المصالح والمفاسد المتصلة بحياتها في شؤون العمل والعلاقات والتطلّعات، أو في مسائل الفكر والانتماء فيما يملكه الإنسان من قناعات، أو يؤكده من مواقف أو ينتمي إليه من دوائر حركية على صعيد الأشخاص أو الأديان أو الأحزاب.

ربّما يتخيل بعض الناس، أنّ المسألة تنطلق في المفهوم العام وفي التشريع في الخطّ الأوّل، فلابدّ للولد أن ينحني بإرادته أمام والديه، فلا رأي له أمام رأيهما، ولا كلمة أمام كلمتهما ولا موقف أمام موقفهما، ولا انتماء له خارج انتمائهما، فهو جزء منهما، أو فرع منهما، وعلى الجزء أن يتكامل مع الكلّ، وعلى الفرع أن يحمل خصائص الأصل.. وربما توحي بعض الأحاديث بأنّ للأب معنى يختلف عن الأُم في ذلك لأنّ العلاقة العضوية بالأب - من خلال النطفة - أقوى من علاقة الأُم التي هي وعاء. ويقدّمون أمام هذه الفكرة بعض الأحاديث التي تحمل بعض الإيحاء بذلك في إطلالتها على العنوان القرآني الذي هو الأصل في قضية الخطوط التفصيلية للمفهوم وللتشريع في الإسلام.

فقد جاء في حوار الحسين بن أبي العلاء مع الإمام الصادق (ع) قال: - في سياق حديثه معه - "فقلت له: فقول رسول الله (ص) للرجل الذي أتاه فقدّم أباه فقال له: أنت ومالك لأبيك".

وفي حديث الامام جعفر الصادق - كما جاء في كتاب الكافي - أنّ رجلاً أتى النبيّ (ص) فقال: "أوصني قال: لا تشرك بالله شيئاً وإن أحرقت بالنار وعذبت إلّا وقلبك مطمئن بالإيمان، ووالديك فأطعهما، وبرّهما، حيّين كانا أو ميّتين، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك فافعل فإنّ ذلك من الإيمان". فقد نستفيد من هذين الحديثين، أنّ الابن لا يملك أمام أبيه شيئاً، فلا حرّية له أن يتصرّف في نفسه وماله إلّا من خلال إرادة أبيه، تماماً كما هو العبد بالنسبة إلى سيِّده، وللأب كلّ الحرّية في كلّ تصرّفاته معه، حتى إنّه يملك توجيه الأمر إليه بالخروج من أهله وماله، فلابدّ له من تطليق زوجته وبذل ماله إذا أمره بذلك، أو إذا أمرته أُمّه بذلك، كما في الحديث الثاني.

ولكنّنا لا نتصوّر المسألة - في المفهوم الإسلامي - بهذه المثابة، فإنّ هناك فرقاً بين عنواني "الإحسان" و"البر"، وبين عنوان "الطاعة"، كما أنّ هناك بوناً شاسعاً بين "ذوبان الشخصية" و"فقدان الاستقلال" وبين الحقّ.

وذلك لأنّ الإحسان حالة إنسانية تتصل بالعاطفة، وترتبط بالسلوك في هذا الجوّ، كما إنّ البر يوحي بحسن المعاملة والانفتاح على الخير، والموقف الذي يقفه في دائرة مصالحه العامّة والخاصّة على مستوى قضايا المصير في الدنيا والآخرة، في حركة المسؤولية الخاضعة لحسابات دقيقة في علاقة الإنسان بالله، كعنوان كبير من عناوين الطابع الشمولي لشخصيته، من دون أن يكون للعاطفة أي دور فيها إلّا فيما يتصل منها بالمفردات الشرعية العملية مما يفرضه الجوّ، ويتحرّك مع الإحساس.

وهذا ما لاحظناه في تأكيد القرآن الكريم على عنوان الإحسان في كلّ الآيات التي تعرّض فيها لعلاقة الابن بأبويه ولم ترد كلمة الطاعة في أي آية من الآيات كما نلاحظ:

(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (النساء/ 36)، (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء/ 23-24).

(وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (العنكبوت/ 8).

(وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (لقمان/ 14-15).

(وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (الأحقاف/ 15).

إنّ النظرة الدقيقة إلى هذه الآيات توحي بأنّ المطلوب هو إثارة الشعور الإنساني المسؤول في عاطفة الولد تجاه والديه ليحسن معاملتهما، فلا يتعقد من طباعهما السيِّئة، ومزاجهما السلبي، وأوضاعهما الصعبة التي قد يفرضها تقدمهما في العمر، فينعكس ذلك على حاجاتهما المعقّدة المرهقة وهذا ما لاحظناه في التأكيد على التحذير من رد الفعل تجاه مشاكل الأبوين في سن الشيخوخة؛ (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا).

ثمّ الإيحاء بضرورة الخضوع لهما فيما قد يسيئان به إلى الولد من الكلمات القاسية التي قد ترفضها كرامته مما لا يتقبله من غيره باعتبار أنّ ذلك قد يوحي إليه بالذل في موقفه.. وتنطلق الإيحاءات القرآنية لتؤكد له أنّ إساءة الوالدين لولدهما لا تمثّل انتقاصاً من قيمته، ولا توحي بأي حالةٍ من حالات الذل، لأنّ طبيعة العلاقة في عمقها الإنساني تختزن الوحدة من خلال امتداد وجوده من وجودهما، ليكون بمثابة الظل لهما في امتداد حياته، مما لا يجعل المسألة إساءة شخص لشخص بل انفعال جزءٍ، ولذلك كان الإيحاء له، بأنّ هناك ذُلاً في القيمة، وهو ما يرفضه الإسلام للمؤمن الذي جعل الله العزة له كما جعلها لنفسه وللرسول (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (المنافقون/ 8).

وهناك ذل في الرحمة، وهذا ما يريده الله للولد في علاقته بوالديه فينحني أمامهما ويخضع لهما، ويبتسم لشتائمهما على أساس الرحمة لهما التي تنطلق من وعيه لأوضاعهما القاسية ومزاجهما المتعب، وظروفهما الصعبة، الأمر الذي يبتعد عن الإحساس بالذل في العمق، ليكون رحمةً تحمل في داخلها صورة الذل التي تثير أي إحساس مضاد للذات في حركة الشخصية.

أمّا القاعدة التي ينطلق منها (جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) فهي الذكريات الحميمة التي يحملها الإنسان في نفسه للماضي القريب والبعيد عندما كان صغيراً، حيث يتذكّر كيف كانا يحضنانه ويحملانه ويتحملان منه الكثير مما يسيء به إليهما في مزاجه وحاجاته وأوضاعه، وكيف كانا يفديانه بنفسيهما من دون عقدة ولا منّة ولكنّه الشعور العاطفي العفوي الطاهر الذي تفرضه الأبوة والأُمّومة في ذاتهما.

ولهذا فإنّه يرتفع بروحه التي تعيش الرحمة تجاههما ليطلب من ابنه الرحمة لهما جزءاً لما قاما به من تربيته صغيراً، ليلتقي إحساسه الذاتي بالرحمة لهما في خفض جناح الذل بالرحمة الإلهية التي تنطلق في إحساسه بالدعاء، ليعيش معهما في أجواء الرحمة.

وفي الآية الثالثة حديث عن الإحسان في مقابل الحديث عن الامتناع عن التجاوب معهما فيما يريدانه منه من الشرك بالله في الطاعة وفي العبادة، لأنّ الإحسان لا يعني مراعاة شعورهما في الابتعاد عن مواقع طاعة الله، بل يعني الانفتاح عليهما من ناحية ذاتية على سبيل المبدأ.

وفي الآية الرابعة، دعوة للشكر لله وللوايدين باعتبار أنّهما السبب المباشر في وجوده، كما أنّ الله هو السبب الأعمق فيه، بالإضافة إلى ما تمثّله رعايتهما له من نعمةٍ لابدّ أن يقوم بشكرها لأنّ من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق.

وفي الإشارة إلى حمل الأُم وإرضاعها له في عامين إيحاءٌ بالنعمة الكبيرة التي هيّأها الله له من خلالها ليتحسس شكر الله في شكره لأُمّه، ويأتي التأكيد على ما أكدت عليه الآية السابقة من أنّ الطاعة لهما من خلال ما قد يفرضه الإحسان منها، لا تمتد إلى حالات معصية الله وترك طاعته، إذا كانت رغبتهما في ذلك، لأنّ إحسان العبد لربّه لابدّ أن يفوق إحسانه لعبدٍ مثله حتى لو كان ذلك الشخص أباه أو أُمّه.

وخلاصة الفكرة، إنّ الإحسان إلى الوالدين والشكر لهما هو صورة من صور رضا الله التي ينبغي للعباد أن ينطلقوا إليها، ولهذا لا يمكن أن تؤدي إلى التجاوز لحدود الله والابتعاد عن رضاه، الأمر الذي يبقي الإحسان مقيّداً بحدود الشريعة.

وإذا كانت الآيات قد ركّزت على عنوان المعصية المطلوبة من الأبوين في عنوان "الشرك بالله"، فإنّنا قد نستوحي من ذلك أنّ المسألة لا تقف عند هذه الحدود بل تتجاوزها إلى الحالة التي يطلب فيها الأبوان منه ترك المستحبات التي أحبّ الله للإنسان أن يقوم بها، وإن كان تركها لا يشكّل سبباً لسخط الله، ولكنّه سبب لفقدان محبّته، كما إنّ الخضوع لرغبات الأبوين في ذلك قد يكون شركاً خفياً عندما يقف الإنسان بين ما يحبّه أبواه بترك طاعة الله فيما يحبه، وبين ما يحبّه الله في إطاعته في ذلك، فيقدم طاعة أبويه على طاعة الله.

وفي ضوء ذلك نستطيع أن نفهم عدم وجوب طاعة الولد لأبويه إذا طلبا منه ترك العبادات والأعمال أو العلاقات المستحبة، لا سيما إذا كان القيام بها يزيد في إيمانه والتزامه وعلاقته بربه، بينما يؤدي تركها إلى أضعاف هذا الإيمان، كما نلاحظه في أمر الآباء والأُمّهات لأولادهم من الذكور والإناث، بعدم الذهاب إلى المساجد للصلاة وللدعاء والاستماع إلى المواعظ والدروس الإسلامية، مما قد يبعد هؤلاء عن الأجواء الروحية التي تغذيهم روحياً وفكرياً وتقوِّيهم إسلامياً.

وربما يثير البعض سؤالاً أمام هذا الاستنتاج الفقهي من خلال الحديث الذي جاء عن رسول الله (ص)، فيما روي عن الإمام جعفر الصادق (ع)، قال: جاء رجل إلى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله إني راغب في الجهاد نشيط، قال: "فجاهد في سبيل الله فإنّك إن تُقتل تكن حيّاً عند الله تُرزق وإن تمت فقد وقع أجرك على الله، وإن رجعت رجعت من الذنوب كما وُلدت"، فقال: يا رسول الله إن لي والدين كبيرين يزعمان أنّهما يأنسان بي ويكرهان خروجي، فقال رسول الله (ص): "فقرَّ مع والديك، فوالذي نفسي بيده لأُنسهما بك يوماً وليلة خير من جهاد سنة".

إنّ تعليقنا على هذا الحديث، هو أنّه - مع ضعف سنده - يثير مسألة التفاضل في الثواب بين استحباب الجهاد وإدخال السرور على الوالدين الكبيرين اللذين يحتاجان إليه في رفع وحشتهما وتدبير أمورهما - مع عدم وجوب الجهاد عليه - فليست المسألة مسألة إطاعةٍ لهما في ترك ما أحبّه الله، بل المسألة مسألة الإحسان إليهما في رعاية ظروفهما النفسية والعملية مما يجعل الثواب في ذلك، أكثر من الثواب في الجهاد، ولا يمكن أن نأخذ من ذلك قاعدة عامّة في اعتبار رغبة الأبوين مقدمة على أي عمل مستحب، فيما يدخل في مواقع رضا الله لا سيما إذا كان الأبوان يتعقدان من انفتاح أولادهما على الجوّ الإسلامي، وعلى الالتزام الإيماني، والتحرّك في خطّ الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله في ساحة الصراع المرير بين الحقّ والباطل.

وإذا أردنا أن نوافق هؤلاء الذين يرون هذا الرأي، فإنّ علينا أن نفسح المجال لكلّ الآباء المعقدين من الإسلام وأهله، من المسلمين التقليديين الرافضين للواقع الحركي الإسلامي، أن يمنعوا أولادهم من الانطلاق مع الاتجاه الإسلامي المنفتح على الحياة من خلال انفتاحه على الله في مسؤولياتها العامّة والخاصّة، وفي التزامهم العملي في بناء شخصيتهم الإسلامي روحياً، فيكون في ذلك لون من الإبعاد العملي عن التحرك في بناء الشخصية الإسلامية المتكاملة.

أمّا الحديثان اللذان أوردهما هذا الرأي، فقد نجد أنّهما لا يدلّان على الفكرة التي يريد أن يعالجها.

ففي الحديث الأوّل نجد أنّ الإمام الصادق يشرح للراوي مضمون كلمة النبيّ (ص) - بعد أن كان قد أجابه بأنّه لا يحل للأب من مال ولده إلّا قوته بغير سرف إذا اضطر إليه، باعتبار أنّه يمثّل النفقة الواجبة للأب على الولد - قال: إنّما جاء بأبيه إلى النبي (ص) فقال: يا رسول الله هذا أبي وقد ظلمني ميراثي من أمي فأخبره الأب أنّه قد أنفقه عليه وعلى نفسه، فقال (ص): "أنت ومالك لأبيك"، ولم يكن عند الرجل شيء، أفكان رسول الله (ص) يحبس الأب للابن.

فنحن نلاحظ أنّ الإمام الصادق (ع) يضع القضية في نصابها الطبيعي، وهو أخلاقية المسألة في علاقة الابن بأبيه، بحيث تكون الكلمة إيحاءً أخلاقياً عاطفياً يجتذب إحساس الولد الذي جاء يشكو أباه لرسول الله ليحبسه على أساس أنّه ظلمه ميراثه من أُمّه، مع دفاع الأب عن نفسه بأنّه قد صرفه في وجهه الشرعي فلا حقّ له عليه، فكأنّ رسول الله (ص) أراد أن يذكّره بأنّ أباه كان أساس وجوده وبالتالي، كان الأساس في التفاصيل الأخرى كالحصول على ماله، فليس للكلمة أيُّ بُعدٍ قانوني، أو أيّ مفهوم إسلامي، يضع الولد في نطاق التبعية الذاتية العملية للأب، فيما توحي به كلمة ذوبان الشخصية، فإنّ الحديث يؤكّد استقلال الولد في ماله من دون أن يكون للأب الحقّ في الأخذ منه إلّا في حقّه الشرعي من النفقة.

وأمّا الحديث الثاني فهو ضعيف السند، مع ملاحظة أنّ ظاهره هو دلالة ذلك على مستوى التضحية الكبيرة التي يقدمها الابن لإرضاء والديه بالرغم من الحرج العظيم المترتب على ذلك. ومن عدم وجوب ذلك عليه، فإنّه لا يمكن الالتزام بوجوب ذلك للطبيعة الحرجية النوعية في أمثال ذلك لا سيما إذا كان الموضوع ناشئاً من عقدةٍ ذاتية لدى الأبوين، أو لطمع شخصي عندهما وبذلك، كانت القضية في دائرة الحديث عن الدرجة العليا للإيمان لا عن الوضع الطبيعي له.►

 

يتبع...

 

المصدر: مجلة المنطلق/ العدد 71 و72 لسنة 1990م.

ارسال التعليق

Top