• ٤ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

سيدنا عزير.. نبي يجهله الكثيرون

د. عمرو خالد

سيدنا عزير.. نبي يجهله الكثيرون

لقد ذُكر النبي عزير (ع) في آية أو آيتين، وفي الحقيقة قصة سيدنا عزير تتضمن معانٍ مهمة ومفيدة يجب أن تعرفها، وهذه المعاني لم يتطرق إليها أحد، ولم يتكلم عنها أحد. فتعالوا نذكرها ونعيش معها، وهي قوله تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة/ 259).

- سلسلة متصلة:
هذه الآية واقعة بين آيتين الآية قبلها (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ...) (البقرة/ 258)، أمّا الآية التي بعدها: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى) (البقرة/ 260)، وكأنّ الآيات كلها سلسلة واحدة وكأنّ القصة التي سنذكرها هنا سوف تخدم قضية كبيرة يريد الله أن يوضحها لنا، فقالها في ثلاثة قصص مختلفة، مرة قالها لنا في "الآية 258"، ومرة قالها لنا في قصة عزير "الآية 259"، ثمّ قالها لنا مرة أخرى، إذن في هذه القصة يريد الله – عزّ وجلّ – أن يلفت نظرنا إلى شيء مهم جدّاً، وقصتنا كلها قائمة على هذا المعنى الكبير الذي يريد الله أن يوصله لنا، والذي ذكره لنا من خلال ثلاث قصص متتابعة وسنركز على القصة التي ذكرت في "الآية 259"، وسنلاحظ ملحوظة غريبة: إنّ أول كلمة في "الآية 259"، (أو)، ومعناها: أنها معطوفة على الآية التي قبلها، إذن توجد بينها علاقة، وإذا نظرنا للآية التي بعدها "الآية 260"، سنجد أول كلمة (حرف الواو) وهو حرف عطف كأنّ الله يريد أن يقول لنا: إنّ هذه الثلاث آيات شيء واحد فقط سأذكرها لكم بثلاث قصص مختلفة، لكي أوصلكم لمعنى كبير، وأريد أن نتساءل ونحن نتابع القصة ما هو هذا المعنى الكبير؟

- بنو إسرائيل والأنبياء:
تعالوا نبدأ القصة وهي قصة عزيز وهو نبي من أنبياء بني إسرائيل، جاء بعد موسى (ع)، وبعد داود وسليمان (ع)، وقد ذكر لنا القرآن الكريم أن بني إسرائيل قوم لا يؤمنون وقلوبهم قاسية شديدة القسوة، وكانوا كثيري الجدل، فكان من رحمة الله – عزّ وجلّ – أن أرسل إليهم أنبياء كُثُر من زمن يعقوب (ع) إلى زمن سيدنا عيسى (ع)، يموت نبي فيبعث بعده نبي آخر.
فلذلك ظنوا أنهم مقربون إلى الله – عزّ وجلّ – ولكن الله سبحانه وتعالى كان يعلم وله من الحكمة في ذلك وأنهم بعيدون عنه، وأنهم يكثرون الجدل، وهنا سنعرف أسباب وكيف تم بعث هذه الأنبياء وأولهم النبي عزيز، لماذا أرسل ولماذا الأنبياء كثيرون، وقد قال الرسول (ص): "لقد كان في الأمم من قبلكم محدثون"، وهذا معناه: أنّ الله بعث لكم أناس ملهمون أعطاهم الله البصيرة والرؤية والإلهام يقولون الكلام الذي يريد الله أن يوصله إلى عباده.

- لو نزلت علينا لاتخذناها عيداً:
لقد أكمل النبي (ص) لهذه الأُمّة كل الذي تحتاجه فقال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا...) (المائدة/ 3)، فأمّة محمد (ص) هي آخر الأمم، وهي ليست بحاجة إلى شخص مطلع على الغيب حتى يؤمن أفرادها، لذلك عندما يتكلم أي شخص لا تأخذ بكلامه وتقول: إنّه من الذين أعطاهم الله نعمة معرفة الغيب.
الآية واضحة، فإنّ الله قد أتم علينا ديننا وأكمل نعمته علينا، فهو هدانا إلى الإسلام وهو كتاب الله القرآن الكريم وسنة رسوله فهما المرجع لنا في كل سؤال وعمل.
رجل يهودي قابل عمر بن الخطاب وقال: يا عمر، عندكم في القرآن آية والله لو نزلت على بني إسرائيل لاتخذوها عيداً، فقال له عمر: وما الآية؟ قال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ)، فضحك عمر فقال اليهودي: ولم تضحك؟ قال: هي عيد لنا نزلت على رسول الله (ص) في يوم عرفة في يوم جمعة أوليس هذا بعيد؟ فسكت اليهودي، ومن الغريب أن ينتبه إليها اليهودي ولا ينتبه إليها المسلم فالشاهد أنّ الأُمّة هذه مؤيدة باكتمال الدين.

- ليثبت الله المسلمين:
الله تبارك وتعالى وضع للمسلمين أشياء كثيرة تثبتهم ليوم القيامة لتحافظ على المسلمين، منها صلاة الجمعة، ممكن للخطبة أن لا تكون ذات فائدة كبيرة ولكن اجتماع المسلمين مع بعضهم كل يوم جمعة هذه عادة يرسخها الله في المسلم، فبداية يجمع الأُمّة خمس مرات كل يوم، ثمّ يجمعهم مرة في الأسبوع في صلاة الجمعة، ثمّ يجمعهم مرة كل سنة مرة في رمضان ومرة في الحج، فانظر لثوابت الإسلام الذي يحفظ بها الأُمّة.

- دعوة لغير قومه:
عندما بدأ الله سبحانه وتعالى بإرسال الأنبياء بدأ بإرسال كل نبي إلى قومه؛ لأنهم أولى به وبهم ليهديهم إلى طاعة الله وكما قال في الآية: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) (التوبة/ 128).
فلذلك في الإسلام كل شخص يأخذ بأيدي الأقارب أوّلاً، ثمّ القربة التي يعيش فيها، ثمّ يبدأ يهاجر من بلد إلى آخر.
ولقد أرسل الله النبي عزير إلى بني إسرائيل، ولكن أمره الله أن يترك القرية التي عاش فيها، فجهز حماره وطعامه من العنب والتين لتكفيه في ترحاله إلى القرية التي حددها الله له.
فالقصة هنا غريبة، لأنّ الله أرسل كل الأنبياء إلى قراهم التي نشأوا فيها إلا عزيزاً لماذا؟

- انتبه هذه قضيتك:
أريد أن أنبه إلى حلاوة الدعوة إلى الله وطاعته، فكل نبي من الأنبياء أخذت الدعوة منه سنيناً طويلة وجهداً كبيراً وصبراً، وتحملوا المصاعب والعذاب والمشقة، فقصص الأنبياء كلها عبر لنا وهي الدعوة إلى أن نساعد الآخرين على فهم وضرورة طاعة الله والانقياد لأوامره والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مثال ذلك: سيدنا نوح (ع) ظل ألف عام يدعو الناس إلى طاعة الله سبحانه: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا) (نوح/ 5)، وسيدنا يونس الذي هاجر إلى بلد آخر ليدعو غير قومه فيسجنه في بطن الحوت، وأما آخر الأنبياء فهو محمد (ص) الذي جاء بالإسلام، فقد احتاجات دعوته إلى ثلاث وعشرين عاماً، فعاش بقية حياته لا يرحم نفسه يدعو الناس ليلاً ونهاراً حتى يوصل دعوته إليهم.
هل هذه قضية الشباب والرجال والنساء اليوم؟ ويا ترى هل ونحن ندعو الناس لننفرهم أم نحببهم في الدين؟ يا ترى هل ندعوهم ويجدون تصرفاتنا بعيدة عما ندعو إليه؟ هل نحن دعاة؟
سوف تقول لي: معلوماتي ليست كثيرة، أنا كثيراً لا أجيب على هذا السؤال، إن كان الذي تعلمته قليل، ولست مطالباً أن تكون عالماً من العلماء، يقول النبي: "بلغوا عني ولو آية"، أنت لا تعرف الآية الفلانية؟ ألا تعرف: (وأقيموا الصلاة) (البقرة/ 43)، لماذا لا تقول للناس أن يصلوا؟ لماذا لا تحبب الناس في دروس العلم؟ لماذا لا تأخذ شرائط دين وتعطيها لمن حولك؟ لماذا تحضر دروس العلم وحدك؟ لماذا لا تدعو أصدقاءك أن يحضروا هذه الدروس معك؟ أين أثرك على كل من حولك؟ هل تشعر بالمسؤولية تجاه دعوتك إلى الناس؟ أنت يا من تحضر دروس العلم إذا كنت لا تحسب نفسك من الدعاة فمن هم الدعاة إذن؟ هل ينتابك الأرق ليلاً؛ لأن أختك ليست محجبة؟ هل قضية الدعوة تشغلك فعلاً؟ وها نحن نذكر قصة عزير هذا الذي خرج من قريته ليأخذ بأيدي أهل قرية ثانية لا يعرفها؛ لأنّ الله أمره بذلك ولكن أنت أوصاك الله بأهلك وأقربائك وأحبائك وأصحابك.
أيها الشباب، أنتم مسؤولون منذ الآن عن الدعوة إلى طاعة الله، وأن يكون هناك ثقة بنفسك وأن تتعلم ولا تقول: لا أعرف.
أنا مررت في حياتي بهذه التجربة، أنا كنت لا أعرف كيف أدعو إلى الله وقررت أن آخذ بيد صديق أحبه جدّاً وأدعوه إلى الله ولكني لا أعرف غير أني حاولت وحاولت، يا إخواني، ارموا أنفسكم في بحر الدعوة وستجد نفسك نجحت بعد قليل، وستجد الله يفتح عليك فتوحات تأخذ القلوب؛ لأنّ الدعوة إلى الله هذه فن وصنعة مثلها مثل أي صنعة تتعلمها، فقط تعلم.

- المفاجأة:
تحرك عزير وركب على حماره، وأخذ أكله ووصل للقرية فكانت المفاجأة أنّه لم يجد أحداً في هذه القرية، هل أنت متخيل؟ قال الله له: اذهب إلى الأرض الفلانية والمكان الفلاني وذهب كما قال الله له بالتحديد، ولما وصل وجد الدنيا مهدومة، يلف القرية ولا يجد بشراً، أين الناس؟ لا يوجد زرع ولا توجد حيوانات وليس هذا كل شيء إنما البيوت مهدومة، لا توجد بيوت في هذه القرية ما هذا لماذا جئت إلى هنا؟ يا رب لماذا أرسلتني إلى هنا؟ لا يوجد أحد هنا أدعوه. أنا أريدك أن تتخيل نفسك مكان سيدنا عزير (ع) وصلت القرية ولم تجد أي شيء إطلاقاً بل وجدت دماراً وخراباً فعلاً كلمة: (خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا) (البقرة/ 259)، بمعناها الحرفي، أي: العروش وهي السقوف قد تهدمت تماماً ثمّ وقعت الجدران على السقف من شدة الدمار والخراب، فتخيل أنك تدخل مكاناً ستفكر في الآتي: أوّلاً أنا أتيت لمكان خاطىء، أليس كذلك؟ والجواب لا هذا هو المكان الذي حدده الله، السؤال الثاني هو: أين الناس؟ ربما يكونون في مكان آخر وأنا لا أراهم، أبحث بين الحطام ربما أجدهم لكنك بحثت ولم تجد جنس إنسان، بعد ذلك سيأتي إلى ذهنك السؤال الثالث وهو: ربما أخبرني الله بمكان خطأ – أستغفر الله العظيم معاذ الله – يستحيل.

- استسلام وإذعان:
إذن لا يتبقى أمامك غير السؤال الرابع والأخير وهو: ماذا أفعل؟ هو أعود إلى بلدي لأني لم أجد ما ذهبت لأجله؟ لكن عزيراً لم يفعل ذلك، لأنّ ثقته بالله أكبر، لأنّ الله أرسله في هذه المهمة وهو يريد أن يتمها كما أمره الله؛ الله سيحيي الأرض.
ماذا لو كنت مكان عزير هل كنت ستعود إلى قريتك وتقول: إني لم أجد أحداً أدعوه، أو تثبت في مكانك؛ لأنّ الله سوف يحيي الأرض هذه، انظر إلى ثقة هذا النبي بربه ونحن أيضاً يجب أن تكون ثقتنا بالله كبيرة، لأنّه سينصرنا وهذه الأرض للمسلمين. ودليل قول الله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ...) (النور/ 55).

- لا تفهم خطأ:
قال تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا) (البقرة/ 259)، (أنَّى) هنا لا تعني مستحيل ولكنها تعني: أنّ الله سبحانه وتعالى سيحيي هذه الأرض، ولكن أراد عزير أن يرى كيف أنّ الله سيحييها وأنّه يريد أن يرى ذلك بنفسه رؤية العين.
ولكن معاذ الله أن يكون معنى (أنَّى): أنّ الله لا يستطيع أن يفعل، أي: أن يحييها ولكن أراد أن يرى بعينيه كيف يتم ذلك الإبداع ولقدرته على كل شيء. مثل قول سيدنا إبراهيم: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (البقرة/ 260)، إذ قال: أنا مؤمن ولكن ليطمئن قلبي، أي: أراد أن يرى رؤية العين ليطمئن قلبه، وهذان الموقفان متشابهان أرادوا بذلك الجمع بين الدليلين، الدليل القلبي الموجود فعلاً والدليل العيني: الرؤية.

- بين علم اليقين وعين اليقين:
هناك شيء اسمه: علم اليقين وشيء اسمه: عين اليقين، الآية تقول: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ) (التكاثر/ 1-7)، عين اليقين متى يراها الإنسان؟ في يوم القيامة في الآخرة، ولأن سيدنا إبراهيم (ع) كان يعلم ما هو علم اليقين وعين اليقين، فالبشر علموا ما هو علم اليقين، أما عين اليقين فهو منحة ربانية أُعطيت للأنبياء فقط ولكن بعد أن اختبر الله الأنبياء سنين طويلة، فقد أعطاها لعزير ولسيدنا إبراهيم (ع) ولسيدنا محمد (ص).
فالنبي عزير اختير بأن أرسل إلى قرية لا يوجد فيها أحد من الإنس أو الأحياء وظل منتظراً أمر الله، أما سيدنا إبراهيم فهو اختُبر عدة مرات: في النار التي كادت تحرقه، ذبح ابنه، أما رسول الله وخاتم الأنبياء فاختبر بإيذاء قومه وأهله له فصبر وجاهد وأكرمه الله برحلة الإسراء والمعراج.

- ثقة عزير؟
سيدنا عزير (ع)، هو موقن أشد اليقين أنّ الله سيحيي هذه القرية لكنه يريد أن يرى عملية الإحياء بعينه، الموضوع انتهى في ذهنه انتقل لمرحلة جديدة وهي مرحلة الرؤية بالعين هل ثقتك في الله هكذا؟ هل ثقتك في الله أنّه سيغفر لك؟ هل ثقتك في الله أنّه سوف يسترك عند معصيتك؟ هل ثقتك في الله أنّه سوف ينصر الإسلام ويرد فلسطين والمسجد الأقصى؟ هل أنت واثق؟ هل عندك ثقة عزير؟
يا إخواني، إنّ اليقين أجمل شيء في الإنسان وهو الثقة بالله، فهذا يجعلنا أقوياء ولا نخاف وعلى يقين أنّ الله لن يضيّعنا لأنا موصولون به، والالتزام الديني هو ما يجعلنا أكثر ثقة بالله، وأكثر يقيناً وقريبين منه.
لذلك عندما نشاهد ما يحدث للمسلمين في كل مكان عبر القنوات الفضائية من حروب وويلات ومذابح وغيره لا نفقد ثقتنا به، بل نكون على يقين أنّه سينصر الإسلام. لا تجعل اليأس يدخل إلى قلبك أو عقلك أو الإحباط يملأ حياتك.
فالدعوة ضرورة إلى كل الناس، الكافر وحده هو الذي يملأه اليأس؛ لأنّه ليس له ثقة ويقين بالله كالمسلم.
هناك من الشباب ليس له هم أو عمل في الدنيا إلا امرأة يلهو بها، أو أن يتعاطى المخدرات أو ما شابه، ولو قارنا ذلك بعزير لوجدنا الفرق الشاسع أيهما أفضل وأطول عمراً وأسعد، الذي يدعو الناس إلى الله وطاعته ويهدي الناس إلى طريق الحق أم شباب اليأس واللهو واللعب؟

- ولكن الله يريد الجن!
صعد عزير إلى قمة جبل ووضع طعامه وشرابه وربط حماره، وجلس ينتظر مشاهدة عملية الإحياء ويتمنى أن يرى أنّى يحيي هذه الله بعد موتها، لكنه أحب أن تكون المشاهدة من وجهة نظره هو، كيف هذا؟ لنوضح أكثر فلنضرب مثلاً: تريد أن تشاهد كيف ينصر الله المسلمين في فلسطين فترسم سيناريو خيالي في ذهنك، وتظل تتخيل سيحدث كذا ثمّ كذا وبعدها كذا؛ لأنّ هذا هو أقرب شيء للعقل البشري وكلنا متخيلون نفس السيناريو ولكن الله يحدث نصرة للمسلمين في فلسطين بطريقة أخرى لماذا يا رب يحدث هذا؟ لكي يجعلك الله على يقين تام أنّه هو من يحرك الأمور وليس أنت؟ مثلما حدث للنبي حينما خرج يدعو أهل الطائف، مائة كيلومتر على قدميه.. مجهود دعوي خارق، هل مشيت مائة كيلومتراً؟ تخيّل تمشي من مصر للطريق الصحراوي، تخيل المسافة وذلك من أجل أن تدعو إنساناً واحداً في الطريق الصحراوي، فالنبي يقطع المسافة هذه كلها إلى أن يصل للطائف، وما النتيجة؟ بمقاييس البشر صفر، يقف ليصلي في الصحراء ركعتين وقدمه تؤلمه فيحدث له شيء عجيب جدّاً، تأتي مجموعة من الجن فيسمعون كلامه فيؤمنون به، فتؤمن أمة الجن! هو ذاهب للبشر، هو لم يخطر في باله موضوع الجن إطلاقاً، هو يريد هداية الناس لكن الله يريد أن يقول له: أنت بذلت مجهوداً وستجزى على هذا المجهود لكن ليس من نفس الطريق الذي سلكته حتى لا تظن أن مجهودك هو الذي أتى بالنصر، أنت لابدّ أن تبذل مجهوداً لكن الذي يجلب النصر رب الوجود، أنا بذلت مجهوداً هنا يا رب، نعم ولكن لا تغتر ولا تظن أنه أنت الذي تُسيِّر الأمور، أنت لا تفعل أي شيء، أنت تقول: يا رب فقط، أحد الدعاة يقول كلمة جميلة جدّاً يقول: "نحن ستائر نستر القدرة ونأخذ الأجرة"، نستر قدرة الله؛ لأن قدرة الله لو تجلت للناس كلهم فسوف يؤمنون، فلابدّ أن يظل شيء يحرك هذه القدرة، وهذا الشيء يكون غير ظاهر فأنت هذا الشيء بضعفك هذا وإمكانياتك المحدودة هذه تستر القدرة، أنت تحرك القدرة ولا تفعل شيئاً، وفي النهاية تأخذ الأجر وتدخل الجنة، فعزير يريد أن يشاهد آية الله في إحياء الموتى فوقف على رأس الجبل فالله قال له: ستشاهد قدرتي في عملية الإحياء ولكن ليس بالصورة التي تخيلتها في ذهنك ولكن بصورة مختلفة تماماً: (فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ)، شيء مختلف تماماً غير الذي هو يفكر فيه، أماته مائة سنة.

- وكان أمر الله مفعولاً:
قال تعالى: (فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ)، ولماذا رقم مائة هذا؟ لا يوجد في القرآن أي شيء جزافاً وسنتناول هذا الموضوع فيما بعد حتى تتشوق لمعرفة الإجابة: (فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ)، ما الموضوع الذي تركز عليه الثلاث آيات؟ دعونا نتذكر عملية إحياء الموتى: من الذي يحيي ويميت؟ يريد الله بالثلاث آيات هذه تعميق وترسيخ لفكرة الموت والإحياء داخل قلوبنا وعقولنا أنها بيد الله، لكن لابدّ أن تبقى تلك الفكرة حية لدينا طوال الوقت، أنت ذاهب لتنام خائف أن تعصي خشية أن تكون هذه آخر ليلة في عمرك، كيف تنام على معصية في الليل؛ لأنّ الليل ستار لكن قضية الحياة والموت حية في قلبه، كيف يعصي في الليل وهو ممكن أن يموت في الصباح؟ كيف تنام ليلة وأنت عاص؟ كيف تسافر وأنت عاص؟ كيف تركب طائرة وأنت عاص؟ كيف تذهب للامتحان وأنت عاص؟ انضبطت حياة بني آدم؛ لأننا أدركنا أننا سوف نموت والكفار يعلمون أيضاً أنهم سيموتون لكن الحياة والموت في حياة المؤمن معناها انضباط الحياة؛ لأني سأموت فلابدّ لحياتي أن تنضبط.

- سبحان المبدىء والمعيد!
قال تعالى: (فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ)، من الذي قال؟ فيها اختلاف هل الله الذي قال له أم وحي أنزل إليه؟ لقد أرسل الله وحي من عنده ليبلغه كم لبثت، فنظر إلى شعره ووجهه وطعامه ولحيته وأظافره وشاربه فهي لم تتغيّر وسأله: كما لبثت؟ قال: يوماً أو بعض يوم، أو عدة ساعات، فقال له الوحي، (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ)، تخيلوا لو حدث هذا معكم، وقال لعزير: لم تريد أن ترى كيف يحيي الموتى؟
يا إخواني، هل تتخيلون قدرة الله ومعجزاته بأنّه بعد مئة عام لم يتغير منه شيء كما نزل في قوله تعالى: (كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ)، وهذا معناه أنّ الله قادر على كل شيء، لأنّه حتى الطعام لم يمس وحافظ على رائحته اللذيذة الزكية كأنّه طبخ الآن.

- إيمان مرئي:
قال تعالى: (انْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ) (البقرة/ 259)، فإذا الحمار أصبح هيكلاً عظيماً والعظم تكسر والعظم تنخر وأصبحت العظام رثة وتناثرت في الأرض فعلاً قد مر عليه مائة سنة، إذن الموضوع انقسم قسمين معاكسين تماماً، أكل وشرب مر عليه يوم، وحماره مر عليه مائة سنة، ما هو الموضوع يا إخواني؟ ليس الإحياء والموت فقط هو المراد، هناك معنى كبير جدّاً هنا وهو سيطرة الله على الزمن، جعل الله المائة سنة للأكل وعزير مثل ماذا؟ مثل يوم، وجعل الله المائة سنة للحمار مائة سنة في نفس المكان وعزير كان يطلب من الله مشاهدة عملية إحياء القرية، فقال له الله: بل ستشاهد ما هو أصعب من هذان شيئان جنب بعض يظلان نفس المدة واحد يمر عليه المائة سنة كيوم، والثاني يمر عليه المائة سنة مائة سنة! هذه قدرة فريدة، وهنا نفكر في اسم من أسماء الله الحسنى لم نفكر فيه من قبل: القابض والباسط، حتى في هذا الزمن الناس كلها تفكر في القابض والباسط للرزق وللأرواح ولكنه ليس القابض الباسط للرزق والأرواح فقط إنّه يقبض الزمن أيضاً، وأعطيك مثلاً عجيباً على هذه الحكاية، يقول النبي (ص) عن يوم القيامة: "كيف بكم ذا جمعكم ربكم خمسين ألف سنة يوم القيامة لا تأكلون أكلة ولا تشربون شربة؟"، فبدأ الصحابة يغطون وجوههم ولهم صوت بكاء: خمسون ألف سنة لا نأكل ولا نشرب، فنظر إليهم النبي (ص) وابتسم وقال: "وإنما تمر على المؤمن كركعتين خفيفتين يصليهما"، من الذي بيده الزمن يا إخواني؟ يسيطر على الزمن فيبسط الزمن ويقبضه أمام نفس الإنسان، عرفت لماذا تقول: أنا مرت علي الساعة هذه كأنها مئة سنة؟ وأحياناً تقول: كنت أظن أنّ هذه المصيبة ستدمر حياتي لكن الله جعلها عليَّ كأنها ساعة من نهار فسبحان الله بيده الزمان.

- ما هو حق اليقين:
معنى جديد لم نفكر فيه من قبل، فكنت أقول: هناك علم اليقين وعين اليقين ولكن هناك مسألة ثالثة وهي حق اليقين: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) (الواقعة/ 95)، حتى تظل الأمور واضحة في ذهنك إذا قيل لك: هناك شجرة في مكان معين والشجرة هذه عليها ثمرة، فهو أخبرك بهذا، أنت لم تر فهذا علم اليقين عرفت أن هناك شجرة، عرفت أن هناك جنة لكن لم تر، هذا علم اليقين، إن رأيتها بعينيك هذا هو عين اليقين أما حق اليقين: أن تتذوقها إن شاء الله.

- في علم الله:
قال تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ)، في علم الله أنّ الله سبحانه وتعالى وضع الاثنين أمام عزير ولكن أيضاً هنا معناها: أنّ الله هو الباسط والقابض والرازق وهذا يعني قابض الأرواح وهو يرزقها أيضاً.
هناك استوقفني سؤال افتراضي لأحد العلماء وهو: أنّ القبر هو إحساس صعب جدّاً فلذلك هناك فرق كبير جدّاً بين الذي يموت قبل يوم القيامة بألف عام وبين الذي يموت قبل يوم واحد، والرد هنا أنّ الله سبحانه وتعالى له قيمة الزمن تتغير عند البشر فهو يستطيع أن يكبره أو يصغره.
فسبحان الله هو الذي يملك بيده كل الكون وهناك حديث للنبي (ص) يعطيك نفس معنى الآية: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ...) (الزمر/ 68)، فيقول: من بقي يا ملك الموت؟ فيقول: بقي جبريل وميكائي وإسرائيل وعبدك يا رب، اقبض روح جبريل، واقبض روح ميكائل واقبض روح إسرافيل، اقبض روحك يا ملك الموت، الشاهد الذي أريد أن أستدل به، يقول النبي (ص): "فينادي الله – عزّ وجلّ – لمن الملك اليوم، لمن الملك اليوم، لمن الملك اليوم؟" يقول النبي: "فيظل يرددها أربعين"، النبي لم يقل أربعين يوماً أو أربعين شهراً أو سنة، لا فرق؛ لأن قيمة الزمن لم يعد لها قيمة، لا قيمة للزمن واليوم والساعة والثانية، هذا الكلام لديكم أنتم، لكن عند الله تبارك وتعالى أربعون، هذه كنهها يرجع إلى الله تبارك وتعالى لا أنا ولا أنت نعرف الأربعين هذه عبارة عن ماذا أو شكلها.

- هيا اركب الحمار يا عزير!
تخيل أن عزيراً ينظر لطعام الأمس مر عليه يوم، وينظر للحمار الذي مر عليه مائة عام ميت لكن الله يجعل عزيراً يرى معجزة ثانية قال تعالى: (فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ)، أمّا الآية التي بعدها أو المعجزة التي بعدها: (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ)، سوف نجعلك أنت يا عزير آية للناس، اخرج وانظر للقرية لتر ماذا حدث لها، لقد أحييتها في المائة عام الماضية، أي: أثناء نومك، كأنّ الله قال له: أنت تريد أن ترى معجزة واحدة؟ لا أنا سأريك أكثر من معجزة، معجزة الزمن، كيف أغير الزمن والأشياء في نفس الوقت الواحد، والمعجزة الثانية: معجزة إحياء القرية وسوف ترى معجزة ثالثة، وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحماً، فوجىء بمعجزة عجيبة جدّاً وهي أنّ الحمار الذي أمامه: العظم المفتت هذا والمتناثر بدأت العظمة ترتفع من على الأرض وتتجمع وتوضع في مكانها، أتعرفون معنى كلمة ننشزها؟ إنها آتية من كلمة (النشوز) يقال لك: المرأة الناشز يعني: المفارقة لزوجها غير الطائعة له فسميت ناشزاً، كانت العظام ناشزة، أي: متفرقة متباعدة سنجمعها فوق بعضها ونلغي النشوز الذي فيها، سبحان الله تبارك وتعالى فبدأت العظام تتجمع فوق بعضها! تخيل وأنت ترى هذا المنظر أمامك: العظم يتجمع فوق بعضه وعظم يصعد من الأرض والعظمة التي كانت منخورة تستقيم، ثمّ يشتد عودها ثمّ تجمد، ثمّ العظمة تتركب على العظمة التي بعدها ثمّ تلتحم فيها وفجأة ترى أمامك؛ هيكلاً عظمياً، وانظر إلى العظام كيف ننشزها، المرحلة الأولى نرفع النشوز، ثمّ نغير النشوز فتجد أمامك هيكلاً عظمياً متكاملاً، ثمّ نكسوها لحماً! بدأ عزير ينظر فوجد هيكل الحمار يتكوّن عليه اللحم ويبدأ العظم يتغطى بأوعية دموية، تخيل يرى عملية الإحياء ويشاهدها بشكل متكامل: عظم يغطى باللحم إلى أن يصبح حماراً، هيا اركب الحمار يا عزيز، فركب الحمار ثانية، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء! الله يحكي لنا هذا الكلام لماذا؟ حتى تعمل به في حياتك؟
يا أخي، لابدّ أن يكون عندك ثقة في الله املأ قلبك باليقين بمالك الملك وهو الله.
لماذا تخاف على رزقك؟ لماذا تخاف على مالك؟ لماذا أنت خائف من الغد؟ ألا ترى قدرة الله؟ ألا ترى سعة ملكه؟ يا إخواني، إياكم أن تظنوا هذا الكلام حكايات، يا أخي، الله قادر على أن يجعل قلبي يشعر أن مالك الملك هو الله، نحن نريد أن يصحو القلب، قل: أنا متوكل فعلاً على الله، وأنا مسلّم كل أمري إلى الله، وأنا راض بفعال الله تبارك وتعالى في حياتي.

- يوماً ما ستصل:
وبدأ يركب حماره وينزل إلى القرية مرة أخرى، كل هذا فعله الله له في يوم؛ كل الآيات هذه أحيت القرية، والحمار الذي كان عظاماً رجع حماراً ثانية وهو تغير عليه الزمن ما بين طعامه وما بين حماره فسبحان الذي بيده كل شيء، ولذلك انظروا الآية التي بعدها والآية التي قبلها ستجدون نفس المعنى، وهو أنّ الله يريد أن يقول لك: ثق أنّ الإحياء والإماتة بيده وحده، الله يرسخ فينا هذا المعنى، انظر الآية التي قبلها تقول: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ...) (البقرة/ 258)، ويبدو أن سيدنا إبراهيم متعمق لديه هذا المعنى ففي آية أخرى تسمعه يقول: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) (الشعراء/ 78-81)، قضية حياتي وروحي هذه ليس من ملكي بقاؤها في جسدي أو خروجها مني بل هي ملك لله تبارك وتعالى.
أخي، إنّ هذا المعنى يجب ألا يكون راسخاً فقط في أعماق نفسك بل اشعر به أنّه لا فرق لديك بين الحياة والموت؛ لأنها ملك الله تبارك وتعالى، أنت اعمل شيئاً واحداً واعزم أنك ستظل تعمل على رضى الله حتى يريك حق اليقين، ستظل ترضيه إلى أن يدخلك الجنة، ستعيش من أجل إرضاء الله، وابتعد عن الشهوات وحب الدنيا، لأنّ الحياة والموت ملك الله.
نظرية الإسلام أنها تركز لك على هذه القضية، قضية الحياة والموت أنها بيد الله، يا أخي، اضبط القلب الذي في داخلك أنا مسلِّم لله بأنّ روحي ليست ملكي بل هي ملك لله تبارك وتعالى.

- صرهنّ ثم ادعه:
ولذلك انظر في الآية الثالثة: قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي...) (البقرة/ 260)، فضرب الله له مثلاً تماماً مثل حمار عزير، الله يقول لك نفس المعنى، يريد أن يرسخه داخلك ولكن بطرق مختلفة: (قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ) (البقرة/ 260)، خذ أربعة طيور فصرهنّ إليك.
ما معنى صرهن إليك؟
يعني: ميزهم بعلامات مميزة حتى تتأكد أنهم هم الذين ميزتهم ثم اذبحهم، فإذا ذبحتهم قطعهم قطعاً صغيرة جدّاً، اخلط دماءهم ببعض وكذلك الريش وقسم الأربعة طيور إلى أربع قطع مختلفة، ريشة من هدا على قطعة عظم من هذا، واخلطهم ببعض واجعلهم أربعة أكوام، ثمّ اجعل على كل جبل منهم جزءاً، ضع على كل جبل من الأربع جبال التي أمامك يا إبراهيم، ضع قطعة من اللحم والعظم والمختلط هذا، اترك لديك أي شيء ولتكن رؤوسهم عندك، ثمّ ادعهنّ: يا طيور تعالي، يأتينك سعياً.. انظر أنّه هو أمات وأحيا، فنظر سيدنا إبراهيم وجد أمامه منظراً مثل منظر حمار سيدنا عزير (ع)، الدم توجه هذه الناحية والريش هذا يطير إلى الناحية هذه وكله من غير رؤوس، الرؤوس معه هو، وبدأ الريش يكتمل وبدأت الطيور تتحرك في السماء وبدأ المنقار هذا يجيء هنا وهذا يجيء هنا وبدأت الطيور الأربعة كل واحدة تجيء تأخذ الرأس الخاصة بها وتطير، فسبحان الله تبارك وتعالى، يعني: قضية الإماتة والإحياء ويقينك وثباتك على أنّ الأمر بيد الله هي بيد الله تبارك وتعالى.
وأنا متوكل على الله تبارك وتعالى.
إنّ الإحياء والإماتة عقيدة لابدّ أن تظل ثابتة داخلك ولا يكفي أن تعرفها.

- سبحان الذي جعل من الفخار إنساناً!
عندما ننظر في تاريخ الأنبياء نجد العجب العجاب، يعني: سيدنا آدم (ع) كيف يحييه الله من تراب؟ قصة خلق آدم: تراب جمعه الله من تراب الأرض كما في حديث البخاري: "خلق آدم من قبضة من تراب الأرض"، التراب تبلل بالمياه وأصبح طينة، انظر قدرته سبحانه وتعالى، الطينة تركها الله لما جفت فبعد أن كانت طينة لزجة أصبحت طينة جافة: طين لازب، الطين اللازب شَكَّلَهُ الله مثل ما أنت تشكل الصلصال ترك الله الصلصال إلى أن جاف فأصبح صلصالاً من حمأ مسنون وتغير لون الصلصال، الذي هو من حمأ مسنون، وأصبح مثل أواني الفخار بالضبط، هذا عمل الله في قطعة الصلصال، هذا تمثال جعل الله من أعلاه تجويف، التجويف هذا هو فتحة الفم فلما أصبح فيه تجويف وهو ما زال تمثالاً من صلصال كالفخار أصبح آدم في النهاية عبارة عن تمثال فيه تجويف من أعلى فوق وفيه تجويف من الوسط في وسط الجسد هذا مثل تمثال، لدرجة أنّ الملائكة وإبليس يطوفون بالتمثال وإبليس ينظر إليه ويقول له: لا أعلم لماذا خلقت، إلى أن حدث شيء في التمثال ونفخ الله فيه من روحه، فإذا فجأة التمثال أصبح فيه قلب وأحشاء وعظم وشرايين ودم يتدفق بطين وأوعية دموية وعقل وحركة، فسبحان الذي جعل من الفخار إنساناً يتحرك ويمشي. فانظر كيفية خلق آدم، انظر الإحياء!

- المرأة والضلع الأعوج:
انظر أيضاً كيفية خلق حواء، خلقها من ضلع آدم، أتعرف أي ضلع؟ ضلع الشمال الذي فوق القلب، حواء يا إخواني، خلقت من ضلع أعوج لماذا؟ لأنّ هذا الضلع يحمي القلب لابدّ أن يكون أعوج؛ لأنّه لو لم يكن اعوج فلن يحمي القلب لابدّ أن يكون مثنياً، فهذا الاعوجاج أو هذه الثنية الخاصة بالمرأة، هذه هي عاطفة المرأة، لو كنت تريد المرأة مستقيمة صارمة فإنّها لا تصلح، حلاوتها في اعوجاجها، انظروا المستشرقين أخذوا حديث النبي وكرّهوا المرأة في الدين وقالوا لها: نبيكم يقول للمرأة: إنك خلقت من ضلع أعوج، مع أنّ النبي (ص) يقول للرجال: "استوصوا بالنساء خيراً"؛ لأنّ المرأة خلقت من ضلع أعوج؛ لأن مواصفات هذا الضلع أنّه يحمي القلب لابدّ أن يكون معوجاً؛ لأنّ القلب أي صدمة فيه قد تؤدي إلى الموت فعاطفتك يا حواء هي التي تحمي القلب.

- تنويع الخلق:
خلق الله حواء من ضلع وخُلِقَ آدم من تراب وخلق عيسى من أم من غير أب بنفخة في رَحِم مريم، وخلقت حواء من أب، فما هذه قدرتك يا رب، وكأن أنواع الخلق أربعة أنواع، أنواع الخلق في الجنس البشري أربعة أشكال، يخلق بشراً من غير ذكر أو أنثى وهو آدم، ويخلق بشراً بذكر من غير أنثى وهي حواء، ويخلق بشراً بأنثى من غير ذكر هو عيسى، ويخلق بشراً بذكر وأنثى أي: نحن، كأنّه يقول لنا ماذا؟ انظروا كيف أحييت الثلاثة الأوّل أليست هذه معجزات؟ أتظل الرابعة معجزة أيضاً؟ أنا نوّعت خلقي وجعلته أربعة أشكال حتى تتعرفون على مدى قدرتي، فإياكم أن تنسوا أنكم أيضاً معجزة في خلقكم مثل المعجزات الثلاثة الأوّل، فسبحان الذي بيده الملك.

- هل تذكر العهد؟
انظروا قضية إحياء ثانية لم نفكر فيها من قبل، قضية أنّ الله تبارك وتعالى لما خلق آدم حالما خلقه مسح على ظهره فخرج من ظهره كل ذرية آدم يوم القيامة في حديث صحيح يرويه البخاري، وفي آية قرآنية: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ...) (الأعراف/ 172)، يا سبحان الله، على علمك يا رب وعلى قدرتك، كل الذي سوف يوجد إلى يوم القيامة أحياه الله تبارك وتعالى: (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) (الأعراف/ 172)، ستقول لي ولكني لا أتذكر، (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) (الأعراف/ 172)، وأنا رضيت نعم رضيت، وأنت.. وكيف أستدل على ذلك؟ بالفطرة التي في داخلك، هي هذا الموقف الذي أنت قابلت فيه الله أوّل مرّة، الفطرة التي تجعلك وأنت عاص في حالة قلق نفسي والتي تجعلك وأنت تارك صلاة العشاء لا تستطيع أن تنام، والتي تجعلك تستيقظ في الصباح لو فاتتك صلاة الفجر وأنت في ضيق، هي هذه المقابلة التي أنت قابلتها لله يوم خلق آدم، انظر كيف يخلق الله تبارك وتعالى الكون، وانظر كيف ينظم قضية الإحياء والإماتة.

- وما دليلك؟
نرجع لعزير، يقول الله تعالى: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى)، فقال الله له: اركب حمارك وانزل للقرية. هو أصلاً مكلف بالدعوة إلى الله يعني: المائة سنة هذه التي مرت عليه وهو نائم كأنّها لم تكن ما زال سنه أربعين سنة أي: لم يكبر مثل ما كان عليه، ومن الأشياء اللطيفة أنّه عندما يقابل أولاده وأحفاده سيكونون أكبر منه سناً وهو ما زال في الأربعين من عمره، وكل الذين عاصروه أصبحوا الآن إما ميتين أو من المعمرين، انظر إدارة الله تبارك وتعالى للكون، فنزل القرية فوجد ناساً تأكل وتشرب وبيوتاً مقامة والقرية عامرة فذهب إليهم وقال: أتسمعون برجل كان يسمى: عزيراً؟ قالوا: نعم ذلك رجل صالح من قرية بجوارنا مات من مائة عام قال: فإني أنا عزير فأنكروه وكذبوه وقالوا: هذا محال! وكان في القرية التي كانت يعيش فيها امرأة لا زالت حية، وكانت تعرف عزيراً، وكانت قد أصيبت في آخر عمرها بالعمى، فقالوا: إنّ هذه المرأة تعرف عزيراً فسنأتي بها وتصفك إلينا، فإن كنت كما هو صدقناك، فجاءت المرأة وبدأت تصف وتصف فإذا هو كما وصفته المرأة قالوا: لابدّ لنا من دليل آخر قالوا: كان عزير يحفظ التوراة تماماً فإن كنت أنت عزير فإنّ التوراة قد اختفت بيننا قد أحرقها بختنصر ولم تبق إلا نسخة واحدة لا يعرفها إلا رجل واحد، فإن كنت أنت عزيراً فاقرأ علينا التوراة؛ وبدأ يقرأ التوراة فبدأ يقوم بدوره الدعوي الذي كان مفترضاً أن يقوم به من مائة سنة، فبدؤوا يهتدون وبدؤوا يبكون وبدؤوا يخشعون، فحقق الله له ما أمره به من أن يقوم بالدعوة إلى الله وهداية الناس، سبحان الذي بيده الملك، سبحان الذي يدبر الأمر.

- ثق وأخلص وانتظر النتيجة:
يا إخواني، ازدادوا ثقة في الله تبارك وتعالى... اجعلوها ثقة في الله شديدة، ولذلك آخر كلمة في الآية: (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، هذه الآية هي الهدف المطلوب، اعلموا يا إخواني ويا أخواتي، أنّ الله على كل شيء قدير، لو ظلمك إنسان اعلم أنّ الله على كل شيء قدير، لو هناك معصية وتجد في نفسك صعوبة في تركها عليك بالدعاء إلى الله، واعلم أنّ الله على كل شيء قدير، فوالله لو هناك معصية تظل عشر سنين وتعجز عن تركها وفي يوم تلح في الدعاء وتلح في الدعاء سيخرجها الله من قلبك في لحظة وفي لمح البصر بلحظة صدق بدعوة صادقة، واعلم أنّ الله على كل شيء قدير. يا أخواتنا، إذا شعرت أي منكن بالظلم أو بمشكلة نفسية، فلتلجأ إلى الله ولتعلم أنّ الله على كل شيء قدير، يا من ظَلِمَ في عمله ادع الله القابض الباسط الذي بسط الزمن وقبضه مائة سنة من يوم لمائة سنة في نفس اليوم الذي فعل ذلك توكل على الله وثق في الله والجأ إليه وقل لنفسك: أما موقن أنّه تعالى على كل شيء قدير.
هنا ملاحظة عجيبة جدّاً في الآية: كم مرة ذكرت كلمة انظر؟ بمعنى يا أخي اشعر بقدرة الله التي حولك انظر، ثلاث مرات: (قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا)، وكلمة اعلم أي: اغرسها في قلبك، في نهاية كل آية لابدّ أن يقول لك: اعلم أنّ الله على كل شيء قدير، وفي آية أخرى: واعلم أنّه الله عزيز حكيم.

- فوائد القصّة:
تعالوا نلخص فوائد القصة.. القصة فيها أربعة فوائد:
الفائدة الأولى: أنّ الله يقبض الزمن ويبسطه كما يقبض الأرواح والأرزاق.

أدرك نفسك قبل فوات الأوان:
الفائدة الثانية: قضية الموت والحياة في حياتنا مثلما قبض الله روح عزير مائة سنة يفعلها الله معك أيضاً كل يوم في النوم، يا إخواني، النوم هذا هو موت، أتعرف ما الذي يحدث أثناء النوم في مقياس الإسلام يعني الروح تؤخذ فقط بشكل مختلف عن أخذ الروح ساعة الموت، موت الدنيا روحك تؤخذ وأنت شاعر أنها تؤخذ لكن كل يوم في النوم تؤخذ الروح وأنت لا تعي، كأنّ الله يقول لكم: انتبهوا كل يوم روحكم تؤخذ منكم ومع ذلك تستمرون في معصيتي، ألم يتعمق المعنى في قلبك؟ ولذلك انظر للنبي (ص) عندما ينام يقول: "باسم ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، فإن أمسكت نفسي – يعني إن لم ترجعها لي – فارحمها وإن إرسلتها – يعني لو رددتها لي – فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين" (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ...) (الأنعام/ 60)، الذي حدث لعزير يا إخواني رغم أنّه آية ومعجزة عظيمة وبدون أن ننتبه تحدث معنا كل يوم، افترض أنّ الله أخذ منك روحك ولم يردها لك وكنت نائماً على معصية! كارثة يا إخواني، إياكم أن تناموا على معصية، بالله عليك تب قبل أن تنام، تعالوا نتفق على أن هذا واجب وهي عقيدة نغرسها في عقولنا يا سيداتنا وأولادنا وأصحابنا اغرسوها في بيوتكم، قولوا لهم: لا تناموا على معصية؛ لأنّه من الممكن أن لا يرد الله إليكم الروح ودعاء النبي يحمل هذا المعنى، احفظوه وقولوه كل يوم قبل أن تناموا، ولذلك دعاء الاستيقاظ من النوم: "الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور"، لابدّ للروح أن تذهب لله كل يوم حتى تظل متذكراً كل يوم، كل يوم انظر الآية تقول: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا) (الزمر/ 42)، والتي لم يأت ميعاد موتها سيتوفاها أيضاً: (وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا) (الزمر/ 42)، لا إله إلا الله، (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى) (الزمر/ 42)، ارجعي إلى أجل مسمى.
يا إخواني، الله يعطينا روحنا يومياً: خذها اليوم أرني ماذا تفعل اليوم؟ أتى الليل يأخذها، إنها ليست ملكك سأردها لك غداً وستعصاني أيضاً وسأردها لك.
أنت كم عمرك؟ تخيل ثلاثمئة وخمسة وستون يوماً، عشرين سنة كل يوم يعطيك الله روحك، ثمّ ريجعها لك وأنت كل يوم تعصاه، عرفت مقدار حب الله لنا وصبره علينا؟ حليم أم لا؟ عرفت اسم الله الحليم.
إذا كان الموت يتكرر في حياتك يومياً، وإذا كانت روحك هذه ليست ملكك، وحتى يثبت لك أنها ليست ملكك كتب عليك النوم لابدّ أن تنام ويأخذ روحك ويردها لك غداً، هل بعد أن عرفت كل هذا تستطيع أن تنام بعد ذلك وأنت عاص؟

- لا تترك الدعوة:
الفائدة الثالثة: أهمية الدعوة إلى الله، ادعوا يا إخواني، تعالوا نتفق على أن نقوم بالدعوة، أنا لابدّ أدعو إلى الله وأنجح إن شاء الله، ولو كانت الدعوة مع شخص واحد حتى آخذ ثوابه تخيل كل حسناته في ميزانك، ولو شخص واحد اهتدى على يديك كل حسناته توضع في ميزانك.

- قانون التغيير الإلهي:
الفائدة الرابعة والأخيرة: فائدة مهمة جدّاً: (أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا)، سآخذ نفس الكلمة وأسألها لكم، أنى يحيي هذه الأرض التي أصبحت بعيدة عن الله؟ فمثلاً فساد الغرب والإباحية التي فيه، كنت قد شاهت برنامجاً تلفزيونياً على أحد القنوات الغربية، فقد كان هناك مذيعة تسأل ضيف لها وهو يعمل محامياً، ما هو شعورك وزوجتك تمارس مهنة الدعارة؟ فيكون جوابه وبكل بساطة وحرية كما تعودوا في حياتهم بأنّها مهنة مثل أي مهنة أخرى، فما كان من المذيعة إلا أن أثنت على هذا الزوج، هل هذه حريتهم التي يريدون منا أن نتبعها؟ الأرض تعاني يا إخواني، تعدادها ست مليار ونصف كم منهم موحد بالله؟ مليار وربع فقط. ما الفرق بين هذه الأرض وبين قرية عزير؟ كانت متهدمة ونحن أرضنا متهدمة، متهدمة روحياً وأخلاقياً ونفسياً ودينياً، أرض بعيدة جدّاً عن الله، كم شخص يستيقظ ليصلي قيام الليل لله في الأرض؟ في الستة مليار ونصف كم شخص يصلي الفجر؟ كم شخص عابد لله تبارك وتعالى؟
معاناة الأرض هذه لها حل أم لا؟ نهاية قصة عزير تقول لك: أبداً لابدّ أن يكون عندك ثقة بأنّ الله سيحييها مثل ما أحيا قرية عزير، سيحيي الأرض بعد موتها، فقط الموضوع محتاج لوقت، أقول لك معنى لطيفاً جدّاً: الله يحيي الأرض بعد موتها أليس كذلك؟ ويحيي القلوب بعد موتها ويحيي الحضارات بعد موتها، ويحيي الأرض الفاسدة بعد موتها يحيي كل أشكال الإحياء،... وإحياء الموتى يستغرق يوماً وليلة لكن إحياء الأُمم يستغرق زمناً أطول يعني: جعل الله عزيراً يرى عملية إحياء الحمار في حوالي عشر ثوان، لكنه لما طلب رؤية إحياء الأُمّة أماته الله مائة عام، لماذا لم يجعله يرى عملية الإحياء هذه في يوم وليلة؟ فلنرجع لطلب عزير من الله، قال له: يا رب، اجعلني أرى إحياء القرية، لا! لماذا؟ لأنّه توجد سنن للكون نعم سنن للكون: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد/ 11)، العمران يأتي بالتدريج لذلك خلق الله الأرض في ستة أيام وبإمكانه أن يخلقها بكن فيكون أليس كذلك؟ (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يس/ 82)، ولكنه خلقها في ستة أيام من أجل أن يعلمنا أنه يوجد قانون للتغيير وهو أنّ التغيير يأتي تدريجياً ببذل مجهود لإصلاح الناس، فالناس كي تصلح تستغرق وقتاً قد يصل مائة سنة لكن تغيير الإحياء والإماتة في لحظة، كل يوم بالليل تنام هذه ليست مشكلة، من أجل هذا لما طلب عزير أن يرى إحياء الأرض، لا سنريك الآية فقط؛ لأنّ هذا الطلب يخضع لسنة كونية وهي التدريج لكن الحمار سنريك إياه في يوم وليلة.. هذا معنى مهم.

- قيام الحضارات:
ولماذا مائة سنة؟ مائة سنة؛ لأنّ هذه هي المدة الكافية لتغيير حضارة، انتبهوا وتعالوا نضبط الأرقام: سيدنا موسى (ع) عندما قال الله له: ادخل الأرض المقدسة وبنو إسرائيل قالوا له: لا، فقال الله تعالى: فإنّها محرمة عليهم أربعين سنة، ما الفرق بين الأربعين والمائة؟ لأن تغيير جيل يحتاج أربعين سنة لكن إقامة حضارة تحتاج مائة سنة.
انظر الأرقام وما الدليل على كلامي من واقع الحياة، سقوط الإسلام أخذمائة سنة من القرن الثامن عشر للقرن التاسع عشر، والإسلام في نزول ونزول ونزول إلى أن وقع في نفس وقت نهوض أوروبا، الإسلام ينزل وأوروبا تنهض، سبحان الله، انظر الكون كيف يسير وانظر سنن الله في الكون: المسلمون تخاذلوا، هم لا يسقطون دفعة واحدة ولكن تدريجياً، فالإحياء والإماتة في واقع الأمم يستغرق مائة سنة، ظهور جيل يستغرق أربعين سنة ولذلك شمس الإسلام قربت، وأوروبا ماذا يحدث لها الآن؟ أظن أنّ المنحنى واضح أنّه نازل ونازل ومنحنى المسلمين على الأقل اليقظة الإيمانية والأخلاقية صاعدة، فمنحنى نازل ومنحنى صاعد، هذه هي المائة سنة التي كانت في القرن التاسع عشر تتكرر في القرن العشرين.

- ماذا قدمت لدين الله؟
كيف يا رب ستحيي الإسلام بعد موته؟ حين يفيق الشباب من غفلته.. قال: لبثت يوماً أو بعض يوم قال: بل لبثت مائة عام، إحياء الإسلام يا شباب لن يتم في يوم أو في بعض يوم فلا تتعجلوا. لو وجدت أصحابك لم يهتدوا لا تحتد عليهم أو تفقد أعصابك. ألم تقرأ آية عزير في الإحياء والإماتة؟ هناك يوم للبشر والروح وللجسد، لكن للأُمّة وللحضارة مائة سنة لا يهم أن تراها، ولكن المهم أن أبناءك يحيون حياة كريمة إذا أنت مت وكانت راية الإسلام لن تعمل بعد، فعلى الأقل أبناؤك سيروا راية الإسلام عالية.
يا أخي، على الأقل عندما تقابل الله تقول له: أنا لم أقصر أنا مت وكنت أرفع الراية. والله يا شباب، رب العالمين لن يسألنا يوم القيامة لماذا لم ينتصر الإسلام على أيديكم، لكنه سيسألنا لماذا لم تعملوا للإسلام؟ سمية ماتت والإسلام لم يكن منتصراً، حمزة مات في أوج الهزيمة في أُحد لكن الله لن يقول لهم: لماذا لم تنصروا الإسلام، يا شباب، أنتم ستقفون أمام الله يوم القيامة وسيسألكم ماذا فعلتم للإسلام؟ ستقول له: يا رب، صليت؟ هذه من أجلك، فعلت أي شيء يفيد الإسلام؟ ألم تعلم أنّ الإسلام كان محتاجاً أن يؤخذ بيده؟ ألم تكن تحضر دروس علم وذكر؟ لماذا كنت تحضر؟ ما الذي غيرته للإسلام؟ لا يا رب أنا بعد الدروس كنت أصلي، لا يكفي أن تصلي فقط ولم تأخذ بأيدي الناس بعد قليل روحك ستفتر وسيكون الدرس بالنسبة لك كلاماً، كلام فقط، الدروس هذه عبارة عن شحنة تتحرك بها وتأخذ بأيدي الناس وتحافظ على نفسك، عندها الله تعالى يحيي الأرض بعد موتها.

- ما العلاقة؟
ولذلك توجد آية جميلة جدّاً تجمع بين إحياء الله للقلب، وإحياء الله للأرض، يريد أن يقول لك: إنّ الإحياء واحد، انظر الآية تقول: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (الحديد/ 16)، فقست قلوبهم ماتت، انظر الآية التي بعدها: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا...) (الحديد/ 17)، ما العلاقة بين الآيتين؟ أنّ الذي يحيي واحد فهو الذي يحيي الأرض، ويحيي الأُمم، ويحيي النفوس، ويحيي القلوب، ويحيي العيون التي ما عادت تدمع، ويحيي الأرواح، سبحانه وتعالى، عرفتم معنى اسم المحيي المميت.

- من افتراءات اليهود:
لما مات عزير قالت اليهود عنه: هو ابن الله، فقال – عزّ وجلّ – (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (التوبة/ 30)، ما معنى يؤفكون؟ يعني: يميزون، كيف لا يميزون بين الحق والباطل: ولذلك الشيخ الشعراوي يعلق على: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ)، فيقول كلاماً جميلاً جدّاً، يقول: اليهود قالوا: إنّ عزير هو ابن الله، وهذا من أشد ما يغضب الله – عزّ وجل –؛ لأنّه يمس جلال الله، ما هو المساس بجلال الله؟ سأقول لك ما هو المساس بجلال الله، في كلام الشيخ الشعراوي – رحمه الله – يقول: الإنسان يتخذ ولداً لسبب من أربعة، يريد أن يبقي ذكره بعد موته والله تبارك وتعالى حي لا يموت، أو يريد أن يكون ولده هو سنده في الدنيا عندما يكبر ويصبح ضعيفاً، وسبحانه هو القوي الذي لا يضعف أبداً، أو ليرثه عندما يموت فيشعر أنّه ما زال باقياً، فسبحانه هو الذي يرث الأرض ومن عليها، أو ليكون له عزّاً في الدنيا، وسبحانه هو العزيز، الناس كلها هي المحتاجة له، الناس تعتز باللجوء إليه، إذن أسباب وجود ولد هو ليس في احتياج إليها كأنك تتهم جلال الله – عزّ وجل – من أجل ذلك غضب الله تبارك وتعالى غضباً شديداً: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) (مريم/ 88-95).

المصدر: كتاب قراءة جديدة ورؤية في قصص الأنبياء (ع)

ارسال التعليق

Top