• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

شهر رمضان.. فرصة لمراجعة النفس والتوبة

أحلام مجيد

شهر رمضان.. فرصة لمراجعة النفس والتوبة
     الأيام كلها أيام الله تعالى والعمل فيها مقبول ومأجور، ولكن هناك أياماً وأشهراً فضّلها الله تعالى على غيرها والعمل فيها مضاعف الأجر، ورمضان هو الشهر الذي تميز عن باقي الشهور بأنّه شهر الصوم الذي فرضه الله تعالى على المسلمين، وفيه أنزل سبحانه وتعالى القرآن، ولم يأت ذكر أي من الشهور العربية في القرآن الكريم إلا رمضان حيث قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ...) (البقرة/ 185). وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (القدر/ 1-3). لشهر رمضان شخصية خاصة يعتز بها كل مسلم ومسلمة حيث نجد المسلمين يترقبون هذا الشهر بفارغ الصبر ونجد أيامه تتطاير خفيفة مؤنسة ممتعة، بالإضافة إلى ذلك فهو شهر التقرب إلى الله، شهر الطاعات، شهر أوّله رحمة وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار. إذا كان الصوم يعني الامتناع عن الأكل والشرب وكبح شهوات النفس، فإنّ هناك حكمة عظيمة من وراء الصوم، هي غرس الصبر والفضيلة والرحمة والتقوى في داخل المؤمن، قال عزّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183). في رمضان يُكثر المؤمنون من الصلاة والدعاء والصدقة وفعل الخير. فشهر رمضان فرصة للمراجعة والحساب والتوبة، وقد أمر الله عباده بالدعاء وجعله من أهم سمات عباده المؤمنين. الوقوف بين يدي الله ومناجاته متعة عظيمة ليس لها مثيل وفي الدعاء ترتسم أبهى ألوان الطاعة والخشوع وفيه جلاء لكل هَم وفرج لكل غم وراحة للنفوس والأجسام المتعبة وعلاج نفسي لجميع أمراض العصر، والدعاء عبادة تشمل القلب واللسان والفكر والجوارح. وعلى يد إمامنا وقدوتنا الإمام زين العابدين (ع) تحول الدعاء إلى مدرسة روحية يلجأ إليها كل إنسان لتربية نفسه روحياً وخلقياً. الدعاء ليس مخدراً يمنع الفرد عن مزاولة عمله، كما يتصوره البعض، بل هو غذاء للروح وعامل فعّال يدفع الإنسان للعمل. وفائدة الدعاء انّه يذكّر الإنسان بذنوبه ويشعر الداعي بثقل خطاياه، وهو نوع من التقرب إلى الله، فلا يحس المؤمن بالوحشة بل يشعر انّه في رحاب الله. وللدعاء في الإسلام آداب تجب مراعاتها: 1- الطهارة، أي أن يكون الداعي على وضوء، مستقبلاً القبلة، ومن المستحب الصدقة قبل الدعاء. 2- حضور القلب وحسن الظن بالله سبحانه وتعالى. فعن أبي عبدالله (ع): "إنّ الله عزّ وجلّ، لا يستجيب دعاء يظهر من قلب ساءٍ (غافل)، فإذا دعوت، فأقبل بقلبك ثمّ استيقن بالإجابة". وعن الإمام الصادق (ع) قال: "إذا دعوت فأقبل بقلبك وظنّ أنّ حاجتك بالباب". 3- الإلحاح بالدعاء، عن أبي عبدالله (ع) قال: "إنّ الله عزّ وجلّ كره إلحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة وأحب ذلك لنفسه،انّ الله عزّ وجلّ يحب أن يسأل ويطلب من عنده". 4- الثناء على الله تعالى قبل الدعاء فعن سيد الزاهدين علي بن أبي طالب (ع) قال: "إذا دعوت الله عزّ وجلّ فمجده؟ قال: تقول يا من هو أقرب إليّ من حبل الوريد يا فعالاً لما يريد يا من يحول بين المرء وقلبه يا من هو بالمنظر الأعلى يا من ليس كمثله شيء". 5- تقديم الصلاة على النبي (ص) قبل طلب الحاجة ثمّ يختم بعدها بالصلاة على محمد وآله. فعن أبي عبدالله (ع) قال: "لا يزال الدعاء محجوباً حتى يصلى على محمد وآل محمد". 6- تسمية الحاجة والأسرار بالدعاء، قال تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً) (الأعراف/ 55). وعن الرضا (ع): "دعوة تخفيها أفضل من سبعين دعوة تظهرها". 7- الخشوع والتذلل لله تعالى، والبكاء حال الدعاء، عن الإمام الباقر (ع) قال: "انّ أقرب ما يكون العبد من الرب عزّ وجلّ وهو ساجد باكٍ"، وقال الإمام الصادق (ع): "كل عين باكية يوم القيامة إلا ثلاث: عين غضّت عن محارم الله، وعين سهرت في طاعة الله، وعين بكت في جوف الليل من خشية الله"، قال علي (ع): "بكاء العيون وخشية القلوب من رحمة الله تعالى، فإذا وجدتموها فأغتنموا الدعاء، ولو انّ عبداً بكى في أمة، لرحم الله تعالى تلك الأُمّة لبكاء ذلك العبد". وقال الإمام زين العابدين (ع): "ليس الخوف من بكى وجرت دموعه ما لم يكن له ورع يحجزه عن معاصي الله وإنما ذلك خوف كاذب". 8- التقدم بالدعاء قبل نزول البلاء، قال الصادق (ع): "من سرّه يستجاب له في الشدة فليكثر الدعاء في الرخاء" وقال أمير المؤمنين (ع): "ما من أحد ابتلي وإن عظمت بلواه بأحق بالدعاء من المعافى الذي يأمن البلاء". وكما روي عن الإمام علي (ع): "من أحب أن يجاب دعاؤه فليقل بعد فراغه من الدعاء: "ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله"، وبعد الانتهاء من الدعاء عليك بمسح الوجه والصدر كما ورد في الأخبار. ومن الذنوب التي تردّ الدعاء عقوق الوالدين وتأخير الصلاة المفروضة والنفاق. ولا يفوتنا أن تذكّركم ببعض الأدعية المهمة منها دعاء كميل وهذا الدعاء يفضل يُتلى ولا يقرأ قراءة روتينية كما يجب أن تكون القراءة بخضوع ورهبة، خاصة المقاطع التي تذكّر بالآخرة ونار جهنم وتفضل القراءة الجماعية، ومن أفضل أدعية شهر رمضان الأدعية التي تقال عند الإفطار وهذه معروفة للجميع ودعاء أبي حمزة الثمالي المروي عن سيد الساجدين الإمام علي بن الحسين (ع) والذي يقرأ عادة وقت السحور، ودعاء البهاء المروي عن الإمام الباقر (ع). وفي ليالي القدر يستحب قراءة دعاء التوسل بوضع المصحف فوق الرأس وقراءة دعاء الجوشن الكبير. كما لا ننسى أن نذكر بالأدعية اليومية لشهر رمضان ودعاء الصباح للإمام أمير المؤمنين (ع) وعليكم بالصحيفة السجادية لما تحتويه من أدعية مميزة وأخلاق وفضائل. ومسك الختام أختي المؤمنة، أخي في الله، مقطع من وصية الرسول الأعظم (ص) للصحابي الجليل أبي ذر الغفاري قال: "يا أبا ذر، طوبى للزاهدين في الدنيا، والراغبين في الآخرة، الذين اتخذوا أرض الله بساطاً، وترابها فراشاً وماءها طيباً، واتخذوا الكتاب شعاراً، والدعاء لله عزّ وجلّ دثاراً، وقرضوا الدنيا قرضاً. يا أبا ذر، إن ربي تبارك وتعالى اخبرني، فقال: وعزتي جلالي ما أدرك العابدين درك البكاء عندي شيئاً، وإني لأبنينّ لهم في الرفيق الأعلى قصراً لا يشركهم فيه! قال، قلت يا رسول الله: أي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكراًَ، أحسنهم له استعداداً". المصدر: مجلة النور/ العدد 34 لسنة 1994م

ارسال التعليق

Top