◄إذا سمعت نداء المؤذن فاحضر في قلبك هول نداء يوم القيامة وتشمّر بظاهرك وباطنك للإجابة والمسارعة، فإنّ المسارعين إلى هذا النداء هم الذين ينادون باللطف يوم العرض الأكبر.
فاعرض قلبك على هذا النداء فإن وجدته مملوّاً بالفرح والاستبشار مشحوناً بالرغبة إلى الابتداء فاعلم أنّه يأتيك النداء بالبشرى والفوز يوم القضاء.
ولذلك قال النبيّ (ص): "أرحنا يا بلال أي أرحنا بها وبالنداء إليها إذ كانت قرة عينه فيها" واعتبر بفصول الآذان وكلماته كيف افتتحت بالله واختتمت بالله، واعتبر بذلك أنّ الله جلّ جلاله هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن، ووطن قلبك بتعظيمه عند سماع التكبير واستحقر الدنيا وما فيها لئلا تكون كاذباً في تكبيرك.
وانف (ترفع وتنزه) عن خاطرك كلّ معبود سواه بسماع التهليل واحضر النبيّ (ص) وتأدّب بين يديه واشهد له بالرسالة مخلصاً وصلّ عليه وآله وحرك نفسك واسع بقلبك وقالبك عند الدعاء إلى الصّلاة وما يوجب الفلاح وما هو خير الأعمال وجدّد بعد ذلك بتكبير الله وتعظيمه واختمه بذلك كما افتتحت به واجعل مبدأك وعودك إليه وقوامك به واعتمادك على حوله وقوته فإنّه لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.
فيما يجب أن تشعر به عند الوضوء والطهارة:
إذا اتيت بالطهارة في مكانك وهو ظرفك الأبعد، ثمّ في ثيابك وهو غلافك الأقرب، ثمّ في بشرتك وهو قشرك الأدنى فلا تغفل عن لبك الذي هو ذاتك وهو قلبك، فاجتهد له تطهيراً بالتوبة والندم على ما فرط وتصميم العزم على الترك في المستقبل فطهّر بها باطنك فانّه موقع نظر معبودك.
قال الصادق (ع): "وطهّر قلبك بالتقوى واليقين عند طهارة جوارحك بالماء" وقد مضى تمام الخبر في باب الطهارة، ثمّ إذا سترت معايب بدنك عن أبصار الخلق باللباس فاحضر ببالك فضايح سرّك التي لا يطلع عليها إلّا ربّك، وطالب نفسك بسترها وتحقق أنّ لا يسترها عن عين الله ساتر، وإنما يكفرها الندم والحياء والخوف فتستفيد باحضارها في قلبك انبعاث جنود الخوف والحياء من مكانها فتذلّ به نفسك وتستكين تحت الخجِلة وتقوم بين يدي الله تعالى قيام العبد المجرم المسيء الأبق الذي ندم فرجع إلى مولاه ناكساً رأسه من الحياء والخوف.
وفي مصباح الشريعة قال الصادق (ع): "أزين اللباس للمؤمن لباس التقوى وأنعمه الإيمان قال الله تعالى: (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) (الأعراف/ 26)".
وأمّا اللباس الظاهر فنعمة من الله يستر بها عورات بني آدم وهي كرامة أكرم الله بها عباده ذرية بني آدم ما لم يكرم بها غيرهم، وهي للمؤمنين آلة لأداء ما افترض الله عليهم وخير لباسك ما لا يشغلك عن الله بل يقرّبك من شكره وذكره وطاعته، ولا يحملك إلى العجب والرياء والتزيين والمفاخرة والخيلاء، فانّها من آفات الدين ومورثة القسوة في القلب.
وإذا لبست ثوبك فاذكر ستر الله عليك ذنوبك برحمته والبس باطنك بالصدق كما ألبست ظاهرك بثوبك، وليكن باطنك في ستر الرهبة وظاهرك في ستر الطاعة واعتبر بفضل الله عزّ وجلّ حيث خلق أسباب اللباس لتستر العورات الظاهرة، وفتح أبواب التوبة والإنابة لتستر بها عورات الباطن من الذنوب وأخلاق السوء ولا تفضح أحداً حيث ستر الله عليك أعظم منه.
واشتغل بعيب نفسك واصفح عمّا لا يعنيك حاله وأمره، واحذر أن يفنى عمرك بعمل غيرك ويتجر برأس مالك غيرك وتهلك نفسك، فإنّ نسيان الذنوب من أعظم عقوبة الله تعالى في العاجل، وأوفر أسباب العقوبة في الأجل.
وما دام العبد مشتغلاً بطاعة الله ومعرفة عيوب نفسه وترك ما يشين في دين الله فهو بمعزل من الآفات خائض في بحر رحمة الله، يفوز بجواهر الفوايد من الحكمة والبيان وما دام ناسياً لذنوبه جاهلاً بعيوبه راجعاً إلى حوله وقوته لا يفلح إذاً أبداً.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق