◄العمل الصحيح هو ما قام به نبيّ الله إبراهيم (ع). فقد كان الشخص الوحيد الذي يتمتع بالفكر الحر، بينما كان كافة الناس الذين حواليه يرسفون في أغلال العقائد التافهة التقليدية التي لا تستند إلى أدنى قاعدة فكرية. وقد خرج هؤلاء الناس يوماً خارج المدينة للاحتفال بأحد أعيادهم فيما تمارض إبراهيم ولم يخرج. وحينما خلت المدينة من أهلها انطلق نحو بيت الأصنام الكبير وهوى بالفأس على الأصنام ليحطمها جميعاً ثمّ علّق الفاس في عنق الصنم الكبير وخرج. وقد قام بهذا العمل كي يسمح لأذهانهم بالتفكير، حسب النصّ القرآني. وحينما عادوا ليلاً إلى المدينة، ودخلوا إلى المعبد، رأوا الأوضاع مقلوبة رأساً على عقب وكأنّ معركة حامية قد نشبت بين الأصنام وقد قتل بعضها البعض الآخر إلا الصنم الكبير الذي كان يحمل في عنقه الفأس، وأخذوا يتساءلون: من الذي فعل هذا؟ واُدركوا من خلال الفطرة أنّ هذه الأصنام الميتة ليس بإمكانها أن تحطم بعضها بعضاً. فلابدّ إذاً أنّ هناك كائناً حياً قد فعل هذه الفعلة: (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) (الأنبياء/ 60). فأحضروا إبراهيم فوراً للتحقيق معه في الأمر، فقالوا له: (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ) (الأنبياء/ 62)، فأجابهم: (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ) (الأنبياء/ 63)، أي لماذا تسألونني أنا؟ أنّ أداة الجرم مع الصنم الكبير، فاذهبوا واسألوا الأصنام نفسها: من فعل بها هذا؟ (فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ) (الأنبياء/ 64)، أي انّهم عادوا إلى أنفسهم، وحرروا فكرهم من غل العقيدة خلال عملية رجوعهم تلك. ولا شكّ في أنّ عمل إبراهيم هذا، كان عملاً إنسانياً.
وكان عمل موسى بن عمران (ع)، عملاً إنسانياً أيضاً. فحينما شاهد قومه يعبدون عجل السامري قال لهم: (لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا) (طه/ 97). لأنّ هذا العجل لو بقي في أوساطهم لكبّلهم بقيود الخرافة. فهل كان الفكر الحر هو الذي قاد قوم موسى لعبادة العجل أم انهم حينما خرجوا من البحر وسقطت عيونهم على أناس لديهم أصنام يعبدونها – ولم يكونوا قد سجدوا للأصنام من قبل – جاؤوا إلى موسى وقالوا له: (يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) (الأعراف/ 138)؟
والعمل الصحيح هو ما قام به خاتم الأنبياء (ص) أيضاً. فقد تصدى لعقيدة عبادة الأصنام لسنوات متتالية ساعياً من خلال ذلك لتحرير أفكار الناس. فلو مرّت ألف عام أخرى على عرب الجاهلية في الوضع الذي كانوا عليه، لظلوا على عبادتهم للأصنام والأوثان ولما خطوا خطوة واحدة باتجاه الرقي والتكامل، كما هو الحال عند بعض الشعوب المتطورة كاليابانيين الذين لا زالوا يحتفظون بعبادة الأصنام. إلا أنّ الرسول انبرى لتحطيم الأغلال عن أفكارهم وإطلاقها من وثاق العقائد المزيفة: (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) (الأعراف/ 157). وهكذا نرى أنّ الإسلام يطلق على حرية العقيدة التي ينادي بها الغرب، اسم "الأغلال"، ويطالب الناس أن يشكروا الله تعالى لأنّه انقذهم بواسطة هذا الرسول من تلك الأثقال التي كانت تنوء بها أكتافهم، أي الخرافات والعقائد التافهة، وحطّم عنهم الأغلال التي كبّلوا أنفسهم بها.
بعد معركة بدر، جيء بالأسرى بين يدي الرسول (ص) وكانوا مقيدين خشية أن يهربوا. فنظر إليهم وتبسّم. فقالوا له ما كنا نتوقع أن تشمت بنا. فأجابهم انها ليست شماتة إلا انني سأبعث بكم إلى الجنة بقوة هذه القيود. ولابدّ لي أن انتزع منكم عقائدكم بالقوة.
كيف يمكن تفسير العمل الذي قام به إبراهيم (ع)؟ وهل كان العمل الذي قام به يتعارض مع حرية العقيدة بمعناها المتداول في هذا اليوم والإصرار على حرية عقيدة كلّ شخص، أم انّه كان في خدمة حرية العقيدة بمعناها الحقيقي؟ فلو كان إبراهيم قد قال: بما أنّ هذه الأصنام تُبعد وتُحترم من قبل ملايين الناس، فلابدّ أن أحترمها أيضاً – نفس الكلام الذي يروج له أنصار حرية العقيدة في هذا اليوم – فهل كان قوله صحيحاً؟ أبداً، انّه لو قال ذلك لكان إغراء على الجهل لا خدمةً للحرية.
المصدر: كتاب الحرِّية عند الشهيد المطهري
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق