• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

منهج الإصلاح السياسي

د. إحسان الأمين

منهج الإصلاح السياسي

اهتمّ الإسلام – من خلال القرآن والسنّة – بإصلاح الأوضاع السياسية ومكافحة الفساد السياسي، ومن خلال وضع المبادئ الأساسية للمجتمع السياسي الصالح وملاحقة ظواهر الفساد وتضييق الخناق على المُفسدين والتربية والتثقيف والتوعية بمخاطر الفساد، دنيا وآخرة، ونستطيع أن نستفيد من منهج القرآن الكريم لوضع برنامج وآليات لمعالجة الفساد السياسي وإصلاح الأوضاع القائمة، بلغة وأدوات تناسب عصرنا الحاضر وتستمد في نفس الوقت أصالتها وشرعيتها من المبادئ والتوجهات القرآنية، حيث انّ البرنامج المستفاد من ذلك هو ما يلي:

أوّلاً: تأسيس دستور الدولة على أساس سيادة الأُمّة على نفسها، واستمداد الحاكم ولايته بالإنتخاب، المباشر من الأُمّة أو غير المباشر بواسطة ممثِّليها، وأن يكون للأمة حقّ العزل، كما إنّ لها حق النصب. ثانياً: توصيف وتعريف المسؤوليات الرئاسية والسيادية في الدولة، من حيث المواصفات والصلاحيات، وعدم إعطاء أيّة سلطة صلاحية مطلقة، وتقييدها بالدستور والقانون. ثالثاً: إرساء دولة القانون، الذي يعمّ الجميع، رؤساء ومرؤوسين، من دون إستثناء، مع إلتزام العدل والإنصاف والإحسان إلى الناس، لتكون أهدافاً أساسية حاكمة على كل برامج الدولة ومقرراتها. رابعاً: إنشاء قضاء عادل ومستقل يعلو بقدرته وقراراته جميع السلطات، ولا يرتبط مسؤولوه بالحكومة ولا يعيّنون من قبلها، كي يكون بعيداً عن تأثيراتها ونافذاً عن أحكامه عليها وتوفير الحماية والإمكانية المناسبة لطرح الشكاوى ومتابعة مظالم الناس العاديين لتحصيل حقوقهم المهضومة من قبل أجهزة الدولة، ورجالها، ومتابعة حالات الفساد ومحاسبة المخطئين واسترجاع الحقوق العامّة. خامساً: إلتزام مبدأ الشورى وإنتخاب البرلمان والمجالس المحلية، تأكيداً لولاية الأُمّة وحضورها النافذ في أمور الدولة ونفياً لمبدأ الإنفراد والإستبداد في الحكم وإستفادةً من ذوي الرؤى والحجى. سادساً: التأكيد على إحترام حقوق الإنسان، خليفة الله في أرضه، الذي سخّر له السماوات والأرض، وأن تكون خدمة الناس ورفعة الإنسان ورفاهه، محور التشريعات والخدمات في المجتمع، ورعاية حقوقه المتفق عليها. سابعاً: إنشاء نظام المحاسبة والمساءلة، سواء على مستوى مؤسسات الدولة، أو الرقابة البرلمانية، أو المنظّمات والهيئات الشعبية لغرض متابعة ومحاسبة المصرين والمفسدين. ثامناً: ضمان حُرِّية الرأي وحقّ النقد المسؤول، دون إستثناء لشخص أو جهة، فليس هناك مَن لا يُخطئ وفوق النقد، الذي به سلامة المجتمع وتطوّره. تاسعاً: العمل على شفافية الأعمال ووضع الحسابات وعلنية المناقصات والمقاولات، منعاً من أي تواطؤ أو إرتشاء، والمنع من المحسوبية والمنسوبية، في الإحالات والمسؤوليات، وتقوية واستقلال الرقابية. عاشراً: محاسبة الفاسدين وملاحقتهم قانونياً وإسترجاع الأموال العامّة المنهوبة، ومنعهم من المسؤوليات الإدارية والمالية والسياسية، كقوّة ردع ومنع من تشري الفساد في أجهزة الدولة. حادي عشر: العمل على ضمان حُرِّية الصحافة والإعلام، وحصانة العاملين فيها، من الملاحقات غير القانونية، وتمتّعهم بحرية الحركة والتأمين المالي والاجتماعي المناسب لتحرّكهم، ليكونوا عيناً يقظة للمجتمع لملاحقة الحالات الفاسدة والكشف عنها. ثاني عشر: تشجيع منظمات المجتمع المدني، خصوصاً الإتحادات والمؤسسات المهنية، لما لها من دور فعّال في نقد وتقييم البرامج السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية للدولة، وممارسة دورها في الرقابة والتقويم وتطوير البرامج الإدارية، وإصلاح الأوضاع العامّة. ثالث عشر: العمل على نشر ثقافة الإصلاح والتوعية ضدّ الفساد لخلق أجواء إجتماعية صحية من جهة ومتحسسة تجاه المفسدين من جهة أخرى، وأن يتم تعريف الناس بمظاهر ومفاصل الفساد والسُّبُل القانونية لمواجهتها ومعالجتها. رابع عشر: العمل على تحريم وتجريم الوسائل غير الشرعية في الدعاية والإعلام والعمل الإنتخابي والسياسي، كالتزوير، والإشاعة المغرضة، والإتهام الباطل، وشراء الأصوات، أو ممارسة التهديد.. وكل ما يؤثِّر على نتائج الإنتخابات ويحول دون الإختيار الحُر والمستقل للناس.. ومن ذلك توفير الفرص المتكافئة للإعلام والدعاية الإنتخابية لكافة المرشحين، وتقنين نفقاتها. خامش عشر: ضمان حُرِّية العمل السياسي، وتنظيم قانون الأحزاب بما يمنع الإستبداد داخل الأحزاب، ويُوفِّر ويضمن حُرِّية الرأي داخلها وعدم تحوّل الأحزاب إلى منظومات إستبدادية أو عصابات لأشخاص فاسدين. سادس عشر: إلتزام المواطنة أساساً للدولة والمجتمع، والعمل على نفي التمييز العرقي والطائفي والفئوي، مع احترام الخصوصية القومية والدينية والمذهبية لكل جهة أو حزب، فالإنقسامات والميول والتحيّز تقوّي الإنتفاعات المصلحية الخاصّة وتوطِّد لإنتشار الفساد. سابع عشر: العمل ببرنامج الإصلاح الإقتصادي، المتمِّم واللازم للإصلاح السياسي، ومكافحة كل مظاهر الفساد الإقتصادي، ومن ذلك: منع الإمتيازات الخاصّة وتراكم الثروة والإنتفاع الخاص للمسؤولين وتحديد مواردهم وممتلكاتهم الشخصية، والعمل بالأعراف القانونية الجارية للمزايدات والمناقصات. ثامن عشر: العمل ببرنامج الإصلاح الإداري، ومن ذلك تحديد المواصفات والصلاحيات للمسؤوليات المختلفة، والتعيين وفق الضوابط والقوانين المرعية. تاسع عشر: التأسيس لنظام يمنع الإستبداد، سواء على مستوى إستقلال السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية منعاً للتداخل وإختلاط المصالح وسريان الضغوط والتأثيرات السياسية، أو على مستوى توزيع الصلاحيات بين المركز والمجالس المحلّية، وعدم تدخّل الجيش في السياسة وسلب الشرعية بشكل مطلق من الإنقلابات العسكرية، وإحترام الرأي العام والحقوق الفردية للمواطنين، وإرساء ثقافة التعددية ومنع مظاهر التأليه والتمجيد الشخصي في الإعلام العام ومؤسسات الدولة. عشرون: العمل على توازن القوّة والنفوذ بين القطاع العام والخاص، حفاظاً على الدور الكبير للمجتمع في تنمية البلد وحيوية وحرّية الحركة والعمل، مع الإلتزام بدور الدولة في توجيه القطاعات المختلفة وإصلاحها والعمل بالتكافؤ والتكامل الاجتماعي للقطاعات الضعيفة للحيلولة دون الإستئثار بإمكانات البلد وإحتكارها من قبل فئات خاصّة، وهو ما يُمهِّد للفساد والإستبداد. حادي وعشرون: العمل على إستقلال البلد وسيادته وعدم تبعيته للنفوذ الأجنبي، سواء بالإحتلال أو إحتكار الإمتيازات الإقتصادية والنفطية أو المعاهدات المقيدة لكرامة البلد وإستقلاله وحرِّيته.   المصدر: كتاب نظرية الإصلاح من القرآن الكريم

ارسال التعليق

Top