• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

نبأ ابني آدم

د. عمرو خالد

نبأ ابني آدم
لا تنخدع بالدنيا...! أسأل سؤالاً: كم كان عدد السكان في هذا البلد منذ عشرين عاماً؟ كان في مصر – مثلاً – بضعاً وعشرين مليوناً. فإذا رجعنا بالزمان (100) سنة، كم كان تعدادهم وقتها؟ فإذا رجعنا عشرة قرون... وإذا امتد بنا الرجوع إلى عهد ابني آدم وكانا يمثلان ثلث البشرية على وجه الأرض كلّها... فكم من القرون المتطاولة يصل بنا إليهم؟ ما أقصر الدنيا! وما أقصر القرون الطويلة! التي عبَّر عنها القرآن بقوله: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ...) (المائدة: 27)... كان النبي (ص) يقرأ هذه الآية والصحابة معه منذ أكثر من (1400) سنة... ونحن نقرأها اليوم وغداً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وكأنها نبأ عهد قريب: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ...) ... في جملة صغيرة طويت مئات القرون. لذلك لا تصلح الدنيا لأن تكون غاية للمسلم... فبالله عليك لا تنخدع بها فتراها أكبر من حجمها، وعلى غير حقيقتها. انظر فيمن حولك من الناس... هل كان واحد منهم على وجه الأرض منذ (100) عام وهل سيوجد واحد منهم بعد (100) عام فما أسرع ما يتبدل وجه الأرض... وما أقرب الدنيا كلّها من منازل الآخرة. وصدق الشاعر: مَا أَسْرَعَ الأيَّام فِي طَيِّنَا *** تَمْضِي عَلَيْنَا ثُمَّ تَمْضِي بِنَا   القصة... قبل استعراض القصة من آيات القرآن نوجزها في كلمات فنقول: كان يولد لآدم توأم، ذكر وأنثى، فولِد له قابيل وأخت له، وبعده هابيل وأخت له... وكانت شريعة آدم تقضي بأنّ الأخ لا يتزوج توأمته، بل توأمة أخيه الآخر، حتى يتم النسل ويبدأ نمو الجنس البشري. فطمع قابيل في توأمته؛ لأنها أكثر جمالاً من أخت هابيل، فأمر آدم ابنيه أن يقدما قرباناً لله، والذي يقبل الله منه قربانه بأن تأكله النار فليختر من يتزوجها. وكان قابيل مزارعاً فقدم قربانه من زرع رديء. وكان هابيل راعي غنم فقدم قربانه من أفضل ماشيته... فنزلت النار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل فغضب وعزم على قتل أخيه وظل مصراً على ذلك حتى قتله في النهاية. إنّ الإصرار على رفض أوامر الله يورد المهالك ولا يجني الإنسان منه غير الندم والخسران... فأي نعيم تشعر به معهما. إنّ هذا الموقف الذي تم بين الأخوين ربما استغرق أياماً قليلة... بعدها فرح الصالح بلقاء ربه، وأخذ المذنب بجريرته... فما نفعه؟ وبمَ خرج من الدنيا؟ وتطوى صفحة العمر... وتطوى الآيات طول الزمان وعرضه لنتعلم ولنأخذ العظة والعبرة فتقول: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ...).   أوافق ولكن...! ما الذي أدّى إلى وقوع هذه الجريمة؟ هل الأمر أنّ قابيل قتل أخاه وينتهي؟ بالطبع لا، ولنبدأ في استخراج العبر والعظات... نسأل أولاً عن سبب هذا الجرم. البعض يرى أنّ السبب هو المرأة... ولكن المرأة في شخصها ليست السبب، ولكن السبب هو الفتنة بها. فأخطر فتنة تواجه الرجال هي فتنة النساء، وأخطر فتنة تواجه النساء هي فتنة الرجال. يقول تبارك وتعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (آل عمران/ 14-15). ويقول النبي (ص): "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" رواه البخاري. فذكرت الآية أنّ أول الشهوات المحببة للناس هي النساء، وذكر الحديث أنها أعظم الفتن ضرراً. ويقول النبي (ص): "إنّ الدنيا حلوة خضرة، وإنّ الله مستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإنّ أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" رواه مسلم. يا شباب... إنها فتنة تشتت على المرء شمله وتجعل فقره بين عينيه، وتتفرق به بين الهموم، وحتماً تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه "واتل عليهم نبأ ابني آدم". فهل نعتبر...؟   نقطتان كان عليهما التركيز... لقد ركز إبليس جهده على قضية العُرْي ليخرج سيدنا آدم وزوجته من الجنة. يقول تبارك وتعالى: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا...) (الأعراف/ 20)، ثم ركز على قضية أخرى وهي الفتنة بالنساء، يظل الشاب مشغولاً بالصور والشبهات والشهوات، ويتم له بذلك القضاء على الرجل والمرأة. يقول تبارك وتعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة/ 268). أيهما تختار يا شباب؟! ضياع الدنيا بالفقر والآخرة بالفحشاء في جوار إبليس أم نختار ربح الدنيا والآخرة بالفضل والمغفرة مع الله... مسكين مَنْ يترك ربه. إنّ نبأ ابني آدم نذير يصرخ بنا، أنْ أفيقوا قبل فوات الأوان. وكلمة خالدة تذكرنا بخطر الشبهات والمحرم من الشهوات.   أشكال فتنة النساء: أولاً: إياك من سهامه...! يروى النبي (ص) عن ربّ العزة أنه قال: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس". نعم إنه سهم يصيب القلب فيضعف الإيمان... هل تتخيل ما الذي يفعله السهم؟ إنه يجرح... وقد يصيب في مقتل... إنه مسموم. يخرج الشاب من بيته عازماً على طاعة ربّه وبعد ساعتين يتغير عليه قلبه... لماذا؟ لأنه أطلق النظر هنا وهناك، فتتمكن منه الشهوة، وتعذبه لأنّه لا يستطيع الوصول إليها، فيسخر منه الشيطان ويلعب به كالكرة في أقدام الصبيان. ثانياً: وكلاهما شاشة...! من أشكال الفتنة النظر إلى المواقع الإباحية على الإنترنت فتفعل به هذه الشاشة العارية الأفاعيل؛ لأنها أسرع فتنة في الوصول إلى القلب كسرعة السهم إلى كبد الفريسة. وكذلك النظر إلى القنوات الفضائية التي تقدم هذا العُرْي الشيطاني. مِن الناس مَنْ يفعل هذا كل يوم. وهذه الفتنة جعلت قابيل يخالف الشرع، وانتهت مخالفته إلى القتل. هل جربنا مرة مقاومة هذه النظرة... تقول: لن أنظر إلى هذه الفتاة... لن أطالع الفضائيات العارية والإنترنت الإباحي ثم تجاهد نفسك في التنفيذ. هل جربت مثل هذا؟ هيا يا شباب نجربه، فهو معنى من معاني الرجولة. ثالثاً: آهِ من الهاتف...! ومنها الكلام الذي يدور بين الشباب والبنات في التليفونات... يتحدث الولد مع البنت حديثاً محرماً... ولو سمعها أبوها أو سمعه أبوه، لانهارت البنت خجلاً وخوفاً، ولتصاغر الولد ذُلاً لا يدري ماذا يفعل أو يقول. وإذا كان الولد والبنت مطمئنين لعدم سماع ولي أمرهم بفعلهما، فما بالهما بنظر الله إليهما وبسمع الله لهما. يقول تبارك وتعالى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى) (العلق/ 14)، ويقول: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (طه/ 46). رابعاً: كاسيات عاريات... قد تجد فتاة غير محجبة ولكنها محتشمة، وقد تتحجب بعد ذلك. ولكن أخطر الخطر في التي ترتدي ملابس ضيقة للغاية فتصف جسدها. فكأنها والعارية سواء، فهي كاسية عارية أو فتاة تغطي شيئاً وتترك أشياء. في شأن هؤلاء قال رسول الله (ص): "نساء من أمتي لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإنّ رائحتها لتشم من مسيرة خمسمائة عام" قالوا: من يا رسول الله؟ قال: "نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت" رواه مسلم. خامساً: أخطاء تقع فيها...! أنصح كلّ شاب وفتاة بينهما خطوبة أن يتَّقيا الله عز وجل حتى يبارك لهما في زواجهما. لأنّه في فترة الخطوبة تحدث معاصٍ كثيرة... ونسمع عن خطوبات كثيرة فسخت بسبب ما وقع بينه وبينها من أشياء محرمة... فمن أراد إتمام هذه النعمة، نعمة الزواج، فليتق الله في بدايتها (فترة الخطوبة). فمن استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه. سادساً: من علامات الساعة...! يقول النبي (ص): "رأيتني الليلة وقد أتاني آتيان، فقالا لي: انطلق معنا. فانطلقت معهما، فأتيا بي على تنّور فيه أصوات (فرن بداخله صراخ) فطلعنا عليه فإذا فيه رجال ونساء عراة يأتيهم اللهب من أسفل منهم. فقلت، من هؤلاء؟ فقالا: هؤلاء الزناة والزواني". فانتشار الزنى من أشكال الفتنة ومن علامات الساعة، والعقاب شديد، فاعزم على نفسك، لن أقع في مثل هذا... لن يغلبني إبليس بكيده الضعيف... ومن أصاب شيئاً من هذا فليتب ويستبدل عمله بالخير. جاء رجل إلى النبي (ص) فقال: يا رسول الله، أخذت من امرأة قبلة فأشاح عنه النبي (ص) بوجهه... فنزل قول الله: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (هود/ 114). سابعاً: وحدث في عهد النبي...! ومن أشكال الفتنة المعاكسات والتعرض للنساء في الطرق... وحدث مثل هذا في عهد النبي (ص)، فجاء وفد يبايع النبي على الإسلام ومعهم شاب، وبينما هم في الطريق إذا بالشاب يجذب جارية من ثيابها، فوصل الوفد إلى النبي (ص) فبايعهم واحداً واحداً حتى وصل إلى هذا الشاب فقبض النبي عليه الصلاة والسلام يده وقال: "ألست صاحب الجبيذة؟" فسكت، فقال النبي (ص): "لا أبايعك". فقال له الشاب: والله لا أفعلها بعد اليوم. فمد إليه النبي يده فبايعه. هذا الرجل يا شباب خشي من غضب النبي وإعراضه عنه فنوى التوبة وعزم عليها وصدق فيها. وأخشى أن يكون فينا من لا يهمه غضب النبي منه يوم القيامة وإعراضه عنه بقوله: سحقاً سحقاً، أي: بُعداً بُعداً. ثامناً: كيف تقبلين...؟ من أشكال الفتن أن تقبل فتاة اقتراب رجل منها ويفعل معها من الحرام كذا وكذا أو فتاة يهون عليها لحمها فتعرضه لكلِّ عين... أيّ الحياء؟ ذات يوم والإمام أحمد بن حنبل في طريقه فهبت ريح رفعت جلبات امرأة فظهر كعبها وبعض ساقها فرفع الإمام ثوبه على وجهه وقال: هذا زمان الفتن. فماذا لو بعث بيننا الآن...؟. تاسعاً: خيانات زوجية... جاء رجل إلى النبي (ص) فقال: يا رسول الله، أيّ الذنب أعظم عند الله؟ فقال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك". قال: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك". قال: ثم أي! قال: "أن تزاني حليلة جارك". فظهور الخيانات الزوجية من أشكال الفتن. وظهور ألوان الفتن يظهر مدى ما فعله بنا الشيطان منذ قابيل حتى اليوم.   وإليكم الحل: أولاً: غض البصر... لا بد يا شباب من مقاومة فتنة النظر... إياكم أن يعتذر أحد بأنه غير متزوج... لا بد من المحاولة. أعرف شاباً عزم قبل خروجه على مقاومة النظر المحرّم ومغالبة إبليس. وقال: أنظر كم مرة سأغلبه أو سيغلبني. وفي آخر اليوم وجد نتيجة الإحصاء (12) مرة غض بصره. و(10) مرات لم يغض بصره، فجلس يستغفر على المرات العشرة. أذكركم يا شباب بحديث قدسي سابق وأتمه لكم: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس فمن تركها من مخافتي أبدلته بها إيماناً يجد حلاوته في قلبه". جربوا يا شباب غض البصر أسبوعاً ستجدون حلاوته في قلوبكم لا محالة فقد وعدكم الله بذلك. ثانياً: أغلق الأبواب...! القلب مثل البيت له أبواب... فإذا ترك صاحب البيت النوافذ والأبواب مفتوحةً... سيأتيه منها اللصوص. فانظروا أبواب الفتن وأغلقوها تسلموا منها: -        إن كان صديقاً فاقطع علاقتك به. -        إن كانت صديقة فاقطعي علاقتك بها. -        من الإنترنت: اقطع صلتك بالمواقع الإباحية. -        من الهاتف: قم بتمزيق كلّ رقم يجلب عليك الفتنة. هيا يا شباب نبدأ ونحاول حتى تطمئن نفوسنا بالخير وللخير، وصدق الله تبارك وتعالى إذ يقول: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت/ 69). ثالثاً: الصوم... يقول النبي (ص): "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" (أي حصن وحماية). فإن خفتم المعاصي يا شباب فصوموا الاثنين والخميس وثلاثة أيام من كلِّ شهر. وإن أردتم مقاومة المعصية فأكثروا من الصوم. صوموا صيام داود، وهو أحب الصيام إلى الله. كان يصوم يوماً ويفطر يوماً. الصوم يضيِّق على الشيطان مجاريه في دماء الإنسان فقال (ص): "إنّ الشيطان يجري من ابن آم مجرى الدم" فهيا نضيق عليه بالجوع والعطش... فالصوم درع حصين. رابعاً: معرفة الثواب... يقول النبي (ص): "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" ومنهم: "رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله". -        فمن قطع علاقة محرمة فهو في ظل عرش الرحمن. -        ومن قطعت علاقة محرمة فهي في ظل عرش الرحمن. -        ومن عفَّ عن نظر محرم خوفاً من الله فهو في ظل عرش الرحمن. من يرغب عن هذا الثواب..؟ تخيل فرحتك وربّ العزة ينادي في الجنة: أين من أطاعوني بالغيب؟ فترفع يدك وتقول: أنا يا ربّ. مَزَّقت نوتة تليفوناتي... أنا يا ربّ تركت من المعاصي كذا وكذا... تفكروا يا شباب في حجم الأجر وقدموا له الثمن. خامساً: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم... من أساليب الوقاية من فتنة النساء سرعة التوبة. فمن ندم على الذنب وعزم على تركه كمن لا ذنب له... المهم ألا نؤجل التوبة. فنحن لا نملك أعمارنا. ورحمة الله واسعة... ما سعتها؟ يقول تبارك وتعالى: (.. وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ...) (الأعراف/ 156). سادساً: هناك من سبقك...!! كلما تعرضت لك فتنة تذكر شاباً عزباً جميلاً غريباً في بلد بعيدة... دعته سيدته بعدما غلقت الأبواب وقالت له: إني لك. فقال: معاذ الله. إنه نبي الله يوسف. -        لا يخدعنك الشيطان بأنّ أحد أصحابك يفعل كذا وكذا من المعاصي فكن مثله. -        لا يخدعنكِ الشيطان بأنّ إحدى صديقاتك تعرفت على فلان وفلان وعليك أن تكوني مثلها. إقذفوا يا شباب في وجه إبليس بثلاث قذائف كلما زيّن لكم فتنة، ثلاث قذائف تحرقه وتقضي عليه، قذفه بها نبي الله يوسف: (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (يوسف/ 23).   هكذا يجب أن تكون...! يروى أنّ رجلاً اسمه عبيد بن عبيد كان مشهوراً بالصلاح والتقوى... وكان في عهده امرأة شديدة الجمال، نظرت لنفسها في المرآة وقالت: من يقاوم هذا الجمال...؟ فقال لها زوجها: يقاوم هذا الجمال عبيد بن عبيد. فقالت له: أتأذن لي أن أفتنه؟ فقال: أذنتُ لكِ. فذهبت وقالت: أريد أن أسألك في مسألة، وظلت تعرض له وجهها وهو معرض عنها حتى طلبت منه صراحةً التعارف و... و... فقال لها: أسألك أسئلة، إن أجبت عليها بصدق أعطيتك ما تريدين. فقالت: سل ما شئت والله لأصدقنك. فقال لها: -        لو أتاكِ ملك الموت يأخذ روحك أيسرك أن يقبضك أثناء هذه المعصية؟ قالت: لا. -        قال: لو أنّ الناس يوم القيامة أخذوا كتابهم بأيمانهم. أيسرك أن تأخذي كتابك بشمالك بسبب معصيتي معكِ؟ قالت: لا. -        قال: لو مُدّ الصراط يوم القيامة بين ظهراني جهنم والناس يعبرون. أيسرك أن تسقطي في جهنم بسبب معصيتي معك. قالت: لا. -        قال: لو وقفت بين يدي الله يسألك عن هذه المعصية. أيسرك أنك فَعلْتها؟ فقالت: لا. فقال لها: أما يكفيك هذا؟ فقالت: نعم، والله لأتوبن إلى الله، فعادت عابدة خاشعة. إنّ هذه الرجولة الشامخة في استعلاء الرجل على المعصية لم تعصمه فقط بل ردعت من جاءت لغوايته، واستعلى صلاحه على فسادها حتى اقتلعه من جذوره فصفت فطرتها وعادت لربها... وصدق الشاعر: وَتَشَبَّهُوا إِنْ لَمْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ *** إِنَّ التَّشَبُهَ بِالرِّجَالِ فَلاَحُ   من المسؤول...؟ نعود إلى أصل الفتنة ونسأل: من المسؤول عن جريمة القتل؟ قابيل أم أخته؟ ونطرح هذا السؤال لأنّ القصص الإسرائيلية تُحمِّل أخت قابيل وزر هذا القتل كما حُمّلت حواء سبب الهبوط والخروج من الجنة. وهذا خطأ لأنّ القرآن نسب القتل إلى قابيل وحده. فمتى تكون المرأة مسؤولة عن فتنة الرجل؟ عندما تحرك فيه دوافع الفتنة بالعُرْي وترك الحجاب والتعطر والخضوع في القول والتمايل في الخطى... ويخدعها الشيطان ويزين لها هذا حتى يعجب بها الرجال... فعند ذلك تشارك المرأة الرجل في الإثم. إنّ اللحم الذي يشتريه صاحبه بثمن مرتفع لا يهون عليه فيرميه إلا إذا تغيرت حالته فأصبح غير صالح للأكل، عندها يرميه مضحياً بثمنه، وعندها لا يقترب منه الناس فهو عندهم هين كما هان على صاحبه، ولكن يقترب منه ال... -        فهل ترضين لنفسكِ هذا؟ صانكِ الله. -        وهل ترضى لنفسكَ ذاك؟ عافاكَ الله.   وما العلاقة...؟ يقول تبارك وتعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ...) (المائدة/ 27)، معنى الواو هنا أنّ الكلام بعدها مرتبط بما قبلها. والكلام قبلها حديث عن سيدنا موسى وهو يأمر قومه بدخول الأرض المقدسة فخافوا وجبنوا. فما العلاقة بين رفضهم وخوفهم وبين نبأ ابني آدم فجمع بين الخبرين بالواو؟ لأنهم خافوا وجبنوا عن القتل، وقابيل تهور فقتل. فبيّن الله أنّ الشيئين معصية: الجبن، والتهور. وكأنّ الله يأمرنا بالشجاعة من غير تهور.   معنى في غاية الأهمية... ويقول تبارك وتعالى في نفس السورة على لسان سيدنا موسى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (المائدة/ 25)، ترى فيها مدى حرص نبي الله موسى على أخيه، وقارن بين هذه الصورة والأخرى التي جاءت بعدها بآيات قليلة والتي قال فيها أخ لأخيه: (لَأَقْتُلَنَّكَ). يا شباب... الأخوة نعمة من الله. من كان له أخ أو أخت فليحافظ على هذه الأخوة من نزعات الشيطان... ومن كان له صالح تربطه به أخوة الإسلام فليتمسك به ويصون هذه الأخوة من نزعات الأهواء. يقول الشاعر: يَميناً لَو يَمِينُكَ فِي يَمِيني *** لَقَبَّلَتْ الدُّنْيَا لَنَا يَمِينَا يقسم على أنّ الاتحاد والتعاون نملك بهما أمر دنيانا.   نتيجة الحسد...! يقول تبارك وتعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأقْتُلَنَّكَ...) (المائدة/ 27). وهذه الكلمة: "لأقتلنك" تدل على تمكن الحسد والفتنة من قلب صاحبها (قابيل) فأدى به هذا إلى القتل. فكان الحسد أول معصية ارتكبت في الأرض. تعالوا نعدد المعاصي التي وقعت قبله من بدايتها. 1-    الكبر. 2-    تحريض آدم وحواء على الأكل من الشجرة. 3-    الحلف كذباً. 4-    فتنة النساء. 5-    الحسد. وسببها كلّها أمراض قلبية يصاب بها من يفتن بنفسه أو بامرأة. ومعاصي القلوب أصعب وأشد من معاصي الجوارح.   إنه يأكل الحسنات... الحسد والغل والحقد لها أمراض تظهر في أفعال الإنسان وتصرفاته. -        هذه تحسد أخرى بسبب زيجة طيبة مباركة. -        وهذا يحسد زميله بسبب ترقيته في العمل. يقول النبي (ص): "إياكم والحسد، فإنّ الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب" رواه أبو داود. ويقول: "اثنان لا يجتمعان في قلب مسلم: إيمان، وحسد". إنه لا يأكل ثواب العمل الصالح فقط... إنه يطرد الإيمان من القلب فيصبح المرء دمية في يد إبليس.   علاج الحسد... البعض منا يمرّ بأزمات اجتماعية فيظن أنّ سببها الحسد ويريد العلاج منه وسنذكر العلاج في نقاط: 1-    قراءة المعوذتين: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ). 2-    أذكار وأدعية الصباح والمساء. 3-    تقوى الله واجتناب المعاصي. يقول تبارك وتعالى: (وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)، فترك السيئات والمعاصي حماية من الحسد. 4-    حسن التوكل على الله. يقول تبارك وتعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (يونس/ 107). 5-    الصدقة، فما يحفظ النعمة مثل الصدقة. 6-    الإحسان إلى من أساء إليك. يقول تبارك وتعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت/ 34).   القبول مرتبط بها...! أخذت النار قربان هابيل وتركت قربان قابيل، فغضب وحقد على أخيه لشيء لا ذنب له فيه، وإنما كلّ الذنب عليه هو إذ لم يتَّق الله ويقبل شريعته، ولم يتَّق الله في حسن اختيار القربان، وذكر له أخوه ذلك: (.. قَالَ لأقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (المائدة/ 27). نريد يا شباب أن نكون من المتقين حتى يتقبل الله منا كما تقبل من هابيل، فما معنى التقوى لنكون من أهلها؟ معناها أن يجدك الله حيث أمرك ولا يجدك حيث نهاك. -        يجدك بين صفوف المصلين بعد النداء، يجدك قارئاً للقرآن، وأصلاً للرحم. -        لا يجدك متعرضاً للفتن، رافعاً للصوت، عاقاً لأبويك، قاطعاً للرحم. يستطيع أحدكم يا شباب أن يقول: غداً سأعرف مدى تقواي لله. سأذهب حيث أمرني ربي، ولن أذهب حيث نهاني. وفي الليل تجد النسبة 80% تقوى فتفرح؛ لأنّ الله يتقبل من المتقين، وماذا أيضاً: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة/ 4). بكى أحد التابعين الصالحين عند موته. فقيل له: تبكي وقد فعلت من الطاعات كذا وكذا؟! قال: أبكي لأنّ الله قال: (.. إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ). نعم، القبول مرتبط بالتقوى، والله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً. "ما أنا بباسط يدي". وقال هابيل لأخيه قابيل بعد ذلك: (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ...) (المائدة/ 28). ويذكر ابن عباس أنّ هابيل كان أشد قوة من قابيل. ولكنه مع ذلك لم يشأ أن يقاوم أخاه أو أن يرد العدوان بمثله. قال النبي (ص): "من مات دون ماله فهو شهيد ومن مات دون أهله فهو شهيد". فهل يعد تصرف هابيل تصرفاً سلبياً. بالطبع لا؛ لأنّ الوضع هنا مختلف، إنّ الذي يريد قتله هو أخوه وتربطه به صلة رحم قوية... وهو يفضل الموت عن قطع هذه الرحم، وكأنّ الآية تضرب لنا أروع وأصعب الأمثال من صلة الأرحام. كثير من الأرحام قطعت بسبب المال أو بغير سبب، والنبي (ص) قال: "لا تتنزل الرحمة على قوم بينهم قاطع رحم". وقال: "ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها وهذا ما فعله هابيل مع أخيه" وقال (ص): "الرحم تتعلق بالصراط يوم القيامة وتقول: يا رب لا تجعله يمرّ حتى يؤدي إليّ حقي".   ترى... ما هذان الإثمان...؟ استطرد هابيل يقول لأخيه: (ِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ) (المائدة/ 29). -        الأول: إثم قتلي. -        الثاني: إثم رفض شريعة الله ونقض أحكامها. واحذروا يا شباب... الذي يقع في معصية كأنه فعل اثنتين، المعصية الأولى وهي المخالفة، والثانية عدم قبول شرع الله. فاحذروا فإنّ الثانية أشد من الأولى.   إنها الفطرة...! يقول تبارك وتعالى: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (المائدة/ 30) هذه الكلمة (فَطَوَّعَتْ) تدل أنّ الخير أصيل في النفس، ولكي يقلبه الإنسان إلى شرّ يحتاج إلى معاودة وتطويع حتى يتم له ذلك. فلا يولد أحد عاصياً، ولا يولد أحد مجرماً، ولا يولد أحد شارب خمر، وإنما كلّ مولود يولد على الفطرة... والشر يطرأ عليها بعد تطويع حتى تصبح المعصية سهلة عليها. فاستطاع قابيل أن يقتل وهو ابن نبي وتربّى على يديه. والنفس قد تفعل معصية لا يتوقع صاحبها أن يفكر فيها منذ (20) سنة – مثلاً – ولكنها وقعت بعد تفكير ومعاودة وتطويع (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ). جوارحك هي جنود الفطرة التي تهزم بها إبليس... وهي الأعوان التي تطوع النفس على الخير، والملائكة ترشدك إلى الصواب وتؤيدك بالحقِّ... ولا تترك المجال لإبليس إلا إذا أطعته أنت فجعلت جوارحك جنداً له هو... أليست نفسك غالية عندك؟! فكيف تعين عليها الشيطان يسلِّمها إلى جهنم.   ابن القيم يعرفك البداية...! وتطويع النفس على الخير ومقاومة المعصية يحتاج إلى أمر أشار إليه ابن القيم في كلمة لطيفة. قال: اعلم أنّ المعصية تبدأ بخاطرة فدافع الخواطر (قل – مثلاً – أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) فإنك إن لم تفعل صارت سهلة، فحاربها فإنك إن لم تفعل صارت همة وعزيمة فحاربها، فإنك إن لم تفعل صارت فعلاً فحاربه، فإنك إن لم تفعل صار عادة يصعب عليك تركها، ومحاربتها في مبتدئها أسهل من محاربتها إذا استحكمت. احذروا يا شباب خطوات الشيطان هذه حتى لا تنتهي بنا إلى فعل قابيل الذي ظل يستسلم لهذه الخطوات حتى قتل أخاه.   علاقة قوية... فكيف قتل قابيل أخاه؟ قيل: أخذ حجراً وضربه، وقيل: خنقه وهو نائم. والقرآن لم يذكر إلا أنّه قتله، ولم يشر إلى طريقة القتل. إنك تجد في بعض الصحف تعليقاً عن جريمة وعن تفاصيل وقوعها وربما تستلفت هذه التفاصيل البعض فتغريه بالقيام بمثلها – وعدم ذكر القرآن لطريقة القتل لون من ألوان التربية حتى لا يُغْرى أحد بمثلها، ولكن ركّز على أسباب الجريمة وعلى العقوبة وعلى نتائجها. ولكن لماذا ربطت القصة فتنة النساء بالقتل؟ لأنّ بينهما علاقة قوية، ويتكرر ارتباط هذه الفتنة بالقتل يومياً. أحد تقارير منظمة الصحة العالمية يقول إنّ عدد حالات الإجهاض الجنائي في العالم سنة (76) كان (25) مليون جنين أُجهضوا في سنة واحدة. وأُعيد الإحصاء سنة (84) فوجوده وصل إلى (50) مليون جنين. تُرى... كم عدد الحالات اليوم؟!... من هنا يظهر ارتباط فتنة النساء بالقتل. فهذا الحمل السِّفاح بدايته فتنة انتهت بقتل ما نتج عنها بالإجهاض.   معنى في غاية الخطورة...! يقول القرآن عن قابيل بعد جريمته (فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ولتشعر بحجم الخسارة، يقول النبي (ص): "لا تقتل نفس إلى يوم القيامة إلا كان على ابن آدم الأوّل إثم منها". رواه البخاري، فكلّ قاتل إلى يوم القيامة يحمل قابيل من سيئاته... فما حجم هذا العذاب؟ يعلمك النبي (ص) أنّه: "من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة". والتوبة تمحو الذنب... ولكن احذروا يا شباب أن تعلموا غيركم المعصية، فيزداد العاصي أثقالاً مع ثقله، وأوزاراً مع وزره... هل أدركت مدى الخسارة؟   تناسق القرآن... يقول تبارك وتعالى: (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) (المائدة/ 31). انتبه إلى أنّ الله بعث الغراب... فهو من جند الله طائع لله، أمره ربه بالذهاب ليعلِّم قابيل فاستجاب الغراب لربِّ العزة. ولكن لماذا الغراب؟ ليتمم التناسق مع هذه الفعلة المنكرة، فالغراب أسود وهو أقبح الطيور شكلاً وصوتاً واسماً... وهنا ينتبه قابيل من غفلته ولكن بعد فوات الأوان.   نعم إنها سوءة... فعندما رأى الغراب: (قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي) (المائدة/ 31)... لماذا السوءة ولم يقل الجثة؟ لتعرف أنّ السوءة هي أهم ما يجب ستره، فعدم ستر العورات يسبب كثيراً من الأمراض النفسية والفتن المهلكة.   إنّه ندم عجز...! والنتيجة (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)... فلماذا لم تقبل توبته بعد الندم على فعلته؟ لأنّه لم يندم من أجل الله... ولم يندم ندم توبة... إنّه ندم بسبب عجزه. كالذي يذهب إلى حفلة دفع فيها (150) جنيهاً – مثلاً – فلم تعجبه فندم على المال ولم يندم من أجل الله... ولو كان لله لكانت توبة. ولكنه لم يفعل ذلك. لقد قتل أخاه وحار بجثمانه الذي بدأ يتعفن وبدأت الحيوانات تقترب منه فجاء الغراب... وأظهر له عجزه... فندم لضعفه وأحاطت به سيئته. فاحذروا يا شباب الاستهانة بأمر الله... وخطوات الشيطان... واحذروا الفتن وأغلقوا عنكم أبوابها، وقد رأيتم أنّ العاصي أعجز من الغراب... وإذا ألَمَّتْ فتنة بأحدكم فلا نجاة منها إلا بسرعة التوبة... وما دام في النفس عرق ينبض فالأمل واسع في رحمة الله.   المصدر: كتاب قصص الأنبياء.. قراءة برؤية جديدة

ارسال التعليق

Top