• ١ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٢ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

نحـن والحـداثة

محمّد محفوظ

نحـن والحـداثة

◄بما أنّ الحداثة هي وليدة التطور التاريخي والاجتماعي، وليست مسألة شكلية أو سلعة قابلة للاستيراد والتصدير، لذلك فهناك علاقة غير متوازنة بين واقعنا العربي والإسلامي ومفهوم الحداثة.

وهذا لا يعني أنّ قدرنا المحتوم هو هذا، وإنّما المرحلة التاريخية والاجتماعية، التي نعيشها لم تصل أو تبلغ مرحلة الحداثة وأنماطها المتعددة. فغياب التوازن ليس بسبب ذاتي، وإنّما هي مسألة تاريخية، تنطبق على كلّ الشعوب والأُمم. فهي ليست لحظة زمنية، وإنّما هي عملية متواصلة ودائمة، تدخل في صميم حياة الناس ونسيجهم الاجتماعي.

ويبدو تاريخياً أنّ حيوية المجتمع ووعيه، هي التي تعطي قيمة حقيقية وفعلية للحداثة وغيرها من القيم التي تبلغها المجتمعات الإنسانية، بمعنى أنّ استيراد كلّ أشكال الحداثة إلى مجتمع ما، لا يحوّله إلى مجتمع حديث، وإنّما يزيد في ضياعه وتشتته وازدواجيته، ويكبّله بمجموعة أخرى من المعوقات التي تحول دون انطلاقته الحقيقية والسليمة. كما تؤدي هذه العملية، إلى وجود مجتمعين تحت سقف واحد. مجتمع تقليدي يمارس حياته وأنماط علاقته، وفق معايير تقليدية، ويوازيه مجتمع آخر حديث يمارس حياته، وفق أحدث المعايير العصرية. وهذه هي حال المجتمعات العربية والإسلامية في الوقت الراهن.

فمنذ صدمة الحداثة الأولى، ومجتمعاتنا العربية والإسلامية تعاني الشيزوفرينيا في كلّ شيء. هناك ثنائية التعليم التقليدي والتعليم الحديث، الاقتصاد التقليدي القائم على الصناعات الحرفية والوطنية، والصناعات الحديثة القائمة على المستورد الأجنبي، وهناك العلائق الاجتماعية، التي تتحكم فيها القيم المتوارثة، والعلائق الاجتماعية التي تحررت من تلك القيم، وجعلت نمط العلائق الحديثة إنموذجاً يُحتذى. وهكذا بقية المجالات والجوانب. فهذه الازدواجية الشاملة التي تعيشها مجتمعاتنا العربية والإسلامية، هي وليدة التعاطي المغلوط مع مفهوم الحداثة.

لقد نظرت الكثير من مشاريع وخطط التنمية إلى الحداثة باعتبارها سلعة، بإمكان أي مجتمع إنساني استيرادها، وتوفير أشكالها في المجتمع، وبهذه العملية يتحوّل المجتمع إلى مجتمع حديث. وغفل الجميع أنّ الحداثة مرحلة نبلغها عبر تطور تاريخي اجتماعي. وبفعل هذه العملية ساد الاضطراب المنهجي والازدواجية والفصامية في كلّ شيء، فتحوّلت مجتمعاتنا العربية والإسلامية إلى أشبه ما يكون بلوحة فسيفسائية ومهشمة.

والسؤال الذي يطرح هو: كيف نخرج من وطأة الازدواجية وحالة الفصام النكد، التي تلف حياتنا العربية والإسلامية؟

1ـ التفاعل الواعي والمباشر مع القيم والمبادئ:

إنّ التجانس النفسي والاجتماعي، لا يتأتى إلّا بصلة مباشرة، تربط الإنسان بقيمه ومبادئه، ومحاولة التفاعل معها بلا وسائط، حتى تمارس هذه القيم تأثيرها الإيجابي على حياة الإنسان في السر والعلن. ولعلّ هذا التفاعل الخلاق، هو الذي حوّل تاريخ العرب من بداة، حفاة، عُراة، إلى صانعي حضارة شامخة، وصل تأثيرها أصقاع العالم كلّه.

فالتفاعل الواعي مع القيم الكبرى، يؤدي إلى توفر معنويات عالية، وروح وثّابة إلى فعل الخير، وتجاوز كلّ العقبات التي تحول دون صناعته على المستوى الخاص والعام. فالفصام والازدواجية في الشخصية، لا تصيب إلّا الإنسان، الذي لم يكوّن علاقة طبيعية وواعية مع قيمه ومبادئه.

2ـ تصحيح القيم الخلقية:

لا شك أنّ عصور الانحطاط والتخلّف، التي أصابت عالمنا العربي والإسلامي، أدت إلى فهم مغلوط للكثير من الصفات والقيم الخلقية. وكان هذا الفهم المغلوط والسطحي والسلبي لهذه القيم، هو الذي يغذي استمرار التخلّف في الواقع العربي والإسلامي. والخروج من حالة الازدواجية، لا يتم إلّا بروافع قيمية، ترفع المستوى النفسي والروحي للإنسان، فتدبّ الحياة في أوصاله. ولعلّ من أهم هذه الروافع، تصحيح القيم الخُلقية التي تؤطر حياة الإنسان الخاصّة والعامّة.

ولنتذكر دائماً أنّ العلاقة النسبية بين الإمكان الحضاري والإرادة الحضارية، علاقة سببية تقع (الإرادة) فيها في رتبة السبب بالنسبة إلى الإمكان.►

ارسال التعليق

Top