• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حروب الزوجين والتراشق بالكلمات الجارحة

حروب الزوجين والتراشق بالكلمات الجارحة
إذا كانت طيور الحب تسكن القلوب بكلمة، فإن خفافيش الكراهية تعشش في البيوت بعبارة تخرج من فم أحد الأزواج في لحظة غضب فتكتب بداية النهاية! إنها ألفاظ جارحة تبدأ بالتطاول على أسرة الزوج أو الزوجة.. وتنتهي بالحط من قدر وكرامة شريك الحياة ومعايرته بالمال تارة، وبانعدام الرجولة تارة أخرى.. وكثيراً ما يتم وصف الزوجة بالقبح ومقارنتها بالحبيبة السابقة، وفي كل الأحوال النتيجة معروفة: خراب البيوت وتشريد الأطفال! لتكن البداية مع إحصائيات الطلاق وتقديرات العنف الأسري، حيث تشير إلى أن نحو 40% من أسباب هذه الظاهرة ترجع إلى لجوء أحد الزوجين إلى استخدام عبارات وألفاظ جارحة تسيء إلى الطرف الآخر ما يدفعه إلى الرد بالأسلوب نفسه، ومن هنا تنتقل المشادة من مرحلة الكلمات إلى اللكمات المتبادلة، وهو ما يؤدي غالباً مع تكرار المشاجرات إلى وقوع الطلاق! هذا ما أكدته دراسة ميدانية أجراها مؤخراً المركز القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة، فضلاً عن عشرات القصص والحكايات الكثيرة التي تعج بها دفاتر أقسام الشرطة لجرائم أسرية تراوحت بين الإهانة والإيذاء البدني، ووصلت أحياناً إلى حد القتل وتخلص أحد الزوجين من الآخر، بطرق متنوعة تتراوح بين الإلقاء من النافذة والطعن بالسكين! وعند سؤال الجاني يكون الرد: هي السبب فقد قالت لي كذا وعايرتني بكذا! وفي أحيان أخرى يكون الجاني، الزوجة التي تبرر فعلتها بأن زوجها سب أمها، أو قارن بينها وبين حبيبته السابقة! أم حسام (28 سنة)، طالبت بعدم ذكر اسمها الحقيقي، وهي تقول: تزوجت منذ 7 سنوات ورزقنا الله بطفلين.. بدأت حياتي الزوجية بقدر كبير من الحب والتفاهم، ومرت أوّل سنة ببهجتها وجمالها وأنجبت أوّل أولادي "حسام".. كنت أعمل وقتها ولكنني حصلت على إجازة لرعاية الطفل بعد إنجابي وتزامن هذا مع بدء "تشدد" زوجي – مهندس معماري – حيث بدأ يتخذ قرارات جديدة، منها مثلاً أن أغير طبيعة ملابسي رغم أنني بطبيعتي محتشمة وأن أترك عملي بالتدريس، ثمّ تغيرت لهجته وصار أكثر حدة.. وأصبح يتشاجر معي لأتفه الأسباب.. تحملت كل ما قاله إلا كلمته التي مزقتني: أنا أنفق عليكم.. تأكلون أفضل طعام، وترتدون أحسن ثياب، وتستقلين سيارة آخر موديل. كل هذا من فلوسي وتعبي.. إذاً كلمتي هي التي تمشي في البيت من دون نقاش.. "واللي مش عاجبه يتفضل مع السلامة!". رغم أن تلك الجملة قالها في نحو ثوان معدودة، واعتذر بعدها.. مبرراً ما حدث بأنّه كان بسبب غضبه ولم يكن يعي ما يقول إلا أنها أصابتني نفسياً بجرح عميق في كبريائي.. فما معنى أن يقول الرجل مثل هذا لزوجته؟ بالتأكيد ثقتي به قد اهتزت ولكنني من أجل مصلحة ولديّ واستقرارهما حاولت أن أكمل الحياة معه بعد أن طلبت الطلاق. وعلى مدار خمس سنوات حاولت أن أنسى تلك الجملة ولكني فشلت إذ كنت دوماً أستمع إلى صداها يتردد في داخلي حيث تغيرت نظرتي إلى زوجي وأصبحت أشعر بالخوف منه! نجلاء (30 سنة) تختلف حكايتها قليلاً إذ لم تستطع أن تستمع إلى زوجها وهو يهينها، ويهين والدتها بقوله في إحدى المشادات الكلامية: "أمك خرّبت بيت أختك الكبيرة، وطلقتها من زوجها، وسيتكرر الموضوع معك بسبب تدخلاتها.. أمك خرابة بيوت". وتضيف قائلة: شعرت بالإهانة البالغة مما قاله زوجي، إذ لم أتمالك نفسي فرددت عليه بعدما اشتطت غضباً، وأردت أن أذيقه من الكأس نفسها قائلة: "ماما خيرها عليك.. هل نسيت كم مرة احتجت إلى فلوس وساعدتك.. راتبك لا يكفيني.. لا تنس أنها هي التي تنفق على البيت!". وتشير نجلاء إلى أن انحدار العلاقة بينها وبين زوجها، بدأ مع تلك الجملة التي كانت أشبه بكرة ثلج تزداد حجماً كل يوم. وتضيف: صرنا نتفنن في إهانة بعضنا بعضاً بالكلمات الجارحة إلى أن صارت حياتنا جحيماً لا يطاق، ووقع الطلاق بيننا مرتين لنعود بعد كل شهر إلى استئناف الحياة، وفي آخر مرة ع دت إلى منزل الزوجية في فترة العدة وكلانا يعلم جيِّداً أن تكرار يمين الطلاق للمرّة الثالثة معناه فراق وخراب البيت إلى الأبد! ما حدث مع نيرمين (29 سنة) يبدو مختلفاً، فاستناداً إلى روايتها لم تقصر يوماً في حق زوجها السابق منذ ارتباطهما قبل 4 سنوات، تقول: كنت له الزوجة والصديقة والحبيبة، ووقفت معه في أوقات الشدة، لكنه لم يكن كريماً معي منذ البداية، فقد عرف أنني أمتلك رصيداً في البنك من ميراث والدي لذلك استغلني منذ الأيام الأولى لزواجنا، وألقى بكل مسؤوليات البيت على كاهلي ثمّ صار يستولي على راتبي كل شهر بالقوة، وعندما واجهته في لحظة خلاف، وقلت له: إنّ الرجولة ليست بالصوت العالي إنما بالقدرة على الإنفاق.. اعتبر ذلك إهانة، وبأنني أعايره، إذ لم يستطع أن يغفر زلة لساني وصار يعتدي عليّ بالضرب والإيذاء البدني إلى أن وقع الطلاق وأخذت ابنتنا الصغيرة ريهام لتعيش معي، وبعدها سافر، وانقطعت أخباره عنا منذ عامين. وتضيف نيرمين قائلة: لا أخفي أنّ الطلاق أمر صعب جدّاً خصوصاً وأنني مازلت في سن صغيرة.. أعترف بأنني أخطأت إذ كان يتوجب ألا أعاير والد طفلتي بأنني أساعده في مصروف البيت براتبي! ومن جهتها تشير د. سامية خضر إلى حقيقة مؤكدة، وهي أنّه لا يخلو بيت من المشادات الزوجية، مهما كان حجم الحب والقرب بين الزوجين، إذ لابدّ أن تشهد الحياة الزوجية خلافات في وجهات النظر، قد تتطور إلى مشادة وأحياناً إلى ما هو أسوأ من ذلك، لذلك يجب على كل طرف أن يضع نصب عينيه قائمة من المحظورات لعبارات من الواجب تجنب قولها كي تمر الأزمة بهدوء خصوصاً أن بعض العبارات أحياناً يكون وقعها أشد عنفاً على القلوب من الخناجر وطلقات الرصاص.. والمطلوب من الطرفين التركيز فقط على مشكلة واحدة، ومحاولة إيجاد حل لها. بمعنى، إذا كان موضوع الخلاف يتعلق بوجود أتربة في المنزل، أو اكتشاف إهمال في تنظيف قطعه أثاث، أو تكرار عدم وجود ملابس نظيفة، فيجب عدم الصراخ بوجه الآخر، أو التطرق إلى سلبيات أخرى، لأنّ الآخر في تلك الحالة سوف يبادر بالرد وإظهار سلبيات الطرف الآخر! كما يتوجب تجنب اللجوء إلى الماضي، مثل أن تعايره الزوجة بنزوة سبق أن مر بها، لأن ذلك يعد من قبيل الضرب تحت الحزام! د. على ليلة – خبير علم الاجتماع بجامعة عين شمس – يؤكد أن أسوأ ما تواجهه الحياة الزوجية هو ظاهرة العنف اللفظي في حال وقوع مشادات بين الطرفين، بغرض حسم المعركة الكلامية أو الخلاف سريعاً، وتحقيق نصر فوري حيث يحاول كل طرف إثبات أنّه الأصح والأقوى، وغالباً ما يكون الزوج البادئ بالعنف اللفظي، وباستخدام عبارات جارحة وهو ما لاحظناه من خلال بحوث ودراسات ميدانية حول الخلافات الزوجية وأسباب الطلاق في مجتمعاتنا. ويضيف د. علي قائلاً: بعض الرجال أن استخدام كافة الكلمات والأساليب في مواجهه الزوجة أمر ضروري في حال نشوب خلاف في وجهات النظر، وذلك يهدف فرض الهيمنة على البيت، كما أن بعض الزوجات يبادلن أزواجهنّ عبارات موجعة أيضاً.. بطريقة العين بالعين وهو أمر يؤثر في استقرار الحياة بين الزوجين خصوصاً أن بعض الكلمات يكون لها تأثير سلبي على المتلقي نفسه، وهو ما قد يدفع الطرف الآخر إلى الرد بكلمات أشد قسوة وقد ينتقل الأمر إلى التشابك بالأيدي. ومن هنا تأتي أهمية خفض الصوت، وانتقاء الكلمات، وضرورة ألا ينساق أحدهما وراء الكلمات الجارحة، فبعد أن تنتهي المشادة سيجد كل طرف أنّه أخطأ في حق الآخر، وأصاب مشاعره إصابة بالغة يصعب نسيانها بسرعة. ويلفت د. علي إلى أن هناك شخصيات مندفعة لا تعرف التحكم في حديثها وخصوصاً وقت الانفعال والمشادات، وهي شخصيات بالتأكيد تحتاج إلى إعادة تأهيل نفسي. د. أحمد عكاشة – خبير الطب النفسي والرئيس السابق للجمعية العالمية للطب النفسي – يرى في المشادات الزوجية، مؤشراً إيجابياً إذ أثبتت الدراسات الميدانية أن لها فائدة تكمن في أنها تفرّغ الشحنة السلبية التي يختزنها أحد الزوجين في داخله، الأمر الذي يؤدي لاحقاً إلى توافقهما وتجديد العلاقة بينهما، وجعل جذوة الحب متوهجة، ولحدوث ذلك يشترط د. عكاشة ألا تتكرر الخلافات يومياً حول أشياء تافهة، مشدداً على خطورة أن تنزلق المشادة الكلامية بين أي زوجين إلى استخدام عبارات جارحة، وسباب وشتائم، فهنا ستكون المشادة مدمرة للعلاقة الزوجية، وأشبه بسكين يقطع في أواصرها! ويضرب د. عكاشة عدة أمثلة لهذه العبارات القاتلة منها: أنا رجل البيت.. أنا من ينفق عليكم.. هذه فلوسي.. كلمتي يجب أن تنفذ وإلا سأطردك وعيالك.. سأطلقك.. سأتزوج عليكِ". أو أن تقول الزوجة لزوجها: هذا منزلي.. الشقة باسمي.. إذا كانت لا تعجبك الحياة معي فلترحل.. أو أنا التي تنفق على البيت.. أنت لست رجلاً.. تلك النوعية من العبارات من شأنهاأن تُشعر الطرف الآخر بالعجز، وبأنّه غير مرغوب فيه! تؤدي إلى الطلاق.. لكنها أحياناً تشعل جذوة الحب

ارسال التعليق

Top