• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الذكاء العاطفي بين الزوجين

الذكاء العاطفي بين الزوجين

ما الذكاء العاطفي؟

لنتحدث قليلاً عن مفهوم الذكاء العاطفي قبل الحديث عن علاقته بنجاح الحياة الزوجية.

ولد هذا المفهوم في التسعينات من القرن الماضي حيث لاحظ العلماء والباحثون أنّ نجاح الإنسان وسعادته في هذه الحياة يتوقفان على مهارات لا علاقة لها بذكائه العقلي الذي يعبر عن نفسه عادة بالدرجات العالية في المدرسة والجامعة والتحصيل الأكاديمي المرتفع. فقد بينت الدراسات أنّ كثيراً من الأشخاص الذين تفوقوا دراسياً كانوا تعساء وفاشلين في حياتهم العملية والأسرية والعاطفية، وفي أثناء البحث عن تلك المهارات التي تصنع السعادة والاستقرار النفسي تبلور مفهوم الذكاء العاطفي الذي عرفه العلماء بأنّه قدرة الإنسان على التعامل الإيجابي مع نفسه ومع الآخرين، بما يحقق أكبر قدر من السعادة له ولمن حوله، وإذا كانت مكونات الذكاء العقلي هي الذاكرة والقدرة على الاستقراء والتحليل والتركيب والقدرة على استخدام اللغة والحساب والتعامل مع الأشكال الفراغية، فإنّ الذكاء العاطفي يتكون من أربع مكونات أساسية هي:

1-  القدرة على قراءة مشاعر الذات.

2-  القدرة على التعامل الإيجابي مع مشاعر الذات، وتتضمن التفاؤل والمرونة والمبادرة والتصميم والإبداع وتحمل المسؤولية.

3-  القدرة على قراءة مشاعر الآخرين.

4-  القدرة على التعامل الإيجابي مع الآخرين، وتتضمن التعاطف، والخلاف البناء، والقدرة على الثقة بالآخرين.

لاقى موضوع الذكاء العاطفي رواجاً كبيراً منذ عام 1995 بعد الكتاب الذي ألفه دانييل غولمان بعنوان (الذكاء العاطفي) وقد ظل الكتاب لعدة أشهر من أكثر الكتب مبيعاً في الولايات المتحدة الأميركية، ومنذ ذلك الحين إلى اليوم تصاعد الاهتمام بهذا الموضوع بشكل هائل، وكثرت الأبحاث التي تدرس مكونات الذكاء العاطفي وأثرها في حياة الإنسان وتطبيقاتها العملية سواء على صعيد العمل أو الأسرة أو التربية والتدريس.

قبل عشرة سنوات لم يكن أحد قد سمع بعبارة الذكاء العاطفي، واليوم توجد مئات الكتب التي تتحدث عن هذا الموضوع كما يوجد على الإنترنت مئات المواقع التي تهتم بالذكاء العاطفي وتطبيقاته المختلفة.

 

اختيار الشريك المناسب:

إنّ اختيار الشريك المناسب هو الخطوة الأولى نحو تكوين أسرة ناجحة، ويجب هنا الاسترشاد بالقلب والعقل معاً، وأنت تبحث عن الإنسان الذي سيشاركك حياتك.

يعتمد أناسٌ على عقولهم فقط وهم يبحثون عن شريك حياتهم، فيضعون قوائم بالصفات (الجسدية والعقلية والنفسية) التي يريدون توافرها في الشريك المنتظر، وتبدأ رحلة البحث عن شخص تتوافر فيه كلّ هذه الصفات أو معظم هذه الصفات، ويحدث أحياناً أن يلتقي هؤلاء بأشخاص تتوافر فيهم معظم الصفات التي يريدونها، ومع ذلك لا يشعرون بميل نحوهم، وبالمقابل قد يلتقون بأشخاص يتوافر فيهم القليل من هذه الصفات ومع ذلك يشعرون نحوهم بميل كبير، وهنا يحدث الخطأ إذ يتجاهلون هذا الميل ويؤثرون الالتزام بقوائمهم ظناً منهم أنّ قراراً خطيراً كهذا يجب أن يكون عقلانياً وألا تتدخل المشاعر فيه. وأود هنا أن أشرح من خلال الأبحاث الحديثة التي كشفت الكثير عن طريقة عمل الدماغ. لماذا نميل إلى أشخاص معينين أو ننفر من أشخاص آخرين دون أن نعرف أحياناً سبب ذلك. إنّ هذا الميل أو النفور ليس مجرد مشاعر يجب عدم الالتفات إليها بل هو في كثير من الأحيان تعبير عن حاجات دفينة في العقل الباطن لا يستطيع العقل الواعي إدراكها. توجد منطقة في دماغ الإنسان تدعى الجهاز اللمبي (limbic system) هذه المنطقة هي مركز العقل الباطن تقريباً، وهي تخزن كلّ الأحداث التي تمر بنا وكلّ المشاعر المرافقة لها، فعندما نلتقي بأشخاص ننسجم معهم، وتمتلئ نفوسنا بالمشاعر الإيجابية في أثناء التعامل معهم يخزن الجهاز اللمبي حركات هؤلاء الأشخاص وتعابير وجوههم وطريقتهم في الكلام، كما يخزن المشاعر المرافقة لهذه المظاهر، وهي مشاعر السرور والارتياح، وبالمقابل عندما نلتقي بأشخاص لا ننسجم معهم وتمتلئ نفوسنا بالمشاعر السلبية في أثناء التعامل معهم يخزن الجهاز اللمبي حركات هؤلاء الأشخاص وتعابير وجوههم وطريقتهم في الكلام كما يخزن المشاعر السلبية المرافقة لهذه المظاهر، وهي مشاعر الاستياء وعدم الارتياح، الآن حينما نلتقي بشخص تشبه حركاته وتعابير وجهه وطريقته في الكلام أولئك الأشخاص الذين نرتاح لهم ستذهب صورة هذا الشخص وحركاته وتعابير وجهه وطريقته في الكلام إلى الجهاز اللمبي، حيث ستجري هناك مقارنة بينها وبين صور سابقة مشابهة، فإذا وجدت صور مشابهة تولد عند الإنسان شعور مشابه للشعور الذي ولدته الصور الأولى، وهو شعور السرور والارتياح، ويحدث العكس تماماً حينما نلتقي بشخص يشبه الأشخاص الذين لا نرتاح لهم، ولعل هذا هو تفسير ما يسمى بالحدس أي الإحساس بالميل أو النفور الذي ينتابنا حيال شخص ما دون أن نعرف سبب ذلك. إنّ هذا الإحساس لا يأتي من فراغ وإنما يبنى على معلومات مخزونة في العقل الباطن، ولذلك يجب أخذه بعين الاعتبار وعدم تجاهله.

لا أقصد هنا ألّا يضع الإنسان في ذهنه أي صفات معينة يطلبها في الشريك الآخر، وأن يعتمد على مشاعره فقط، وإنما أقصد أنّه إذا حصل تعارض بين قائمة الصفات التي نريدها في الطرف الآخر ومشاعرنا تجاهه علينا ألّا نتجاهل هذا التعارض بدعوى العقلانية، بل يجب أن نأخذه على محمل الجد وأن نعتبره فرصة لاكتشاف أنفسنا، وأن نسأل أنفسنا السؤال التالي: لماذا حصل هذا التعارض؟ ومن خلال الإجابة على هذا السؤال ومن خلال قراءة مشاعرنا ومعرفة الدوافع الكامنة وراءها سنعرف تماماً ما الصفات التي نريدها في شريك حياتنا، وسنعدل من قائمة الصفات التي وضعها العقل الواعي لتتناسب مع قائمة الصفات المخزونة في العقل الباطن، وهكذا نقترن بالشريك الذي نقتنع به ونرتاح له في نفس الوقت.

إنّ الصدق هو أساس النجاح في هذه الحياة، وهو أساس النجاح في علاقة الإنسان مع نفسه ومع الآخرين. إنّ عملية اكتشاف الآخر هي عملية اكتشاف اللذات في نفس الوقت، فعندما نكتشف الصفات التي تجذبنا نحو الآخرين نكون قد اكتشفنا المزيد عن أنفسنا ورغباتنا ومخاوفنا وحاجاتنا الحقيقية، وبمقدار ما تتصف هذه العملية بالصدق والشفافية يحقق الإنسان النجاح في علاقته مع نفسه ومع الآخرين.

الخلاصة: يجب ألا نختار شريك حياتنا باستخدام الذكاء فقط أو العاطفة فقط، وإنما باستخدام الذكاء والعاطفة معاً، أي باستخدام الذكاء العاطفي فبجناحي الذكاء والعاطفة أو بجناحي العقل والقلب يحلق الإنسان في سماء السعادة والطمأنينة.

 

المصدر: كتاب الذكاء العاطفي في الأسرة

ارسال التعليق

Top