• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تأثير الإنترنت في العلاقة الزوجية

تأثير الإنترنت في العلاقة الزوجية

 تُظهر السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في حالات عدم الإستقرار الزوجي في بلادنا العربية، وهو ما يبدو واضحاً من خلال إرتفاع حالات الطلاق وقضايا "الخُلع" إحصائياً، وما تُظهره الحوارات والندوات التي تناقش هذه القضايا، وهو ما يُرجعه البعض إلى الإنتشار الواسع لـ"الإنترنيت" وظهور "المجتمعات الإلكترونية"، التي لا تعرف حدوداً أو حكومات أو أنظمة أو قوانين، فإلى أي مدى كانت الثورة الإلكترونية مسؤولة عن حالات الفشل في الحياة الزوجية؟

تُبرئ السيدة إيمان عبدالله، رئيسة مؤتمر المرأة الثقافي في دبي، وتُعلِّل ذلك بقولها: "تحدث المشكلات ويلجأ الزوج أو الزوجة إلى علاقات سطحية عبر "الإنترنيت"، لكن مثل هذا الاستخدام السيِّئ، يحدث عندما يكون هناك تفكك أسري في الأساس، لا أعتقد أنّ التكنولوجيا لعبت دوراً رئيسياً في إحداث التفكك الأسري، فحالة عدم الاستقرار بين الزوجين تنشأ في الأغلب بسبب سوء اختيار الشريك، وفي المقابل فإنّ التكنولوجيا أسهمت في التقريب بين المجتمعات والثقافات وتقارب الحضارات".

- ميل إلى الانعزال:

الناشط في القضايا الاجتماعية في المملكة العربية السعودية، الدكتور محمد العنزي، يُجمل لنا الآثار السلبية التي طالت الأسرة العربية بسبب الثورة الإلكترونية، وفي مقدمتها "الميل إلى الإنعزال، وزيادة حالات الاكتئاب والإحساس بالاستقلالية، فزادت المشكلات الأسرية بسبب جلوس الزوج فترات طويلة أمام "الإنترنيت"، بعيداً عن الزوجة والأبناء، ما خلق حالة من إنعدام العاطفة بين الزوجين، حيث إنّ الزوج يبحث عن إشباع رغبته العاطفية غير المتوافرة في زوجته، هذا يؤدي بدوره إلى زيادة حالة الشك عند الزوجة، فتبدأ في مراقبة زوجها، ما يؤدي إلى إنعدام الثقة الذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى الانفصال ووقوع الطلاق".

وهناك، والكلام للدكتور العنزي، "إرتفاع في حالات الطلاق في المملكة العربية السعودية ودول الخليج بسبب إدمان "الإنترنيت"، فالزوج يهمل واجباته المنزلية، ويترك كلّ الحمل على الزوجة، وقد يتأثر هو نفسه في عمله بسبب سهره حتى ساعات متأخرة من الليل، ما يؤدي إلى الغياب عن العمل، ويتأثر الأبناء بدرجة أو بأخرى، بسبب تأخرهم في التحصيل الدراسي بسبب إنشغالهم بـ"النّت"، وهناك عدد لا بأس به من الطلاب تم فصلهم من الجامعة بسبب هذه المشكلة".

ويشير الدكتور العنزي إلى ما ذكرته إحدى الدراسات، من أنّ أكثر من (90%) من مستخدمي "الإنترنيت" في منطقة الخليج يدخلون مواقع غير مفيدة، بما فيها المواقع الجنسية.

وينصح الدكتور العنزي، بضرورة الاستخدام السليم للتكنولوجيا ودخول المواقع المفيدة، وأن يقوم الشخص الذي يرغب في استخدام "النت" بتحديد الهدف من ذلك، "وهو ما أطبّقه في بيتي، فممنوع الجلوس أمام "الإنترنيت" يوم الجمعة، حتى الجوّال ممنوع، إلاّ في أضيق الحدود". وينصح بوضع "الكمبيوتر" في مكان عام وليس في غرف الأبناء، ومتابعة الأطفال أثناء جلوسهم إليه، وأن يجلس أفراد العائلة مع بعضهم بعضاً، حتى تعم الفائدة على الجميع".

- لا غنى عنها:

وتؤيد الدكتورة مشاعل الحملي، والمتخصصة في استخدام الكمبيوتر في التدريس، ما طرحه الدكتور العنزي، وتضيف: "لا غنى عن استخدام "الكمبيوتر" و"الإنترنيت"، ولكن مطلوب من الأسرة وضع إستراتيجية للتعامل مع هذه الأجهزة، وأن تحرص الأُم على متابعة أبنائها".

الدكتورة نورية العبيدلي، الحاصلة على الماجستير في الإرشاد النفسي الأسري، تعدِّد الآثار السلبية للثورة الإلكترونية بقولها: "نعم، هناك سلبيات كثيرة تعانيها الأسرة العربية في السنوات الأخيرة، بسبب هذه الثورة المعلوماتية، ومن هذه السلبيات اضطراب التواصُل بين أفراد الأسرة، فكلّ واحد بات مشغولاً بعالمه الإلكتروني الخاص، ومعظم علاقاتهم تكون ضمن الإطار الإلكتروني فقط، بعيداً عن التواصُل الحميمي، فغابت العلاقة الإنسانية، وأصبحت الأسرة العربية بالفعل غير قادرة على تحقيق التوازن بين التطور التكنولوجي وحاجاتها الإنسانية والاجتماعية، فحاجة الإنسان إلى التواصل موجودة في داخله. أما الآن فالكلّ يبحث عن علاقات عبر "النت" مع شخصيات أخرى مجهولة الهوية، وهذا لا يحقق المشاركة الوجدانية".

أمّا عن دور التكنولوجيا في اضطراب العلاقات الزوجية، فتقول الدكتورة العبيدلي: "إنّ الإضطراب في العلاقات الزوجية موجود من دون وجود التكنولوجيا، ولكن سوء استخدام التكنولوجيا أسهم في زيادة هذه المشكلات، ومع غياب القدرة على المواجهة، يلجأ الزوج إلى "الشات" و"الدردشة" كوسيلة للهروب، مع أنّ المطلوب هو أن يتحاور مع شريك حياته حتى تنتهي المشكلة".

وتستدرك: "لكن هناك نمطاً آخر من الرجال، أو النساء، وهذا النمط لا يُسيء استخدام "النت"، فهو عندما يجلس أمام الشاشة، فإنه يهدف إلى المعرفة ولأغراض مهنية، بحتة، فلا مفر من التعامل مع هذا الواقع، ولكن يجب الحرص على أن يكون استخدام "الإنترنيت" ليس على حساب حالات الأسرة النفسية والاجتماعية والإنسانية، ومن المهم تهيئة جيل الأبناء للزمن المقبل، الذي سيكون أكثر تعقيداً".

- غير قائمة:

تختلف السيدة سحر ناصر، مديرة مركز "انسياب"، الحاصلة على الماجستير في القانون الدولي، مع الرأي القائل إنّ التكنولوجيا هي من أسباب عدم الاستقرار بين الزوجين: "لست مع هذا الطرح، لأنّ الفجوة قائمة قبل ذلك، والعلاقة العاطفية غائبة، لأنّها لو كانت حاضرة لَمَا هرب الزوج إلى شاشة "النت"، فإذا كان هناك حُب في البيت، لا شيء يؤثر في العلاقة بين الزوجين".

وتنصح سحر ناصر بوجود كمبيوتر واحد داخل المنزل وفي مكان عام، وأن يكون الحوار "سيِّد الموقف".

ومن خلال المركز الذي تديره، تقوم سحر ناصر بإعداد دورات تَوعَويَّة للمرأة، لمسايرة التطور السريع في عالم الإلكترونيات.

وبسخرية تُعبِّر سيدة الأعمال إنصاف النعمان، عن رأيها في تأثير التكنولوجيا في الاستقرار الزوجي قائلة: "لو كان هناك حب بين الزوجين لَمَا لجأ أحدهما إلى شاشة الكمبيوتر للهروب من المشكلة الفعلية، وهناك نسبة كبيرة من الأزواج يجلسون أمام "الشات" فترات طويلة، ويدخلون إلى مواقع غريبة".

أمّا السيدة نعمت بايزيد، الناشطة في مجال الأسرة، فتعبر عن رأيها في مسألة تأثير التكنولوجيا في الاستقرار بين الزوجين، قائلة: "لا أتصوّر أنها عامل رئيسي، لأنّ أساس الزواج إذا لم يكن فيه قدر كبير في التكافؤ في النواحي الاجتماعية والفكرية، فلن يعرف الاستقرار، وإذا غاب التفاهم، تفاقمت المشكلات، فالمشكلة قائمة في الأساس والهروب إلى "النت" يأتي في مرحلة تالية، وإذا لم تكن الحياة مستقرة فالطلاق هو النتيجة الطبيعية".

- سوء الاستخدام:

الاستخدام السيِّئ هو المسؤول عن زيادة حالات عدم الاستقرار الزوجي، هذا ما تقوله السيدة أسماء يحيى الباشا: "توجد مزايا رائعة، أمّا السلبيات فهي ناتجة عن الاستخدام السيِّئ، ويمكن للحكومات العربية أن تلعب دوراً فاعلاً في التقليل من هذه المشكلات، من خلال إغلاق المواقع الإباحية، وأن تقوم الأسرة بدورها ولا تترك الحبل على الغارب للأبناء، وعلينا أن نُسرع نحو التقدُّم والتطور التكنولوجي، وأن نُترجم أحلامنا إلى واقع".

أمّا السيدة ضياء علي، فترى أنّ التكنولوجيا مسؤولة بدرجات ما عن حالة عدم الاستقرار الزوجي، ولكن في المقابل لها دور كبير في النهوض المجتمعي والتطور العلمي، والمسؤولية على الشخص نفسه.

وتدافع السيدة شريفة علي القلداري عن التكنولوجيا، ملقية بالائمة على مَن يستخدمون هذه التكنولوجيا بشكل سيِّئ: "طريقة الاستخدام السيِّئ هي المسؤولة، يجب ألاّ نلقي باللوم على التكنولوجيا، إذا كانت هناك مشكلات، فيجب حلها، وأن تكون هناك رقابة على الأبناء، مع التوعية وغرس الأخلاق الحميدة".

تقلل الشيخة عزة النعيمي، من "جمعية أُم المؤمنين" في عجمان، من تأثير التكنولوجيا في الاستقرار الزوجي على البلاد العربية: "نحن نعيش حالة من الاستقرار العائلي، على الرغم من كلِّ هذا التطور التكنولوجي في الإمارات والعالم العربي، والسبب يعود إلى قيمنا وعاداتنا العربية والإسلامية، التي تهدف في أساسها إلى تحقيق الاستقرار الأسري".

- الفجوة:

"هناك فجوة موجودة في العلاقة بين الزوجين والرجل هو المسؤول عنها"، كلام يعترف به الدكتور عزام الشلبي، الذي يعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات في الحكومة الفلسطينية: "الفجوة سببها انشغال الزوجة بشؤون البيت والأبناء والزوج، بينما يلجأ الزوج إلى الجلوس أمام "النت"، ومن هنا تحدث المشكلات".

 

ارسال التعليق

Top