• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كيميائية الإنسان والسعادة الزوجية

كيميائية الإنسان والسعادة الزوجية

◄للكيمياء البشرية دور كبير فيما يسود الحياة الزوجية لبعض الناس من هناء وانسجام، وما يخيم على بيوت أُناس آخرين من شقاق وخصام.. وإليك أمثلة على ذلك:

كنت يوماً أعرف شاباً كان كثير التنقل بين الفتيات، إلى أن التقى يوماً بفتاة، فلم تنقض أسابيع قليلة، حتى تزوج منها.. فما السر في هذا؟.. لقد سألته فكان جوابه: "الحقّ أنّها ليست أجمل ممن عرفتهن من قبل، ولكني شعرت – عندما ظهرت في حياتي – بأنّني أشبه بالبحار الذي طاف المحيطات الهائجة، ثم وصل في النهاية إلى بر السلامة والأمان. ذلك لأنّ فيها شيئاً زرع في نفسي شعوراً بالطمأنينة، والثقة بالنفس، والاستقرار، والهدوء".. ولقد كانت هذه الفتاة بطيئة الخطوات، هادئة، لا تمتاز بشيءٍ مميز.. إلّا أنّها تعلمت كيف تكسب صداقة الآخرين.. في حين أنّ الشاب كان سريع التفكير والعمل، يحب الناس. وكان أكثر منها خبرة بالحياة وميلاً إلى المغامرة، ولكنه – في الوقت ذاته – كان يميل في أعماقه إلى الاستقرار والوداعة. وقد انقضى على زواجهما خمس وثلاثون سنة تقريباً، ولا يزالان يعيشان معاً على السرّاء والضرّاء، ويشتركان في إحراز التقدم والنجاح.. فهما يؤلفان، بكلّ بساطة، عناصر كيميائية منسجمة، وهذا شرط أساسي في الزواج. فإنّ المرأة التي تتزوج رجلاً وهي تعتقد أنّ في وسعها إصلاحه قد تفاجأ بالخيبة، كما أنّ الرجل الذي يتوهم أنّه قادر على تغيير المرأة التي يتزوجها قد يكون مخطئاً، إذ لابدّ – أوّلاً – من أن تكون عناصرهما الكيميائية متناسقة. ومن الأمور المُسَلم بها أنّ الزواج، حتى في حسن حالاته، ينطوي على كثير من المصاعب، فإنّه لأمر معقد أن يستطيع اثنان من الناس – يختلفان في أمور كثيرة – أن يعيشا معاً يوم بعد الآخر، وليلة بعد الأخرى – عبر السنين – دون ملل أو تذمر. ولكنا إذا نظرنا إليهما على ضوء التحليل الكيميائي لشخصيتهما، وجدنا أنّهما يؤلفان معاً تركيباً كيميائياً منسجماً!.. فقد تكون المرأة ميالة إلى الموسيقى والشعر والروايات الخيالية، مفتونة بالمرح والحياة الصاخبة، بينما يكون زوجها منصرفاً إلى عمله، يسعى دائماً إلى الشهرة والمجد. فهو يبتعد عن الحفلات، ويكره أن يقرأ شعراً. ومع ذلك فقد نجده معتزاً بزوجته، فخوراً بها، وإن لم تكن حياتهما المنزلية مثالية ولا عاطفية!.. مثل هذين الزوجين متناقضان في التركيب الكيميائي، فإذا التقيت بهما فثق أنّهما لا يبقيان على الحياة الزوجية إلّا لأنّ وجود أولادهما أوجد جواً منسجماً عاشا فيه عيشة هادئة.. بحيث إذا خلا البيت من الأولاد – بعد كبرهم واستقلالهم – تغير الوضع في البيت وعاد التفاعل الكيميائي بينهما إلى طبيعته، فأحدث الانفجار.. والطلاق!.

وكثيراً ما يحدث أن تذهب زوجة جميلة وسعيدة مع زوجها إلى حفلة عائلية عامة، فتلمح زوجها يقف – مصادفة – مع امرأة أخرى، فتثار غيرتها وأنانيتها، فلا تستطيع أن تضبط أعصابها، وتصر على الطلاق!. وقد يحدث بعد شهر واحد – أن تسمع هذه الزوجة أنّ زوجها السابق قُتل في حادث أليم، فتحزن عليه حزناً بالغاً، وتقول في نفسها: "كم كنت مجنونة!.. استطيع أن أرى الآن غلطتي وتسرعي، فكم من رجال تقربوا إلى نساء، منذ آلاف السنين، دون أن يؤدي ذلك إلى دمار البيوت وتحطيم العلاقة الزوجية!".

ولا شكّ في أنّ الغيرة والأنانية من أشد سموم السعادة الزوجية فتكاً، وليس بوسع أيّة قوة كيميائية أن تصمد في وجهيهما، وهذا هو السبب في وجوب التزام الحكمة والتريث في علاقتنا الزوجية.. وكم من أشخاص يقومون بأعمال مخالفة لطبيعتهم الكيميائية، بسبب رغبتهم في الدفاع عن أنانيتهم. ولكن أغلبهم يندمون على ما يترتب على ذلك من ردة فعل!.. والواقع أنّ معظمنا يعجز عن أن يتصور ما يصدر عن المرء من تصرفات في ثورته دفاعاً عن الكرامة الشخصية، أو – بالأحرى – عن الأنانية! ولكن أثر هذه التصرفات يبدو واضحاً في الحياة الزوجية. فما الزواج سوى عملية خلط مادتين كيميائيتين، وقد يؤدي هذا المزج إلى تركيب نافع، كما قد يؤدي إلى انفجار.. وقد يحدث التفاعل منذ البداية، وقد يتأخر ظهور آثاره مدة من الزمن، لأنّ هذا النوع من العمليات الكيميائية معقد جدّاً، ويحتاج إلى زمن كي تتحلل المادتان إلى عناصرهما ويتم التفاعل!.►

 

المصدر: كتاب فن التعامل مع الناس

ارسال التعليق

Top