• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ماذا عندما يصاب شخص عزيز بمرض عضال؟

ماذا عندما يصاب شخص عزيز بمرض عضال؟
    عندما يصيب مرض خطير طفلكِ أو أباكِ أو أمكِ أو زوجكِ أو شخص عزيز، سواء أكان قريباً أم صديقاً، فإنّ هذا أمر يصيبك أنتِ أيضاً وكلّ المحيطين به، لأنّكم جميعاً تدخلون معه عالم المرض. كيف إذن تتجاوزين هذه المحنة؟ كيف تقدِّمين أكبر مساعدة ممكنة للشخص الذي يواجه ذلك المرض؟

عندما يسقط شخص عزيز، ابن أو زوج أو أم أو صديق مقرب طريح الفراش يصارع مرضاً خطيراً، يجب أن تعرفي أنّ ما يتغير ليس حياته هو فحسب، بل حياتك الزوجية أو العائلية وحياة كلّ المحيطين به تتغير وربما تنقلب رأساً على عقب. ذلك أنّ المرض يفرض أبجدياته وإكراهاته وإيقاعه على المريض ومن حوله، فيجد الجميع أنفسهم محاصرين في عالم من الطب والمستشفيات والمرض. ولهذا، فإنّ من المفيد أن تستعدي لهذه التغييرات في وقت مبكر حتى تنظمي حياتكِ مادياً ونفسياً. يقول كريستوف فوري وهو محلل نفسي متخصص في مرافقة المرضى وعائلاتهم وتقديم الدعم النفسي لهم، وصاحب كتاب "كيف تعيش مع أحد أقربائك عندما يكون مريضاً؟"، إنّه "بمجرد إعلان إصابة قريب ما بمرض خطير، مثل السرطان أو الـ"ألزهايمر" أو غيرهما من الأمراض الخطيرة، يجد المرء نفسه فوراً وقد بدأ يتخذ العديد من الخطوات القوية لمواجهة الأزمة. يمكن أن يميل إلى التقليل من أهمية ما يجري له، بل إنّه قد يرفضه وينكره تماماً. كما يمكن أيضاً أن يعاني تدهوراً كبيراً في حالته لأنّه يرفض منذ البداية أن يقاوم المرض ويناضل من أجل الشفاء".

 

الانعزال:

يحاول المريض أن يخفي عن المحيطين به الخوف والقلق الناتجين عن المرض، فيبدو منفصلاً عن واقعه، يتجاهل أحاسيسه ويتحدث عن فحوصه وعلاجه أو عملياته الجراحية بلا مبالاة مذهلة. ومن المهم أن يفهم المحيطون بالشخص المصاب بمرض عضال، الأشكال الدفاعية التي يتبعها المريض لحماية نفسه وتحصينها من فضول الآخرين ومن شفقتهم، وذلك حتى يتمكنوا من تجاوزها والاستعداد لها جيداً. الدخول في دوامة المرض مثل فتح قوس لا تعرفين متى ولا كيف سوف يغلق. فأحياناً يدوم المرض الخطير فترة طويلة، قد تنتهي بالشفاء أو بنهاية أخرى غير سعيدة. لهذا، على من يرافق المريض أو الشخص المقرب منه أن يقنع نفسه بسرعة بأنّه لن يتمكن وحده من مواجهة أزمة المرض، فلكلِّ إنسان قدرة معينة على التحمل، ولكلِّ إنسان حدوده جسمانياً ونفسياً ومادياً. لذلك، من المهم جدّاً أن يعرف هذه الحدود ويتقبلها وأن يعمل على بناء حوار واستماع دائمين بينه وبين الشخص المريض.

 

أفضل أشكال المساعدة:

لا يحتاج الشخص الذي يصارع مرضاً خطيراً فقط إلى المساعدة الطبية من أدوية وجراحة وجلسات وغيرها، بل يحتاج أيضاً إلى مساعدة نفسية ودعم معنوي. لتساعدي الشخص المريض الذي يهمك أمره، عليك أوّلاً أن تحافظي على صفاء ذهنك ورباطة جأشك. ولتعلمي أنّ جودة العلاقة بينك وبين المريض تعتمد على مدى جودة العلاقة التي كانت تربط بينكما قبل المرض، مثلاً جودة الحياة الزوجية أو العلاقة بين الزوجين قبل المرض. مع ذلك، فإنّ تجربة المرض تتخللها فخاخ كثيرة يمكن أن تقعي فيها من دون أن تنتبهي إليها، لهذا عليك أن تستعدي لها بمجرد علمك بالخبر حتى تعرفي كيف تتفادين هذه الزلات.

 

قرارات:

ومن الأمور الأخرى التي ينبغي الانتباه إليها، الحرص على إعطاء المريض الحقّ التام في اتخاذ القرارات التي تخصه، وعدم انتزاع هذه القدرة منه. ولأنّ الإصابة بمرض خطير تجعل المريض يدخل في سلسلة متلاحقة من الأحداث الحزينة، منها: فقدان اللياقة الصحية والتي تؤدي في النهاية إلى فقدان العمل، وتغير مكانة المريض في العائلة، وفقدانه استقلاله الذاتي، لأنّه يضطر إلى الاعتماد على الآخرين في قضاء بعض الأمور والاحتياجات التي كان يقضيها بنفسه، بل ربما كان الآخرون يعتمدون عليه في إنجازها. ويعتبر هذا بالنسبة إلى المريض جرحاً لنرجسيته وتجربة مؤلمة يعيشها بصمت. من هنا، ينبغي الانتباه إلى أنّه لا يجب أن يشعر المريض بتغيير في المعاملة معه، ويجب أن نشعره دائماً بأنّه شخص مستقل ليس في حاجة إلى الآخرين دائماً، وأنّه فرد كامل الأهلية يمكنه اتخاذ قراراته بنفسه عندما يستوجب الأمر ذلك، وحتى إن وصل إلى مرحلة لا يستطيع فيها اتخاذ قراراته بنفسه، فعلى الأقل يتوجب إشراكه في اتخاذ القرار، لأنّ اتّخاذ القرارات عنه لا يريحه وإنما يجعله يشعر بأنّ المحيطين به يعاملونه كطفل.

من جهة أخرى، يجب أن تنتبهي إلى التماهي المبالغ فيه مع المريض، وهو أمر كثيراً ما يحدث، فبحكم اقترابك وقضائك الكثير من الوقت مع الشخص المريض يحدث أن تضيع المسافة التي يلزم أن تفصل بينكما، لأنّ هذه المسافة هي التي تمكنكِ أن تحافظي على هدوء أعصابكِ لكي تبقي فاعلة ومفيدة في مساندة الشخص المريض.

 

لا للهزيمة:

تجربة المرض الخطير عندما يمر بها شخص مقرب منك، زوج أو أم أو أخت أو ابن أو صديقة.. هي تجربة قاسية بلا شك، وقد تشعرين أحياناً بأنها أكثر قسوة عليكِ مما هي على الشخص المريض. لهذا، فإننا نجد الكثيرين من الناس ينهارون أمامها أو يستسلمون. فكيف يمكنكِ أن تقاومي وتبقي صامدة؟ أوّلاً، عليكِ أن تعترفي بأنّه لا يمكنكِ وحدكِ أن تقومي بكلِّ شيء، خاصة أنّ أزمة المرض الخطير هي أزمة غالباً ما تدوم لفترة طويلة، تستدعي أن يكون حولكِ شبكة كاملة من الأشخاص المخلصين الذين يمكنكِ الاعتماد عليهم. هؤلاء المقربون يمكن أن يكونوا عبارة عن دائرة من المعارف، مثل جيران أو زملاء، كما يمكن أيضاً أن يكونوا أطباء أو معالجين نفسيين أو شركاء في مجموعات الحوار الجماعية بغرض العلاج وتخفيف الضغط النفسي.

 

تضحية:

ولكي تكوني مفيدة للشخص المريض، يجب أن تحاربي فكرتين سامتين وتطرديهما من رأسك، الأولى هي: "أنا سأعرف كيف أتصرف وحدي" والثانية: "إذا طلبتِ المساعدة من آخرين فإنّهم سيعتقدون أنني لست بمستوى المسؤولية". في هذه الحالة، تذكري أنّه من المفيد أن تتركي حبكِ لنفسكِ جانباً، وأنّ التضحية من أجل الآخر ليست دائماً شيئاً ممتعاً.

إنك عندما تعيشين تجربة مرض شخص مقرب إلى قلبكِ فإنّ هناك الكثير من المشاعر المتضاربة وربما الجديدة تخالجك، مثل الخوف والألم والحزن وأيضاً الغضب لأنكِ تجدين نفسكِ في موقف فرض عليك وتتحملينه ولم تختاريه، تغضبين لأنكِ قد تكونين مضطرة إلى تحمل المعاناة أمامك وربما الفراق أو الوفاة.

كلّ هذه الأحاسيس تعتبر طبيعية، ولا يجب أن تشعري بالخجل منها، لكن يجب أن يكون لديكِ أحد تخبرينه بما تشعرين به، سواء صديقة مقربة أو تشاركين في مجموعات للبوح والحوار أو في جمعية متخصصة في دعم المصابين بمرض معيّن، بل يمكن اللجوء إلى متخصص لتقديم الدعم النفسي اللازم، خاصة أنّه أثبت فعاليته في الكثير من الحالات.

وأخيراً، من المفيد جدّاً أن تحافظي على الحوار والتواصل المستمرين بينك وبين الشخص المريض، ذلك الشخص الذي نحبه والذي يعاني الألم، هذا يساعد كثيراً، كما أنّه قد يقودك إلى اكتشاف كنوز ترينها لأوّل مرّة. نعم، كثيراً ما يؤدي الحوار مع العزيز المريض إلى اكتشافكما بعضاً من جديد، والتعلم من بعضكما بعضاً والبوح ببعض الأسرار.

تعليقات

  • Savava

    فعلا كل شي انكتب عايشته ، الله يطمن قلوبنا ويشفي مرضانا ، شكرا جزيلا ، موضوع مفيد للغايه

ارسال التعليق

Top