• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ماذا تعرفين عن الصوم؟

ماذا تعرفين عن الصوم؟

قال تعالى في كتابه الكريم: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 184).

إنّ جميع المصادر الدينية والتاريخية تثبت أنّ الصيام ليس بأمر مستحدث في الإسلام، وإنما كانت معظم أمم الدنيا تعمل به، ولكن مع فوارق بواعث اعتقادية مختلفة في هذا العمل إذ من المعروف أنّ الصوم وجد في جميع الملل حتى الوثنية منها، فهو معروف عند قدماء المصريين، وقد انتقل منهم إلى اليونان، فكانوا يفرضونه لاسيّما على النساء، وكذلك الرومانيون كانوا يعنون بالصيام، ولا يزال وثنيو الهند وغيرهم يصومون إلى الآن. وليس في أسفار التوراة التي بين أيدينا ما يدل على فريضة الصيام، وإنما فيها مدحه ومدح الصائمين، وقد ثبت أنّ موسى (ع) صام أربعين يوماً وهو يدل على أنّ الصوم كان معروفاً ومشروعاً ومعدوداً من العبادات. واليهود في هذه الأزمنة يصومون أسبوعاً تذكاراً لخراب أورشليم وأخذها، ويصومون أيضاً من الشهر السابع بليلته ولعلهم كانوا يسمونه عاشوراء، ولهم أيام أخر يصومونها نهاراً. أما النصارى فليس في أناجيلهم المعروفة نص في فريضة الصوم، وإنما فيها ذكره ومدحه واعتباره عبادة كالنهي عن الرياء. وتوجد إشارة إلى أنّ الصائم عليه أن يدهن رأسه ويغسل وجهه حتى لا تظهر عليه امارة الصيام فيكون مرائياً كالفريسيين وأشهر صومهم وأقدمه الصوم الكبير الذي يسبق عيد الفصح، وهو الذي صامه موسى وعيسى – عليهما السلام – وكذلك الحواريون، ثمّ وضع رؤساء الكنيسة ضروباً أخرى من الصيام، وفيها خلاف بين المذاهب والطوائف النصرانية، ومنها صوم عن اللحم وصوم عن السمك وصوم عن البيض واللبن.. وغير ذلك.

وكان الصوم مشروعاً عند الأوّلين وله وجوه مختلفة، فاليهود كانوا يأكلون في اليوم والليلة مرة واحدة، فغيروه وصاروا يصومون من نصف الليل إلى نصف النهار [تفسير المنار/ ج2/ ص144].

وصفوة القول: إنّ الصوم – وإن كان يعني الامتناع عن الأكل والشرب والشهوة – فهو عادة وعبادة قديمة، ربما ظهر بظهور البشر والحياة على وجه البسيطة، بيد أن صيغته وضوابطه وكذا البواعث عليه تختلف من أمة لأخرى بحسب الأديان والعادات، أو بحسب التكاليف والتقاليد.

 

الصوم في الإسلام:

1-  أما الصوم في الإسلام فهو يعني حبس النفس عن الشهوات، وفطامها عن المألوفات وتعديل قوتها الشهوانية لتستعد لطلب ما فيه سعادتها ونعيهما، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية، فالجوع والعطش يكسر من حدتها وسورتها ويذكرها بحال الأكياد الجائعة من المساكين، ويحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيها يضرها في معاشها ومعدها، ويسكن كلّ عضو منها وكلّ قوة عن حجامها، فهو لجام المتقين وجنة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقربين، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال، فإنّ الصائم لا يفعل شيئاً، وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثاراً لمحبة الله ومرضاته.

2-  وفي الصوم دروس في التربية الصحية لا يستطيع غيره تأديتها. فهو وسيلة هامة في تخفيف حدة النهم بما يدعو إلى راحة جهاز الهضم الذي يعمل في البدن طيلة السنة ليل نهار. هكذا العمل المتواصل مجهد لأجهزة الجسم مما يجعلها تحتاج إلى فترة من الراحة تتمكن بها من متابعة الطريق الطويلة الممتدة على طول عمر هذا الإنسان. وأي طريق يؤمن لها الراحة التي تنشدها غير الصوم، حيث ترتاح فيه المعدة والأمعاء طيلة النهار على امتداد شهر كامل راحة تامة يستحيل أن تتوفر لها بغير الصوم، وبراحة المعدة وما يلحق بها من أجهزة البدن ترتاح الأجهزة كلها بجهاز الدورة الدموية، والجهاز العصبي نظراً لارتباط هذه الأجهزة ببعضها ارتباطاً عضوياً وثيقاً.

3-  قال (ص): "الصيام نصف الصبر".

4-  وقال (ص) أيضاً: "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإنّ سابّه أحد أو قاتله فليقل إني صائم".

5-  وقال (ص) أيضاً: "جاهدوا أنفسكم بالجوع فإنّ الأجر في ذلك كأجر المجاهد في سبيل الله".

6-  "وبالنسبة للصوم أيضاً فقد تحدث علماء كثيرون مسلمون وغير مسلمين عن فوائده، وما يمكن أن يجنيه الإنسان منه من مكاسب. يقول الأستاذ المرحوم (فريد وجدي): كان الناس إلى زمان قريب يحسبون أنّ الصيام من الشؤون الخاصة بالأديان، ولكن لم يكد ينشر تاريخ الطب بين الناس، حتى علموا أنّ الصيام قد اعتبر في كثير من الأمراض من مقومات الصحة الجسمانية، كما علموا من عهد (أبقراط) أنّه عامل قوي من العوامل المنقية للجسم من سموم الأغذية، فإنّ الأغذية التي نتناولها بشراهة تحتوي على مواد دهنية ومواد رباعية العناصر، لا تطيق البنية البشرية أن تختزن مقداراً يزيد على الحاجة منها، وإطلاق الحرية للإنسان يجعله يتناول كلّ ما يقع تحت يده. وكثيراً ما يصاب بسبب هذه الحرية بآفات مرضية، تكون وبالاً عليه. والصوم ذو تأثير بالغ في تخفيف الأعراض التي تنتاب الأعضاء الظاهرة والباطنة. وتحويل محمود في حالة المريض يقوده إلى التملص من الآلام والاغراءات، وحصة الروح من هذا التحويل لا تقل قيمة عن حصة الجسم، وقد استفاد الطب من ناحية الصوم، ما لم يستفده من ناحية العلاج بالعقاقير، ولكن أكثر المسلمين لا يأبهون كثيراً بالمستقبل.

 

المصدر: كتاب كشكول المرأة

 

ارسال التعليق

Top