• ٢٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

بمن تضعين ثقتك؟

بمن تضعين ثقتك؟

◄الثقة بالآخرين لا تولد معك، بل يتم اكتسابها من خلال الممارسة اليومية، وتفاعلك في الحياة الاجتماعية وبالعلاقات التي تقيمينها مع الناس والمجتمع، وقد تسألين نفسك: كيف لي أن أعرف أنّ هذا الشخص يمكن أن يكون موضع ثقة لأضع أسراري وخصوصياتي وأمور حياتي بين يديه؟ وإليك الجواب.

الثقة بالآخرين، هل هي صفة حسنة؟ هل هي مقبولة في كلّ زمان ومكان ومع كلّ الناس؟ هل لها ضرورة ولها محاذير؟ متى يجب الوثوق بالآخرين ومنحهم كامل الثقة التي تجعلهم أقرب إليك وتجعلك أقرب إليهم؟ ماذا لو خانك أحدهم بعد أن منحتيه ثقتك؟ كيف سيكون ردّ فعلك؟

إنّك في خضم هذه الحياة قد تتعرّضين لمواقف ومشاكل وصعوبات لا تستطيعين تجاوزها أو التغلب عليها بمفردك، وربما عندما يشاركك شخص ما بعض همومك من خلال المواساة والنصيحة والإرشاد والتوجيه والدعم، قد يخفف عنك قليلاً وقد يُقدِّم لك مساعدة كبيرة، على الأقل دعماً نفسياً، فإنّك عندما تثقين بأحد من الناس فأنت تحكين له عن بعض خصوصياتك أو مشاكلك، أو عن مواقف صعبة تمرّين بها كحزن أو مرض، أو مشاكل عائلية، أو مشاكل في العمل، أو مشاكل مع بعض الناس... إلخ. بمجرد أن تشرحين لمن تثقين به بعض ما تعيشينه، فإنّ هذا يدخل إلى نفسك الراحة ويخفف عنك وطأة المعاناة، لهذا فمن الواجب أن تختاري أصدقاءك اختياراً موفقاً بعد تجربة ودراسة ومعرفة، إذاً ليس من المعقول أن تقومي بالتحدث عن خصوصياتك أو أمورك الشخصية مع شخص لا تعرفينه جيِّداً ولا تشعرين بالأمان تجاهه.

الثقة بالآخرين لا تولد معك، بل يتم اكتسابها من خلال الممارسة اليومية، تفاعل الحياة الاجتماعية وإقامة العلاقات مع الناس. عليك دائماً أن تعي حقيقة أنّ كلّ شخص هو عبارة عن كائن بشري عاقل له خصوصيات تختلف عنك بكلّ تأكيد، لهذا لا يجوز أن يكونوا في نظرك دائماً كما تريدينهم، فهم سيتصرّفون كما يفهمون وكما يفكّرون، وحسب قناعاتهم وإيمانهم بما يتصرّفون به من سلوكيات مثل الخوف من الآخر وعدم الاطمئنان إليه هو من أكثر الصعوبات التي تعترض قيام علاقات إنسانية واجتماعية بين الناس، ولكي تكسبي الناس عليك أن تُشعريهم بأنّك تحبّيهم، وتثقي بهم ومستعدة لأن تضحي من أجلهم متى تطلّبت الضرورة ذلك، لا أن تجعليهم باستمرار تحت قذائف نقدك وتهكمك وتهجمك والتشكيك بهم، والتلميح لهم بأنّهم في غير موضع ثقة.

عندما تريدين علاقة صحيحة وسليمة وناجحة بينك وبين أي إنسان آخر، فعليك أن تسمعي له وأن تحترمي رأيه، وأن تشجعي أفكاره وآرائه. وفي المقابل، أن تبدي ملاحظاتك التي تعتقدين أنّها صائبة في توجيه نقد إيجابي له، فربما يكون الذي تنتقده أنت هو من وجهة نظره صحيحاً، ومن خلال تفاعل الأفكار وتبادل الآراء ووجهات النظر باحترام متبادل وبانفتاح وبمحبّة بمقدار ما يكسب كلّ طرف ودّ الطرف الآخر ويسهّل عملية تسليم الأمانة والتي هي الثقة بالآخرين وحفظها.

وسوف يسبق منح الثقة للآخرين، صداقة أو علاقة أو تقارب لوقت من الزمن قد يطول وقد يقصر، وهذا مرتبط بشخص كلّ من الطرفين وبالأفكار وبالمواقف وبالسلوكيات وبالتربية وبالثقافة وبغيرها من أمور كثيرة، ستلعب دوراً مهماً في منح هذه الثقة، أو في عدم منحها.

لا يجب أن تكون الثقة بالآخرين ثقة مفرطة لا حدود لها، لأنّ كلّ أمور الحياة متى مالت نحو اليمين المطلق أو اليسار المطلق، فإنّها تدخل ضمن دائرة التطرّف والتعصّب والانزلاق إلى مرحلة الانفلات، لأنّها تتجاوز جميع الخطوط الحمر، أو ما هو متعارف إليه.

يجب أن تكون الثقة معتدلة، ويمكن أن تكون ثقة كبيرة؛ لكنّها غير مطلقة، فلا مطلق في الحياة، بل يجب أن تكون بنسبية معقولة ومحبوبة وغير محرجة، كي لا يفلت زمام أمورها من يديك فتصعب السيطرة عليها.

قد تسألين كيف لي أن أعرف أنّ هذا الشخص يمكن أن يكون موضع ثقة لك لتأتمنيه على أسرارك وعلى خصوصياتك وأمور حياتك؟ اعلمي أنّ أيّة علاقة يمكن أن تقوم بين شخصين سوف تكون هناك دوافع وأسباب لها، أي أنّ الطرفين لهما رغبة بذلك، لهذا فالحوار والنقاش الذي سيجري بينك وبين هذا الشخص سيكون الباب الذي تدخل فيه العلاقة إلى برّ الأمن والأمان، وتدخل بيت الثقة بالآخر، عندما تلاحظين بأنّ الشخص الآخر غير جاد بالاستماع إليك، وغير مهتم بما تطرحين من أفكار ومن وجهات نظر، وهو لا يبدي استعداداً لأن يتناقش معك حول فكرتك أو ما تطرحين، فإنّ هذا لدليل منطقي وصريح بأنّ هذا الشخص ليس أهلاً للثقة التي يمكن أن تمنحيها له، وهنا يلعب ذكاؤك وخبرتك ووعيك وتجاربك السابقة دوراً في كشف هذا الأمر، لهذا فلن تتسرّعي في اتخاذ قرار تندمي عليه لاحقاً.

الصداقة علاقة إنسانية مهمّة وضرورية بين البشر، وحين تختارين شخص ما صديقاً لك من بين مئات الأشخاص، فمن المؤكد أنّك رأيت فيه صفات متقاربة بينكما وأفكاراً مشتركة، وهموماً متشابهة أي قواسم مشتركة كثيرة بينك وبين الآخر، وحين تتوطد هذه الصداقة وتتعمق أُسسها، فإنّ الثقة بالآخر سوف تخلق ذاتها من خلال الممارسة والفعل على أرض الواقع، فالثقة بالآخرين ليست عقد شراكة، بل هو علاقة لا يكتب القلم حروفها، بل القلب الصادق والمحبّ والنفس الأمينة الخائفة على صديقها من أي سوء أو شر، وهي قائمة على التفاهم والود والمحبّة، وهنا ستكون الممارسة الحقيقية هي الدليل والبرهان والإثبات لنشوء وتنمية مثل هذه الثقة بينك وبين الآخرين.

قد تكون أخطاء الماضي التي عشتيها ومرّت بك هي الأخرى واحدة من هذه التجارب التي تمّ اكتسابها، والتي تحكمين من خلالها على الآخرين في محاولة لتجنب ما يمكن أن يدخلك في متاهات الخديعة والغش والشعور بالندم.

هناك في الحقيقة موقف يؤثر فيك كثيراً، وهو عدم التمكن من الخروج من دائرة الحذر الدائم، والشكوك التي تراودك، إنْ بقيت على حالة الشك هذه والخوف من الناس والحذر من الجميع، فلن تجدي الفرصة التي يمكن أن تخلق بينك وبين الآخرين أيّة صداقات أو علاقات اجتماعية. عليك ألّا تحكمي على الناس بسرعة وألّا تتهميهم أو تدينيهم من أوّل خطأ يقعون فيه، فليس أحد منّا معصوماً عن الخطأ.

امنحي الفرصة دائماً لكسب الأصدقاء، لأنّ الصديق الوفي كنز ثمني يصعب العثور عليه بسهولة، خاصّة في زمن كهذا الذي نعيشه. وفي المقابل، فإنّ من السهل جداً خسارة الصديق وهذا أمر محزن للغاية.

متى أخطأت صديقتك لمرة ومرتين وأكثر، فعليك أن تسامحيها وتغفري لها، وتسعين إلى خلق مبررات لأخطائها، لا أن تسعي لترويج التهم، ولصق الصفات غير الدقيقة بها، ما سيولّد لديها امتعاضاً وخيبة أمل وضياعاً لكلّ الثقة التي كنت ذات يوم أمينة عليها. ضعي نفسك مكانها، لتشعري بما يمكن أن تشعر به هي من مرارة وحزن وألم.►

ارسال التعليق

Top