• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

المؤثرات الرئيسية في السنوات الأولى من عمر الطفل

المؤثرات الرئيسية في السنوات الأولى من عمر الطفل

◄إنّ معظم الأطفال يبدأون منذ الشهر السادس عشر وحتى نهاية السنة الثانية من العمر بالمشي والركض والكلام وبمعنى أدق يبدأون بتدبير أمورهم بأنفسهم وبإيجاد علاقات واتصالات مع أطفال من نفس سنهم وحتى مع الكبار المحيطين بهم، إنّ هذه الاستقلالية تجعلهم يجدون لهم مكاناً في البيئة التي يتواصلون معها وهذا مايساعدهم أن يبحثوا بوسائلهم الخاصة والأولية كيفيّة تأمين حاجاتهم.

إنّ التطور السريع للطفل في السنوات الأولى من العمر هو الأكثر قوة وحيوية وليس للأهل مهما كانت ثقافتهم التأثير على التقدم الجسدي المتنامي عند الطفل بسرعة أثناء هذه المرحلة، إنها الطبيعة هي التي خصّته بهذه المقدرة فما هو دورنا عندما نرى الطفل، يتنفس، يرى، يسمع، يلتفت حوله مفتشاً عن شيء، متأثراً بالحرارة والبرودة، منزعجاً من الأصوات الصاخبة، يبتسم عندما يفرح، يبكي عندما يتوجع أو ينزعج من أمر ما. إنّ هذه الأمور كلها مجتمعة تجعله على أهبة الإستعداد لمواجهة الحالات العادية والطارئة سواء كانت سهلة أو معقدة. وهنا يقول التربويون وعلماء النفس أنّ كلّ قدرات الطفل النفسية والذهنية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتطور دماغه منذ كان جنيناً وحتى نهاية السنة الثانية والنصف من عمره.

هذا الدماغ المؤلف من ملايين الخلايا. يحدد من نحن، يتحكم بتصرفاتنا، بالطريقة، بحركتنا، بالطريقة التي نراكم فيها خبراتنا التي نعود إليها دائماً عند الحاجة وأخيراً الطريقة التي نتحرك خلالها ونفكر ونحلم إن الدماغ ليس عضواً منفصلاً عن الجسد، إنما يقوده ويتحكم بمساره. فشبكة العين مثلاً هي التي تجمع المعلومات اللازمة من كلّ ما يحيط بنا وتنقلها إلى الدماغ حيث تكمن في خلاياه إلى حين اللزوم لاسترجاعها. كما أنّ للدماغ سلطة على الأعصاب وخصوصاً في الأصابع التي هي الأقرب لتشعرنا بما نحس به عند الملامسة. وهذه الأعصاب هي الوكيل المعتمد من قبل الدماغ الذي يسمح لنا بالتحرك، ولا تقتصر هذه الوكالة على أعصاب العين وأطراف الأصابع بل تشمل بقيّة الحواس من ذوق وشم وسمع ولمس.

بعد الدراسات الشاملة والموسعة في نهاية القرن الماضي تبيّن أنّ للتغذية أثر كبير على النمو الدماغي وأن 80 بالمائة من هذا النمو يأتي بعد الولادة مباشرة ويستمر حتى نهاية الشهر الثلاثين من عمر الطفل يضاف إليها الأشهر الثلاث الأخيرة من فترة الحمل، وأن سوء التغذية في هذه الفترة قد يسبب تشوهات جسدية وإضطرابات في التصرف. وقد أجريت هذه الدراسة على الحيوان كما الإنسان ومهما حاولنا تعويض هذا النقص الغذائي فيما بعد فمن المستحيل أن يعطي نفس النتيجة كما لو كان تم الإنتباه له بشكل جيد في الفترات الحرجة التي أشرنا إليها.

وقد دلت كلّ هذه الدرسات على أن الأولاد تعرضوا لحالات سوء التغذية تقل عندهم نسبة الذكاء وهذا يؤثر على إتقان اللغة عندهم في الوقت المناسب وكذلك على الإنخراط بسهولة بالبيئة المحيطة.

وفي حالة عدم تطور الذكاء بالشكل المطلوب تظهر مشكلة عند الأولاد إذ من المحتمل أن تنزل درجة التطور إلى الصفر خصوصاً إذا حاولنا إجبارهم على القيام بأشياء تتجاوز حالة التقبل والإستيعاب عندهم لذلك يتوجب على الأمهات الإنتباه بشكل جيد إلى عدم الوقوع في هذا النقص أثناء الأشهر الأخيرة من الحمل ومتابعة الولد عند إختصاصيين في الأشهر الثلاثين التالية.

 ويأتي بعد الدماغ وتأثيراته في تطور وتقدم الطفل.. الجلد، وهو الحاسة الأكبر في الجسم فاللمس يبدأ عند الطفل منذ مراحله الأولى ونحن نعرف ان الجلد يحمي كلّ الأعضاء الداخلية من أي ضرر خارجي. إنه ينظم حرارة الجسم ويحول الشحم ويخزنه ويخلص الجسم من كثير من الأملاح عن طريق العرق، هذا من الناحية الجسدية. أما من الناحية العاطفية فيقول "أشلي مونتاجو" إنّ الأولاد الذين لم يتلقوا الملامسة والملاطفة في المراحل الأولى من حياتهم يعانون من مشاكل في المراحل المتقدمة لأنّ علامات الحب والرغد التي تتأتى عن طريق الجلد تلعب دوراً جوهرياً من عدة نواحي ويتابع "آشلي" إنّ الجلد لا يفكر ولكن حساسيته عالية جداً ومن هنا يحتل المركز الثاني بعد الدماغ. ففي بداية السنة الثانية يبدأ الولد حالة استكشاف لما حوله ويبدأ نوعاً من الإستقلالية عن أمه وهنا يلجأ إلى ما تعلمه من تجارب اللمس والملاطفة للتعبير عن مشاعره وتفهم مشاعر الآخرين. ►

 

المصدر: كتاب أبناؤنا من الطفولة المبكرة إلى سن الرشد

ارسال التعليق

Top