• ٢١ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الحمل بتوأمين.. نبأ سار أم مقلق؟

الحمل بتوأمين.. نبأ سار أم مقلق؟

 

لوحظ، في العقود الأخيرة، ارتفاع واضح في نسب ولادات التوائم، لاسيّما جراء تطور "تقنيات حفز الإنجاب". فكيف يتلقى الوالدان البشرى؟ في معظم الحالات، تكون الفرحة مضاعفة. لكن، بحسب الإحصاءات، يبعث الخبر القلق لدى أقلية من الآباء والأُمّهات.
يشكل تزايد عدد الولادات المزدوجة، على صعيد العالم، توجّهاً مطرداً منذ سنوات. والسبب، طبعاً، يكمن في تطور التقنيات الطبية المستخدمة لحفز الإنجاب لدى العائلات التي يعاني فيها الزوج، أو على الأغلب الزوجة، بعض المشاكل المتعلقة بإمكانات الحمل والإنجاب. فعلى سبيل المثال، تشير الإحصاءات الطبية الفرنسية إلى أن عدد ولادات التوائم تضاعف تماماً في فرنسا خلال 20 عاماً، بحيث بات الآن يربو على 12 ألف ولادة سنوياً، في مجمل أنحاء البلاد.
وعَدَا عن الجوانب الصحية المتعلقة بحمل التوائم، أجريت دراسات لمعرفة تاثيراتها عائلياً واجتماعياً، والسعي إلى معرفة ما تفضي إليه من تغييرات في عادات الأسر المعنية، ودرجة تقبلها فكرة انتظار مولودَين جديدَين اثنين معاً، أو أكثر، وما قد تثيره من فرح، أو في الوقت نفسه قلق وترقب ومخاوف. ومن تلك الدراسات، نشير إلى دراسة أجريت مؤخراً في فرنسا. ومن اهم استنتاجاتها: 70 في المئة من الأُمّهات الحوامل يشعرن بسعادة عارمة وفرح كبير بعد معرفتهنّ بخبر حملهنّ بتوأمين، مع أنّ الأمر عند 33 في المئة منهنّن تطلب التريث قليلاً من أجل إعطاء الوقت لـ"تلقي الصدمة"، قبل أن تغمرهنّ الفرحة بشكل واضح. كما ذكرت 15 في المئة أنّه "صعب عليهنّ تصديق الخبر"، بينما صرحت 6 في المئة من الحوامل بتوأمين بأنهنّ شعرن بنوع من القلق والتوجس، مقابل 5 في المئة فقط أعربن عن إحساس بـ"الأسى" و"التعاسة" حين تلقي خبر الحمل المزدوج.

الآباء أيضاً يفرحون:
أما عن ردود فعل الآباء، فكانت النتائج مقاربة إلى حد كبير. إذ أظهرت الدراسة الإحصائية المذكورة، التي أجريت في مدن فرنسية عديدة، أنّ ثلاثة أرباع الأزواج، بالأحرى 74 في المئة منهم إن توخينا الدقة، يفرحون بتلقي بشرى حمل زوجاتهم بتوائم، و13 في المئة يعربون عن بعض المخاوف والقلق، والخوف من التعقيدات الطبية، والتوجس من الأعباء المقبلة، التي تنطوي عليها تربية توائم، على الصعيدين العملي والمادي. في المقابل، لم يصرح سوى 2.6 في المئة بأنهم أحسوا بـ"الأسى" و"التعاسة" و"الإحباط" لتلقّي خبر حمل زوجاتهم بتوائم (مقابل 5 في المئة من بين الأُمّهات، مثلما ذكرنا، ممن أعربن عن "تعاستهنّ" لتلقّي الخبر). إذن، يتبيّن أن معظم الأزواج يفرحون بأفق إنجاب توائم. ولو أجريت إحصاءات مشابهة عندنا، لرأينا على الأرجح أن نسبة من يفرحون أعلى بكثير.
لكن، لماذا تحصل حالات حمل بتوائم عند بعض الأزواج، وليس الآخرين؟ في تلك الدراسات الفرنسية، أكّد 62 في المئة من الأزواج والزوجات المعنيين أنّ "الحالة حصلت معهم بمحض الصدفة، من دون أي ترتيبات طبية، ولا أي إجراءات خاصة، أو أي لجوء إلى تقنيات حفز الحمل والتلقيح الاصطناعي، إنما جرت الأمور بشكل طبيعي تماماً". في المقابل، "اعترفت" 14 في المئة من الحوامل بتوائم بأنهنّ لجأن إلى تقنيات حفز الحمل، جراء قصور خلقي عندهنّ، أو يتعلق بالحياة الزوجية، وكشفت 24 في المئة أنّهنّ لجأن إلى تقنية "التقليح الاصطناعي"، أو "الإخصاب في أنبوبة اختبار". هذا يعني أنّ 38 في المئة من حالات إنجاب التوائم لها أسباب طبية "اصطناعية" (14 في المئة جراء تقنيات حفز الحمل، زائداً 24 في المئة عبر التلقيح الاصطناعي). وبحسب الأخصائيين، يشكل ذلك تفسيراً معقولاً، إن لم نقل التفسير الوحيد، لتزايد عدد حالات الحمل بتوائم في العقود الأخيرة. الوراثة مجدداً:
كما حاولت تلك الدراسة الرد على التساؤل: "هل تلعب الوراثة دوراً ما في ترجيح احتمالات الحمل بتوائم"؟ فتبين أنّ للوراثة، بالفعل، دوراً أكيداً. إذ ذكر 14 في المئة من الأزواج المعنيين، ممن رزقوا بتوائم، أن في عائلة أحدهما وبين أقاربه، ثمة توائم "متطابقين في العائلة، و 14 في المئة آخرين عندهم تؤام غير متطابقين في العائلة، و15 في المئة توائم من النوعين كليهما (متطابقين وغير متطابقين). إذن، 43 في المئة من آباء التوائم وأمهاتهم عندهم "سوابق" عائلية في باب إنجاب توائم. وهذا يعني، وبكل وضوح، أنّ الوراثة تضطلع بدور حاسم في "تفضيل" هذين الزوجين، دون غيرهما، لكي ينعما بنعمة إنجاب توأمين، وذلك طبعاً بغض النظر عن تأثيرات تقنيات حفز الإنجاب والتلقيح الاصطناعي.
هذا عن أسباب تكوّن أجنة توائم. لكن، ماذا عن مصاعب الحمل الناجمة عن ذلك؟ بحسب تلك الدراسة، أكدت 60 في المئة من أمهات التوائم أنهنّ عشن وضع الحمل بشكل طبيعي جدّاً، من دون الإحساس بأي منغصات إضافية بالقياس إلى حمل اعتيادي، بجنين واحد. في المقابل، ذكرت 21 في المئة أنهنّ عانين أكثر من المتوقع، لكن "على الرغم من ذلك، فإنها تظل ذكرى رائعة عندهنّ" هذا يعني أن 8 أمّهات من 10 يحملن ذكرى طيبة عن إنجاب توائم. أما الأخريات، فأعربن عن مشاعرهنّ كالآتي: 9 في المئة "عانين قليلاً"، و5 في المئة "عانين كثيراً"، و5 في المئة "عانين بشكل لا يطاق". إذن، لا يترك إنجاب توائم ذكرى طيبة لدى ما مجموعه 19 في المئة من المعنيات، مقابل 81 في المئة يذكرنه بخير، وهي أغلبية واضحة. آلام المخاض:
وعن آلام المخاض، في حد ذاته، أكدت 53 في المئة من أُمّهات التوائم أنّهنّ لم يكابدن، وأنهن يعتبرن يوم ولادة توائمهنّ "أحلى أيام العمر". في المقابل، ذكرت 36 في المئة منهنّ أنهنّ واجهن "محنة جسدية قاسية أثناء الولادة، لكن فرحة الإنجاب قضت على ذكرى الألم، الذي لم يتبقَّ منه شيء". على الرغم من ذلك، صرحت 11 في المئة من بينهنّ أنهنّ "تعذبن أثناء الوضع لدرجة أنهنّ، لو خيّرن مجدداً، فسوف يمتنعن عن إعادة الكرة". وفي رأي الأطباء، فإن من المصادفات أنّ 11 في المئة هي أيضاً نسبة ولادات التوائم من الفئتين "العسيرة" و"العسيرة جدّاً"، وإن من الطبيعي أن مَن مرّت بإحداهما لا تتمنى تكرار التجربة. لكن ذلك لا يخفي حقيقة أن أغلبية الأُمّهات، 89 في المئة، عشن التجربة بشكل جيِّد جدّاً أو ممتاز. لذا، لا داعي للقلق الزائد على اللزوم في حال الحمل بتوائم. طبيعية أو قيصرية؟
ثمة تساؤل آخر، لا يندر أن يُطرح في شأن ولادات التوائم: هل تتم أغلبها بشكل طبيعي، أم بالطريقة القيصرية؟ وهنا، "أنصفت" الدراسة نوعي الإنجاب كليهما: 50 في المئة بالضبط من ولادات التوائم حصلت بإجراء عملية قيصرية، و50 في المئة بالضبط بشكل طبيعي، مع الاضطرار إلى إجراء "طلق اصطناعي" لنسبة 20 في المئة من بين الفئة الأخيرة.
وأخيراً، ردت الدراسة أيضاً على تساؤل آخر، هو أيضاً شائع في شأن التوائم: هل يولد هؤلاء قبل الأوان؟ بعبارة أخرى، هل هم أطفال "مبتسرون"؟ وهنا، تبيّن أن 9 أعشار التوائم يولدون بين نهاية الشهر الثامن والموعد الطبيعي لأي ولادة. وهذا يعني أنّ المبتسرين الحقيقيين أقلية، تحديداً 10 في المئة فقط، بما أنّ الوليد الجديد لا يعد "باكورياً"، أو "مبتسراً"، إلا إذا ولد قبل إتمام الشهر الثامن من الحمل. واتضح من الدراسة أن 7 في المئة فقط من التوائم يولدون بعد انتهاء الشهر السابع وقبل بدء الثامن، و3 في المئة قبل الشهر السابع، وهم الأطفال "المبتسرون جدّاً"، الذين يمثلون نسبة ضئيلة جدّاً (نحو 1 في الألف) من الولادات الأخرى، ونعني طفلاً واحد وليس توأمين.

ارسال التعليق

Top