• ٢٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أسرار تكشف بعد الطلاق

إشراقة النور

أسرار تكشف بعد الطلاق

يميل بعض الأزواج بعد الطلاق إلى كشف أسرار علاقتهم الزوجية، فيتحدثون عن الشريك الآخر بالسوء، ويُظهرون عيوبه ومساوئه. فهل يمارسون هذا السلوك بحثاً عن تعاطف الآخرين معهم أم أن هناك أسباباً أخرى؟

لم يكن لأحد أن يعرف القصة الحقيقية للمؤهل الأكاديمي المتواضع لطليق مها، أو لثلاث بنات وصبي، إذا لم تبدأ بينهما المشكلات وحدث الانفصال. فهو عندما أسَرَّ لها ذات يوم وفي لحظة خاصة، بأنّه لم يُكمل دراسته الثانوية، على الرغم من نجاحه كرجل أعمال، لم يدر أنّه ملّكها سلاحاً سوف تهدم به ركناً أساسياً من مجده ومكانته التي بذل عمره ليشيدها.

في ذاك الوقت لم يكن لدى مها اعتراض على الارتباط بوالد أبنائها. فقد كان وضعه المادي هو هدفها الوحيد، بل إنها ساعدته في الترويج كذباً للقب "الدكتور" الذي يدّعيه.

تُردد مها بعد الطلاق في كلّ مكان ترتاده، أنّ "أكبر غلطة" ارتكبتها في حياتها هي "الارتباط بمن هو أدنى" منها مكانة علمية، وهي الحائزة شهادة دراسات عليا.

لا تبدو مها نادمة على تعريف الناس "بحقيقته وادعاءاته" في كلِّ مكان، بل تتحسّر على عمرها الذي ضاع سدى "مع زوج لا يستحق سوى الفضيحة. لقد صنعته وكتمت أسراره ولم يكن جزائي منه إلّا خيانته لي مع الخادمة".

لا تتردد "مشاعر" في أن تحكي لأي شخص قد تلتقيه فقط لمدة قصيرة عن "الخُلق السيئ لشريكها السابق وكيف أنّه "كان غير مسؤول"، ويعتمد عليها في الإنفاق "عليه وعلى البيت". وأنها لم ترَ يوماً واحداً سعيداً معه خلال العشرين عاماً التي عاشتها معه كزوجة.

قصة زواج مشاعر التي انتهت في "أروقة المحاكم"، لم يكن القاضي هو الوحيد المستمع لتفاصيلها "المشينة" التي روتها في حقِّ طليقها، بل شاركه أصدقاؤها ومعارفها، إذ إنها كانت تتحيّن الفرص لتحكي المواقف عن سلبية والد بناتها الخمس، بل اتخذت من أماكن عملها وزياراتها العائلية والاجتماعية منبراً لسرد مثالبه بكلِّ تفاصيلها الدقيقة، وجعلت قصة حياتها معه شاشة عرض سينمائية تُذاكرها بالمجان لِمَن أراد التسلية. والكثيرون بالطبع يتحمسون للاستماع للفضائح.

تُبرر مشاعر ذلك بأنّه ينفس عن بعض الغبن الذي تشعر به، "مهما تحدثت فهذا لا يكفي للانتقام ممّن أفسد حياتي وأضاع عمري".

ليس النساء وحدهن مَن ينشرن الغسيل ويبحن بأسرار الشريك السابق، بعد خمسة عشر عاماً من العِشرة الزوجية وثلاثة أبناء بات حديث "م. إبراهيم" المفضل في الجلسات العامة والخاصة عن إهمال زوجته السابقة واجباتها المنزلية وعن تصرفات أمها وأفراد عائلتها "الريفية المتخلفة". فدائماً يحكي المواقف الضاحكة عن سذاجة أفراد عائلتها وعن مجهوداته في الخروج بها وبعائلتها من مستوى اجتماعي متدنٍّ إلى طبقة "كلاس".

أكثر ما يغيظ (م) ويدفعه إلى شن حرب لاغتيال شخصية طليقته، حصولها على الحضانة بدلاً منه، يعد معارك قضائية طاحنة. وقد دافع عن موقفه، "انشغالي بعملي وأسفاري لا يعني أنني لن أجد الوقت لرعاية أبنائي بدلاً من أن ينشأوا في البيئة الوضعية التي نشأت فيها والدتهم".

 

حالات نادرة:

·      لكن، هل كل الرجال يحذون حذو (م. إبراهيم) في الحديث عن زوجاتهم السابقات؟

نقل  الغزالي  عن بعض الصالحين، أنّه أراد طلاق زوجته فقيل له: "ما الذي يُريبك فيها؟ فقال: (العاقل لا يهتك سر امرأته). فلمّا طلّقها قِيل له: لِمَ طلّقتها؟ فقال: (مالي وامرأة غيري)".

"من النادر أن يتكلّم الرجل بسوء عن مطلقته. والإساءة إلى الزوج السابق عادة نسائية بحتة". يتبنى محمد دهموش هذا الرأي ولا يمنعه ذلك من ابداء بعض التعاطُف مع بنات حواء "يُعدُّ الطلاق بالنسبة إلى المرأة "محنة قاسية يصعب عليها تقبلها، قل رغبتها مقارنة بالرجل في عبورها".

يعتقد محمد أنّ "المرأة تشعر بأنها منبوذة بعد الطلاق. لذا فهي تبحث عن مبررات لتلقي باللوم على الطرف الآخر". وفي المقابل، يشق الرجل طريقه في المجتمعات الشرقية ويواصل حياته بصورة طبيعية بعد الانفصال: "تظل المرأة كالجريح". ويزيد دهموش: "مَن يبحث عن الانتقام ووسيلته الوحيدة في ذلك هي تشويه صورة مَن منحها لقب مطلقة".

من المهم لدى سلوى موسان، أن تكون المطلقة على قدر من المسؤولية، بخاصة إذا كان لديها أبناء "هي مُلزَمَة بأن تقدم لهم صورة حسنة عن والدهم مهما كان سيئاً، وتُجمِّل صورته وتجد له الأعذار أمامهم وتربيهم على احترامه كي لا يفقدوا القُدوة، ولا تردد أمامهم كلمات مسيئة إليه، ولو كانت حقيقية".

تدعو سلوى المطلقة إلى "الابتعاد عن الأنانية، وأن تتحلى بالحكمة ولا تثأر من طليقها بتشويه صورته، خصوصاً أمام أبنائه، ذلك لأنّ الأب له قيمة كبيرة عند الأبناء، فإذا فقدوها فقدوا التماسُك الأسري والتوازن النفسي".

"إذا كان هناك أمر يمكن أن تحافظ عليه المرأة بعد الطلاق، فهو ماء وجهها واحترامها نفسها"، وفي الحديث عن مساوئ الزوج السابق، فإنها تفقد من وجهة نظر شذى منصور، هذه الميزة تماماً.

تؤكد سلوى أنها لا تحترم "مَن تتحدث عن طليقها بشكل غير لائق، فهذا بالنسبة إليَّ يعكس الكثير من شخصيتها غير السوية، ويُبيِّن مدى عدم تقديرها لذاتها. فمن تتحدث عنه بالسوء هو مَن اختارته في الأمس بكامل قناعتها، ومهما خيّب توقعاتها، فليس من مصلحتها أن يعرف الجميع سوء اختيارها".

تقف فريال صالح مع الرأي نفسه، وتصف كشف المرأة سرَّ شريكها بعد الانفصال بالحماقة. تسأل: "أي نوع من النساء تلك التي تُعاشر شخصاً بل تُنجب منه الأولاد والبنات، وبعد أن تنفصم العَرَى الوثقَى بينهما، تبدأ مرحلة نشر الغسيل وفضح الأسرار؟ وأي حقد يجعلها تستهزئ بكلِّ شيء جمعهما وتُحلُّ لنفسها أن تتكلم عن مقدار انحرافه والعيوب التي سترتها، من دون مراعاة لمشاعر أبنائها وهم يسمعون أسوأ حديث عن والدهم، من أقرب شخص لديهم؟".

تستمر حلقة إدانة سلوك نشر الأسرار بعد الطلاق مع اتفاق شبه جماعي على ممارسة المرأة هذا الأسلوب أكثر مقارنة بالرجل حتى من بنات جنسها، إذ ترى سامية عبدالوهاب أن "كشف أسرار الزواج بعد الطلاق، ينم عن تربية الزوجة التي لم تنشأ في جو يُقدِّس العلاقات الزوجية، وهي عادة ستُورثها ابنتها إذا كانت لديها واحدة: "المسكينة عندما تحكي عن زوجها بالسوء، تعتقد أنها تثير تعاطُف الناس"، ولكن الحقيقة: "إنّ الناس قد يُبدون لها المُسانَدَة ظاهرياً، لكن لا يوجد مَن يكنّ لها الاحترام في داخله". تقول بنبرة أقل حدّة: "بغض النظر عمّا إذا كان الشريك الآخر يستحق مشاعرنا أم لا، فالمرأة الحكيمة هي مَن تبتعد بصمت، لا تقديراً له، إنّما تقديراً لنفسها وصورتها التي تهتز إذا لم تتمالَك غضبها".

لا يجد طاهر صلاح، باليد حيلة، إلّا "تفهُّم الظروف التي تجعل بعض المطلقات يلجأن إلى تشويه صورة أزواجهنّ السابقين نظراً إلى مقدار القهر الذي عانينه في الزواج، فيصبح سلاح المرأة الوحيد (لسانها) تستخدمه لتشفي به غليلها".

هناك سبب آخر يراه طاهر: "حاجة المرأة إلى الحديث عن مشكلاتها، وأن ينصت لها الآخرون، وهي في رحلة شكواها هذه لا تتردد في أن تبوح بالكثير من أسرار زوجها، فهي من جهلها أو لسوء تقديرها، تَعتَبر أنّ العلاقة ما عادَت مُقدَّسة".

أما الرجل الذي يبوح بأسرار زوجته بعد الطلاق، فلا يجد طاهر سوى عبارة ليصفه بهما "غير كريم".

يرى عمار قردوح، أنّ كبت الغضب عند أيٍّ من المطلقين، بخاصة إذا تأذى من الطرف الآخر، قد يؤدي إلى آثار سلبية اجتماعية ونفسية وجسدية، لكن حسب قردوح، فإنّ "التنفيس يجب أن يتم بطريقة إيجابية تحفظ الكرامة للجميع، وتؤكد الخصوصية وترتقي بالإنسان فوق العشوائية والجهل و"نشر الغسيل"، كي لا نؤذي أنفسنا أو من نحبهم مثل الأبناء. تستغرب فادية أحمد رزق" أن تتحول العشرة الجميلة بين الزوجين إلى ساحة فضائح وكشف أسرار بمجرد أن تطفو خلافات عاصفة على سطح العلاقة".

مهما كانت أسباب الطلاق لديها، فلا يُبرر ذلك إشاعة سر أحدهما للآخر، لبيان أنّ العيب ليس منه: "فطريقة التعامل مع الطلاق تُبيِّن طبيعة الشخص وتربيته الاجتماعية والدينية، فمن سَئر مؤمناً ستره الله في الدنيا والآخرة، ناهيك عن أن يكون هذا الشخص شريكاً حميماً مثل الزوج السابق".

تفسر فادية "اللجوء إلى هذا الأسلوب بعقدة النقص التي يعانيها أحد الطرفين، فتدفعه إلى البحث عن نقائص الطرف الآخر والتبشيع به".

يجد مصطفى العزاوي أن كشف "أسرار العلاقة بين الزوجين أمر تدينه الشرائع والقوانين، إذا اعتبرته اعتداءً آثماً على قَدَاسة الحياة الزوجية". ويذكُرها بالآية التي تعالج مشكلات المؤسسة الزوجية (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) (البقرة/ 229).

خصوصية العلاقة السابقة بين رجل وامرأة كانا يديران مملكة صغيرة لها أسرارها وأحداثها لا يحق لأي أحد، يعتقد ممدوح فؤاد، معرفة ما دار داخل حدودها المرسومة، كما لا يحق لأحد الشريكين البوح بخصوصيتها أو أسرار الآخر.

"هناك مَن لا يتورّع عن ذكر مساوئ شريكه وعيوبه وتحميله مسؤولية فشل التجربة"، بحسب ممدوح، بل يصل الأمر في بعض الأحيان إلى حد اتهامه زُوراً وبُهتاناً بأمر لم يكن فيه وذنب لم يقترفه، فقط ليظهر بمظهر صاحب الحقّ المُعتدَى عليه".

ويؤكد أن "ثقافتنا الإسلامية والعربية تحتفي بالستر، ومهما حدث من الزوج، فلا يمكن لشريكته إذا كانت ذات تربية جيدة، أن تفضحه أو تذكر أمراً معيباً في حقه، حتى لو كان كل الناس يدرون ذلك عنه". يستدرك.. ولكن في هذا العصر سادت ثقافة الفضائح وزالت حرمة البيوت وانقلبت الآية، فبعض الناس يحرص على ستر الكثير من الأمور العادية، كالسفر مثلاً أو انتظار الترقية. ولكن لا يتورّع أن يفضح شريكه إذا ساءت العلاقة بينهما".

 

الدكتور محمد أبو العينين: مَن يشهر بشريكه ذو ميول عدوانية؟

"الرغبة في الانتقام والتشفي من أهم العوامل التي تدفع أحد المطلقين إلى تشويه سمعة الآخر"، هذا ما يخلص إليه الدكتور محمد أبو العينين، رئيس قسم الاجتماع في جامعة الإمارات. وعلى الرغم من ذلك، يرجَح وجود أسباب أخرى: "ربما أيضاً يميل بعض الناس إلى تبرير فشلهم بإلقاء اللوم على الآخر. فقد كان هو سبب فشل العلاقة، أو كانت هي بتصرفاتها الطائشة وعدم حكمتها وراء الطلاق. أو لقد كان هو ونزواته أو بخله العالم الحاسم في إنهاء الطلاق. هذه كلها اتهامات يرددها المطلقون عن بعضهم بعضاً".

-         ما البيئة والظروف الاجتماعية التي تجعل المطلقة أو المطلق يسيء إلى الشريك السابق؟

من المفترض مثالياً أن تنتهي العلاقة الزوجية باحترام كلّ طرف الآخر، واعتراف كلّ طرف بأنّه يتحمل جزءاً من المسؤولية. لكن ما يحدث في الواقع هو أنّ البعض يشن حملة شعواء للتشهير بالآخر والانتقاص من سمعته. وقد يكون للبيئة الاجتماعية والظروف دور في تشكيل رد الفعل إزاء الطلاق. ففي البيئات الاجتماعية والمجتمعات التي تنظر إلى الطلاق باعتباره حدثاً جللاً ووصمة تلاحق المطلق، وبالذات المطلقة، ستزداد محاولات التشويه والتشهير. أما في المجتمعات التي وصلت فيها معدلات الطلاق إلى نسبة مرتفعة، ولم يعد ثمّة اكتراث بالمسألة ولا يوصم المطلق والمطلقة فإنّ الناس لا يلجأون إلى أسلوب التشهير.

-         هل للمسألة علاقة بالتربية؟

نعم، قد يكون للمسألة علاقة بالتربية، إذ إنّ الأشخاص ذوي الميول العدوانية يتوقع أن يلجأوا إلى التشهير بالأشخاص المسالمين الذين تربَّوا على التسامح. كما أنّ الشخص الذي يتمتع ببناء نفسي قوي، سيكون قادراً على اجتياز محنة الطلاق والتعامل مع الأمر بواقعية وطي هذه الصفحة من حياته، ليفتح صفحة جديدة. أما ضعيف الشخصية فهو الذي سيتوقف طويلاً عند هذا الحدث ولن يدعه يمر مرور الكرام، بل وسيحاول استثماره لإخفاء عيوبه الشخصية أو لتبرير الظروف التي أدت إلى الطلاق في المقام الأوّل، الذي قد يكون مسؤولاً عنها بنسبة كبيرة أو صغيرة.

-         ما الآثار المترتبة على الأبناء من تشويه صورة أحد الأبوين؟

من أسوأ ما يكون هو أن تتبدل صورة الأب وصورة الأُم في ذهن الأبناء، سواء أكان أثناء الزواج أم بعد انتهائه. والتشهير بالآخر لا يهدم صورة الطرف المُشهّر به وحسب، بل ويهز أيضاً صورة الطرف الذي يقوم بالتشهير. حينئذ يفقد الأبناء ثقتهم تماماً بالأبوين.

-         ما النظرة الاجتماعية إلى مَن يمارس هذا السلوك؟

من المفترض أنّ معظم الناس لن يرضوا عن هذا الأسلوب. ففي الثقافة العربية يميل الناس إلى فرض سياج من السرية حول مثل هذه الأمور الشخصية. وفي القرآن الكريم هناك دعوة صريحة، وهي أنْ (فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) (الطلاق/ 2). ومن ثمّ يتوجّب على المطلَّقين أن يتعاملوا مع هذه المشكلة بأسلوب راق متحضّر بعيداً عن الانفعال الذي لن يفيد في إعادة العلاقة إلى ما كانت عليه، بل سيزيد الأمر تعقيداً. وعلى الناس المحيطين بالمطلّقين ألّا يزيدوا النار اشتعالاً، بل يعملون على التوسُّط والسعي إلى التوفيق بين الطرفين، فإذا باءت محاولاتهم بالفشل عليهم أن يُسدّوا النصح إلى كلِّ طرف بإنهاء العلاقة على نحو يضمن لكلِّ منهما حقوقه تجاه الآخر، وكذلك حقوق الأبناء.

ارسال التعليق

Top