• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أنين قلب

أميمة عبدالعزيز زاهد

أنين قلب

قالت: سنوات وأنا أمرّن حواسي وأدرِّبها كيف تتذوق طعم السعادة، علها تصل للشفاء من ألم الشقاء. كثيراً ما جلست مع نفسي أتأمل حياتي وذاتي وصوتي وسكوني وصمتي، فأنا لست واهمة، لكنّني إنسانة حالمة، فالأحلام أكثر متعة أجيدها، وأفضل هواية أمارسها. بعد أن دربت عقلي على أحلام اليقظة، أقوم باختيار ما يناسبني من المواضيع، وأحدِّد الزمان والمكان والأشخاص والمسميات والمراكز والألقاب والأدوار، حسب رؤيتي للأمور، وأضعها في إطار خاص، فأعيش كلّ مراحلي لأحقق من خلالها كلّ ما عجزت عن تحقيقه، فأنا لم أكن أطمع يوماً بأكثر من قدراتي، ولم أكن أتمنى أكثر مما أستحق، ولم أطلب المستحيل، كلّ ذنبي أنّني كنت أحلم بصورة واقعيّة لحياة رائعة ومثاليّة، وعندما عايشت الواقع اكتشفت أنّ الواقع كان مجرد حلم. عندما خذلتني سعادتي وتحولت حياتي لعبء نفسي ومعنوي، وفكرت هل أستسلم وأفقد ثقتي في إسعاد نفسي، أم أروي مشاعري؛ حتى لا تموت كما ماتت أمنياتي؟ لذا أصبحت أحلامي هي منفذي، ومتنفسي، ووليفتي، أمارسها كلّ يوم بإعطاء نفسي راحة، أقفل بابي، وأغلق هاتفي، وأطفئ أنواري؛ لأفقد كلّ اتصال بالعالم الخارجي، وأبدأ بنسج قصة جديدة ألعب فيها الدور الأوّل، وكلّ يوم أحقق فيه نجاحاً جديداً بشكل مختلف، فلا يوجد هناك ما يجبرني أن أستيقظ من دون أن أضع نهاية تناسبني وأستمتع بها، فأنا فعلاً أشعر بالراحة والسعادة لإنجازي هذه الخطوة في حياتي بنجاح، فإيحائي لنفسي بالسعادة جعلني سعيدة ولو للحظات، وتدريب نفسي على الراحة ملأ إحساسي بالدفء والأمان ولو لدقائق، فأحلامي هي عالمي، مملكتي، دنياي، كوكبي، ومناخي، ومن خلالها أقوم بوضع كلّ شيء في مكانه، ففيها أصالح، أعاند، أنفعل، أغضب، أبكي، أضحك وقتما أشاء، أسافر، أجري، أقفز، أجلس، أسمع، أتكلَّم، أصمت، أرى كيفما أريد، أكتب، أقرأ، أعمل، أسهر، أنام، أستيقظ متى شئت، آمر، أنهى، أنفذ، ألغي، أرفض، أحب، أكره على هواي، ففي أحلامي تتملكني الشجاعة فأقول رأيي بصراحة، وأتكلم بصدق وأدافع عن حقوقي، وأواجه كلّ من ظلمني؛ فأسامح أو أنتقم، وفي أحلامي أسكن شكي، وأحسن ظني، وأفرح قلبي، وأشبع حناني، وأسلي وحدتي، وأعزي تعاستي، ففي أحلامي أتخيل قلباً كبيراً يحتلني ويوقظ مشاعري، قلباً أتوه معه في دروب الوديان وبين الأشجار من دون أن نخطط، لذلك نفعل ما بدا لنا؛ نقرأ، نبحث، نكتب، نحلم، ونرحل من مدينة لأخرى بعيداً فوق الرمال، ونبحر ونغوص معاً عبر متاهات العالم، نجري ونقفز، وعندما نتعب نغفو على أقرب ظل شجرة. ستقولون إنّني أخدع نفسي، نعم.. أعرف، لكنني اتفقت معها على هذه الخدعة، فمن يملك الحقّ في محاسبة أحلامي وإثبات وقائعها أو إدانتها ومصادرتها؟ فأحلامي كأفكاري، كخيالاتي، كأوهامي، كجنوني، ورومانسيتي، لا يملك أحد الحجر عليها، وفي النهاية أكسب الجولة؛ بتحقيق التوازن الشامل في جميع نواحي حياتي، وفي النهاية أنا مؤمنة بأنّه لا مفر لي ولا راحة إلا باللجوء لرب العباد، فأتوجه بكياني كلّه إليه سبحانه، فتذرف عيناي الدموع، ويخضع قلبي لجلال الله، وأدعوه: يا رب يا فارج الهمّ فرّج همي. لحظتها يسكن بحر أحزاني، ويعيش قلبي بهدوء واطمئنان، وأتأكّد بأنّ شيئاً من الواقع لم يتغيَّر، ولم يتغيّر سوى ما بداخلي.

ارسال التعليق

Top