• ٢٢ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٠ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

البنات والمطبخ.. شغف أم واجب؟

البنات والمطبخ.. شغف أم واجب؟
بين البنات والمطبخ حكاية الحكايات. فلسنوات خلت، كان يتحتم على الفتاة أن تتقن مهارة الطهو لتفوز بزوج. أما اليوم، فقد تغيرت الحكاية، وتغير الواقع مع وقع سرعة العصر، لتتحول حكاية المطبخ وما يجري فيه، إلى وجبات سريعة تزور البيوت على شكل "دليفري"، جاهزة، ساخنة، مغرية. أين البنات من المطبخ في أيامنا؟ وهل لا يزلن يرغبن في تعلم الطهو، في ظل السرعة التي تدور بها الحياة؟ وهل أصبح إتقان الطهو مسألة اختيارية؟ أم يبقى مجرد تعبير عن حب واهتمام؟ ثمة فتيات يعتبرون أن طهو الطعام، هو تعبير عن هذا الحب والاهتمام، وهناك من يتجرأن على التأكيد بأن لديهن الثقة الكافية، لتحضير وجبة طعام كاملة بمفردهن. وهناك اللواتي يرفضن اعتماد الأسرة على المأكولات الجاهزة، ويؤكدن أن إتقانهن للطهو يجعلهن زوجات ناجحات. وفي الحقيقة، قد يكون من الصعب على أحدهم، أن يُشكك في علاقة بنات اليوم بالمطبخ والطهو، خصوصا بعد أن يلقي نظرة إلى نتيجة الاستطلاع الذي شمل 1013 فتاة في سن المدرسة والجامعة.   - وعي: قراءة سريعة للدكتور محمد عبدالمنعم (طبيب أسرة) لنتيجة الإستطلاع  الذي حمل عنوان: "بنات اليوم والمطبخ"، يستهلها بالإشارة إلى أن "الاستبيان يُعتمد به، كون العينة كبيرة وتعطي فكرة واضحة يمكن الاستناد إليها، والأخذ بها". من هنا، يرى د.عبدالمنعم "أن نسبة 86 في المئة من الفتيات المشاركات في الاستطلاع، رفضن فكرة اعتماد الأسرة على المأكولات الجاهزة، والتوقف عن طهو الطعام في البيت"، لافتاً إلى أن ذلك "إذا دل على شيء، فإنما دل على وعيهن بالموضوع". ويقول: "أما نسبة 14 في المئة المتبقية، فهي نسبة ضئيلة وتحتاج إلى التوعية. 85 في المئة من الفتيات أيضاً، رأين في طهو الطعام تعبيراً عن الحب والاهتمام، وهي نتيجة ممتازة، تشير إلى أن مفهوم هؤلاء للطهو جيد، باعتباره يدعم الحب بين الزوجين ويزيد في الارتباط الأسري. بينما يسعنا القول عن نسبة 15 في المئة المتمايزة في الرأي، أنها ليست مرتفعة لتسبب مشكلة حقيقية". وبما أن الاستطلاع أشار إلى أن نسبة 84 في المئة من الفتيات يُجدن تحضير أطباقهن المفضلة، وهي نتيجة ممتازة ومشجعة، تشير إلى ثقافة نتمنى أن تنسحب على جميع الفتيات. يتابع د.عبدالمنعم قائلاً: "لفتني وعي 77 في المئة من الفتيات اللواتي أكدن أن الاعتماد على الطعام الجاهز يسبب السمنة والأمراض، مقابل 23 في المئة لم يوافقنهن الرأي، الأمر الذي يستدعي تنبيههن إلى خطر الوجبات السريعة على صحتهن، لاسيما في أعمارهن بالتحديد". ويضيف: "إن نسبة 72 في المئة من الفتيات اللواتي اعترفن بثقتهن بتحضير وجبة طعام كاملة بأنفسهن، هي نسبة رائعة، في حين يتوجب علينا تشجيع الـ28 في المئة المتبقيات على التحلي بالثقة ذاتها للقيام بذلك". ويشير إلى أنه "في الإطار نفسه، تبدو نسبة 68 في المئة من الفتيات اللواتي يجدن الطهو، مشجعة ومبشرة، بينما تبدو نسبة 32 في المئة من الأخريات غير المجيدات للطهو، محبطة، وتستدعي تنبيههن إلى ضرورة تعلم الطهو". ولا يخفي د.عبدالمنعم رضاه عن النسبة التي سجلتها الفتيات اللواتي يحسبن أن الطهو مسألة غير صعبة أو مجهدة، والتي وصلت إلى 67 في المئة، إلا أنه عقب على ذلك قائلاً: "لا أوافق نسبة 33 في المئة المعارضة، وأنصحهن بتسهيل مسألة الطهو لتصبح محببة إلى قلوبهن. كذلك رأيت أن نسبة 64 في المئة من الفتيات المشاركات، اللواتي يؤكدن شعورهن بالثقة أثناء وجودهن داخل المطبخ، جيدة". أما السؤال الذي دار حول اعتبار إتقان الطهو اختيارياً، وأنه لم يعد من المهارات التي يتعين على الفتيات تعلمها منذ الصغر، كي تصبح الواحدة زوجة ناجحة، فقد لاحظ د.عبدالمنعم في هذا الخصوص أن "نتيجة الاستبيان أظهرت انقساماً بين 57 في المئة مؤيدات لهذه الحقيقة، و56 في المئة معارضات". وأضاف: "هذه النتيجة في رأيي مأساوية، نظراً إلى أن الموضوع لا يعد اختيارياًَ أو غير مهم. ففي انقسام مشابه، نفت 56 في المئة من المشاركات في الاستطلاع أنهن، إذا كن بمفردهن في المنزل ويشعرون بالجوع، يكتفين غالباً بتناول الشوكولاتة أو الفاكهة ريثما تحضر الوالدة، مقابل 44 في المئة اعترفن بأنهن يفعلن ذلك. وهذه النتيجة سيئة، لأن الفتاة يجب أن تعتمد على نفسها، كما يجب على أهلها تدريبها على الاعتماد على نفسها، لعلها تحضر ما تريد أن تأكله بدل الاستسلام". أنتِ تجدين أن الطعام الجاهز أطيب مذاقاً من الطعام المحضر في البيت؟ سؤال طرحه الاستطلاع، وكانت نتيجة الإجابة أن 52 في المئة من الفتيات لم يوافقن عليه، مقابل 48 في المئة أخريات وافقن. "ما يعني أن نصف العينة المشاركة تفتقر إلى الثقافة في هذا الإطار، وتجهل ضرر تناول الطعام الجاهز وتأثيراته في الصحة بشكل عام" بحسب ما يقول د.عبدالمنعم خاتماً قراءته.   - مملكة المرأة: لم نكن نتوقع حين أوقفنا رزان محمد، ابنة الرابعة عشرة، أنها، وعلى الرغم من سنها اليافعة، تحمل في داخلها حماسة شديدة لموضوع الطهو. لذا، تفاجئنا حين بادرت إلى القول: "أعتبر المطبخ مملكة المرأة". ثم تهمس: "للأسف أمي ليست طاهية ماهرة، وتقتصر وجباتنا المنزلية على بعض أصناف الطعام المكررة إلى ما لا نهاية". تبلع رزان ريقها وتتابع: "أما والدة صديقتي فهي الأفضل، أتوق إلى أن أتعلم منها كل شيء حين أكبر، وهي قد وعدتني بذلك". تسكت رزان شاردة التفكير بما تضيفه، تعلق: "وجبات السوق الجاهزة، أطيب من طعام أمي. ولكن طعام أم صديقتي لا مثيل له، أنا أحسدها على ذلك، في الواقع، إن كل صديقاتنا يحسدنها على أمها". تسكت من جديد قبل أن تضيف بخجل: "هذا لا يعني أنني لا أحب والدتي. أنا لا ألومها لأنها نشأت يتيمة الأم، ولم يتسَّن لها أن تتعلم مهارات الطهو من أحد، لذا أصر على أن أستفيد من الفرصة التي لديّ".   - ضرورة للاستقرار: "تزوجت صديقتي برجل تحبه، وكانا متفاهمين على حقيقة أنها لا تتقن الطهو. لكنها، مع الوقت بدأت تلاحظ أن زوجها ملّ ارتياد المطاعم، وطلبات الـ"دليفيري"، وبدأ يطالبها بتجهيز الطعام في المنزل، الأمر الذي كانت تخشاه منذ لحظة زواجهما. وعلى عكس توقعاتها وتطمينات زوجها السابقة لها، وإصراره على عدم الاهتمام بكونها ليست طباخة ماهرة، تفاقمت المشكلات سريعاً بينهما ووصلت إلى حدّ الطلاق. عندها، تدخل أهل الخير، فعادت المياه إلى مجاريها بعد أن أعلنت صديقتي استعدادها لدخول المطبخ، وتعلم الطهو". تلك الحكاية، عاشتها آمنة الزواغي (مندوبة تسويق) مع صديقة مقربة، أخبرتنا بها لتقول من خلالها: "من الضروري أن تختبر الفتاة فنون الطهو، لتؤسس استقرار بيتها الزوجي، وتضمن سعادة عائلتها". ولكنها، تكشف أنها شخصياً و"من منطلق مجبر أخوك لا بطل "لا تحب المطبخ أو الطهو " ولكنني أعيش في غربة بعيداً عن بلدي وأهلي، وبالتالي لا يسعني أن أقضي حياتي، أقتات على الوجبات السريعة". لكن هل تعرف آمنة كيف تطهو؟ أو ماذا تطهو؟ سؤال يخطر في بالنا، غير أنه لم يتسنَّ لنا أن نطرحه، لأن آمنة، تابعت تقول: "إذا كنتم تتساءلون عن مدى إجادتي للطهو، فأقول لكم إنني كنت في حالة ميؤوس منها، في البداية حاولت أن أطبق ما أتذكره من عملية التحضير التي كنت أشاهد أمي تقوم بها يومياً، فيفلح الأمر معي مرة، ويفشل مرات، إلى أن قررت أخذ وصفات الوجبات التي أحبها، من أمي عبر الإنترنت، لأضمن المذاق الطيب". إلا أن حكاية آمنة مع المطبخ والطهو، تحولت اليوم من خشية إلى لذة واستمتاع، وباءت بنجاح لافت، فعلى حد قولها: "أصدقائي يؤكدون أن طعامي شهي ولذيذ".   - نبذ: لا تشكك شوق محمد (طالبة علوم إدارية) في أن "عدم إتقان الزوجة للطهو هو موضوع خلاف حتمي بينها وبين زوجها". لذلك، تصرّح والحياء يكلل وجهها باحمرار خفيف: "لا أعرف شيئاً عن الطهو، ولا أحب المطبخ في الأساس". تصريح تدرك شوق أنه، عملياً، يناقض قناعتها بأهمية تعلمها للطهو ولو على مضض، فتستدرك بالقول: "وقتي لا يسمح بأن أدخل المطبخ كثيراً، ولكنني أعد نفسي بأن أقوم بذلك في أيام العطلات". وتضيف: "لا أريد أن أتزوج في المستقبل، وأنا لا أتقن تحضير أطيب المأكولات وأشهاها، لاسيما للشخص الذي أحبه. كما أنني بطبيعتي لا أميل إلى الوجبات السريعة، لما تخزنه من دهون في أجسامنا"، تتابع معلقة: "الطعام الصحي والمحضر في البيت، هو أطيب من أي وجبة قد أتناولها في أفخم مطعم في العالم".   - تحضير: من جهتها، تبدي هبة إبراهيم (موظفة تأمين تتابع دراستها في إدارة الأعمال والتسويق) سعادتها بالتحدث في الموضوع، والسبب بحسب ما تقول: "يعود إلى اهتمامي الشديد بالطهو، حيث إني أعشق المطبخ، ويمتعني التفنن في تحضير أطباق شهية ولذيذة". هل لديك الوقت الكافي لفعل ذلك؟ سؤال نطرحه على هبة، فتجيب مبتسمة: "أحاول قدر المستطاع توفير الوقت، وأمي جاهزة دائماً لمساندتي عبر الهاتف بكل الوصفات التي أطلبها منها. هي تحضرني لأكون ربة منزل قديرة"، تعلق هبة ممازحة: "كلنا نعلم أن الطريق إلى قلب الرجل يمر من خلال معدته، وأنا مصرة على أن الرجل مهما تماشى مع العصر، ومهما تطورت نظرته إلى المرأة العملية، لا يزال يرغب في سيدة تطهو له، وتهتم به وترعاه".   - ارتباط: أما زميلة هبة في العمل والدراسة حسنة فليفلة، فهي أيضاً تؤكد "أن مفتاح قلب الرجل بطنه"، لافتة إلى أن "الزوجة، حين تتقن فن الطهو، إنما هي تقرب المسافة بينها وبين زوجها، وتجعله يجد السعادة المطلقة في مملكته". رؤية حسنة هذه، تنوي تطبيقها مستقبلاً حين تتزوج، تقول: "أنا أتقن الطهو جيداً، لاسيما الأطباق الشعبية المعروفة عندنا في المغرب، والحقيقة أنني أنال تشجيعاً واستحساناً كبيرين، من الأصدقاء الذين يتلذذون بما أطهو". تلتفت حسنة إلى صديقتها التي كانت تستمع إليها، وتسألها، "هل هذا صحيح؟"، ثم تكتفي بإيماءة إيجابية من هبة، لتتابع قائلة: "تقريباً أحسن طهو كل شيء باستثاء الحلويات، ولكني مستعدة لأن أتعلم كيف أحضرها في أي وقت". ثم تختم معاتبة: "من المعيب ألا ترتبط الأنثى بمطبخها، ارتباطاً وثيقاً، بالنسبة إليّ هو أجمل مكان في البيت كله".   - إقرار: قد لا يكون موضوع الطهو والمطبخ من الأمور المهمة فقط، بل "ضرورة"، بحسب ما تعلن نيرمين بشرى، التي تقول: "أنا أم لولد وبنت وهما أغلى ما عندي في الوجود. لذا، أصر على تحضير أشهى الأطباق لهما، وألذها وأكثرها إفادة لصحتهما". قناعة لا يمكن لأحد أن يتجادل بأمرها مع نيرمين، التي تؤكد إنها منذ 17 عاماً، أي حين تزوجت، لم تكن تفكر بهذه الطريقة، ولكنها تشير إلى أنها "اكتسبت الخبرة والمعرفة والإدراك مع الوقت، ووصلت إلى لحظة الإقرار بأن الطهو للعائلة، هو أجمل أمر يمكن أن تقوم به المرأة، لأن النتيجة لا تنعكس إيجاباً عليها فقط، بل على كل عائلتها". واستناداً إلى خبرتها الطويلة المشبعة بقناعتها في ضرورة إتقان المرأة مهارات الطهو، تتوجه نيرمين إلى الفتيات المقبلات على الزواج بالنصيحة قائلة: "مهما استمتعت أنت وزوجك بالطعام الجاهز من السوق، لابد أن تشتهيا إعداد وجبة لذيذة في مسكنكما الحميم. إذن استعدي قبل الارتباط للدخول إلى مطبخك، فتسعدي في زواجك وتسعدي أفراد أسرتك كلهم".   - العلم والطهو: على الصعيد نفسه، تبوح كريمة هلالي (ربة منزل، متزوجة منذ 36عاماً وليدها 7 أولاد) قائلة: "يجب أن تتعلم الفتاة فن الطهو قبل الزواج، وهكذا عندما تنتقل إلى بيت زوجها، تكون جاهزة". الجهوزية التي تتكلم عنها كريمة، "ضرورية" في رأيها، "فهي تجعل المرأة مرتاحة نفسياً، وهذا ينعكس ارتياحاً على أجواء بيتها بشكل عام". "تزوجت وأنا في سن الثالثة عشرة من عمري"، تصرح كريمة، وتكمل: "لم أكن بعد جاهزة للدخول إلى المطبخ. لكني، منذ لحظة ارتباطي، قررت أن أكسر رهبة إعداد الطعام، وبالفعل نجحت في وقت قياسي في تجاوز كل خوف يمكن أن ينتاب العروس المتزوجة حديثاً، عندما توضع في مواجهة أمر تجهله". وتتابع بفرح: "بت اليوم أتقن تحضير أصعب الوجبات، وهذا بشهادة أفراد أسرتي وكل أقربائنا ومعارفنا". لا تخفي كريمة سرورها وهي تعلق قائلة:"علّمت بناتي الثلاث الطهو على أصوله، على الرغم من انشغالهن في الدراسة، والدليل أن كبيرتهن وهي طبيبة نسائية، تستمتع بالطهو لأسرتها. ما يعني أن نيل الشهادات العلمية العالية، لا يتنافى مع مبدأ تعلم الطهو، والاستمتاع بإتقانه من أجل الأسرة وصحتها". وتختم كريمة بالإشارة إلى أن "من غير المسموح لأي سيدة في عصرنا الحالي أن تقول: لا أعرف كيف أطهو. إذ عليها أولاً أن تدرك أن كل الرجال يحبون الطعام الشهي المحضر في المنزل". وتضيف: "ثانياً، أنا لا أجد لها حجة، مع تزايد الكتب والمجلات والقنوات المتخصصة في فن الطهو".   - دقة: ترفع فهيدة مالكي رأسها عالياً وهي تعلن ببساطة: "أحب بطني كثيراً، لذا تراني أتفنن في الطعام، وفي تحضير الوجبات التي أرغب في التهامها". تضيف: "أعتقد أن السيدات يُجمعن على أهمية معرفتهن بأمور الطهو، لأنهن يدركن مدى ارتباط الرجل بمعدته وحبه الشديد للأكل اللذيذ". وتتابع بعد أن تأخذ نفساً عميقاً: "أنا مديرة متجر ووقتي ضيق جداً، لكني أرفض الاكتفاء بوجبة سريعة ألتهمها من دون تفكير، بل يجب أن أعد ما أرغب في تناوله بتأنًّ ودقة، حتى أستمتع بالنتيجة لاحقاً. كما أنني أصر على أن تكون وجبتي صحية ومفيدة، أي مكونة من المواد الأساسية التي يحتاج إليها جسمي".   - عائق لا عائق: في المقابل، كيف ينظر الرجل إلى موضوع البنات والمطبخ؟ وهل يصر على الزواج بفتاة تتقن مهارة الطهو، أم أن الأمر لا يشكل عائقاً بالنسبة إليه؟ "الأمر يشكل عائقاً كبيراً"، يرد إبراهيم الكلباني (إداري) على سؤالنا، يقول: "من المعيب أن تكون الفتاة جاهلة بأمور الطبخ والمطبخ، وأنا شخصياً لن أتزوجها، وسوف أطلب منها أن تتعلم كيف تطهولي، قبل أن أرتبط بها". يبتسم إبراهيم لتعليقة، ويستمر في الكلام بحماسة قائلاً: "سوف أرسلها إلى والدتي لتتعلم منها الطهو على أصوله، فأمي طعامها شهي ولذيذ، ويكفي أن تنظروا إلى حجمي لتتأكدوا من صحة كلامي". ويضيف: "البيت من دون زوجة ماهرة في الطهو، يظل ناقصاً حتى إشعار آخر. هذا هو رأيي بكل تجرّد". ويبدو منصور علي (أعمال حرة، أب لـ 4 أولاد) على شاكلة إبراهيم، إنما بفارق خبرة 21 عاماً في الزواج، حيث إنه يقول: "لم أكن لأرتبط بزوجتي لو كانت لا تتقن الطهو. ذلك أن مهارة الزوجة في المطبخ، هي من أساسيات الزواج السعيد والمستقر". ويعود منصور ليبرر: "بالطبع، لو لم تكن زوجتي تملك مهارة الطهو، لم أكن لأفرض عليها الأمر، ولكن الله سلمها معي، وحظيت بزوجة رائعة وربة منزل من الطرز الأول". واليوم بعد خبرة سنوات في كونه رب أسرة كبيرة، يرى منصور أن "الأم العاقلة والحكيمة هي التي تطهو لأولادها، لأنها بذلك تضمن صحتهم وتحافظ على عافيتهم". ويقول: "كلنا نعلم أن الطعام السريع والجاهز، هو مرض العصر الذي قد لا يمكن للبعض تحاشيه كثيراً.. وأشكر الله على أن هذا الموضوع يختلف بالنسبة إلى عائلتي". في رأي متمايز، يقول مازن فروي (مسؤول تسويق): "تزوجت منذ سنة ونصف السنة فقط، وإلى اليوم لم أجد مشكلة في كون زوجتي ليست ماهرة في الطهو، ربما لأني لا أحب معدتي كثيراً، والطعام لا يشكل هاجساً لي على غرار غيري من الرجال". هذا الاعتراف الذي يصدر من مازن، يتبعه اعتراف آخر يقول فيه: "لا أنكر أهمية أن يكون لدى الزوجة القليل من المعلومات العامة عن الطهو، ولكنها ليست نهاية العالم". ويضيف: "ربما تحتاج الزوجة إلى هذه المعلومات مع قدوم الأولاد، لأن مسألة غذائهم السليم ضرورية، لينموا بصحة وعافية".   - العودة إلى المطبخ: "المرأة موجودة في السوق وفي السوبر ماركت وليس في المطبخ، وهي ظاهرة اجتماعية حديثة، تغذيها وسائل الاتصال والإعلام والإعلان". استنتاج يخرج به أستاذ علم الاجتماع في "الجامعة الأميركية في الإمارات"، الدكتور سطام الجبوري، ليوضح أن "الطهو بات مسألة ثانوية بالنسبة إلى المرأة، في ظل تأثير موضة الـ"دليفيري" والـ"تيك أواي"..". لافتاً إلى أن "المرأة تعتمد امرأة عاملة، وبدلاً من دخول المطبخ، تقضي وقتها في السوق، تتابع الرائج من البضائع الذي تسوق له وسائل الإعلام". ويشير د.الجبوري إلى أن "المرأة ابتعدت بشكل كبير عن دورها كزوجة وأم". ويكمل د.الجبوري مفسراً: "لم تعد المرأة تحب أن تتعب نفسها. لذا، استسلمت لما هو سريع وجاهز، ومن بين ذلك وجبات الطعام السريعة والجاهزة، إذا لم تكن سلمت دورها للخادمة". ويتابع: "لكني أرى أن هذا الأمر يقتصر فقط على المتزوجات حديثاً، لا على المخضرمات، ذلك أن التقدم في السن واختبار الحياة الزوجية وتربية أسرة، تجعل المرأة تتراجع عن أفكارها العصرية السلبية، وتدرك بحكمتها المكتسبة مع الوقت، أهمية عودتها إلى مطبخها وإعداد الطعام الصحي لأولادها". ويضيف: "في الإطار نفسه، فإن متغيرات الحياة، تجعلها تتوقف عند حالتها، وتعيد نفسها سائرة لا محالة في طريق العودة إلى المطبخ". ويشير د.الجبوري إلى أن الزواج بأخرى. فالرجل يحب أن يعود إلى عشه الزوجي الدافئ، حيث يلقى الاهتمام والرعاية. وتحضير وجبة غذائية له، من أهم الأمور غلى قلبه وعقله، فإذا لم يجد ذلك، يهرب منه إلى حيث يجد ما يريد". "نعم، إن تجهيز عشاء لذيذ لرجل يعود من عمله متعباً، لهو أمر ضروري"، يؤكد د.الجبوري متابعاً تفسيره بالقول: "هذا الأمر يجعله يشعر بدفء بيته وبحب زوجته له". ويقول: "من هنا كانت دعواتنا المتكررة، لإقامة دورات تدريب أو ورش عمل، تعطي أمثلة واقعية للمقبلين على الزواج، وتساعدهم على بدء مشوار حياتهم الزوجية بشكل صحيح". ويكرر في ختام حديثة: "إن رضا الزوج عن زوجته يكمن في معدته، وهذا أمر مسلم به. من دون أن ننسى أن أحلى ساعات العمر، هي حين تجتمع العائلة بكاملها إلى مائدة الطعام".   - تطهو وتوفر: استكمالاً للقراءة التي أجراها الدكتور محمد عبدالمنعم (طبيب أسرة) لاستبيان "بنات اليوم والمطبخ"، الذي أجري مع 1013 فتاة في سن المدرسة والجامعة، يلخص د. عبدالمنعم النتيجة النهائية للبحث في نقطتين: "الأولى، تشير إلى اتجاه تدريجي خطير بين الفتيات، لإهمال تعلم مهارات الطهو. وهذه علامة قوية، تنبهنا إلى أهمية تثقيف الفتيات في هذا المجال. أما النقطة الثانية فتشير إلى اتجاه تدريجي نحو وجبات الطعام السريعة، وهذه علامات سيئة للغاية". ويذكر د.عبدالمنعم الأسباب الكامنة وراء هذا الاتجاه، فيقول: "تعد وجبات الطعام السريعة مفرزاً من مفرزات الحضارة الحديثة السيئة، فيها بعض التوابل التي تسبب إدمانها بين الشباب. والإعلانات التي تجذب بشدة إلى هذه الوجبات لها الدور الكبير أيضاً. نضيف إلى ذلك، واقع المرأة التي تحمل هم الأم والأب معاً، والتي خرجت للعمل ففقدت الوقت للاهتمام بالطهو". ويتطرق د.عبدالمنعم إلى انعكاسات موضوع امتناع المرأة عن الطهو في منزلها، فيقول: "ربة المنزل التي لا تملك مهارات الطهو، تكون عبئاً شديداً على الأسرة، وتؤثر سلباً في عائلتها من الناحية النفسية، حيث إن اجتماع الأسرة على مائدة الطعام، يؤدي إلى الترابط والمودة والمحبة بين أفراد الأسرة". ويضيف: "لذلك، نحن نوصي باجتماع الأسرة في موعد الطعام، بدلاً من أن يأكل كل فرد منها بمفرده". ويتابع: "إلى ذلك، هناك نتيجة صحية لا يمكننا إغفالها، باعتبار أن الطعام المطهو في البيت، صحي للغاية، على عكس الوجبات السريعة التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون المشبعة، والتي ترفع نسبة الكوليسترول في الدم. كما أن وجبات الطعام السريعة، إضافة إلى كونها لا تحتوي على الألياف بنسبة عالية وتسبب الإمساك، هي ذات سعرات حرارية عالية، تؤدي إلى السمنة ومضاعفاتها، مثل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم". ويشير د.عبدالمنعم إلى وجود شق اقتصادي في الموضوع أيضاً، يوضح: "لا شك أن الأم التي تطهو في البيت، تحافظ على ميزانية الأسرة بشكل كبير، لأن الوجبة المعدة في المنزل، تكلف تقريباً ربع قيمة وجبة طعام جاهزة من المطعم، يعني أن الأم توفر ما نسبته 75 في المئة من ميزانية الطعام". وينبه د.عبدالمنعم في نهاية حديثه: "إن أفضل طهاة العالم، لا يأكلون إلا من أيدي زوجاتهم، ثم إن العودة إلى تراثنا الجميل من تجهيز الطعام الصحي في المنزل، يجعل من مهارات سيدة المنزل في الطهو، متعة في الأداء والنتيجة، ويدخل السرور إلى قلوب أفراد الأسرة. لذا، أرجو ألا تتخلى المرأة عن هذه المهارة".   - معاُ في المطبخ: من ناحيته، وفي سياق تعليقه على موضوع ارتباط الفتيات بالمطبخ والطهو، يقول الشيف أسامة السيد إنه "قبل الدخول في الموضوع، أرى أن ينتبه الرجل إلى أن المرأة خرجت إلى المجتمع لتعمل وتساعده، وبالتالي، عليه أن يضع يده بيدها ويدخلا معاً المطبخ، بدلاً من أن ينتقدها على مهارتها في الطهو أو العكس". انطلاقاً من دعوته هذه، يلفت السيد إلى أن "من مسؤولية الأهل أن يربوا أولادهم، من الجنسين، على ثقافة إعداد الطعام الصحي منذ الصغر". ويقول: "ففي رأيي، ليس مهماً معرفة كيفية الطهو، بقدر أهمية تعلم ماذا نطهو لنأكل". ويضيف: "بالتالي، إذا سلمنا جدلاً أن الفتاة لن تحب المطبخ في المستقبل، أو أنها انشغلت بحياتها العملية، فإن ذلك لين يمنعها من حسن اختيار الطعام الذي يجب على أسرتها تناوله، سواء كان ذلك من خلال طلبه من المطاعم، أم من خلال إعداده منزلياً من قبل الخادمة أو الطاهي المسؤول". ويتابع: "إن ثقافة تعلم ماذا نأكل، تساعد الفتاة قبل أن تدخل إلى المطبخ، على النزول إلى السوق واختيار المواد الصحيحة، لإعداد طعام متكامل ومتوازن ومفيد وصحي". ومن وجهة نظر السيد فإنه "حين توضع الفتاة أمام ظرف ما، يحتم عليها أن تطهو، فهي لن تعجز عن ذلك. والطهارة الماهرون من الرجال، غالباً ما يتعلمون أسرار الطهو من أمهاتهم أو أخواتهم". ويقر: "نعم هناك سيدات حديثات الزواج، يلجأن إليّ شاكيات أنهن لا يتقن الطهو لأسباب كثيرة، منها اتكالهن على أمهاتهن، سفرهن المتكرر، ضيق أوقاتهن وانشغالهن المستمر". ويتابع: "أنا أقول لهؤلاء، إن عليهن الاستعداد نفسياً للأمر، أولاً بطرد خوفهن من المطبخ، والبدء في تطبيق وجبات سهلة وغير معقدة، إلى أن يكتسبن الثقة بالنفس، وينتقلن إلى تجهيز وجبات أكثر تعقيداً". ويتحول السيد إلى الرجل مخاطباً: "أسأل الرجل عدم مقارنة طهو زوجته بطهو والدته، لكي لا يشعرها بالحرج. وربما على الزوجة أن تقدر أن مرجعية زوجها في مسألة الطعام، تعود إلى طعام والدته الذي كبر وشب عليه". وعن أسباب تفوق الطهاة الرجال على النساء في الطهو؟ يجيب السيد موضحاً: "إن المرأة تطهو في بيتها ولعائلتها. بينما الطهو بالنسبة إلى الرجل مهنة عليه أن يترقى فيها ويتقدم لينجح ويرضي زبائنه، كما أن فرصته في هذا المجال أكبر من فرصة المرأة، لأن عالمه أوسع، لأنه يتدرب في مطاعم وفنادق كثيرة، ويسافر إلى بلدان مختلفة، فتزيد خبرته ومعرفته في هذا المجال". ويكمل معلقاً: "وهذا لا يعني أنه لا يعود في نهاية المطاف إلى بيته، ليتلذذ بالطعام الذي أعدته له زوجته". أما القاعدة الذهبية في الموضوع كله، فتتجلى بالنسبة إلى السيد في "ضرورة أن لا تخاف الفتاة من الطهو"، لافتاً إلى أن "السر يكمن في حبها له، واستعدادها لدراسته وممارسته لإتقانه. ثم يجب أن تنتبه إلى أمر ضروري، وهو أنها يجب أن تحب كل أشكال وألوان الطعام لتنجح في إعداده، لا يسعها أن ترفض مكونات دون أخرى لكونها لا تحب مذاقها، فغيرها يحبها".   - بنات اليوم والمطبخ: * استطلاع للبنات في سن المدرسة والجامعة * عدد الفتيات المشاركات 1013فتاة 1- هل تجيدين الطهو؟ 68% نعم 32%لا 2- هل لديك الثقة الكافية لتحضير وجبة طعام كاملة بنفسك؟ 72% نعم 28% لا 3- على الأقل.. هل تجيدين تحضير طبقك المفضل؟ 84% نعم 16% لا 4- هل تعتقدين أن الطهو مسألة صعبة ومُجهدة جداً؟ 33% نعم 67% لا 5- فكرة مقبولة لديك أن تعتمد الأسرة على المأكولات الجاهرة وتتوقف عن طبخ الطعام في البيت.. 14% نعم 86% لا 6- بأمانة.. أنت تجدين الطعام الجاهز أطيب مذاقاً من الطعام المُحضر في البيت.. 48% نعم 52% لا 7- الاعتماد على الطعام الجاهز لا يسبب بالضرورة السمنة والأمراض.. 23% نعم 77% لا 8- أنت بمفردك في المنزل وتشعرين بجوع شديد. سوف تكتفين غالباً بتناول الشوكولاتة أو الفاكهة ريثما تحضر الوالدة. 44% نعم 56% لا 9- إتقان الطهو أصبح اختيارياً ولم يعد من المهارات التي يتعين على الفتيات تعلُمها منذ الصغر كي تصبح الواحدة زوجة ناجحة. 57% نعم 43% لا 10- ما الشعور الذي يسيطر عليك أثناء وجودك داخل المطبخ؟ 64% الثقة 36% الارتباك 11- يمكن التعبير عن الحب والاهتمام بأساليب عديدة.. من بينها طهو الطعام. 85% نعم

15% لا

ارسال التعليق

Top