· الضغوط الحياتية الكثيفة:
حيث يشعر بعض الأزواج بضغوط العمل ومتطلبات الحياة، وليس لديهم قدرة على التكيف مع مشكلاتهم المختلفة وما يشعرون به من ضغوطات، إذ يعمل البعض في أعمال شاقة ومتعبة وعلى شكل (ورديات) حيث يعمل في أوقات مختلفة، وهذا ما يسبب إزعاجاً مؤذياً لهم ينعكس على مزاجهم، ويتعرضون من خلال ذلك إلى تقلبات مزاجية حادة، ويعودون إلى بيوتهم مرهقين، ويبدون حساسية كبيرة من الأصوات، ويتهيجون بشدة لأتفه الأسباب...
يقول (س): يعود والدي من العمل صباحاً بعد أن قضى ليله ساهراً في عمله ويكون عادة مرهقاً.. محمرَّ العينين، شاحب الوجه، وفي كثير من الأحيان يخرج من غرفة نومه ثائراً مزمجراً، فينقض على من يلقاه أمامه، فيوسعه ضرباً مبرحاً تحت ذريعة ارتفاع أصواتنا، ولأنّ مزاجه يتصف بالتقلّب فقليلاً ما كان يبتسم في وجوهنا، وكان كثير التجهم... قاسي الكلمات... غليظ معنا في أوامره ونواهيه! هكذا يصف (س) والده الذي لا زال يعمل في (ورديات) مختلفة طالباً المساعدة في كيفية التعامل معه.
وهناك ضغوط حياتية مختلفة يكون الإنسان بسببها سريع الغضب والانفعال ويمارس أفعالاً مشينة مع زوجته وأسرته..
وبالرغم من إقرارنا بضغوط الحياة المتصاعدة إلّا أنّ ذلك لا ينبغي أن يكون مبرراً للغلظة والشدة والعنف.. فهناك الكثير من الناس يعملون ليلاً ونهاراً ويتعرضون لضغوط مختلفة وشديدة إلّا أنّهم قادرون على التكيف مع مختلف الضغوط ويعيشون بسعادة مع أسرهم.
· سلبية الزوجة:
تصب بعض الزوجات الزيت على النار كما يقال... فبعضهنّ دائمات الثرثرة على الزوج ونكدات، ومطالبهنّ تبدأ ولا تنتهي وفوق طاقة الأزواج الاقتصادية، ويتصرفن من حين لآخر بشكل استفزازي، يصيب الأزواج بالتوتر والانفعال الشديد، فيلجأ البعض إلى ردود فعل شديدة تجاه زوجته...
يقول (م): إنّ والدته تخرج من البيت في مناسبات اجتماعية لا أوّل لها ولا آخر، إذ كثيراً ما تذهب إلى حفلات الزواج التي تمتد إلى طلوع الفجر، وكان والدي يتضايق كثيراً من ذلك، إلّا أنّها لا تعيره اهتماماً بل كثيراً ما كانت تطلب منه المال للتسوق وشراء احتياجاتها بشكل مفرط... ولذلك كانا يعلقان مع بعضهما البعض ويشتبكان بأعنف الألفاظ وأقسى الكلمات لساعات!!!
إنّ بعض الزوجات مهمتها إثارة حفيظة الزوج من وقت لآخر... وإن كان ذلك من غير قصد، فصوتها يصمُّ آذان الجيران عند أي حوار أو مناكفة، وإلحاحها وجدالها لا ينتهي، وغيرتها قاتلة للزوج ومسممة للبدن، وتصنع من الحبة قبّة (كما يقال) وتكبّر المشكلات، وهي ضليعة جدّاً في استذكارها وإعادة قولها مراراً وتكراراً مذكرة لزوجها لها في كلّ الأحوال... إنّها تصنع الإثارة وتضرم النار وتحضِّر للمشكلة، وتهيئ أرض المعركة الجديدة باستمرار!!!
· المفاهيم الخاطئة:
يحمل البعض في ذهنه أفكاراً وتصورات متوارثة وسقيمة، ويحسبون أنّها صحيحة وتعتبر من حقوقهم كأزواج... فمثلاً يعتقد البعض أنّ من حقه أن يفعل ويمارس مع زوجته وأولاده ما يشاء لأنّه القيِم على زوجته وأولاده، وأنّ الشرع يفوّض له الأمر يتعامل معهم كيف يشاء وبأي وسيلة كانت!
والواقع أنّ هذه الأفكار عليلة وسقيمة ولا صحة لها، فلا تعني القيمومة على الزوجة أن يحول الزوج بيته إلى سجن كبير، أو أن يعرِّض زوجته للإهانة والضرب... بل من واجبه أن يعاشرها بالمعروف، وأن يجنبها الأذى، وأن يحافظ على كرامتها.
فالسب، والإهانة والضرب خلاف المعاشرة بالمعروف، واعتداء على الكرامة الإنسانية للزوجة والأولاد.
إنّ على الإنسان أن يعترف بجهله المعرفي ولا يكابر، وأن لا يجعل من أفكاره السقيمة عذراً وغطاءً لسلوكه الأحمق، ويعطي لنفسه الحقّ في ممارسة ما تشتهيه نفسه إرضاءً لنزواته وشهواته وأفكاره المريضة... فإنّ الله عزّ وجلّ سيكون له بالمرصاد، وسيسأله عن أفعاله الخرقاء تلك!
تقول (د) عن والدها الذي لم يكمل تعليمه الإعدادي، إنّه كثيراً ما يفتعل المشكلات مع أمي، وكان يتذرع بحقّه في تأديبها وإخضاعها حتى تسمع كلامه وتطيع أمره، ولا تتكبر عليه حسب تصوراته.
وعندما كبرنا أدركنا الفارق الكبير بين مستوى والدي ووالدتي التعليمي والاقتصادي، فوالدتي أكملت دراستها الجامعية بتفوق، وكانت أمي تنفق علينا لقدرتها المالية..
لقد كانت أمي ضحية جهل والدي الذي كان يعتقد أنّ من حقه أن يتصرف مع والدتي كما يحلو له... فهي وما تملك من مال تحت تصرفه.. يفعل بها ما يشاء، وليس من حقها كما يظن أن تعصي له أمراً!!
· الطفولة المقهورة:
يتعرض البعض في مرحلة الطفولة لشتى أنواع المعاملات القاسية، والعقوبات الشديدة، فيعيش طفولة معذبة ومقهورة يلاقي فيها أصناف الويلات والعذابات، فكم من طفل يتيم تعرض لسوء المعاملة والإهانة الشديدة من قبل زوجة الأب!!
وكم من طفل نشأ في جو أسري مضطرب بالخلافات الزوجية الحادة والمشاحنات الدائمة والعنيفة... إنّ أمثال هؤلاء – جميعاً – مرشحون ليكونوا أبطال العنف عندما يكبرون، إنّهم يشكلون قنابل العنف الموقوتة في القادم من الأيّام.
وتتحدث الدراسات النفسية عن نسبة عالية من الذين يمارسون العنف مع غيرهم، وتصفهم بأنّهم تعرضوا لعنف شديد في حياتهم، فأعادوا إنتاج العنف في أنفسهم ومن ثم قاموا بالاعتداء على غيرهم بشكل عنيف وقاس، حيث تتم برمجة مشاهد العنف في عقولهم كقواعد لما يجب أن يكونوا عليه، وكنموذج في العلاقات الزوجية يرجعون إليه.
وكذلك يتم برمجة عقل الزوجة من أيّام طفولتها إذا نشأت في جو أسري تتصف فيه الأُم بالسلبية والضعف والاضطهاد، فتعيد الزوجة تظهير الصورة القديمة في علاقاتها مع من يضطهدها، حيث تؤدي دور الأُم تماماً.
ويقول المختصّون أنّ الناس عادة ينقسمون إلى نوعين في تعاملهم مع الطفولة والجو الأسري السلبي الذي عاشوه: إما تكرار النمط في علاقاتهم الأسرية المستقبلية، أو يكونوا صورة معاكسة تماماً لما عايشوه.
· الانفعالات النفسية:
البعض سريع الغضب، سريع في ردات الفعل، غير متزن انفعالياً، ليس عنده ذرة من الأناة والحلم، ولا يعطي نفسه لحظة تفكير في وقت الإثارة والمشكلة، حيث ينطلق لسانه بأفحش الكلمات وأغلظها وأقساها لتستقر في قلب الآخر سهاماً مسمومة لا تعرف الرحمة، مع أنّ المشكلة لا تستحق كلّ ذلك، وقد يتطور الموقف عنده بشكل (دراماتيكي) ومفاجئ إلى استخدام الضرب باليدين أو الرفس بالرجلين وما أشبه...
إنّ كلَّ الذين لا يمتصون غضبهم وردود أفعالهم، ولا يستوعبون اندفاعهم العدواني ويقعون تحت السيطرة في لحظات الإثارة، يندفعون بشكل لا شعوري وجنوني لممارسة العدوان، وقد يسارعون للاعتذار من الضحية بعد وقت وجيز مبدين أسفهم ومبررين ذلك بالغضب والإثارة... ولكنهم يكرّرون نفس السلوك العنيف مع الضحية عند أي إثارة جديد، وهكذا تستمر دورة العنف عندهم إذا لم يتمكنوا من كبح اندفاعهم العنيف، ولجم انفعالاتهم الشديدة، ويؤهِّلوا أنفسهم لاحتواء غضبهم المتفجر عند المشكلات.
· الشعور بالنقص والدونية:
يتسم الناس الذين يشعرون بنقص في ذواتهم واحتقار أنفسهم بالعدوانية على الغير... ويظهر هذا السلوك في المواقف التي تعمل على إيقاظ تلك الكوامن النفسية المتغلغلة في أعماق النفس... فبعض الأزواج من ذوي القدرات التعليمية والاقتصادية المتدنية عندما يتزوجون من ذات المستويات التعليمية والاقتصادية الجيدة يشعرون مع مرور الأيّام بالفوارق تلك، وتتركز لديهم حساسية نفسية خاصة قد تصل إلى الشعور بالدونية واحتقار الذات، ومن ثمّ يعبرون عن ذواتهم بأنماط سلوكية تقوم على احتقار الزوجية، ومحاولة إهانتها وإذلالها، وإيقاع الأذى عليها بمختلف الطرق والأساليب، وافتعال المواقف التي تبرر ذلك للتعويض عن النقص النفسي الذي يعيشه أولئك الأزواج... فيحوّلون حياتهم إلى جحيم!!
تقول (ن): بالرغم من أنّه لا يحمل إلا شهادة الكفاءة المتوسطة، ويقبض مبلغاً شهرياً زهيداً من عمله في شركة خدمات متواضعة، إلّا أنّ حياتنا سارت في شهورها الأولى بسعادة... كنت أدلِّله... لا أكلفه إلّا اليسير من نفقات البيت، أدفع بنفسي آجار البيت، أهديته سيارة في عيد ميلاده إلّا أنّه بدأ يتغيّر، وأصبح حسّاساً من بعض طلباتي... وكان يكرر لست خادماً لك (ليش شايفة نفسك عليَّ) لماذا تحتقريني!!! مع أني لم يخطر ببالي أن أوجه أي إساءة له.. بل كنت أظهر له احترام الزوجة لزوجها، حتى جاء اليوم الذي خرج فيه عن طوره، أوسعني ضرباً ولكماً، وبعدها توالت وجبات الضرب... فقرّرت بعدها طلب الطلاق بعد ثلاث سنوات زواج!!
· إدمان المسكرات والمخدرات:
وما ينتج عنها من الاضطرابات النفسية والسلوكية، وهيجانات حادة، وعدم القدرة على التحكم في الانفعالات، وغالباً ما تؤدي إلى حالات عنف شديدة يكون ضحيتها الزوجة والأطفال.
إذ كثيراً ما يتعامل المتخصّصون مع حالات عنف شديد تكون ضحيتها الزوجة، ويكون السبب في ذلك: إدمان الزوج على المسكرات والمخدرات... وتطالعنا الصحف بالعديد من الحالات التي تم قتل الزوجة أو تعرضها لمحاولات قتل عندما كان الزوج تحت تأثير المسكر أو المخدر.
· غياب ثقافة الحوار الزوجي:
العلاقة الزوجية السليمة تقوم على أساس الرحمة والمودة والعفو والإحسان، وصمام الأمام فيها تعقُّل الزوجين للمشكلات العالقة بينهما مهما كانت، والسعي الحثيث لحلها وتجاوزها آثارها بالحكمة والتواصل الإيجابي، والحوار الهادئ الذي تكون مادّته الكلمة الطيّبة، والمعاملة الرقيقة والموعظة الحسنة، بعيداً عن الصراخ والسب واللعن والاستهزاء والضرب، وإنّ صلاح القلوب، وتطييب النفوس لا يكون إلّا بالحسنى، والاحترام والتقدير بين طرفي العلاقة، والبعد عن الانفعالات النفسية والتخاطب العقلاني الذي يدرك مقاصد الزواج ومصالحه.
ومما يؤسف له أنّ ثقافة الحوار والتخاطب العقلاني في بيوتنا تسجل غياباً ملحوظاً، وإذا حضرت تكون خجولة جدّاً، وفي أحيان كثيرة يكون التخاطب بالصراخ والانفعالات المتشنجة بين الطرفين، وتبادل القذائف الكلامية التي تشعل العلاقة الزوجية ناراً وجحيماً.
ويخيِّم الصمت عادة في بيوتنا، وتختزن المشكلات داخل النفوس، ومن ثمّ يزداد الشحن المختزن يوماً بعد آخر حتى يتفجر الموقف بشكل عنيف، وتتطاير شظاياه في كلِّ ناحية.
وتلاحظ الدراسات المتخصصة أنّ الأزواج في الغالب هم المسؤولون عن الصمت وعدم الميل للتحاور والتشاور مع الزوجات، وربما يعود ذلك إلى الطبيعة السلوكية المتوارثة للرجل في مجتمعاتنا، في حين يلاحظ أنّ الزوجات أكثر ميلاً للتحاور، إلا أنهنّ يندفعن وراء انفعالاتهنّ النفسية فيفقدن لياقاتهنّ الأدبية، ويسلقن الأزواج بألسنة حداد، فيفقد الحوار مقاصده، وتعود المشكلة إلى نقطة الصفر!! ►
المصدر: كتاب رفقاً بالعيال
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق