• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العواقب الطبيعية.. معلم رائع لطفلك

عبد الله محمّد عبد المعطي/ خبير تربوي

العواقب الطبيعية.. معلم رائع لطفلك

◄في بعض المواقف يمكن للوالدين أن يدعا الطفل يقطف ثمار سلوكه السيئ ويتحمل نتائجه، والهدف من ذلك أن تكون هذه النتائج المؤلمة رادعة له فلا يعود إلى ذلك السلوك ثانية، ولنوضّح ما نهدف إليه من حديثنا سنطرح هذا المثال الذي قد يمرّ بأي والدين:

ليلى طفلة في الخامسة من العمر، كانت تستعد للذهاب إلى بيت صديقتها لتلعب معها في حديقة بيتها، وكان الطقس يميل إلى الدفء إلّا أنّها أصرت على أن ترتدي جاكيت صوف تحب ألوانه، وتصّر على ارتدائه دائماً في فصل الشتاء، قالت لها أُمّها وهي تحاول إقناعها لكي تبدل رأيها: ستشعرين بالحر إذا ارتديت هذا الجاكيت، ردت ليلى بعناد: لا، لن أشعر بالحر، أريد أن ألبس هذا الجاكيت، وبعد حوار طويل امتلأ بعناد البنت وشرح الأُم لحالة الجو؛ انتهى الموقف بمزيد من إصرار البنت على ارتداء جاكيت الصوف، وهنا قالت الأُم في نفسها: لماذا لا ادعها ترتدي ما تريد، فسوف تشعر بالحر، وعند ذلك ستدرك خطأ عنادها، ويكون درساً لها تتعلّم منه كيف تختار ملابس مناسبة لحرارة الجو... وارتدت ليلى ما أرادت من ملابس، لكنها سرعان ما شعرت بالحر عندما لعبت مع صديقتها في الحديقة، فذهبت إلى أُمّها تشكو قائلة: أمي أشعر بالحر ولا استطيع أن أواصل بهذه الملابس، أجابت الأُم: ألم أقل لك في البيت إنّ الجاكيت لا يناسب طقس اليوم، لكنك اخترته وعاندت في اختيارك، والآن احتملي حرارة الجو إلى أن نعود إلى البيت، أجابت ليلى بتأفف: لكني لا استطيع اللعب هكذا، أشعر بحرارة شديدة، ردت الأُم بحزم: وأنا لا استطيع أن أعود البيت الآن، انتظري إلى أن يحين وقت عودتنا، لقد كان هذا اختيارك وعليك تحمل نتائجه... وجلست الابنة جانباً تنتظر عودة أُمّها إلى المنزل، لأنّها لم تكن قادرة على مواصلة اللعب بسبب ما تشعر به من حرارة، لكنها تعلمت أن تستمع إلى نصيحة والدتها، وتختار الملابس المناسبة للطقس"...

إنّ خير علاج لعناد الأبناء هو أن ندعهم يتحملون نتيجة عنادهم، وعندها سيتعلمون عملياً ضرورة التفكير في نصائح الآباء والأُمّهات، ووضعها في موضع التنفيذ، والموقف التالي يزيد هذه المسألة وضوحاً، تقول إحدى الأُمّهات: "مرّ ابني بفترة كان يرفض فيها ارتداء ملابسه للذهاب إلى روضة الأطفال، كنت ألبسه ملابسه فيخلعها عنه، أكرر نفس المسألة ويكرر نفس رد الفعل... وهكذا، لم أكن أعرف من أين استقى هذا السلوك، لم يُجد معه أي شيء، كان يتحكم فيّ، ويفعل هذا دائماً عندما أكون في عجلة من أمري وأريد أن أصطحبه للروضة وأسرع لعملي، ثمّ اتضح لي شيء ما، وقلت لنفسي: حسناً، إذا لم يكن يريد أن يرتدي ملابسه، فلا تدخلي معه في معركة، خذيه للروضة عارياً، وهذا ما فعلته بالضبط، فعندما حاول ابني في المرة التالية أن يجرب حيلة الانهيار والبكاء، تفوقت عليه في هذا وببساطة أخذته من يده ومشيت به إلى السيارة، ومعي حقيبة ملابسه، وهو عارٍ تماماً، وركبنا السيارة واتجهنا نحو الروضة، وهناك قلت له: مع السلامة يا بني، أراك عندما أعود لأخذك للبيت، اخرج من السيارة الآن واستمتع بوقتك في الروضة، ولم ينبس ببنت شفة ولم يفعل أي شيء ولم يفتح باب السيارة، فقلت له: لابدّ أن أسرع إلى عملي، وأنت أيضاً يجب أن تذهب وإلّا تأخرت، فما رأيته إلّا وهو يغطس داخل حقيبة الملابس في المقعد الخلفي... وهكذا بأسلوب تربية وتأديب يُسمى النتائج المنطقية تم حل المشكلة، وتحقق النصر، ولم يعد هناك رحلات بالسيارة داخلها طفل عارٍ، وحققت الأم نصراً جديداً وهي تلقن ابنها درساً جديداً"...

وتحكي لنا أُم أخرى تجربتها فتقول: أصابني الملل من كثرة تكرار طلبي من ابنتي أن تظل بجواري ونحن بالمتجر، كانت في الثالثة من عمرها آنذاك، وكانت دائمة التمرد وغير مطيعة، لذلك قررت أخيراً أن أجرب شيئاً آخر وهو أن أتركها تفعل ما تريد بدلاً من أن أظل أردد: "ابقي هنا، ابقي بالقرب مني"، أعتقد أنّها الطريقة الوحيدة التي جعلتها تدرك لماذا أريدها دائماً بالقرب مني، كلّ ما فعلته هو أنّني تركتها تضل طريقها وتتوه عني، نعم فعلت ذلك، وإنّني أرشح هذه الطريقة لكلّ الآباء والأُمّهات لأنّها الطريقة الوحيدة التي تجدي في مثل هذا المواقف، فبعد أن أخبرتها للمرة الأخيرة أن تظل بالقرب مني، تركتها تتوه، لم تستغرق وقتاً طويلاً لتدرك أنّها قد تاهت، كنت أراها لكنّها لا تراني، فجأة شعرت أنّ ماما غير موجودة في أي مكان، ثمّ صراخ وعويل، ولكني لم أسرع إليها في الحال، تركتها تائهة وغارقة هكذا لعدة دقائق، ثمّ ذهبت إليها، ما كان عليّ إلّا أن أقول: "أرأيتِ؟!"...

علينا أن نترك أبناءنا يتحملون النتائج الطبيعية الناتجة عن مخالفتهم أحد قوانين الكون أو المجتمع أو المدرسة، والقصة التالية تظهر ذلك بوضوح: تلقى الأب للمرة الأولى مكالمة هاتفية من مدير مدرسة ابنه، والذي لم يكن قد ارتكب أي مخالفات في المدرسة من قبل، والتقى الأب بمدير المدرسة في حضور الابن، وبعد حوار طويل قال مدير المدرسة: "لو كان كلّ الآباء والأُمّهات بهذه الطريقة، كان عدد المشاكل التي أواجهها هنا قد انخفض كثيراً"، وهنا سأل الابن: ماذا تقصد؟ فأجابه المدير قائلاً: "لقد قال والدك إنّه يمكنني أن أتخذ الأسلوب الذي أجده مناسباً، وأن أفرض العقوبة التي أراها ضرورية، هذا هو طراز الآباء الذي أحبه، فكثير من الآباء يرفضون التسليم بأنّ أبناءهم قد فعلوا أي خطأ ويحاولون حمايتهم"، يقول الابن: وهنا ناولني المدير واحدة من العصي المعروفة باسم عصا فيكتور (كان اسم المدير فيكتور مانسيني)، وهذه العصا في نهايتها مسمار، ومن يمسكها يُعرف بأنّه ينفذ عقوبة، وأعطاني صندوقاً وجعلني أجمع الأوراق أثناء ساعة الغداء، وبالطبع جعلني أفعل هذا في منطقة مكشوفة حيث يجلس الجميع فيها لتناول الطعام، وفيها تشعر أنّك مجرم ينفذ عقوبة، وكلّ أصدقائك يرونك هكذا، والأسوأ أنّ المعلمين والمدربين يرونك في هذه الحالة، إنّه وضع محرج تماماً"...

أيها الوالد الكريم، أيتها الأُم الحنون؛ لا نستطيع ترك الأطفال يتحملون نتيجة أفعالهم في كلّ الأحيان، لأنّ هناك بعض الأنشطة التي قد تضرهم وتهدد حياتهم، وهناك بعض الأوقات لا يمكننا أن نسمح بحدوث عواقب طبيعية لأنّها ستكون قاسية بشكل يصعب تحمله، فلا يمكنك أن تترك طفلك لتصدمه سيارة لتعلمه العبور الآمن للطريق، ولا تريد أن تتم سرقة دراجة طفلك الجديدة ليتعلم تحمل المسؤولية، وهكذا نجد أنّ هناك أوقاتاً لا يمكننا أن نترك فيها العواقب الطبيعية تصيب أطفالنا، لذلك نمنعهم من فعل ما يؤذيهم ويهدد حياتهم وممتلكاتهم الثمينة، وفي الوقت نفسه هناك أنشطة أخرى – مقبولة – يمكننا أن نترك الأبناء يمارسونها إن أرادوا، بشرط أن نتركهم يتحملون نتيجة اختيارهم، وهذا في حد ذاته يعتبر عقاباً وتربية عملية لهم، ولكي تعم الفائدة"نذكر هنا أنواع النشاطات السلوكية المنافية غير المرغوبة التي يسمح للطفل بممارستها وبتحمل نتائجها السلبية الرادعة:

السلوك السيئ

النتائج الطبيعية

1- الإمساك بالقطة إمساكاً عنيفاً مؤذياً لها.

التعرض لخربشتها المؤلمة.

2- كسر اللعبة عن قصد وعمد.

عدم التعويض له بلعبة جديدة.

3- مكايدة أولاد الجيران.

حرمانه من صحبتهم واللعب معهم.

4- عدم إنجاز الواجبات المدرسية.

التعرض لعقوبة المعلم.

5- عدم ارتداء القفازات شتاءً.

التعرض للبرودة المؤلمة.

6- عدم تمشيط الشعر.

التعرض لاستهزاء الأصدقاء.

7- الكسل عند الاستيقاظ صباحاً، والبطء في الذهاب إلى المدرسة.

التأخر عن المدرسة، والتعرض إلى ضرورة تبرير هذا التأخير، وربما يعاقب على ذلك في المدرسة.

8- دفع ورفس رفاقه ومن هم في عمره.

التعرض للسلوك نفسه من قبل رفاقه.

9- يصب الماء الموجود في الكأس بسفاهة وبلا اكتراث.

لا يعطى بديله ولا يملأ كأسه.

10- يمسك بالكوب الساخن.

يتعرض للسع المؤلم.

 

بعد العواقب الطبيعية أحتاج منك يا أبي عواطف قوية:

بعد أن تدع العواقب الطبيعية علِّم طفلك، لا تلمه ولا توبخه قائلاً: ألم أقل لك؟ هذا لأنّك لم تسمع كلامي، أحسن لقد قلت لك... إنّك بهذه الطريقة تضيع فرصة الطفل في التعلم من خطئه، وتحوّل تركيزه نحو كلامك ليدافع عن نفسه ويقاوم ضغط عباراتك القاسية.

إنّ الطفل عندما تحدث له إحدى العواقب الطبيعية نتيجة لقرار اتخذه؛ فإنّه يستغرق تلقائياً في التفكير فيما حدث له، ولكن عندما يقوم الوالد بإصدار تعليمات مشحونة بالغضب بإلقاء المحاضرات والتلويح بالأيدي والكلمات القاسية، فإنّ الطفل ينسحب من عملية التعلم ويضطر للتعامل مع غضب الوالد...

لنلقِ نظرة على الموقف التالي حيث بدأ الوالد يتعامل مع ابنه بطريقة صحيحة، حيث تركه يخوض عملية التعلم وتركه يجرّب نتيجة سلوكه، ولكن بعد أن تحمّل الطفل عاقبة عمله الطبيعية؛ تدخّل الأب وعنّف طفله ليتسبب في تحوّل الطفل من تعلم الدرس إلى التفكير في مشاعر الأب الغاضبة...

خالد طفل في الثامنة من عمره، كثيراً ما نبّه عليه والده ألا يخلع حذاءه وهو يلعب الكرة مع الأولاد، ومع تكرار التنبيه تكرر الخطأ فقرر الوالد ترك طفله ليتعلم من نتيجة فعله (رغم اعتراض بعض أصدقائه على تلك الفكرة)، وذات يوم خلع خالد حذاءه واندمج في مباراة حامية مع أصدقائه، وأثناء المباراة دخل في قدمه مسمار، تطلب على الفور عودته باكياً إلى المنزل، وهناك أخذه والده إلى الطبيب الذي أعطاه "حقنة تيتانوس" حتى لا يتسمم الجرح، وعاد الجميع إلى البيت متعبين...

وبعد أن جلسوا جميعاً دار بينهم الحوار التالي:

الأب: إنّه لشيء مؤلم أن تأخذ تلك الحقنة، بينما كان يمكنك أن تتجنب هذا كلّه بارتدائك للحذاء، وإذا ظللت تلعب حافياً، قد تصاب مرة أخرى ولا نستطيع علاجك، فتخسر فرص اللعب مع أصدقائك.

خالد: ينظر في الأرض مفكراً فيما تعلمه من تلك التجربة...

إلى هنا أدى الأب عملاً رائعاً في ترك العواقب لتكون المعلم، ويمكنه التوقف الآن، ولكن انظر كيف تتسلل عاداته القديمة وتفسد تأثير الدرس على خالد، ولا يستطيع الأب كبح جماح غضبه فيصرخ قائلاً: "لأنّني اكتشفت أنّه يصعب عليك ارتداء الحذاء، فأنت محروم من اللعب مع أصدقائك"... فيتحول خجل "خالد" وانكساره فجأة إلى غضب، فيصرخ قائلاً: "هذا ليس عدلاً، فكلّ الأطفال يخلعون الأحذية، لقد حدث هذا رغماً عني، هذا ظلم"... فيصرخ الأب قائلاً: "بعد كلّ ما فعلت ترفع صوتك، هيا اذهب إلى غرفتك إنّك ولد غير مؤدب"... ويسرع خالد نحو غرفته وهو غاضب جدّاً لقد دخل غرفته هل ليفكر في الدرس الذي تعلّمه نتيجة سلوكه السيئ؟ أم ليفكر في أنّ والده قاسي القلب وكم هو ظالم... وكان على هذا الوالد الكريم أن يترك "خالد" ليتعلّم الدرس، ويعقد معه جلسة لحل المشكلة والاتفاق على شروط جديدة للعب...

أيها المربي الكريم، في مثل هذه المواقف على الآباء كظم غيظهم ليتركوا الأطفال يتعلمون الدرس نتيجة خطئهم بهدوء، وبدلاً من التبكيت يمكننا أن نرشد ونساعد ونوجّه، بالإضافة إلى التعاطف الشديد، فهو خير تكملة للعواقب الطبيعية، فكلمات مثل: أنا حزين من أجلك، لو كنت مكانك لكنت حزيناً، أنا متأكد من أنّ ما حدث يؤلمك ويحزنك... هو ما يحتاجه الطفل بعد تعرضه لعواقب طبيعية تؤلمه، إنّك عندما تستخدم العواقب الطبيعية مع طفلك تسمح له بتعلم دروس قيّمة، وهكذا تقترب خطوة نحو تحقيق هدفك الرئيسي كوالد أو والدة، فليس الهدف من تربيتك لطفلك هو أن تتحكم فيه وتجعله يحسن التصرف، ولكن الهدف الرئيسي هو أن تساعد أطفالك على النمو ليكونوا سعداء وآمنين ومتحملين لصعاب الحياة... ►

 

المصدر: كتاب أطفالنا كيف يسمعون كلامنا؟

ارسال التعليق

Top