• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تقنيات الحبّ الوهمي

عبد الكريم بيروتي

تقنيات الحبّ الوهمي

◄أسهمت التكنولوجيا في تسهيل حياة الإنسان وتحريره من جزء كبير من الأفكار والمعتقدات التي كانت تحول دون تحقيقه بعض رغباته، وشمل هذا التطوّر الحياة الاجتماعية والعاطفية متيحاً للناس عموماً، وللنساء خصوصاً، فرصة التعارف وبناء الصداقات بوسائل مبتكرة بعيداً عن القواعد المجتمعية السائدة.

وما بين مواقع التعارف وتطبيقات الدردشة والرسائل الفورية، تعدّدت وسائل التواصل، ووُضعت بمتناول الجميع، مسهّلة على المرأة فرصة لقاء "فارس الأحلام" ولو من خلف الشاشة الصغيرة. فهل يكون الحبّ الوهمي بديلاً عن الحبّ التقليدي؟

خلال السنوات الأخيرة، تراجعت وتيرة العلاقات الاجتماعية بشكل ملحوظ بسبب تسارع إيقاع الحياة، الذي فرض نفسه على الناس من خلال وضع حدّ لمساحات اللقاء المباشر بينهم وأوقات التسلية والترفيه. وفي الوقت نفسه أدّى تطوّر الوسائل التكنولوجية إلى تعديل طبيعة اللقاءات الإنسانية، ليلغي تقريباً مبدأ اللقاء المباشر، بعدما أصبح المرء على اتصال بأكثر من شخص، في أماكن مختلفة على خريطة العالم، وذلك بفضل الهواتف الذكية والإنترنت.

ولاحظ علماء النفس تغيّر العلاقات مع مفهوم الوقت، وسهولة إجراء محادثة ذات طابع عاطفي، موضحين أنّ هذا التطوّر الذي لحق بعالم العواطف، جاء ليضع حدّاً للعلاقات المباشرة، ويتيح فرصة التعارف "التدريجي" لاكتشاف الآخر.

ولفت العلماء إلى أنّ الإنسان يميل بطبيعته إلى "تعظيم" الآخر، عندما يتعلّق الأمر بالعلاقات العاطفية والنظر إليها على أنّها حالة مثالية، موضحين أنّ هذه المرحلة ضرورية في بداية الحبّ واللقاء الرومانسي، لكن استمرارها لمدة طويلة قد يكبح تطوّر العلاقة ويمنع استمرارها.

ففي بداية العلاقة، تكون مساحة العشاق غير حقيقية، لكنها غير وهمية تماماً، بل تأتي بين الحقيقة والخيال، وبين الأحلام والأوهام، مؤكّدين أنّ دخول العاشقين مرحلة الحقيقة والواقع يحرّرهما من "الذوبان" في بعضهما، فيكتشفان مصالحهما الشخصية، ويرضيان حاجاتهما الخاصة، في ظلّ علاقة قائمة على التفاهم والدعم و.. الحنان. وفي المقابل، فإنّ الحبّ الوهمي يعزّز طبيعة العلاقة الخيالية، فلا يتخطى الشريكان مرحلة التعظيم والمثالية، وهذا ما قد يستفيد منه أحدهما ليعدّل في صورته التي رسمها عن نفسه عبر حسابه الخاصّ على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقد أقرّ علماء النفس بأنّ الأزمات العاطفية والخلافات التي تقع أحياناً بين الحبيبين، قد تكون ضرورية لاستمرار العلاقة وتجدّدها وضمان ديمومتها، وتعكس أيضاً تطوّر العلاقة بين الحبيبين على الصعيدين الفردي والثنائي أيضاً. لكن المشكلة في الحبّ الوهمي أنّ هذا النوع من العلاقة يمنح الراحة التامة للعشاق، خصوصاً أنّهم يختارون الشريك وفق معايير محدّدة مسبقاً، ويتحكّمون في توقيت بدء العلاقة، مشيرين إلى أنّه ما إن يطفئ أحد الشريكين شاشة الكمبيوتر، حتى يعاود حياته الفردية بكلّ بساطة!

وفي هذه الحال، يصعب على مَن يعيش الحبّ الوهمي الدخول في مرحلة الأزمات والخلافات؛ إذ يسهل عليهما إيقاف المحادثة بدلاً من الاضطرار إلى تقديم بعض التنازلات، كما هو متعارف ومتّفق عليه في لغة الحبّ. فالعلاقة العاطفية هي التي توفّر الشعور بالأمان والتغلّب على الوحدة، وهي نقيض الخوف من مواجهة مشكلات الحياة منفردين، والحبّ الوهمي لا يلبّي هذه الحاجة الضرورية عند الإنسان، بل قد يعزّز الشعور بالخوف والضياع والفراغ، وهي من أهم المخاوف الإنسانية.

ولكن في المقابل ثمّة إيجابيات للحبّ الوهمي؛ فهو يُعتبر الضمانة الحقيقية لكلّ مَن يعتقد أنّ الحبّ يحدّ من مساحة الحرّية، ويشكل خطراً على الرفاهية. كما يمكن أن يكون الحبّ الوهمي هو الحلّ للذين يخشون أن يتأثروا بالحبيب، أو يخشون أن يتلاعب الحبيب بهم ويعرّضهم للأذى العاطفي والنفسي.►

ارسال التعليق

Top