مشكلة بسيطة.. لكنها قد تتفاقم
هل يبكي طفلك ويثور غضباً عند افتراقك عنه؟
هل يتمسك بك عند خروجك من المنزل؟
هل يبدو خجولاً؟
هل يتجنب العلاقات الاجتماعية؟
هل هو دائم الخوف؟هل يتجنب الذهاب إلى أماكن معينة، أو يتجنب حالات معينة خوفاً منها؟ هل يشكو دائماً من آلام في المعدة أو الرأس؟ هل يشعر بالفزع خوفاً من التعرض لهجوم عنيف؟
إذا كان طفلك يعاني أياً من هذه المظاهر فهذا يعني أنّه يعاني القلق.
معظم الأطفال يُظهرون بعض القلق في مرحلة من مراحل عمرهم. فالقلق هو أهم الأمراض العقلية شيوعاً بين الأطفال، صغاراً كانوا أم كباراً. ولأنّ الطفل القلق هادئ وخانع عادة، فغالباً ما يمضي يومه من دون أن تنتبه له الأُم. ونتيجة لذلك لا يلقى المساعدة التي يحتاج إليها بشدة. يمكن أن يقود القلق إلى مشاكل أخرى في ما بعد إذا لم تتم معالجته. من هذه المشاكل إصابة الطفل بالاكتئاب، وعدم القدرة على انتهاز الفرص مستقبلاً للحصول على عمل أو إقامة العلاقات، وإنفاق الكثير من المال والجهد من دون نتيجة، وتدني مستوى حياته بشكل عام.
في الإمكان التغلب على القلق بنجاح إذا لقي الطفل المساعدة اللازمة من الأهل. فعندما تكافئ الأُم طفلها على تصرفاته الجيدة، أو عند تحقيقه نجاحاً في عمل ما، أو عندما يُظهر تعاطفاً مع الآخرين، أو عند التزامه بالقوانين، يتعلم الطفل كيف يواجه مخاوفه ويتغلب عليها، وكيف يخاطر، وأكثر ما يتعلم كيف يثق بنفسه.
ليس خطراً.. ولكن:
من الطبيعي أن يشعر المرء بالقلق. فكل شخص يشعر بالقلق في مرحلة من مراحل حياته. مثلاً، من الطبيعي أن يخاف المرء أثناء وجوده في مكان عالٍ جدّاً مثل "الأفعوانية" في مدينة الملاهي، أو قبل دخوله قاعة الامتحان، أو عند تقدمه إلى طلب قبول للدراسة أو عمل ما.. إلخ. والقلق ليس بالأمر الخطر. إذ على الرغم من الشعور بعدم الراحة نتيجة القلق، إلا أنّه شعور مؤقت يزول تدريجياً مع الوقت.
يساعد القلق الطفل على الاستعداد للخطر الحقيقي، مثل توخي الحذر قبل قطع الشارع أو الاقتراب من حيوان شرس. كما يمكن أن يساعده على تحسين أدائه ويحفزه إلى الدراسة جيداً قبل الامتحان، أو الاستعداد جيداً قبل دخول أيّة مباراة. والقلق يحفز الجسم إلى أن يكون مستعداً. مثلاً، عندما تتسارع دقات القلب نتيجة الشعور بالقلق والخوف من شيء ما، يتدفق الدم بسرعة إلى العضلات، وهذا يمنح المرء الطاقة للاستعداد للهرب أو مواجهة الخطر. وعن غير ذلك قد يموت المرء. إذ من الممكن أن يصبح القلق مشكلة إذا لم يتفاعل الجسد مع الخطر الحقيقي.
يختبر الأطفال القلق بثلاث طرق هي: جسدية، أي الآلام أو الاضطرابات التي يشعر بها الطفل في جسده، وذهنية، أي الأفكار المزعجة التي تخطر على ذهن الطفلن وسلوكية، أي ما يقوم به الطفل من تصرف مثل النأي بالنفس أو محاولة تفادي أوضاع وأحداث معينة.
1- إحساس الطفل بالقلق جسدياً: عندما يشعر الطفل بالقلق، فإنّه لا يدرك في الغالب أنّه قِلق، أو قد لا يستطيع وصف قلقه أو خوفه، ولكن من الممكن أن يقول إنّه يحس بأنّه مريض، أو أنّه يشعر بألم في بطنه. قد يشكو الطفل البالغ من الصداع، أو من ألم في الصدر، أو من ألم في عضلات الكتفين.
ومن علامات القلق الجسدي: التسارع في دقات القلب، والشعور بانقطاع النفس، وألم في المعدة، والشعور بالغثيان، والشعور بالبرد الشديد أو بالتعرق نتيجة ارتفاع حرارة لجسم، والشعور بالاختناق.. إلخ.
2- إحساس الطفل بالقلق ذهنياً: أي الشعور بالاضطراب. يمكن أن يكون سبب هذا الإحساس حالة يمر بها الطفل، أو الخوف من المستقبل. ولا يستطيع الطفل الصغير التعبير عن قلقه حتى عندما يكون قلقاً جدّاً. وقد يحدث هذا الأمر، أحياناً، مع أطفال أكبر سناً ومع البالغين أيضاً. من بين المخاوف التي تثير قلق الطفل الخوف من أن يعضه كلب، والخوف من الوقوع من دراجته فيضحك منه الجميع، والخوف من ألا تأتي أُمّه لاصطحابه من المدرسة، والخوف من ألا يحبه أنداده، والخوف من أن يموت أحد الوالدين.. إلخ.
3- النأي بالنفس بسبب القلق: من أكثر السلوكيات الشائعة بين الأطفال والناتجة عن شعورهم بالقلق النأي بالنفس، أي محاولة تفادي أو تجنب مواقف معينة. يفيد هذا السلوك الطفل في حالة التعرض لتهديد حقيقي (مثل مواجهة كلب شرس، أو طفل عنيف) لأنّه يساعد الطفل على تجنب الخطر. أما في حالة عدم وجود خطر حقيقي فإنّ النأي بالنفس يمنع الأطفال الكبار والصغار من تعلم التعامل مع الحالات التي تشكل تحدياً لهم.
من علامات النأي بالنفس، عدم رغبة الطفل في الذهاب إلى الروضة أو المدرسة بسبب عدم وجود الأُمّ في أيٍّ من هذين المكانين، وعدم الرغبة في رفع اليد في الصف للإجابة عن السؤال أو للقراءة بصوت عالٍ، وعدم الرغبة في النوم في سرير الأُم.
متى يصبح القلق مشكلة؟
إنّ القلق شعور طبيعي، وهو من ضروريات الحياة. وقد لاحظ المتخصصون في نمو وتطور الطفل أنّ الخوف شائع أكثر من القلق بين أطفال في عمر معيّن. فقد لاحظوا مثلاً أنّ الأطفال البالغين يخافون من أدائهم أمام أندادهم، وهذا أمر طبيعي، تماماً كما هو من الطبيعي أن يختبر الطفل الصغير تجربة الخوف من الغرباء. لكن القلق يصبح مشكلة عندما يكون من الصعب التعامل معه، أو عندما يصبح جزءاً من حياة الطفل. من علامات القلق الشائعة بين الأطفال الصغار: البكاء يومياً قبل الذهاب إلى المدرسة، والشكوى من ألم في الرأس أو المعدة عندما يحين وقت الدرس، والخوف من الذهاب إلى السرير وحيداً، والشعور بخوف قاتل من العتمة.. إلخ.
قد يؤثر القلق في الأنشطة الطبيعية وفي استمتاع الطفل في الحياة. ومن هذه الآثار: رفض الطفل الانضمام إلى الفرق الرياضية بسبب قلقه وخوفه من أن يكون بطيئاً في اللعب، أو من أن يفشل في تحقيق النتيجة المرجوة، والرغبة في البقاء في المنزل بحجة المرض خوفاً من المشاركة في أنشطة غير مألوفة.
أحياناً، يمكن أن تبدو تصرفات الطفل القلق غير منطقية للآخرين. لذا قد يصفه البعض بأنّه "صعب" أو "عنيد" أو "حساس جدّاً". والطفل القلق يسبب الإحباط لأسرته بكاملها. ويجب ألا يغيب من ذهن الجميع أنّ الطفل القلق يسبب الإحباط لأسرته بكاملها. ويجب ألا يغيب عن ذهن الجميع أنّ الطفل الذي يندفع بسرعة ويغضب، والذي يبكي كثيراً، والذي يحاول تفادي أوضاع معينة، تدفعه غريزته إلى القيام بمثل بهذه التصرفات، لإدراكه أن هناك خطراً يتهدده. ففي العادة، تكون ردة فعل الطفل نحو الخطر، إما محاربته بالبكاء والصراخ، أو بالتجمد خوفاً.
ويُعرّف القلق بأنّه "إدراك ما هو غير ملموس أو محسوس". وقد يكون من المفيد أن يشعر الطفل بالقلق والخوف من أشياء معينة، لأنّ هذا الشعور يجعل الطفل يتصرف بطريقة سلمية. مثلاً، إنّ الطفل الذي يخاف من النار، يتجنب اللعب بالكبريت. وتتغير طبيعية مشاعر القلق والخوف مع نمو الطفل. فالطفل الصغير يخاف من الغرباء، لذا يتمسك بأُمّه عندما يقابل شخصاً غريباً، أما الطفل في عمر 10-18 شهراً، فهو يخاف من فراق أُمّه وابتعادها عنه، لذا يشعر بالقلق عند مغادرتها المنزل. أما الطفل في عمر أربع سنوات فهو يشعر بالقلق من أشياء غير حقيقية مثل خوفه من الغول والأشباح. والأطفال في عمر 7-12 سنة مخاوفهم تعكس الظروف الواقعية التي يعيشونها، مثل الخوف من الإصابة بجروح أو التعرض لمصيبة طبيعية.
في كل مرحلة من هذه المراحل المتنوعة، يجب أن يتعلم الطفل كيف يتعامل مع مشاعر القلق. ففي حال استطاع الطفل السيطرة على قلقه ومخاوفه بنجاح، فإنّه يتمكن من تعزيز ثقته بنفسه واستقلاله.
أفكار لتهدئة قلق الطفل:
إليك بعض الأفكار المفيدة لمساعدة طفلك القلق:
· توفير بيئة آمنة للطفل، واعتماد روتين محدد، لأنّ الروتين يمكّن الطفل من التنبؤ بما يمكن أن يحصل خلال النهار، وهذا يوفر له الراحة التي هو في حاجة ماسة إليها. وعلى الأُم أن تكون مثابرة وإيجابية وصبورة في تربية طفلها.
· على الأُم أن تأخذ قلق طفلها على محمل الجد، لا أن تستهزئ منه وتضحك عليه. وأن تحافظ على هدوئها عند بكاء طفلها لا أن تثور في وجهه، لأنّ الصراخ على الطفل يزيد من قلقه لأنّه يجعله يعتقد أن أُمّه لا تحبه.
· على الأُم أن تولي طفلها الكثير من الاهتمام والحب أثناء وجودهما معاً، لأنها بذلك تعزز من ثقة طفلها بنفسه، الأمر الذي يساعده على التخلص من قلقه بسهولة وبسرعة أكثر.
· على الأُم أن تنتبه لقلقها هي، لأنّ الطفل الصغير يلتقط قلق أُمّه كالرادار. لذا يجب أن تحرص على ألا يظهر قلقها على وجهها، أو لغة جسدها أو نغمة صوتها. إذا شعر الطفل بأن أُمّه قلقه يشعر بالخوف، وهذا الشعور يزيد من قلقه.
· على الأُم تنبيه المربين أو المربيات في الروضة أو المدرسة بشأن قلق طفلها. وعليها التعاون معهم في اتباع الأساليب المناسبة لاكتشاف الأسباب التي تثير قلق الطفل ومحاولة التغلب عليها.
· على الأُم أن تفسح في المجال أمام طفلها ليعبّر عن مشاعره. فالطفل الصغير يجد صعوبة في فهم مشاعره وفي تحديدها والتعامل معها. تستطيع الأُم مساعدة طفلها في هذا المجال، من خلال الاهتمام بمشاعره والبناء عليها. وعندما يتحدث الطفل عن مشاعره للأُم، عليها الإصغاء إليه باهتمام وجعله يدرك أنها تتفهم مشاعره وتتعاطف معه.
· على الأُم أن تساعد طفلها على تطوير أساليب تساعده على التعامل مع مشاعر القلق عند حصولها، مثل تعليمه وتدريبه على أخذ نفس عميق، وعلى مساعدة نفسه للتوصل إلى الشعور بالراحة، وذلك عن طريق التحدث عن مشاعره. على الأُم أن تلحّ على تعليم طفلها أنشطة جديدة، ,ان تكرر تدريبه عليها إلى أن يتمكن من إتقانها، لأنّ الطفل ينسى شعوره بالقلق حتى لو لفترة قصيرة، عندما يكون منغمساً في نشاط ما.
· عندما يكون الطفل قلقاً، على الأُم أن تكون هادئة ومسيطرة على أعصابها، وعليها أن تتحدث إلى طفلها بصوت هادئ، لأنّ الطفل يستمد قوته من أُمّه.
· على الأُم ألا تعاقب طفلها على مشاعره أو أن تقلل من قيمتها. وعندما يغرق الطفل في قلقه، على الأم أن تضبط أعصابها حتى لا تزيد من شعوره بالقلق.
· من المفيد والمهم جدّاً أن يكون في مقدور الطفل القلق اتخاذ القرارات، والسيطرة على الأوضاع. لذا، على الأُم أن تساعد طفلها على بناء الثقة بالنفس وامتلاك القوة الذاتية، وذلك عن طريق فسح المجالات أمامه لاتخاذ القرارات.
· على الأُم أن تتنبه إلى أنّ التعب، وقلة النوم، والمرض، وضغط العائلة، والتغيير في الروتين، التي يمكن أن تفاقم من قلق الطفل.
· على الأُم أن تحرص على أن ينال طفلها قسطاً وافراً من الأنشطة البدنية والتدريبات الرياضية، حيث تعمل على التقليل من مستوى القلق.
· على الأُم أن تحد من مشاهدة طفلها صور العنف على شاشة التلفزيون، ونشرات الأخبار بشكل خاص. في الغالب، يحذّر التربويون من مشاهدة الطفل أفلام العنف، لكن نشرات الأخبار لا تقل رعباً وإثارة للقلق عن أفلام العنف. لذا يجب أن تحرص الأُم على مشاهدة برامج الكبار بعد ذهاب طفلها للنوم.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق