تسحق دورة الحياة الحديثة كثيراً من الرجال تحت وطأتها فتستنزف وقتهم لدى إلحاح متطلباتها واضطرارهم للإنشغال عن زوجاتهم وأبنائهم آناء النهار وطرفاً من الليل لأداء المهام الملحة المطلوبة منهم، يتساوى في ذلك بعض الموظفين والإداريين ومعظم الأطباء ورجال الفكر وذوي الدخل المحدود الذين يتخذون أكثر من حرفة لتلافي النقص العارض على دخلهم، فتتميز حياة أمثال هؤلاء بالعزلة والعجز عن مواكبة اللياقات الاجتماعية والأسرية التي لابدّ منها لإنسان يعيش في مجتمع يلزم أفراده بأداء عدد من الواجبات وفي شتى المناسبات، ولو أمكن غض النظر عن التقاليد فإنّه لا يمكن غض النظر عن سلسلة الآداب والواجبات الإسلامية التي تنظم علاقة الفرد بالمجتمع وبالأخص بالأسرة.
أمام ذلك فإنّ الواحد منا – سيما المؤمن – سوف يعيش في حالة من الإرباك ناتجة عن تقواه ورغبته بأن يؤدي ما عليه من تبعات تجاه الآخرين وخوفه من التقصير في هذا المجال الحيوي... بل والعقاب من الله تعالى لدى تركه أموراً... مثل بر الوالدين وصلة الأرحام وتربية أولاده ونحو ذلك، ومن جهة أخرى تراه يطارد الوقت ويعزف عن الراحة من أجل تحصيل لقمة العيش، وربما يخف هذا الإرباك عندما يجد لنفسه الأعذار عن تقصيره في حقوق الآخرين، وذلك على أساس أنّ الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وعلى قاعدة: (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج/ 78)، فيعتذر لأهله ولإخوانه فيقبلون عذره ولو على مضض.
لكن الزوجة هل تقبل عذر الزوج عندما ينشغل زوجها عنها...؟!
وهذا السؤال المتعجب منه في محله لأنّ الزوجة شديدة القرب من الرجل وعلى تماسك دائم معه، فيظهر عليها الإنزعاج حتى عند قبولها لعذر الزوج على مضض، ويحسب الرجل لهذا الإنزعاج الصارخ أو الهادئ حساباً مهماً، عندما يراها مقبلة أو مدبرة.. جالسة أو نائمة، وكيف لا يحسب له حساباً ووجهها المتألم في وجهه أن اتجهت.
ولأنّ الزوجة همها في الرجل، تفكر فيه غائباً، وتريده كله لنفسها حاضراً، بل إنها إنما ترتب البيت وتهيء الطعام وتعتني بهندامها وتتزين من أجله هو وحده... ولكي تنال حظوة عنده، لا سيما المرأة المؤمنة فإن زوجها هو محور حياتها وأساسها عندما يحتم عليها وضعها أن تلزم جانب الحياء والحشمة والإحتجاب، فمن الطبيعي أن يجر عليها انشغال زوجها عنها ألواناً من المعاناة يصعب السيطرة عليها أو إخفاؤها.
ولأن طبيعة الحياة الزوجية تستوجب حضور الرجل في منزله ولدى زوجته، وليست هذه الحياة إلا شركة لابدّ أن يحضر كل شريك في موقعه، فإذا عزف الواحد عن الآخر فقد انهارت هذه الشركة وصعب على الآخر أن يقبل بانفراده سهو وانصراف شريكه عنه.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق