ومع كون الاختلاف جيداً، إلا أنّ استمراره يخلق أزمة ويبني في القلب تراكماً غير صحي. ولذا يجب ألا تطول مدة الاختلاف، لأنّ نفس ومخ الإنسان لا يحتملان الضغط السلبي لفترة طويلة.
وحين يكون هناك اختلاف في بداية الزواج، أو حتى بعد حين من الزواج، فإنّ أوّل طريقة لخلق الهدوء هي فهم وجهة نظر الآخر.
كان لي زميل في العمل مسؤول عن جزئية مهمة في الشغل. وكان نوع عمله يتطلب تركيزاً شديداً. ولكنه متزوج من ربة بيت تصارع الحياة مع ثلاثة مراهقين، وكانت هي الأخرى متعبة من مسؤولية مضنية. لكنه طور سلوكاً ما، أو روتيناً في حياته، يجعله متوازناً أكثر، وأكثر قدرة على احتمال الضغوط في حياته المهنية والأسرية. والطريقة التي طورها هي تمضية مدة نصف ساعة بعد العمل وحده، قبل الذهاب إلى المنزل. فكلّ يوم، حين يخرج من العمل، كان لا يذهب مباشرة إلى البيت، بل يذهب إلى محل لتدخين الشيشة لمدة نصف ساعة وحده، ثمّ يذهب إلى البيت. زوجته وجدت بعد فترة أنّه يخبئ عنها نصف الساعة هذه، وأنّه وعلى حد تعبيرها "يضيع وقتاً بعيداً عنا، ويتركني في معركتي"، الأمر الذي خلق أزمة. وكان أمراً مضحكاً أنّها قالت لي: "هو مثل رجل عنده عشيقة، يسرق من وقت أسرته لها". وحين أخبرها أنّه يحتاج إلى ذلك، كانت وجهة نظرها: "ولماذا ترتاح في الخارج؟ لماذا لا ترتاح في بيتي؟". وكانت النتيجة صرخة خلقت أزمة: "لأنّ البيت مثل العمل، كلاهما فيه جهد وضغط عليّ".
إنّ وجود إزعاج أو ارتباك في العلاقة الزوجية ليس أمراً كارثياً، شرط ألا يكون هذا الأمر هو الحالة السائدة في هذه العلاقة لوقت طويل. فالوضع الطبيعي هو أن تكون هناك علاقة فيها سلام، يتخللها بعض الإزعاج، وليس العكس.
والطريف في المقابل تجد علاقات زوجية كثيرة وضعها معاكس. فهناك حالة سلام شديدة، حتى إنّ البعض يتمنى بعض الأزمات ليرتاح. بالطبع، الحركة والحيوية شيء جيد، حتى لو اصطنع المحبون "الأكشن" في الزواج، فإنّ هذا الأمر يجب ألا يدمر علاقتهم.
والحقيقة أنّ الهدوء هو الأصح وهو الأفضل، خصوصاً في الحوار. فأي علاقة بين اثنين، إذا كان بها شجار وصراخ، لن يحصل بينهما تفاهم. والعلاقة التي فيها حوار هادئ، يكون مجال فهم وجهة نظر الآخر أفضل بكثير. إنّ المرأة أو الرجل، أو حتى الموظف والصديق، حين يتلقى كلاماً بطريقة حادة، فإنّ المخ لديه يكون مشغولاً بنقطة واحدة وهي "كيف أدافع بقوة عن نفسي"، بغض النظر عن نوع المشكلة، لأنّ المخ يعمل على نظام الدفاع مقابل الهجوم. كذلك، هناك نقطة مهمة وهي أنّ الغضب ينتقل بالعدوى أكثر من الهدوء، بمعنى أنّه لو كان هناك أي حوار فيه اثنان، واحد هادئ والثاني غاضب، فالغاضب يؤثر في الهادئ أكثر. فتخيل حواراً فيه اثنان غاضبان.
إنّ مشكلة الطرف، أو حتى الطرفين الغاضبين في العلاقة، مشكلة كبيرة، وكمتخصصة، أجد أنّ الغضب أو الحوار الصراخي مشكلة نفسية، وربما بدنية، تحتاج إلى علاج. لذلك، أسعى كثيراً إلى تقليل المشكلة بإعطاء تمارين تنفس، وأدعو إلى ممارسة الرياضة. ولا تستغربوا أني أجد أنّه في حالات معينة يجب تغيير الحمية الغذائية، لأنّ هناك أغذية معينة تساعد على التهييج، ومنها المشروبات الغازية والبهارات. وقد يبدو الأمر للبعض مضحكاً، ولكنها الحقيقة. والأمر يستحق علاجاً، لأنّ انعدام الهدوء في أي علاقة بين اثنين يدمر العلاقة.
واحد من أضرار انعدام الهدوء والغضب أنّه في ثانية، أثناء الشجار، تخرج كلمة.. كلمة واحدة، هي وليدة الغضب، وتدمر العلاقة نهائياً. ساعتها، قد يحتاج الطرفان إلى جهد سنين لإصلاح الأضرار، لأنّ الكلمة التي خرجت من غضب، أحدثت جرحاً في قلب الثاني، ولا مجال لمحوها.
والدراسات كلها تؤكد أنّ العلاقة بين أي اثنين، وبالذات بين الزوجين، والتي فيها صراخ وانعدام هدوء، غالباً تسبب المرض للطرفين وتكون هذه العلاقة أكثر قابلية لأن تنتهي.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق