• ٢١ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

هكذا تتبخر أموال النساء

هكذا تتبخر أموال النساء

الإنفاق على الجمال والتجميل، نسبة قد تتراوح بين 10 و85 في المئة من دخلهنّ

      مامِن امرأة إلا ويَعني لها جَمالها الكثير. ولكن، في زمن أصبحت فيه كلفة الجمال والتجميل عالية، كيف تتعامل المرأة مع ميزانية جمالها؟

وما الأولوية التي تمنحها تلك الميزانية على حساب بنود أخرى؟

بين ترشيد وتبذير، درجت الفتيات والنساء على استقطاع مبالغ مُعينّة من مصروفهنّ ورواتبهنّ، لشراء مستحضرات التجميل ولوازن العناية بالجمال. في هذا التحقيق نتناول ميزانية الجمال عند النساء، حيث نسأل باقة ممّن التقيناهنّ عمّا يخصصنه لها، وعن نسبتها مقارنةً بإجمالي ما ينفقن؟ وإلى أي حد هنّ مقتنعات بتلك النسبة؟

 

الزمن تغيّر:

"أنا أعترف بأنني مُبالغة، أنفق معظم مصروفي أو ما يُوازي 85% منه على مستحضرات التجميل". بهذه الكلمات، تستهل فاطمة أحمد (طالبة)، كلامها عن المبالغ التي تنفقها على ميزانية الجمال والتجميل. تقول: "أعتقد أنّه من الضروري استخدام منتجات التجميل والعناية بالبشرة، سواء أكان في المنزل أم في مراكز التجميل. وذلك، بهدف الحفاظ على صحة بشرتي وإعطائها مَزيداً من النّضَارة والجمال". تضيف: "ربما يعود ذلك إلى أنني لا أستخدم سوى المنتجات الطبية عالية الجودة، وهذه أسعارها مرتفعة نسبياً، مُقارَنةً بغيرها من المستحضرات". إلا أنّ هذا المعدُل من الإنفاق، لا يُرضي والدة فاطمة، التي تَعتبره "لوناً من التبذير"، بحسب ما تقول الابنة، التي بَرّرت تصرفها قائلة: "لقد تَبدّل الزمن، بحيث بات زمننا يختلف عن زمن أمهاتنا. ففي الماضي، لم تَعْتَد النساء على استخدام مستحضرات التجميل بهذه الكميات، علماً بأنّ هذه المستحضرات لم تكن بهذه الأسعار، مُقارَنةً بوقتنا الحالي، الذي بلغت فيه تكلفة الجمال والتجميل أسعاراً خياليّة".

ويبدو، أنّ وجهة نظر فاطمة لا تعفيها من الإحساس بشيء من تأنيب الضمير، خصوصاً عندما تكتشف أنّ محفظة نقودها خالية، بعد أن تكون قد أنفقت آخر درهم من مصروفها الشهري، لشراء المزيد من مستحضرات التجميل. تقول: "لا شكّ في أنّه موقف مُحرج للغاية، خصوصاً أنني لا أجرؤ حينها على أن أمدّ يدي إلى والدتي، أطلب معونة مادية عاجلة، بعد أن أكون قد صرفت كلّ ما لديّ، لشراء المزيد والمزيد من منتجات التجميل والعناية بالبشرة".

 

زوجي ينتقدني:

بدورها، تعترف منال جابر (ربة منزل)، بأنّ الأغلبية العظمَى من الخلافات التي تقع بينها وبين زوجها، تعود إلى وَلَها الشديد بشراء مستحضرات العناية بالبشرة والشعر، تقول: "لديّ ضَعف خاص أمام مستحضرات العناية بالبشرة والشعر، إلى درجة أنني على استعداد لإنفاق آخر درهم لديّ لشرائها". تضيف: "ليْتَ الأمر يقتصر على ذلك، فأنا لا أتردّد في الاقتطاع من مصروف البيت الذي يعطيني إيّاهُ زوجي لشراء تلك المستحضرات، وهو الأمر الذي يجعل زوجي يتهمني دائماً بالتبذير وعدم تحمّل المسؤولية، غير أنّه لا يلبث أن يشتري لي ما أريد، وإن كان يفعل ذلك على مَضَض". "مَن شَبّ على شيء شاب عليه"، هذا هو العذر الذي تلتمسه منال لنفسها، الذي تُبرّر به مُبالغتها في الإنفاق على الجمال، مُوضحة، أنّها قبل زواجها كانت دائمة التردّد على مراكز التجميل، وكانت والدتها تحثها على شراء منتجات التجميل العالمية، وهو الأمر الذي تحول لديها إلى عادة يصعب عليها التخلص منها، حتى بعد أن تزوجت وأصبحت مسؤولة عن إدارة ميزانية أسرة.

 

لأنّها تستحق:

من جهتها تقول شيرين سيف الدين (موظفة): "ثمّة نساءً كثيرات لا يمكنهنّ الاستغناء عن مستحضرات ومنتجات التجميل والعناية بالبشرة". تضيف: "أنا واحدة من هؤلاء، فقد اعتدت على الإهتمام بجمالي وبشرتي، وأصبح الأمر رُوتيناً يومياً بالنسبة إليّ". تُشير شيرين إلى أنّ "نسبة إقبال النساء على شراء منتجات التجميل والعناية بالجمال، تتفاوت بحسب ميزانية المرأة ومدى اعتمادها عليها". تعترف، بأنها تُنفق نحو 70% من مصروفها الشهري على تلك المنتجات، مؤكدةً "أنّ هذه النسبة معقولة وملائمة، لأنّ مستحضرات ومنتجات التجميل تستحق الإنفاق عليها، مادامت تُظهر جمال المرأة وتعتني به". تبرير آخر تسوقه شيرين، لتبرير ما تقوم به، بقولها: "لقد اعتدت على استخدام منتجات تحمل أسماء شركات عالمية، صحيح أنّ أسعارها مرتفعة إلا أنّها ذات جودة عالية، وعندما يتعلق الأمر بجمالي وصحة بشرتي، فأنا لا أهتم كثيراً بالسعر بقدر اهتمامي بالجودة. خصوصاً، أنّ ميزانيتي تسمح لي، وأهلي يتفهّمون ذلك أيضاً".

 

محظوظة:

إلى ذلك، تشير المعطيات، إلى أنّ بعض النساء محظوظات أكثر من سواهنّ، في ما يتعلق بقدرتهن على تخصيص ميزانية كبيرة لجمالهنّ ولمستحضرات التجميل. ويبدو أنّ مايا عفو الصادق (موظفة)، من بين هؤلاء، ذلك أنّ زوجها يعمل خبيراً في مجال تصفيف الشعر. وتعليقاً على ذلك تقول مايا: "قبل زواجي كنت أنفق مبالغ كبيرة على تصفيف شعري والعناية به. ولكن، بعد زواجي بات في إمكاني توفير تلك المبالغ، بالاعتماد على زوجي في كلِّ ما يتعلق بشعري". تضيف: "للعلم إنّ نساء كثيرات يحسدنني على هذه الميزة، وأنا ألتمس لهنّ العُذر في ذلك".

وتتساءل مايا: "مَن منّا لا تحب أن تكون جميلة؟ فجميع السيدات يحاولن أن يظهرن في أجمل إطلالة ممكنة، وأن يَكنّ جذّابات بقدر المستطاع، وأنا إحدى اللواتي يُقبلن على الإهتمام بجمالهنّ ولكن بالقدر المعقول، حيث إنني أعتمد غالباً على المنتجات الطبيعية للعناية بالبشرة، فأنا أجدها مفيدة وآمنة، عَدَا عن أنّ تكلفتها معقولة. ولكن هذا لا يمنع من أنني أستخدم مستحضرات التجميل ومنتجات العناية بالبشرة، كما أنني أتردد من حين إلى آخر على مراكز التجميل". تُوضح مايا، أنها لا تُنفق الكثير من الأموال لشراء تلك المنتجات التجميلية، معترفة بأنّ النسبة المئوية لميزانية الجمال لديها، تُقدّر بنحو 20% من إجمالي مصروفها الشهري، وهي ترى "أنّها نسبة معقولة، لأنّ الجمال ليس بالماكياج فقط". تختم بالإشارة، إلى أنّ "الجمال أمرٌ مهم بالنسبة إلى المرأة، لكنه ليس الأهم، فهناك أولويات في الحياة لابدّ أن يتم وضعها في الحسْبَان".

 

طبيعة العمل:

وعلى الرغم من أنّ نادية أحمد (موظفة)، لا تميل إلى استخدام مستحضرات التجميل، إلا أنّ طبيعة عملها تفرض عليها مَظْهَراً رسمياً يتطلّب منها وضع الماكياج باستمرار، بحسب ما تقول. توضح نادية وجهة نظرها قائلة: "أعتقد أنّه من الأفضل أن تعتمد المرأة على جمالها الطبيعي، وأن تُقلل من الاعتماد على مستحضرات التجميل، إلا في المناسبات أو الحفلات". تضيف: "على الرغم من ذلك، فأنا أضطر إلى شراء مستحضرات التجميل بسبب طبيعة عملي". تُتابع: "لا أنكر أنني أشعر بالندم عندما أنفق نحو 10% من دَخْلي الشهري، لشراء منتجات ومستحضرات التجميل، على الرغم من أنها نسبة بسيطة، مُقارَنةً بما تُنفقه غيري من النساء". وفي سياق الحديث عن أسعار مستحضرات التجميل وأنواعها، تقول نادية: "لا أعتقد أنّ الجودة ترتبط دائماً بالسعر المرتفع، عندما يتعلق الأمر بمنتجات التجميل، وكثير من النساء يعرفن أنّ الماركات العالمية ذات الأسعار المرتفعة، تُعطي نتائج مقاربة لكثير من الماركات العادية. لذا، يجب على النساء التدقيق في نوعية المستحضَر، وليس سعره أو ماركته".

 

العلامة التجارية:

من ناحيتها، وإذ تعترف بصعوبة تحديد ميزانية مُعيّنة للتجميل والجمال، تشير نادين البابا (موظفة)، إلى أنّ متوسط إنفاقها على لوازم التجميل، يُقَدّر بنحو 40% من راتبها. تبدو نادين مقتنعة بهذا الأمر وتلتمس لنفسها العذر، إذ تقول: "لا توجد امرأة لا ترغب في أن تبدو جميلة". تضيف: "مع التقدم الهائل الذي طرأ على صناعة التجميل وعلى لوازم المرأة عموماً، أصبح من المقبول أن تخصص المرأة جانباً كبيراً من ميزانيتها للجمال، حيث أصبحت الشركات العالمية تتنافس في توفير مستحضرات ومنتجات لاحصر لها، تُعْنَى بجمال المرأة". "أميل إلى الإهتمام بجمالي والعناية ببشرتي، من دون أن أدقق كثيراً في تكلفة ذلك". هذا ما توضحه نادين وتضيف: "أهتم بجودة المنتج واسم العلامة التجارية التي يحملها. وفي حين ترى كثيرات، أنّ أسعار المستحضرات العالمية تتسم بنوع من المبالغة، لكني لا أنظر إلى الأسعار وحدها، إنما أنظر أيضاً إلى النتيجة التي أحصل عليها".

 

ميزانية مفتوحة:

أما بالنسبة إلى حلا بركات (موظفة)، التي تؤكد أنّ مستحضرات التجميل، هي بمثابة "شيء مهم" بالنسبة إليها، فإنّها تكشف أنها تجد سعادة كبيرة في التردد على المحلات التجارية، الخاصة بمنتجات التجميل والعناية بالبشرة، والتعرف إلى أحدث ما يتم طرحه في الأسواق. ولكن، هل يقتصر الأمر بالنسبة إلى حلا على مُجرّد المشاهدة والتعرف؟ تجيب: "لا.. فميزانية الجمال بالنسبة إليَّ هي ميزانية مفتوحة، وأنا أعترف بأنّ الفضل في ذلك يعود إلى والدتي، فهي لا تكتفي بتشجيعي على شراء مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة، واستخدام الأنواع الجيدة منها، بل تقوم بتغطية تكاليف ذلك متى اقتضى الأمر".

 

ندم:

وفي سياق الحديث عن تكلفة جمال المرأة، تقول سوزان (موظفة): "أنا لا أهتم بالقيمة المادية التي أشتري بها مستحضرات التجميل، والعناية بالبشرة، على الرغم من أنّ أسعارها تكون مرتفعة ومبالغاً فيها في بعض الأحيان". إلا أنّ هذا الأسلوب في الإنفاق لا يُرضي أسرة سوزان، بحسب تأكيدها، عَدَا عن أنّه يجعلها تشعر أحياناً بالندم، توضح: "الشعور بالندم لا يأتي إلا بعد أن أكتشف أنني اندفعت وراء رغبتي في الشراء، إلى درجة أنني اشتريت أشياء لا أحتاج إليها".

 

الجَمَال ثروة:

في سياق تعليقه على الموضوع، يوضح المتخصص في علم الاجتماع في "جامعة الشارقة"، الدكتور حسين العثمان: "أنّ كلّ المجتمعات لديها أسس ومعايير لتقييم المرأة، ويُعتبر الجمال ضمن تلك الأسس". يضيف: "مِنْ هنا، يزداد اهتمام النساء.. آنسات ومتزوجات.. بأنفسهنّ ومظهرهنّ، إلى درجة تصل أحياناً حَدّ المبالغة. ولكن عموماً، يبقى إهتمام المرأة بجمالها وما يترتب على ذلك من تكلفة، يبقَى أمراً مقبولاً وغير منتقد من وجهة نظر كثير من الناس". يتابع د. حسين العثمان، موضحاً: "إنّ حجم الإنفاق على الجمال يبقى محكوماً بعدد من العوامل منها: المستوى المعيشي، وأنماط السلوك داخل الأسرة والمجتمع، إلى جانب القناعات والرؤى الشخصية الخاصة بالمرأة. ولكن يلزم هنا، التذكير بمقولة إنّ الشيء إذا زاد على حَدّه انقلب إلى ضده، فالإنفاق على الجمال إذا وصل حَدّ المبالغة، فإنّه يمثل إهداراً لموارد الأسرة، كما أنّ هناك مخاوف من انتشار هذا السلوك بين الس، أن يُصبح سِمَة عامّة وعادة يَصعُب التخلّص منهما".

 

أخطاء:

بناءً على ما تَقدّم، إلى أي مدى تتفق آراء خبراء التجميل مع آراء المتخصصين في علم الاجتماع، في ما يتعلق بموضوع ميزانية جمال المرأة؟ في هذا الإطار، تقول خبيرة التجميل نورة القبيسي: "أعتقد أنّ ميزانية الجمال تستحوذ على نحو 50% من ميزانية المرأة"، لافتةً إلى "أنّ جانباً كبيراً من تلك النسبة، يختص بشراء مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة". تضيف: "للأسف يمكنني القول، إنّ هذا الإنفاق يتّصف أحياناً بالعشوائية والانجراف وراء الرغبة في الشراء، لمُجرّد الشراء. ويمكن للمرأة أن تتأكّد من ذلك، حينما تكتشف أنها قامت بشراء مستحضرات وأدوات تجميل لا تحتاج إليها، أو أنها موجودة لديها بالفعل". سلوك آخر ترصده نورة القبيسي، ينَمّ عن مبالغة في الإنفاق على مستحضرات التجميل، حيث تقول: "ثمة خطأ شائع ترتكبه النساء من غير قَصْد، وهو أنّ الواحدة تختار مستحضرات التجميل ومنتجات العناية بالبشرة ولا تهتم بمعرفة الأسعار، وعندما تتوجه إلى صندوق الدفع، تُفاجأ بأنّه يتعيّن عليها دفع مئات، وأحياناً آلاف الدراهم ثمناً لمشترياتها. وتجنباً للإحراج، فإنها تفضّل الدفع على إعادة ما اشترته. لذا، أنصح دائماً بالاستفسار عن الأسعار قبل التوجه إلى صندوق الدفع، والتأكد من أنها تتناسب مع الميزانية". وفي ما يتعلق بأسلوبها الشخصي في شراء منتجات التجميل، توضح نورة القبيسي: "لكوني خبيرة تجميل، لا يجعلني ألتمس العذر لنفسي أو لغيري، عند المبالغة في الإنفاق على مستحضرات التجميل. فبالنسبة إليَّ مثلاً، أقوم بتخصيص ميزانية معقولة لمستحضرات التجميل الشخصية الخاصة بيَّ، وأجتهد لكي لا أتجاوزها. كما أنّ مفهومي للجمال يتمثَّل في الماكياج البسيط، الذي يعتمد على لمسات خفيفة ومَظْهَر طبيعي قدر الإمكان".


ارسال التعليق

Top