أسرة
1- قصّة السيارة:
لنصطحب السيارة في رحلتها التجديدية لنعرف كيف تسير خطوات التجديد عادةً.
فأوّل سيارة صُنعت في عام 1869م.. صنعها شخص إسمه (ملر) وكانت تسير بقوة البخار (لا تزال محفوظة بمتحف بباريس).
- سيارة (ملر) لها مقعد واحد يرتكز على ثلاث عجلات.. وفي مقدّمها خزانة وقود.. وقوتها حصان ونصف فقط.
- مات (ملر)، فقام المهندسون الإنكليز بتكملة أبحاثه.. صنعوا أشكالاً عديدة للسيارات البخارية.. المدخنة أحياناً توضع في مقدّمتها وأحياناً في مؤخّرتها.. لبعضها ثلاث عجلات ولبعضها ستّ.. سرعتُها تتراوح بين (5-10) كيلومترات في الساعة.
- استطاع بعد ذلك كلٌّ من المهندسين الألمانيين (دملر) و(بنز) صنع سيارات تسير بالنفط بدلاً من البخار.. وكانت عجلاتها من الحديد بحيث تهتز أثناء سيرها اهتزازاً عنيفاً.
- الفرنسي (متشلان) استطاع ابتكار إطارات المطّاط التي تُملأ بالهواء وتثبت في عجلات السيارة ممّا جعلها تسير بخفّة ومرونة، ولكن محركاتها لا تزال ضعيفة.
- خلال الأعوام الثمانية التي أعقبت صناعة سيارة (دملر) زادت قوّة بعض السيارات إلى ثمانية أحصنة (قوة بعض السيارات الآن تزيد على الألف حصان).
- في السبعينات من القرن الماضي توقع بعض الإختصاصيين بأن سيارة سنة (2000) ستكون مستعدة لأن تمخر عباب الماء في الأنهار والبحار (برمائية)، بل ستكون مستعدة كذلك لأن ترفع في الجوّ، وتطير بركّابها حيث يشاؤون! وبالطبع لم يحصل هذا لحدّ الآن؛ لكنه قد يحصل في المستقبل طالما هناك مجدِّدون على الدوام.
على هامش هذه القصّة، يمكن أن تكون أسئلة التجديد التي دارت في أذهان المجدِّدين للسيارات، من قبيل:
1- لماذا البخار؟ لماذا، أو ماذا لو نستعيظ عنهُ بغيره.. كالنفط مثلاً باعتباره طاقة ووقود أيضاً؟!
2- لماذا ثلاث عجلات؟ ماذا لو تكون أربعة.. كالحيوانات ذوات الأربع مثلاً؟!
3- لماذا خزّان الوقود في المقدّمة؟ أليس بالإمكان وضعهُ في الخلف.. وكذلك المدخنة لتنفث دخانها إلى الوراء بدلاً من الأمام؟!
4- كيف يمكن أن نزيد قوة الحصان إلى حصانين أو أكثر؟ والسرعة من خمس كيلومترات في الساعة إلى عشرة أو عشرين أو خمسين أو مئة؟!
5- العجلات الحديدية تُثقل سير السيارة، ولا تصلح للسير في كل مكان.. ماذا لو استبدلناها بشيء ألين وأخفّ.. كالمطاط مثلاً؟!
6- تصورات وأخيلة وأسئلة..
هل يمكن أن نصنع سيارة تمخر عباب الماء بدلاً من السير على اليابسة فقط؟
هل بالإمكان صناعة سيارة تطير في الهواء؟ أو كيف يمكن أن نصنع شيئاً كهذا؟
هناك لفتة أخرى لعلّك لاحظتها.. الفكرة قد يكون مسقط رأسها بلد معيّن كإنكلترا مثلاً، لكنّها لا تبقى حبيسة هناك.. الألمان والفرنسيون والأمريكيون من المجدِّدين أدلى كل منهم بدلوه.
- قصة السينما:
بداية السينما.. لا حركة ولا صوت ولا لون.
- بعد اختراع التصوير الشمسي انشغل الناس بتصوير الحركات، فلقد جرى جدالطريف بين إثنين من الأثرياء الأمريكان ما إذا كان الحصان وهو يجري يبقى معلّقاً في الهواء في لحظة ما، أو هو يرتكز على الأرض دائماً برجل أو برجلين، لأنّ العين لا يمكن أن تتابع سرعة حركة الحصان عند جريه، فلابدّ من الإستعانة بالتصوير السريع للإجابة عن هذا السؤال.
- أحد علماء التصوير عني بهذا الموضوع، فأعدّ أربعاً وعشرين آلة من آلات التصوير ووضعها الواحدة جنب الأخرى وربط كل آلة منهما بخيط طويل، فإذا مرّ الحصان أمام الآلات وهو يجري شدّ الخيوط الواحد بعد الآخر فتلتقط كل آلة صورة الحصان وفي وضعه الذي مرّ به أمامها، ومن مجموع الصور أمكن الحكم على حركة الحصان، وعرف الناس أنّ الحصان وهو يجري تأتي عليه لحظة يرفع أرجله الأربع ويبقى معلّقاً في الهواء. (ملاحظة آنية: ألا ترى أنّ الذين يحلمون بسيارة طائرة أن يفيدوا من تجربة طيران الحصان؟!).
- هذه التجربة تعد فاتحة السينما كصور متتابعة يمكن وضعها على شريط.
- في سنة 1887 عُمل شريط من صور حركات الحصان.
- سبقت السينما كذلك آلة بمثابة لعبة يستطيع كل إنسان أن يصنعها، فإذا أحضرت كراسة (جزء من كتاب) ورسمت على كلّ ورقة منها رسماً لرجل يصعد في سلّم مثلاً، ثمّ تصفّحت الأوراق بيدك في سرعة بدت الصور متحركة.. أي شاهدتَ من مجموعها رجلاً يصعد السلّم، ولاحظ أن يكون رسمك بحيث تكون الصورة الأولى لرجل وهو على الدرجة الأولى من السلّم، والثانية للرجل ورجله مرتفعة استعداداً للصعود إلى الدرجة الثانية، والثالثة للرجل وهو على الدرجة الثانية نفسها وهكذا.
- السينما الصامتة بدأت على أساس هذه اللعبة السهلة، ثمّ جاءت الصور المتتابعة (حركة الحصان).
- بعد جهود مضنية صُنع شريط السينما من مادة (السليلويد) سنة 1887م وهو شريط شفاف متين مرن غير قابل للشدّ أو التمدّد.
- عام 1888م ظهرت السينما الصامتة في أميركا، وكانت الصور على الستار غير واضحة. أوّل شريط سينمائي كان طوله (50 قدماً) ولا يستغرق عرضه أكثر من دقيقة واحدة.
- إهتمّ (أديسون) بالسينما، فأراد أن يوفق بين الصور الصامتة والحالي الناطق، فاخترع جهازاً أسماه (كينتو سكوب) وهو علبة تتسع لشريط سينمائي طويل متحرك ينظر الشخص إليه من خلال ثقب فيشاهد الصور متحركة متتابعة (صندوق الدنيا).
- لوحظ إنّ الشريط يسير في الجهاز عرضاً من اليمين إلى اليسار أو بالعكس، وليس كشأنه اليوم يسير رأسياً من أعلى إلى أسفل.
- عام 1895م نجحوا في عرض الصور على ستار بدل رؤيتها خلال ثقب، وهكذا استمتع الناس بمشاهدة السينما مجتمعين.
- غير أنّ الإضاءة كانت ضعيفة والرؤية مضطربة، فادخلت عليها تحسينات كثيرة.
- حاول علماء آخرون إنطاق السينما، وقد أفلحوا في اختراع السينما الناطقة بعد (33) سنة من اختراع السينما الصامتة.
وكما في قصّة السيارة يمكن لنا أن نضع أسئلة متصورة عمّا كان يدور في أذهان المجدِّدين والمطوِّرين لصناعة السينما:
- كل شيء مادة للدرس.. تذكّر كيف أن حركة الحصان حرّكت فكرة التصوير المتحرك، من خلال سؤال: كيف يمكن أن نصوِّر الحركة السريعة؟
- كيف نصنع من الصور المتعددة شريطاً يجمعها؟ كراسة الرسم والرجل الصاعد على السلّم).
- أي المواد نستخدمها بحيث تكون مرنة غير قابلة للشدّ والتمدّد في صناعة الشريط الذي يحفظ الصور؟ (ربّما خيارات متعددة أحدها السليلويد).
- الصور تُشاهد من خلال ثُقب.. هذه مُشاهدة فرديّة.. كيف يمكن لنا أن نعرضها ليستمتع بها جمهور من المشاهدين؟ (ابتكار فكرة الستار).
- الصور على الستار غير واضحة.. كيف نحقِّق لها وضوحاً أكبر وأفضل؟
- الأشرطة السينمائية طويلة ولا يستغرق عرضها سوى وقت قصير.. هذا يعني أنّ أرشيف الأشرطة سيحتاج إلى مساحات واسعة، كيف يمكن أن نقلب الآية: أشرطة قصيرة بعرض أطول؟ من هنا كانت فكرة جهاز (كينتو سكوب).
- الظرف من الثقب يسير الشريط عرضياً.. ماذا لو دوّرناه رأسياً؟
- الإضاءة ضعيفة والرؤية مشوّشة.. إذا حسّنا الإثنين معاً سنحقق قفزة سينمائية. لنعمل على هذا.
- السينما لا تزال خرساء صامتة.. كيف يمكن أن نُنطقها؟ ألا يمكن ربطها بفكرة الجهاز الحاكي مثلاً؟.. وأسئلة أخرى وأخرى.. ولعلّك تلاحظ أنّ الأسئلة التي يضعها المجدِّد تشكل تحدّياً ذهنياً له فلا يهدأ له بال حتى تظهر بصمته على إحداث النقلة المطلوبة.
نكتفي بهذين المثلين من مئات بل ربّما آلاف الأمثلة التي يمكن لك أن تستقرأها كما فعلنا.. وبالمناسبة، فهذه طريقة نافعة في تحريك شهية التجديد لدى كل شاب أو فتاة.
ارسال التعليق